تعيينٌ في قلب العاصفة-قراءة في تعيين السفير عمر الصديق وزيرًا للخارجية
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
زهير عثمان
السياق السياسي – خطوةٌ لا تخلو من الدلالات
في خضم الحرب الأهلية المتصاعدة وتعقيد المشهد السياسي والعسكري في السودان، يبرز تعيين السفير عمر محمد أحمد الصديق وزيرًا للخارجية في الحكومة الانتقالية بقيادة الجيش كخطوة استراتيجية ذات أبعاد متعددة. فالقرار يتجاوز مجرد اختيار دبلوماسي مخضرم، ليحمل إشارات محتملة لإعادة تموضع تيارات الإسلام السياسي – أو على الأقل فصيل منها – في مفاصل الدولة، بعد سنوات من التراجع الذي أعقب سقوط نظام البشير.
يأتي التعيين في لحظة حرجة يواجه فيها السودان عزلةً دوليةً متنامية، وأزمة إنسانية طاحنة، وصراعًا داخليًا محتدمًا بين الجيش وقوات الدعم السريع. في هذا السياق، يبدو التعيين محاولةً لإعادة ضبط البوصلة الدبلوماسية، وتجميل صورة السلطة القائمة أمام الخارج، دون الإخلال بالتحالفات الداخلية.
من هو عمر الصديق؟ دبلوماسية مهنية أم أيديولوجيا مُعلّبة؟
السفير عمر الصديق ليس غريبًا على السلك الدبلوماسي السوداني. تخرج في جامعة الخرطوم عام 1979، وتدرج في وزارة الخارجية منذ العام 1980. تنقل في عواصم مهمة كسفير في بريطانيا، ألمانيا، الصين، وجنوب إفريقيا، وكان أيضًا مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة.
لكن خلفيته الأيديولوجية تثير الجدل؛ فقد شغل مناصب حساسة خلال حكم الإنقاذ الإسلامي (1989 – 2019)، وكان من أبرز الوجوه التي تولت صياغة خطاب خارجي يُمازج بين اللغة الدبلوماسية الناعمة والانتماء العقائدي. ورغم ارتدائه عباءة "المهنية"، ظل مقربًا من توجهات الإسلاميين، ما يجعل تعيينه اليوم محل تساؤلات: هل يمثل امتدادًا لخط سياسي قديم، أم بداية لنهج جديد في ظروف مختلفة؟
تحليل التعيين – احترافية أم إعادة تدوير للنظام السابق؟
البُعد الداخلي – هندسة المشهد السياسي
احتواء الإسلاميين: يبدو التعيين محاولة لاستيعاب التيار الإسلامي داخل مؤسسات الدولة، عبر منحه أدوارًا غير أمنية، مع ضمان ألا تعود له السيطرة الكاملة. وذلك بهدف خلق توازن داخلي دون إغضاب القواعد المؤيدة للحرب
الالتفاف على مطالب الإصلاح: يُقرأ التعيين ضمن موجة أوسع من إعادة تمكين عناصر النظام السابق تحت غطاء "الكفاءة"، في سياق مساعٍ لتعويم الحكومة الحالية بشخصيات ذات قبول خارجي دون تغيير حقيقي في جوهر المشروع السياسي.
البُعد الإقليمي والدولي – خطاب مزدوج وتحالفات متغيرة
تحسين الصورة الدولية: يعوّل النظام على خبرات الصديق وعلاقاته الدولية في كسر العزلة، خاصة مع تصاعد الانتقادات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب.
الانحياز لمحاور إسلامية: ثمة من يرى أن التعيين قد يندرج ضمن توجه أوسع نحو تمتين الروابط مع محاور إسلامية مثل تركيا وقطر، ما قد يعيد إنتاج خطاب "المظلومية الإسلامية" أو يثير حساسيات إقليمية في ظل التنافس مع دول مثل الإمارات ومصر.
تحديات في الداخل والخارج – هل يكفي قناع الدبلوماسية؟
داخليًا: يواجه الصديق شكوكًا من التيارات الليبرالية والعلمانية، التي تخشى أن يكون التعيين واجهة لإعادة تدوير الإسلاميين. وتُطرح تساؤلات مشروعة حول قدرته على الفصل بين قناعاته الأيديولوجية ومتطلبات إدارة ملفات حساسة كالعلاقة مع إسرائيل، أو التفاوض في ملفات الحرب والسلام.
خارجيًا: ستراقب العواصم الغربية هذا التعيين بحذر، خاصة إذا ارتبط أداء السودان الخارجي بخطاب إسلامي يعيد إلى الأذهان مراحل من دعم جماعات متطرفة. كما أن التوفيق بين علاقات متوازنة مع الغرب، والانحياز لمحاور إقليمية إسلامية، يظل تحديًا عسيرًا في ظل الانقسامات الجيوسياسية الحالية.
دروس التاريخ – هل ينجح النموذج الهجين؟
النموذج التركي: تجربة حزب العدالة والتنمية تُظهر كيف يمكن توظيف الخطاب الإسلامي في إطار دبلوماسية نشطة. لكنها أيضًا تُظهر حدود هذا النموذج عندما يدخل في صراع مع الداخل أو يتصادم مع الغرب.
