لجريدة عمان:
2025-04-24@23:07:19 GMT

لم أخش هكذا على مستقبل بلدي من قبل

تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

كثير للغاية هو الجنون الذي يحدث كل يوم في ظل إدارة ترامب، لدرجة أن بعض الغرائب تضيع في الضجيج، وإن تكن لها دلالات كبيرة. وأحدث أمثلة ذلك هو مشهد الثامن من ابريل في المكتب البيضاوي إذ قرر رئيسنا ـ في غمار حربه التجارية المحتدمة ـ أن هذا هو الوقت المناسب لتوقيع أمر تنفيذي يعزز تعدين الفحم.

وفقا لما نقلته «رويترز»، قال الرئيس ترامب: «إننا نعيد صناعة بعد التخلي عنها» وكان محاطا بالعاملين في تعدين الفحم ذوي القبعات الصلبة المنتمين إلى قوة عمل انحدرت إلى أربعين ألفا بعد أن بلغت سبعين ألفا في العقد الماضي. وقال «إننا سنعيد عمال المناجم إلى العمل. وإضافة إلى ذلك قال ترامب عن أولئك العمال: «بوسعكم أن تعطوهم شققا في الجادة الخامسة ووظائف أخرى ولن يكونوا سعداء. فهم يريدون العمل في مناجم الفحم، فذلك عملهم الذي يحبونه».

أمر طيب أن يكرم الرئيس من يعملون بأيديهم. لكن حينما ينتقي عمال المناجم ليثني عليهم في الوقت الذي يحاول فيه أن يحذف إنشاء وظائف التكنولوجيا النظيفة من ميزانيته ـ وكانت صناعة طاقة الرياح في الولايات المتحدة توظف في عام 2023 قرابة مائة وثلاثين ألف عامل في حين توظف صناعة الطاقة الشمسية مائتين وثمانين ألفا ـ فهذا يشي بأن ترامب واقع في شرك أيديولوجية الصحوة اليمينية التي لا تعترف بأن وظائف التصنيع الأخضر وظائف «حقيقية». فكيف لهذا أن يزيدنا قوة؟

مهزلة صارخة هي إدارة ترامب الثانية هذه. لقد ترشح ترامب لولاية ثانية لا لأنه كان يمتلك أي تصور عن نقل أمريكا إلى القرن الحادي والعشرين. وإنما ترشح لينجو من السجن وليثأر ممن حاولوا ـ معتمدين على أدلة قوية ـ أن يحاسبوه بالقانون. وأستبعد أن يكون قد قضى خمس دقائق في دراسة قوة عمل المستقبل.

ثم إنه رجع إلى البيت الأبيض ولا يزال رأسه ممتلئا بأفكار من سبعينيات القرن الماضي. فشنَّ حربا تجارية لا أحلاف له فيها ولم يتهيأ لها على نحو جيد ـ ولذلك يغير رسومه الجمركية كل يوم تقريبا ـ ولم يستعد لها بفهم لطبيعة الاقتصاد العالمي الآن وكونه نظاما بيئيا معقدا يجري فيه تجميع المنتجات من مكونات تنتمي إلى بلاد عدة. ثم إنه جعل على هذه الحرب وزير تجارة يتصور أن ملايين الأمريكيين يموتون شوقا إلى الحلول محل العمال الصينيين في «تركيب المسامير الصغيرة لصنع أجهزة آيفون».

وتوشك هذه المهزلة أن تمس كل مواطن أمريكي. فمن خلال الهجوم على أقرب حلفائنا ـ أي كندا والمكسيك واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي ـ وعلى منافستنا الكبرى أي الصين، فإنه في الوقت نفسه يوضح أنه يؤثر روسيا على أوكرانيا ويؤثر صناعات الطاقة المدمرة للمناخ على مثيلاتها ذات التوجه المستقبلي، وليذهب الكوكب إلى الجحيم، وليتسبب ترامب لأمريكا في فقدان كبير لثقة العالم.

فالعالم الآن يرى أمريكا الترامبية تماما على النحو الذي تتحول إليه: أي بوصفها دولة مارقة يقودها طاغية أهوج منفصل عن سيادة القانون وغيرها من المبادئ الدستورية والقيم الأمريكية.

وهل تعلمون ما الذي يفعله حلفاؤكم مع الدول المارقة؟ تعالوا نصل بين بعض النقاط.

