تمويه مؤقت.. هل سحبت إيران مستشارى الحرس الثورى من اليمن؟
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أثار تقرير صحيفة التلغراف البريطانية حول تخلي إيران عن الحوثيين، الكثير من التساؤلات حول نوايا إيران في هذا الإطار، وفي حين أن إيران ربما أعادت تموضع بعض عناصرها كما تدعي التلغراف، لا يوجد دليل موثوق على سحب دعمها للحوثيين أو "تخليها" الشامل. لا يزال لدى طهران سفيرها في صنعاء الذي يُقدم المشورة للحوثيين، ويحافظ على وجود عملياتي سري كبير في اليمن من خلال الحرس الثوري، وتحديدًا فيلق القدس التابع له، علاوة على ذلك يشغل الجنرال عبد الرضا شهلائي، القائد البارز في فيلق القدس، والذي ينشط في اليمن منذ عامي ٢٠١١ و٢٠١٢ على الأقل، منصبًا في المجلس الجهادي للحوثيين.
ويُعدّ هذا جزءًا من مخطط أوسع نطاقًا للإنكار المعقول أتقنته إيران في جميع أنحاء المنطقة؛ ففي سوريا، وُصف وجودها بأنه "استشاري" نظراً لتشييدها مواقع عسكرية متحصنة. وفي العراق، طمس الخط الفاصل بين الدولة والميليشيات. وفي اليمن، نضج الوهم: لم تعد إيران بحاجة للدفاع عن دورها. فالآخرون يقومون بذلك نيابةً عنها.
يُرجح أن تكون رواية طهران المزعومة تسريبًا لاختبار ردود الفعل، يهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية في آن واحد: منح الإدارة الأمريكية فوزاً رمزياً، وإفساح المجال لإيران للمناورة من أجل تخفيف العقوبات وتحقيق طموحاتها النووية دون تنازلات، وإرسال رسالة إلى المراقبين الدوليين بأنها قادرة على ضبط النفس. إن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال الاستسلام والاعتراف بحدود إيران مع وكلائها، بل هو ببساطة دبلوماسية بالعنوان الرئيسي.
أولاً: منح ترامب “انتصار زائف”
يبدو أن نهج ترامب قد ولد حسابات جديدة في طهران، بعد أن أمر الرئيس "بعمل عسكري حاسم وقوي" ضد أهداف الحوثيين في اليمن في مارس ٢٠٢٥، محذرًا من أن "الجحيم سيُمطر" إذا استمرت الهجمات، رد المسئولون الإيرانيون بمزيجهم المعهود من التحدي والحذر. هذا الخطاب التصعيدي، إلى جانب "النهج الأكثر عدوانية" لإدارة ترامب الذي يستهدف طيفًا أوسع من أصول وأفراد الحوثيين، خلق ضغطًا استراتيجيًا تكافح إيران لمواجهته. وبينما تُصر طهران علنًا على موقف التحدي، فإن أي محاولة لسحب أفراد الحرس الثوري الإيراني من اليمن توحي ببساطة بترددها في تعريض أصولها عالية القيمة للقوة النارية الأمريكية.
تُصور وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية ترامب كشخصية متهورة وغير استراتيجية، تُحرك أفعالها الأنا والاستعراض بدلاً من السياسة المتماسكة. ويُصور على أنه يفتقر إلى الفهم العسكري والسياسي، وينخرط في تدخلات متهورة ليس من منطلق القوة، بل من باب التبجح واليأس. وهكذا، فإن رواية "التخلي" تُقدم له انتصارًا مُحكمًا، مما قد يُخفف الضغط على طهران ووكلائها. لكن فكرة تخلي إيران عن الحوثيين دون كبح جماحهم تكشف عن زيف موقف طهران. فقد صرح ترامب بأنه سيُحمل إيران مسئولية "كل طلقة يُطلقها الحوثيون"، مما يجعل الانسحاب البسيط بلا معنى. ويتطلب فك الارتباط الحقيقي من إيران وقف هجمات الحوثيين. وبدلاً من ذلك، تسعى طهران إلى أن يُنسب إليها الفضل في ضبط النفس مع السماح لوكلائها بالاستمرار.
على الرغم من هذا التناقض المنطقي، اكتسبت حملة التضليل زخمًا في الأوساط الإعلامية، حيث يُكرر الكثيرون رواية التخلي دون تمحيص، بينما تُحافظ إيران على دعمها العملياتي لقوات الحوثيين.