النموذج المصري: تجربة الإخوان في السلطة (2012-2013) لم تفلح في تحقيق الاستقرار، وانتهت بقطيعة داخلية وخارجية حادة.
في السودان، قد يكون التعيين محاولة لابتكار نموذج "هجين" يجمع بين المهنية والاعتدال الإسلامي، لكن نجاحه مرهون بقدرته على تجاوز إرث الماضي، والتعامل بواقعية مع معادلات الداخل والخارج.
السيناريوهات المحتملة – بين الجسر والمطب
سيناريو التوازن: أن ينجح الصديق في إقناع المجتمع الدولي بقدرة السودان على اتباع سياسة خارجية عقلانية، تعزز الاستقرار وتُجنّب البلاد مزيدًا من العزلة.
سيناريو الاستقطاب: أن يتحول التعيين إلى منصة لعودة خطاب أيديولوجي يقسم الساحة السياسية ويعمّق العزلة الخارجية.
سيناريو "التكتيك المؤقت": أن يُستخدم الصديق كورقة تفاوضية مرحلية لتحسين شروط التعاون الدولي، دون نية حقيقية لإصلاح جوهري في السياسات أو تركيبة السلطة.
بين المهنية والمشروع السياسي
لا يمكن فصل تعيين السفير عمر الصديق عن محاولة النظام الحالي للنجاة في لحظة مصيرية من تاريخ السودان. وبينما يُقدّم الرجل كخبير قادر على مخاطبة الخارج بلغة يفهمها، تظل أسئلة الداخل معلقة: هل سيكون سفير المهنية في وجه العاصفة، أم مجرد واجهة لمشروع سياسي يريد العودة من باب "الاعتدال"؟
السؤال الأهم- هل سيكون جسرًا للعبور إلى المستقبل، أم جسرًا يعيد السودان إلى مربع الماضي؟
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عمر الصدیق السفیر عمر
إقرأ أيضاً:
العمل الإسلامي الأردني يعلق على قرارات وزير الداخلية ضد الإخوان (شاهد)
علق الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن وائل السقا، على تصريحات وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، بمباشرة تفعيل قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين، وتجريم الانتساب إليها، وإغلاق مكاتبها باعتبارها "جمعية غير مشروعة".
وقال السقا في مؤتمر صحفي، إن حزب الجبهة والذي يمثله 31 نائبا في البرلمان الأردني، مستمر في أداء دوره كحزب سياسي أردني مستقل، يتمتع بالاستقلالية الإدارية والقانونية الكاملة وفق الدستور والقوانين الأردنية.
وأوضح السقا أن حزب جبهة العمل الإسلامي لا يرتبط تنظيمياً بأي جهة أخرى (في إشارة إلى الإخوان المسلمين)، مؤكداً ثقته بالقضاء الأردني الذي يمثل مرجعية الحزب في التعامل مع أي قضايا قانونية.
ولم يجد السقا مشكلة في قيام قوة أمنية من "الضابطة العدلية" بتفتيش كافة مقار الحزب بمختلف محافظات المملكة، وعلق "تم فتح جميع الفروع للتفتيش بكل سلاسة وتم التوقيع على بعض المضبوطات من وثائق الحزب الرسمية والقانونية لغايات التدقيق"، نافيا أن تكون الأجهزة الأمنية اعتقلت كوادر من الحزب.
وتابع "نحن كأكبر الأحزاب الأردنية على مدى أكثر من 30 عاماً ولدينا 31 عضواً في مجلس النواب ولنا أكثر من أربعين فرعاً في المملكة، نمارس كل إجراءاتنا بحسب قانون الأحزاب الأردني والدستور".
وأكد السقا "ضرورة الاستمرار في مسار التحديث السياسي لأنه المنفذ لديمومة الحياة الديمقراطية والحزبية في الأردن، وليس لدينا ما نخفيه".
وكان وزير الداخلية مازن الفراية قال إنه تقرر "حظر نشاطات ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جمعية غير مشروعة".
وأشار إلى "اعتبار أي نشاط للجماعة أياً كان نوعه عملاً يخالف أحكام القانون ويوجب المساءلة القانونية".
وبين الفراية أنه سيتم "تسريع عمل لجنة الحل المكلفة بمصادرة ممتلكات الجماعة وفقاً للأحكام القضائية ذات العلاقة".
ولفت إلى "اعتبار الانتساب لما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين المنحلة أمراً محظوراً"، كما تقرر "حظر الترويج لأفكار الجماعة تحت طائلة المساءلة القانونية".
وأعلن الوزير الأردني "إغلاق أي مكاتب أو مقار تستخدم من قبل الجماعة حتى لو كانت بالتشارك مع أي جهات أخرى". إضافة إلى "منع التعامل أو النشر لما يسمى بجماعة الاخوان المسلمين المنحلة وكافة واجهاتها وأذرعها".
وتأتي هذه القرارات بعد نحو أسبوع من إعلان المخابرات الأردنية "إحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني"، والقبض على 16 شخصا ضالعين بها، دون الكشف عن تفاصيل بشأن هويتهم أو انتماءاتهم.
وأشارت المخابرات آنذاك إلى أن تلك المخططات "شملت قضايا تتمثل بتصنيع صواريخ بأدوات محلية، وأخرى جرى استيرادها من الخارج (لم تحدد الجهة) لغايات غير مشروعة".