لجريدة عمان:
2025-04-27@01:08:09 GMT

عُمان وروسيا والتاريخ الذي لا ينتهي

تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT

عُمان وروسيا والتاريخ الذي لا ينتهي

تحمل زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لروسيا الاتحادية ولقاؤه الرئيس فلاديمير بوتين الكثير من الأبعاد السياسية والاقتصادية التي تتجاوز المعطيات الآنية إلى رؤية أكثر عمقا تنطلق من فهم ووعي بالتحولات الكبرى، ليس بدءا من سقوط القيم والمبادئ التي كانت تشكل أبعاد العالم، أو هكذا طموحها، وليس انتهاء بدخول العالم إلى ما يمكن أن يسمى «مرحلة ما بعد النظام» بما فـيها من عودة للإمبريالية والهيمنة والحروب الاقتصادية.

. لا يمكن تجاوز كل هذه المتغيرات التي تحدث فـي العالم عند قراءة هذه الزيارة التاريخية وفهم أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافـية.

لكن الواضح للجميع أن الزيارة تكتب فصلا جديدا على هامش عالم يتغير بعمق وبسرعة كبيرة؛ فموسكو لم تكن وجهة تقليدية لعُمان فـي أي مرحلة من مراحل التاريخ رغم العلاقات الثنائية القائمة منذ عقود، والعالم الذي يراقب هذه الزيارة ليس هو ذاته عالم 1991 حين اعتقد البعض أننا دخلنا مرحلة «نهاية التاريخ» بتفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، ولا عالم 2003 حين بدا أن واشنطن وحدها تمسك بخيوط المعادلة الكونية بعد أن احتلت العراق. ما يحدث الآن أننا أمام لحظة انتقال غامضة، يتآكل فـيها النظام الليبرالي من الداخل، وتتفتت فـيها السلطة الغربية التي كانت تدّعي لنفسها وظيفة الحَكم الأخلاقي للعالم.

أما سلطنة عُمان فإنها بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- تسير بحذر وسط عالم يبدو أنه يحتضر وعالم آخر ما زال فـي طور التشكّل إلى أن تحين لحظة ميلاده. والسير فـي هذه المساحة الشائكة لا يتقنها إلا القادة الذين يملكون رؤية عميقة وليس فـي تاريخ سياستهم ما يمكن أن يُخشى انكشافه أو ما يشين.. لذلك فإن الزيارة التي ستشغل العالم، لفترة ليست قصيرة، تؤكد بعمق وتقدمية أكثر من أي وقت مضى مكانة عُمان وسياستها القائمة على المبادئ والقيم، وتطرح مفهوما جديدا للدبلوماسية القائمة على بناء «الممرات» الاقتصادية و«الممرات» السياسية لا على المحاور التي تلاشت مع الزمن، كما أنها تصنع خطوط تواصل فـي عالم يعيد ترتيب علاقاته فـي ضوء كل المتغيرات الكبرى التي تتوالى فـي هذا المشهد المخيف.

ومن «ممر» الهيدروجين الذي كشفت عنه عُمان الأسبوع الماضي فـي أمستردام الذي يربط موانئها بموانئ أوروبا، إلى «ممر» سياسي مع موسكو يمكن أن تتضح رؤية سلطنة عُمان بشكل أكبر وهي رغم عمقها وتعقيد مركّباتها الكيميائية فإنها تقوم على إبقاء الخيارات مفتوحة مع الجميع دون انكفاء على الذات شرط أن تكون التحركات كلها قائمة على حفظ المصالح الوطنية وعدم الإضرار بمصالح الآخرين والتحرك وفقا للمبادئ السياسية الراسخة لعُمان والتي باتت معروفة للجميع.

وإذا كانت شرعية النظام العالمي الحالي قد بُنيت بعد نهاية الحرب الباردة على فكرة أن التاريخ قد حُسم لصالح الديمقراطية الليبرالية والسوق المفتوحة، فإن ما نقرأه اليوم فـي كثير من أحداث العالم، بما فـي ذلك تحركات السياسة العمانية فـي الجمع بين أمريكا وإيران، وبين إيران ودول خليجية وعربية وفـي ممراتها الاقتصادية مع أوروبا وممراتها السياسية فـي المنطقة الأوراسية، كل هذه التحركات تؤكد أن شيئا لم يُحسم أبدا وما نعيشه اليوم ليس ما بعد التاريخ، بل استمرار للتاريخ ولكن ليس بسردية واحدة، بل بسرديات عدة وبتعددية عقلانية، وممرات آمنة وسط كل هذا الضجيج.وإذا كان العالم منشغلا اليوم بإعادة بناء جدران تجارية تعيد تقسيمه إلى أجزاء ومحاور فإن عُمان تعيد بناء جسور وممرات جديدة تربطها أكثر بالعالم.. وهي تعلم جيدا أن هذه الجسور والممرات هي من ستجعلها جزءا أصيلا من التاريخ القادم.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بدء الاستعدادات لحفل إعلان الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية بأبوظبي.. صور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بدأ منذ قليل، توافد الأدباء والكتاب ومجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2025 وذلك بحضور الدكتور ياسر سليمان رئيس مجلس أمناء الجائزة والدكتور على بن تميم رئيس مركز أبو ظبي للغة العربية والداعم للجائزة، والأدباء الست الذين ترشحوا القائمة القصيرة وهم  أحمد فال الدين، وأزهر جرجيس، وتيسير خلف، وحنين الصايغ، ومحمد سمير ندا ونادية النجار.