في حين أُثير الكثير حول انسحاب طهران المزعوم من اليمن، فإن فهم ما يملأ الفراغ المُتصور لا يقل أهمية. يُتيح النفوذ الروسي والصيني المتزايد للحوثيين قنوات دعم بديلة تُكمِّل الدعم الإيراني، لا أن تحل محله. تُشير التقارير إلى تزايد التعاون مع موسكو، بما في ذلك وجود خبراء عسكريين روس في صنعاء يُقدمون المشورة بشأن الأسلحة والاستهداف.
تُحافظ الصين، ذات المصالح الاقتصادية في البحر الأحمر من خلال مبادرة الحزام والطريق، على توازن دبلوماسي، داعيةً إلى خفض التصعيد مع التموضع كوسيط. وبدلًا من الابتعاد عن إيران، تعكس هذه العلاقات استراتيجية تنويع للحوثيين، مما يُنشئ شبكة دعم أكثر تعقيدًا يصعب على الولايات المتحدة تعطيلها.
بدلاً من اعتبار هذا الأمر لعبةً صفريةً بين طهران وموسكو وبكين، يُمكن للمرء أن يُفكر في كيفية تكامل هذه القوى: فإيران تُقدم تماسكًا أيديولوجيًا ودعمًا إعلاميًا ودورًا قياديًا؛ وروسيا تُقدّم خبرةً عسكريةً وغطاءً دبلوماسيًا؛ والصين تُقدّم عمقًا اقتصاديًا وشرعيةً عالمية.
يتجلى هذا التكامل في هيكل الدعم في تدفقات المواد إلى أراضي الحوثيين. ففي مارس ٢٠٢٥، اعترضت السلطات اليمنية ٨٠٠ مروحة صينية مُسيرة كانت في طريقها إلى الحوثيين عبر معبر صرفيت الحدودي مع عُمان، وهو طريق طالما استغله الحرس الثوري الإيراني طوال فترة الصراع اليمني. وفي وقتٍ سابق، في أغسطس ٢٠٢٤، استولى المسئولون أيضًا على خلايا وقود هيدروجينية صينية الصنع، وهي تقنية تُمكن الطائرات المُسيرة من التحليق أعلى وأطول وبدقةٍ أكبر. ويشير المحللون إلى أن هذه الطائرات المُسيرة المُحسنة يُمكنها تحديد الأهداف على بُعد أكثر من ١٠٠ ميل، مما يزيد بشكل كبير من مدى ضربات الحوثيين.
في غضون ذلك، نجحت الصين وروسيا في تأمين ممرٍ آمن عبر البحر الأحمر، وهو امتياز لا يُمنح لمعظم الدول الأخرى، التي لا تزال سفنها عُرضةً لهجمات الحوثيين. ولعل الأمر الأكثر دلالةً هو أنه في ٢٢ مارس ٢٠٢٥، رُصدت شخصيات صينية مؤيدة للحكومة في صنعاء، يحضرون مؤتمر تضامن مع فلسطين بدعوة من الحوثيين. لم يكن حضورهم عرضيًا، بل كان مؤشرًا على تنامي التوافق الدبلوماسي بين هذه القوى، وهو توافق مُدبر بعناية.
ما نشهده في شمال اليمن هو توسعٌ وتطورٌ في شبكة دعم الحوثيين. ويُعد التعاون الثلاثي الناشئ بين إيران وروسيا والصين، بهذا الشكل شبه العلني، استثمارًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط تقوم به هذه الدول لضمان مستقبلها واستقرار سلطتها الاستبدادية على المدى الطويل. كل هذا يمنح الحوثيين ميزةً في إدارة شبكةٍ معقدة من التحالفات المتشابهة، حيث يُقدم كلٌّ منها مواردَ مُكملة: التوافق الأيديولوجي الإيراني والدعم الجيوسياسي القوي، والخبرة العسكرية الروسية، والقدرات الاقتصادية والتكنولوجية الصينية. قد يُمثل هذا النموذج من الرعاية المُوزعة مستقبلَ الحرب بالوكالة في المنطقة، مُؤمّنًا بذلك التكرار والمرونة والقدرة المُوسعة مع تفكيك آلية الإسناد والمساءلة.
في هذه الأثناء، يُخفي الغموض الاستراتيجي الإيراني قلقًا متزايدًا إزاء تقلبات ترامب وعدائه المُعلن للنظام. عندما ضربت القوات الأمريكية مواقع الحوثيين في مارس، أصدر قائد الحرس الثوري الإيراني سلامي تصريحات متناقضة، مُهددًا بردود "حاسمة ومدمرة" مُتنكرًا في الوقت نفسه على وكلائه في اليمن. وكالعادة، يكشف هذا كيف تُبرز إيران قوتها خطابيًا، بينما تتجنب بحرص أي مواجهة مباشرة قد تُعرض بقاء النظام للخطر.
