تتواصل حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة لأكثر من عام ونصف، ومعها تزداد كارثية الأوضاع الإنسانية مع الوصول إلى حافة المجاعة بسبب عدم توفر المواد الغذائية، وانعدام الرعاية الطبية، وعدم توفر حتى سيولة مالية لشراء المستلزمات نادرة التوفر.

ولم تتحسن أوضاع الفلسطينيين داخل قطاع غزة سوى خلال فترة قصيرة امتدت ما بين نهاية كانون الثاني/ يناير، وآذار/ مارس من العام الجاري، وفيها جرى إدخال المساعدات وبعض المستلزمات الإنسانية إلى حين وقف ذلك بشكل نهائي قبل نحو 50 يوما.



"لا طعام"
يؤكد أمجد (35 عاما) أن ثمن كيس الطحين بوزن 25 كيلوغرام يبلغ حاليا أكثر من 400 شيكل (108 دولار)، وهو الذي قد يكون فاسدا أو غير صالح للأكل بسبب سوء ظروف التخزين وحتى قدم وجوده داخل قطاع غزة الذي يعاني من تدمر شبكات الصرف الصحي انتشار مسببات الأمراض بشكل واسع.

ويضيف أمجد لـ"عربي21" أنه يغادر ما تبقى من بيته في الصباح الباكر بحثا عن أي فرصة عمل أو دخل مادي لإعالة أسرته، قائلا: "أسد جوعي برغيف خبز أكله صباحا عند غعداده بعدما أشعل النار لأهل البيت، خبز حاف بدون أي شيء آخر".

ويوضح "عند عودتي في أحسن الأحوال قد يتوفر عشاء بصنف من البقوليات أو المعكرونة أو أو أي شيء آخر، وفي كثير من الأيام ننام بدون أي طعام سوى وجبة الصباح مما تبقى لدينا من طحين".

ويقول "قد أتمكن من تحمل الجوع رغم أني كثيرا ما أشتهي الطعام وأتمنى النوم شبعان، لكن ما يؤذيني أكثر معرفة أني أولادي جياع في كل وقت، وأنهم يتلهفون لأي طعام... إحنا طول عمرنا ناس شبعانة كريمة وعزيزة نفس، لكن كلنا جوعى الآن".


ويكشف أن ما يؤذيه أكثر من جوع أبنائه هو أنهم يكبرون على تناول أطعمة ربما لا تصلح للاستخدام الآدمي اليومي، قائلا: "هو الطفل يمكن أن يكبر بصحة جديدة بدون أمراض وسرطانات هو كل يوم لو يتناول أكل خربان أو يأكل من معلبات ومواد حافظة ومياه ملوثة".

بدورها، تقول أسيل الذي نزحت بداية الحرب إلى بيت آخر للعائلة في مدينة دير البلح أن العيش "يوم بيوم بدون مستقبل واضح أصبح من الماضي.. نحن نعيش الآن بمبدأ: ماذا سنأكل غدا، لكنه لا يوجد شيء آخر نستطيع التحكم فيه بشكل جزئي سوى الطعام".

وتكشف أسيل لــ"عربي21" أن والدها "صاحب مطعم شهير في مدينة غزة، وكان طوال سنوات يحضر ما لذ وطاب من الطعام إلى البيت، رغم أنه أنا وأخواتي البنات أكلنا خفيف، لكن كان دايما عنا متوفر كل شيء، وهي نعمة يمكن ما كنا حاسين فيها".

وتضيف "لم يكن الطعام يوما شغلنا الشاغل، بالعكس أحيانا من ضغط الدراسة والشغل كنا ننسى تناول الطعام حرفيا، لكن اليوم خلال فترات العمل البسيط التي أقوم به كل ما أفكر به هو أي طعام شهي أتناوله".

وتوضح "وصل بي الحال لسؤال تشات جي بي تي عن سندويتش لذيذ يمكن إعداده من العناصر الغذائية البسيطة المتوفرة في غزة، وللسخرية أطلقنا عليه اسمه سندويشة أزمة".