أولا: لا يشترون سندات الخزانة بقدر ما كانوا يفعلون. فيتعين على أمريكا أن تعرض عليها أسعار فائدة أعلى لتجذبهم إلى ذلك، وهو ما سيتفاقم أثره في اقتصادنا كله، من أقساط السيارات إلى قروض الرهن العقاري إلى تكلفة خدمة الدين الوطني على حساب كل شيء آخر.

في افتتاحيتها يوم الأحد الماضي بعنوان «هل هناك علاوة مخاطرة أمريكية جديدة؟» تساءلت صحيفة وول ستريت جورنال: «هل تتسبب سياسة صنع القرار الترامبية الهوجاء وضرائبه الحدودية في تنفير مستثمري العالم من الدولار وسندات الخزانة الأمريكية؟». من السابق لأوانه القطع بجواب، ولكن ليس من السابق كثيرا لأوانه أن يطرح السؤال مع استمرار ارتفاع عائدات السندات وتراجع قيمة الدولار وهي مؤشرات كلاسيكية لفقدان الثقة الذي لا ينبغي أن يكون ضخما لكي يحدث أثرا ضخما على اقتصادنا كله.

الأمر الثاني هو أن حلفاءنا فقدوا الثقة في مؤسساتنا. فقد أوردت صحيفة فايننشال تايمز يوم الاثنين أن مفوضية الاتحاد الأوروبي الحاكمة توفر أجهزة محمول وحاسوب للعاملين فيها المقيمين في الولايات المتحدة تجنبا للتعرض للتجسس، وكان ذلك الإجراء مخصصا للعاملين في رحلاتهم إلى الصين. فالاتحاد الأوروبي لم يعد يثق بسيادة القانون في أمريكا.

الأمر الثالث الذي يقوله الناس في الخارج لأنفسهم ولأبنائهم ـ وقد سمعت هذا بنفسي مرارا في الصين قبل أسابيع قليلة ـ إن الدراسة في أمريكا ربما لم تعد فكرة جيدة. والسبب هو أنهم لا يعرفون متى قد يتعرض أبناؤهم للاعتقال العشوائي، ومتى قد يتعرض أفراد أسرهم للترحيل إلى سجون في السلفادور.

هل يمكن تغيير هذا؟ كل ما أعرفه يقينا هو أنه في مكان ما، وبينما تقرؤون هذه السطور، ثمة شخص ما مثل والد ستيف جوبز السوري الذي جاء إلى سواحلنا في خمسينيات القرن الماضي للحصول على الدكتوراه من جامعة ويسكونسن، ثمة إذن شخص مثله كان يخطط للدراسة في أمريكا لكنه الآن يفكر في كندا أو أوروبا بدلا منها.

وإنك تقلص هذا كله، تقلص قدرتنا على اجتذاب أكثر مهاجري العالم طاقة وريادة أعمال، بما سمح لنا أن نكون مركز الابتكار في العالم، وتقلص قدرتنا على اجتذاب نصيب غير متناسب من مدخرات العالم، بما أتاح لنا أن نعيش فوق حدود قدراتنا على مدى عقود، وتقلص سمعتنا في التمسك بسيادة القانون، وبمرور الزمن سوف تنتهي بأمريكا إلى أن تكون أقل رخاء وأقل احتراما وأكثر انعزالا.

مهلا، مهلا في ما تقول، أليست الصين أيضا مستمرة في استخراج الفحم؟ نعم، هي كذلك لكن في ظل خطة بعيدة المدى لإيقافها وباستخدام روبوتات في القيام بالمهام الخطرة المستنزفة لصحة عمال المناجم.

وهذا هو المغزى. ففي حين يصنع ترامب ما يسميه «النسيج»، مثرثرا عن أي شيء يبدو له أنه سياسة صالحة، فإن الصين تنسج خططا بعيدة المدى.

في عام 2015، قبل سنة من تولي ترامب الرئاسة، كان لي كيكيانج رئيس الوزراء الصيني آنذاك قد كشف النقاب عن خطة نمو مستقبلي باسم «صنع في الصين 2025». بدأت بسؤال: ما الذي سيكون محركا للنمو في القرن الحادي والعشرين؟ ثم قامت الصين باستثمارات ضخمة في عناصر من مكونات ذلك المحرك لكي يتسنى للشركات الصينية أن تسيطر عليها محليا وخارجيا. والكلام هنا عن الطاقة النظيفة والبطاريات والسيارات الكهربائية والسيارات ذاتية القيادة والروبوتات والخامات الجديدة والأدوات الآلية والطائرات المسيرة والحاسبات الكمومية والذكاء الاصطناعي.