وأصبح هذا التوازن الدقيق صعبًا بشكل متزايد مع انهيار استراتيجية إيران في المنطقة الرمادية تحت وطأة خللها الاقتصادي وفوضى سياستها. في مواجهة الضغوط الاقتصادية في الداخل وتدمير حلفائها الإقليميين مثل حزب الله وحماس، لا تستطيع إيران تحمل المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، ومع ذلك لا يمكنها التخلي عن استراتيجية وكلائها دون أن تفقد ماء وجهها. إن رواية "التخلي" تمنح إيران فرصةً لإنقاذ ماء وجهها، حيث تبدو وكأنها تستجيب للضغوط الأمريكية مع الحفاظ على أهم أصولها الاستراتيجية ونفوذها.
بالنسبة لواشنطن، ليس من السهل إيقاف إيران دون النأي بنفسها عن المخاطر التي قد تُهدد المنطقة بأكملها. لقد تآكلت منذ زمن طويل عقيدة الرئيس السابق رونالد ريغان في مواجهة النفوذ المعادي بالتواجد المستمر وبناء التحالفات. ورغم موقف إدارة ترامب الحازم تجاه إيران من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي عام ٢٠١٥ وحملة الضغط الأقصى، فقد نجحت طهران في استغلال التحولات السياسية اللاحقة بين الإدارات لتوسيع نفوذها الإقليمي من خلال وكلائها مثل الحوثيين، الذين يسيطرون الآن فعليًا على نقاط الاختناق البحرية الحيوية ويهددون ممرات الشحن العالمية بأقل عواقب. وبدلًا من تفسير التحول في الرواية الإيرانية على أنه انشقاق، قد يعتبر تناقضًا مُصطنعًا، وحاضرًا مشوهًا يدعو إلى سوء الفهم مع الحفاظ على النفوذ. ما يبدو ضبطًا للنفس غالبًا ما يكون مجرد حل رمزي بدلًا من تغيير استراتيجي. هذا ليس فك ارتباط، بل هو تحرك تكتيكي.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: إيران اليمن الحوثيين الحرس الثوري الإيراني الحرس الثوری الإیرانی فی الیمن من خلال
إقرأ أيضاً:
كيف ينظر الشارع الإيراني إلى مسار المفاوضات مع واشنطن؟
طهران- تتجه الأنظار داخل إيران نحو تطورات ملف المفاوضات النووية مع واشنطن، وسط مؤشرات متباينة على احتمال استئناف الاتفاق النووي المبرم سنة 2015، أو صياغة تفاهم جديد قد يُخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018.
ونص الاتفاق على تخفيف العقوبات الدولية عن طهران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
ومع كل تسريب إعلامي أو تصريح دبلوماسي، تتصاعد ردود الفعل في الداخل الإيراني في ظل واقع اقتصادي صعب وضغوط معيشية تدفع المواطنين إلى التفاعل مع أي بصيص أمل، ولو بحذر بالغ.
ترقب صامت
في طهران، كما في مشهد وأصفهان، باتت تفاصيل المفاوضات النووية تُناقش على أرصفة الأسواق وفي طوابير الخبز وعلى موائد العائلات التي تقلب الأسعار قبل أن تقرر ماذا تطبخ. وبين من يعلق آماله على انفراجة قريبة ومن يُذكّر بتجارب الخذلان، يعيش الإيرانيون حالة من الترقب الصامت، حيث الأمل لا يفارقهم، لكن الثقة لم تعد كما كانت.
"نحن تعبنا من الانتظار"، هكذا بدأ رضا، وهو موظف حكومي في الـ40 من عمره، حديثه عن التفاوض، ويضيف "منذ سنوات ونحن نمنى بأن الاتفاق سيحسن أوضاعنا. إذا كان هناك أمل حقيقي في رفع العقوبات وتحسين حياتنا، فليعودوا إلى الطاولة. لكن دون ضمانات لا معنى لأي اتفاق".
إعلانهذه النبرة التي تمزج بين التعب والتمني، تعبر عن المزاج العام الذي رصدته الجزيرة نت خلال جولة في شوارع العاصمة الإيرانية.