ومن المقرر أن يتم الإعلان عن الفائزة بالجائزة الكبرى بعد قليل في أبو ظبي.

وتضم لجنة تحكيم الجائزة كلا من منى بيكر، رئيسة لجنة التحكيم، وعضوية بلال الأرفه لي، أكاديمي وباحث لبناني؛ وسامبسا بلتونن، مترجم فنلندي؛ وسعيد بنكراد، أكاديمي وناقد مغربي؛ ومريم الهاشمي، ناقدة وأكاديمية إماراتية، بالإضافة إلى ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة، وفلور مونتانارو، منسقة الجائزة، ومدير مكتبة الإسكندرية، أحمد زايد.

التنوع الغني في الموضوعات

وقالت رئيسة لجنة التحكيم منى بيكر عن الروايات الست تميزت نصوص القائمة القصيرة لدورة 2026 من الجائزة العالمية للرواية العربية بالتنوع الغني في المواضيع، إلى جانب قيمتها الجمالية والمعرفية. فقد أخذنا بعضها إلى أعماق المجتمعات الدرزية في جبال لبنان وإلى سكان قرية نجع المناسي" في صعيد مصر، وعالم المكفوفين في الخليج كما سلطت الضوء على ماساة جيل ضائع من الشباب الذي عاش - ولا يزال يعيش - الواقع العراقي المرير. أما بعضها الآخر فقد عاد بنا إلى حقبات من التاريخ الديني والسياسي التي شهدت صراعات الحكم والسلطة، واتسمت بتعدد اللغات والمذاهب الدينية.

حياة حجة الإسلام الصوفي

وفي هذا السياق، تأتي رواية "دانشمند" للكاتب الموريتاني أحمد قال الدين كعمل روائي مبدع يستعرض مختلف مراحل حياة حجة الإسلام العالم الصوفي أبي حامد الغزالي، و دانشمند" هو لقبه بالفارسية وتعني المعلم. تتبعت الرواية حياة الغزالي الشخصية بأسلوب روائي ساحر وسرد ممتع بدءًا بطفولته ودراسته الأولى وانتهاء بتجربته مع السلطان والسلطة، ثم قراره بالرحيل إلى التصوّف واكتشاف الذات. وقد نجح المؤلف في نسج عالم متكامل وغني بشتى التفاصيل، عالم تحوّل فيه الإمام الغزالي من "شبح" في التاريخ إلى "كائن من لحم ودم".

البساطة وخفة الدم

أما "وادي الفراشات" للكاتب العراقي أزهر جرجيس فتتفوق في إيصال الواقع العراقي المرير للقارئ بأسلوب يتسم بالبساطة والمزاح المستحب وخفة الدم حتى في أحلك الظروف، مما يعطي الشخصيات بعدًا واقعيا ومأساويا في الوقت نفسه هي قصة حب بين عزيز وتمارا، حبّ ترهقه التحديات وتنتهي فصوله رغم محاولات مستمرة لتخطي العقبات. 

وترمز "الفراشات" في العنوان إلى الجمال والهشاشة، وأيضا إلى الرغبة في التحليق حتى في أقسى الظروف.

الخيالات التاريخية 

وفي الاتجاه ذاته نجد أن رواية "المسيح الأندلسي" للكاتب السوري تيسير خلف تجمع بين الخيال والأحداث التاريخية، مستندة إلى بحث عميق خلال فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين وإجبارهم على اعتناق المسيحية في الأندلس. 

وتدور أحداثها حول رحلة الأندلسي عيسى (أو خيسوس) للبحث عن قاتل والدته، مرورًا ببلدان وقارات عدة، مع توثيق عدد كبير من الشخصيات والأحداث التاريخية المهمة. 

ويتميز أسلوب الكتابة باستخدام الكثير من المصطلحات الشائعة في تلك الفترة واستهجاء الأسماء كما تم نسخها في الكتب التاريخية، مما يثري الرواية ويدعم مصداقية الأحداث المروية.