ويتبين من أحدث تقارير «مؤشر نيتشر» أن الصين أصبحت «البلد الرائد عالميا في الإنتاج البحثي في قاعدة بيانات الكيمياء وعلوم التربة والبيئة والعلوم الفيزيائية، والثانية في علوم الأحياء وعلوم الصحة».

هل يعني هذا أن الصين ستسبقنا وأننا سنتخلف كثيرا؟ لا. بل تخطئ بكين خطأ كبيرا إن ظنت أن بقية العالم سوف تترك الصين تكبح الطلب المحلي على السلع والخدمات حتى تتمكن الحكومة من دعم الصناعات التصديرية وتحاول أن تفعل كل شيء للجميع، جاعلة باقية البلاد فارغة معتمدة عليها. فالصين بحاجة إلى إعادة توازن اقتصادها، وترامب محق في الضغط عليها من أجل ذلك. لكن صراخ ترامب المستمر وفرضه بين الحين والحين للرسوم الجمركية ليسا باستراتيجية، وبخاصة وأنت تواجه الصين في الذكرى العاشرة لـ «صنع في الصين 2025». لو أن وزير الخزانة سكوت بيسنت مؤمن حقا بما قاله بحماقة عن كون بكين محض لاعب «ليس في يده غير ورقتين من ورق الاثنين»، فمن فضل أي أحد أن يخبرني بأقرب موعد لليلة لعب البوكر في البيت الأبيض، لأنني أريد أن أشارك. لقد أقامت الصين محركا اقتصاديا يجعل لديها خيارات.

والسؤال لبكين ـ ولبقية العالم: كيف ستستعمل الصين كل الفائض الذي حصلت عليه؟ هل ستستثمره في تكوين جيش أكثر تهديدا؟ أم ستستثمره في المزيد من خطوط السكك الحديدية فائقة السرعة والطرق السريعة ذات الحارات الست إلى مدن لا تحتاج إليها؟ أم ستستثمره في المزيد من الاستهلاك والخدمات المحلية بعد عرضها بناء الجيل القادم من المصانع وخطوط الإمداد الصينية في أمريكا وأوروبا على أساس ملكية الـ 50-50؟ علينا أن نشجع الصين على الخيارات الصحيحة. ولكن على الأقل، ثمة خيارات لدى الصين. قارنوا هذا مع الخيارات التي يعدها ترامب. إنه يدمر سيادة القانون المقدسة لدينا، ويبدد حلفاءنا، ويخرب قيمة الدولار، ويمزق أمل الوحدة الوطنية إربا. بل إنه يجعل الكنديين الآن يقاطعون لاس فيجاس لأنهم لا يحبون أن يقال لهم: إننا عما قريب سوف نملك بلدهم.

فقولوا لي: من اللاعب الذي ليس في يده غير ورقتين من ورق الاثنين؟

لو لم يوقف ترامب سلوكه المارق، فإنه سيحطم كل ما جنت به أمريكا القوة والاحترام والرخاء.

وإنني لم أشعر قط على مدى حياتي بالخوف على مستقبل أمريكا مثلما أشعر به الآن.

توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشأن الخارجي بجريدة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی أمریکا

إقرأ أيضاً:

الرجل الذي فقد قلبه.. تفاصيل ألبوم مروان موسى الجديد

كشف الرابر مروان موسى عن ألبومه الغنائي الجديد "الرجل الذي فقد قلبه"، والمقرر ظهوره للنور  5 مايو المقبل على مختلف المنصات الموسيقية مع SALXCO UAM | VIRGIN RECORDS.

نجل سليمان عيد : كل من دفع جنيه في خارجة أبويا يبلغني بيهكريم فهمي يشارك لحظة عفوية مع زوجته عبر إنستجرام


يتكون الألبوم من خمسة أجزاء يعكس خلالها مروان المراحل الخمس للحزن من حالة الإنكار والغضب والمساومة والإكتئاب إلى القبول، وينقل الجمهور في رحلة مشاعر شخصية للتحول من الفقدان إلى الشفاء.