أما ليلى، طالبة جامعية في كلية الاقتصاد، فتتحدث بعين على الداخل وأخرى على الخارج وتقول "لا أريد أن أعيش حياتي كلها تحت العقوبات والانغلاق. نحن نريد أن نعيش مثل باقي شعوب العالم. إذا كانت المفاوضات ستحقق ذلك، فأنا أدعمها، لكن لا أريد أن نخدع مرة أخرى".
وتجسد ليلى فئة واسعة من الشباب الإيراني الذين يرون في الاتفاق نافذة على العالم وفرصا لحياة أكثر انفتاحا، لكنهم أيضا أكثر حذرا من وعود لا تترجم على الأرض.
فقدان الثقةيُشار إلى أن الجولة الثانية من المحادثات بين طهران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، في روما، انتهت في 19 أبريل/نيسان الجاري.
وصرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنها كانت بناءة وبأنه من المقرر عقد مفاوضات فنية عبر فرق متخصصة في سلطنة عُمان لوضع أطر عامة لاتفاق. وكشف أن طهران وواشنطن اتفقتا على استئناف المحادثات التقنية على مستوى الخبراء في الأيام القادمة.
وتوسطت مسقط المحادثات بين وزير الخارجية الإيراني والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف.
من جهته، عبّر حسن، بائع خضار في السوق الشعبي، عن غضب صريح، قائلا "نحن لا نعيش على التصريحات. كلما سمعنا خبرا عن التفاوض، قفز الدولار وارتفعت الأسعار. فقدت الناس الثقة بكل الأطراف. نريد نتائج لا شعارات".
بدورها، تعبّر نرجس، وهي ربة منزل في جنوب طهران، عن موقف عملي مباشر وتؤكد "لا يهمني من يوقع أو مع من. أريد فقط أن أتمكن من العيش بمستوى متوسط، وأن لا أخشى من فاتورة الكهرباء. إن كان الاتفاق يحقق ذلك، فليوقعوه اليوم قبل الغد".
ويتكرر رأي نرجس كثيرا خصوصا في المناطق التي تعاني من انعدام الأمان الاقتصادي.
إعلان آراء مختلفةفي المقابل، يرى علي، وهو ناشط سياسي شاب، أن المفاوضات ضرورية لكنها ليست كافية، ويوضح "نحن بحاجة إلى إصلاحات داخلية حقيقية. الاتفاق قد يفتح الباب لكنه لا يعالج الفساد أو سوء الإدارة. يجب أن تكون هناك إرادة داخلية لتحسين حياة الناس، لا انتظار الحلول من الخارج فقط".
وأبدى أحد طلاب الدراسات العليا في جامعة الإمام الصادق موقفا أكثر تحفظا مؤكدا "لقد جربنا الاتفاق من قبل. وقّعنا ثم انسحبوا. الثقة كانت خطأ لن نكرره. يجب أن نفاوض من موقع قوة، لا أن نقدم تنازلات بلا مقابل". وتتجلى هنا وجهة النظر المحافظة التي لا تعارض المفاوضات من حيث المبدأ، لكنها تشترط ألا تكون على حساب ما يُسمى بـ"الثوابت الوطنية".
من خلال هذه الأصوات، يتضح أن الشارع الإيراني ليس كتلة موحدة في الموقف من المفاوضات، بل خليط من التجارب الشخصية والتوجهات الفكرية والظروف الاقتصادية. تتفق الغالبية على أن الأوضاع باتت صعبة للغاية، وأن أي انفراجة ولو جزئية قد تكون محملة بالأمل الذي لا يفصح عن نفسه بسهولة، فقد غلفته السنوات الأخيرة بطبقة سميكة من الحذر.
ولا شيء يلخص موقف الشارع الإيراني أفضل من الجملة التي قالها أحد الباعة عند زاوية السوق "نحن نعيش على الأمل.. لكن لا نعيش به".
وكانت العاصمة العُمانية مسقط قد استضافت، في 12 أبريل/نيسان الجاري، الجولة الأولى من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة التقى خلالها عراقجي بالمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ويتكوف.
وتم خلالها تبادل الرسائل 4 مرات بين الوفدين اللذين كانا في قاعتين منفصلتين، وفقا لما ذكرته الخارجية الإيرانية. وأوضحت الخارجية أن الوفدين تبادلا عبر الوسيط العماني "مواقف حكومتيهما بشأن برنامج إيران النووي السلمي ورفع العقوبات غير القانونية".
وفي حين كررت واشنطن وصفها للمحادثات بأنها مباشرة، تؤكد طهران أنها غير مباشرة.
إعلان