 إنها رواية مشوقة يتردد صداها في ما نشهده اليوم من اضطهاد فئات مختلفة في فلسطين وأجزاء من العالم العربي نتيجة التطرف الديني والعرقي.

ميثاق النساء وتجربة امل 

من ناحية أخرى، تبني الكاتبة اللبنانية حنين الصايغ شخصياتها الرئيسية بعناية وحرص في ميثاق النساء"، وتمنح للصوت النسائي حقه من خلال تجربة "أمل" في مجتمع درزي منغلق يفرض وصايته على النساء ويعتبر تعليمهن شيئاً من الرفاهية لا حقًا مشروعًا. نخوض مع أمل تحديات الزواج غير المبني على الحب والمعاملة الجنسية المهينة والحقن المجهري والأمومة المبكرة، ثم رحلة اكتشاف الهوية والقوة الداخلية لتغيير مسار حياتها. "ميثاق النساء" عمل مبدع، غير نمطي، يتميّز بقدر كبير من الصدق والشفافية.

وبالمثل نجد في رواية "صلاة القلق" للكاتب المصري محمد سمير ندا سردا يكشف عزل نجع المناسي" - وهي قرية في وسط صعيد مصر - عن العالم بعد انفجار غامض يرجح ارتباطه بمناورات عسكرية في المنطقة. يتفوق الكاتب في وصف مرحلة القمع والتمويه والتسلط والكذب التي سادت في فترة النكسة وتأثيرها العميق على جيل كامل كما نرى آثارها بشكل مركز في أحداث وشخصيات النجع الذي لا يصله من العالم الخارجي سوى ما يسمح به خليل الخوجة، ممثل السلطة. يقوم بسرد الرواية ثمانية أشخاص، يلقي كل منهم الضوء على  المأساة التي يعيشها النجع الذي يرمز للبلد ككل من وجهة

نظر فريدة ومؤثرة.

أما على صعيد آخر، تأخذنا الكاتبة الإماراتية نادية النجار في ملمس الضوء" إلى عالم مبهر وجديد بالنسبة لمعظم قراءها، هو عالم المكفوفين، فنتابع "نورة"، بطلة الرواية، وهي تستكشف وتنمّي حواسها الأربع في غياب حاسة البصر خلال أصعب مراحل انتشار وباء كورونا وفرض الحجر الصحي. ومن خلال هذه الرحلة، نعيش مع نورة تفاصيل علاقتها المتوترة مع أمها وتطوّر علاقتها مع قريبها سيف الذي تستكشف معه تاريخ عائلتها من خلال مجموعة صور فوتوغرافية تركها جدها الذي كان شغوفا بالتصوير. ولا تقتصر رحلتنا مع نورة على استكشاف عالم المكفوفين وتاريخ عائلتها وإنما تمتد إلى استكشاف تاريخ دبي والبحرين ومنطقة الخليج عامة، مما يمنح هذه الرواية بعدًا تاريخيا وإنسانيا عميقًا. وبذلك يعد "ملمس الضوء" عملا أدبيا متميزا يتنقل بسلاسة بين الماضي والحاضر، بين تجربة فقدان البصر والقدرة على استكشاف الذات وبين التاريخ الشخصي والتاريخ الجماعي.
مختتنا قائلة :"وفي النهاية نجد أن هذه الروايات الست تتشارك في نزوعها نحو استكشاف الذات والهويّة، سواء كانت هذه الهوية دينية أو طائفية أو قومية ولتحدي الظلم بأشكاله المتعدّدة. وبذلك، فهي تقدّم لنا صورا مختلفة للواقع الذي نعيشه نحن كقراء، وفي الوقت نفسه تومئ إلى مستقبل أكثر عدلا يمكننا فيه أن نكسر جميع أنواع القيود التي تحد من حريتنا ونعيش فيه بسلام وكرامة".
 

مقالات مشابهة

  • مفكر سياسي: الدور الدبلوماسي الذي تقوم به الخارجية المصرية سيذكره التاريخ
  • التعليم ووتيرة عالم عدم اليقين
  • مشروع رائد في عالم الموضة.. إنتاج أول جلد من ديناصور “تي ريكس” في العالم
  • متصفح كروم في لحظة تاريخية.. العالم يترقب إعادة تشكيل ملامح الإنترنت
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • هاني رمزي: «لام شمسية» من أعظم الأعمال الدرامية التي قدمت على مدار التاريخ
  • الإمارات تقود جهوداً عالمية للوصول إلى عالم خالٍ من الملاريا
  • بدء الاستعدادات لحفل إعلان الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية بأبوظبي.. صور
  • نحو عالم ما بعد الغرب: الترامبية وإعادة توزيع مناطق النفوذ في العالم
  • 100 عام من مهاتير محمد صاحب نهضة ماليزيا الذي لم يفلت من قسوة التاريخ