"الرجل الذي فقد قلبه" ألبوم باللغة العربية، إلا أنه يتجاوز اللغة، مقدما سرداً عميقاً يلامس المشاعر ويعبر كل الحدود عاكساً طموح مروان موسى في ترك بصمة خاصة على الساحة العالميّة.


قال مروان موسى:" لم يولد هذا الألبوم بين ليلة وضحاها، بل نحته الزمن والحزن والإرادة، واستغرق وقتل طويلا لأن كل كلمة ونغمة عكست مشاعر حقيقية"، مضيفا "هذا المشروع يتكون من خمسة أجزاء، ويجسد كل جزء مراحل الحزن ويترجم خريطة العواطف التي واجهتها بعد فقدان والدتي، ليس مجرد حديث عن الفقدان، بل مُحاولة بحث عن القوّة للوقوف مجددا وتقديم يد المساعدة لأي شخص قد يحتاجها، بخاصة للجيل الأصغر سناً إذ أردتهم أن يعلموا أن أصعب وأقسى اللحظات في الحياة لا تدوم إلى الأبد".


كما أضاف مروان موسى:" سجلت الألبوم في عدة دول حول العالم بين مصر وهولندا وألمانيا وتايلاند وإنجلترا ولوس أنجلوس، وكل بلد كانت لها بصمتها الخاصة على أغنيات الألبوم، وأنا كنت صبوراً، واخترت بعناية الموسيقى وجميع المُتعاونين على هذا الألبوم الذين بإمكانهم ترجمة المشاعر التي لم أستطع دائماً توظيفها في كلمات، وأنا فخور جداً بهذا العمل، ومُتحمّس كثيراً ليسمعه العالم ، وأتمنّى أن يجد كلّ مستنع أغنية تعبر عنه في هذا الألبوم عندما يحتاجها تماماً كما يعبر هذا الألبوم بالكامل عنّي".


ومهد مروان موسى لصدور الألبوم عبد إطلاقه أغنيته المصورة "بص يا كبير"، وهي بمثابة تعبير عاطفي يتناول الفراق والذكريات والفوضى العقلية وتنقل مشكلات الثقة والإنفصال العاطفي ومحاولة محو الذات، وتحمل التوتر في جوهرها، عقل مُجهد وقلب متعب خالٍ من المشاعر.


 

وكرابر ومنتج وكاتب أغاني رائد، يواصل مروان موسى في رسم مستقبل الهيب هوب العربي بصوته المتميز وسرد قصصه بشكل جذاب، إذ يمزج التأثيرات المصريّة التقليديّة مع الراب المُعاصر، ما يخلق أسلوباً فريداً يتردّد صداه بعمق مع قاعدة معجبيه المتزايدة.

كثالث أكثر رابر عربي استماعا على الإطلاق على سبوتيفاي، بنى مروان موسى حضوراً لا يُمكن إنكاره عبر العالم، حيث جمع أكثر من 246.2 مليون إستماع على أنغامي و294 مليون مشاهدة على يوتيوب. تم تعزيز قاعدته الفنيّة العالميّة عندما لفتت أغنيته "بطل عالم" العالم، كما حصل على جوائز، بما في ذلك ثلاث جوائز رئيسيّة في جوائز الموسيقى الأفريقية لعام 2022.

مقالات مشابهة

  • أمريكا: يجب على الصين إبرام اتفاق بشأن الرسوم الجمركية معنا
  • نحو مستقبل مستدام.. هدف سام وحد العالم بقمة إرثنا بالدوحة
  • ما هي حكاية يوم الأرض الذي يحتفل به العالم في 22 أبريل من كل عام؟
  • إيريك غارسيا..جوكر برشلونة الذي لا يرفض مهمة
  • فرص وخسائر.. ما الذي تحمله الحرب التجارية بين الصين وأمريكا؟
  • الصين تتوعد الدول التي تسير على خطى أمريكا لعزل بكين
  • تقرير صيني يكشف الأمر الذي يُرعب أمريكا إن فكرت بحرب برية في اليمن
  • الرجل الذي فقد قلبه.. تفاصيل ألبوم مروان موسى الجديد
  • أمريكا توسع نزاعها التجاري مع الصين بفرض رسوم على واردات الألواح الشمسية
  • كاميرلينغو.. من الكاردينال الذي يدير الفاتيكان الآن بعد وفاة البابا؟