لا علاج
يؤكد أبو فادي (54 عاما) إنه كان بين الحياة والموت لأسابيع طويلة بعد العودة من الجنوب  إلى شمال قطاع غزة، قائلا: "ربما طول المسافة وسوء التغذية والقهر وكل شيء نمر به قرر الظهور على جسمي بشكل مفاجئ".

ويضيف أبو فادي لـ"عربي21" أنه كان ضمن العمال الفلسطينيين الذين كانوا يعلمون داخل الأراضي المحتلة عند اندلاع الحرب، وأنه تعرض لتعذيب وإذلال لأسابيع قبل إطلاق سراحه خلال الشهور الأولى من حرب الإبادة.

ويوضح خلال الأسابيع الماضية "شعرت أني فقدت كل قوتي فجاة، لدرجة أني لو أعد أقوى على الوقوف، نقلت  إلى المستشفى وبعد محاولات كثيرة نجح أولادي بإجراء تحاليل لي في مختبر خارج المستشفى، وكانت النتائج سيئة للغاية وكانت معاناتي للأمراض صفر".


ويقول "بقيت في المستشفى عدة أيام حتى تحسنت قليلا، اكتشفوا بعض الجروح في الأمعاء ونهاياتها بسبب الضرب الذي تعرضت له وبسبب سوء التغذية، وأنا الآن بحاجة لإجراء عملية، وهي التي كانت مقررة بالفعل في المستشفى المعمداني".

ويكشف "طبعا المستشفى كان يجري العمليات حسب خطورة الحالات، وفي أوقات الاستقرار يقبل إجراء عمليات أخرى حسب توفر المستلزمات الطبية، وبالفعل حصلت على موعد لإجراء العملية، لكن قصف المستشفى كان أسرع من حلول موعد العملية".

لا أموال
توقف القطاع المصرفي في قطاع غزة بشكل شبه تام مع استئناف حرب الإبادة في آذار/ مارس الماضي، وهو القطاع شبه المدمر أصلا، بحسب ما أكد البنك الدولي بتدمير نحو 93 بالمئة من فروع المصارف العاملة في القطاع.

وأكد البنك الدولي في تقرير له نهاية العام الماضي، أن حرب الإبادة دمرت أيضا 88 بالمئة  من مؤسسات التمويل الأصغر ومعظم الصرافين، و88 بالمئة من شركات التأمين، ونتيجة ذلك يعاني الفلسطينيون بكل كبير في غزة من أجل دفع ثمن السلع والخدمات البسيطة الأساسية، بما في ذلك الغذاء والأدوية.

وتقول أم فارس (39 عاما) إنها تضطر أحيانا لسحب مبالغ مبالية بعمولة وصلت إلى 50 بالمئة، وذلك لأنها مضطرة للحصول على أموال سائلة من أجل بعض الخدمات الطبية والأدوية غير المتوفرة إلا بالدفع نقدا.


وتوضح أم فارس وهي تعمل معلمة أنها تخسر شهريا حوالي نصف راتبها على هذه العمولات لسحب الأموال عبر الوسطاء من خلال التطبيقات البنكية والمحافظ الإلكترونية.

وتؤكد أن العديد من البائعين يقبلون الدفع الإلكتروني وذلك حتى دون رفع سعر المنتجات، إلا أن العديد من المنتجات الأساسية مثل الطحين الأدوية لا يمكن شرائها إلا بالأموال النقدية، وهي التي يصعب الحصول عليها إلا عبر هذه العمولات الكبيرة جدا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية غزة المجاعة غزة الاحتلال المجاعة حرب الابادة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حرب الإبادة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

موسم النفير.. تهامة تصنع مجد الجهاد وتعلن البراءة من الخونة والعملاء

يمانيون../
من شواطئ الحديدة، المدينة التي وقفت دوما كجدارٍ لا ينكسر، يتجدد اليوم وهج النفير، وتشتعل الروح القتالية في صدور الرجال والقبائل، كأنّ الأرض تنادي أبناءها للعودة إلى ميادين الكرامة.

تهامة، بكل ما تحمله من وفاء وصبر وتاريخ، لا تزال تثبت للعالم أن البحر لا يهدأ إذا غضب، وأن حراسه لا ينامون في زمن الاستهداف، بل إن كل محاولة عدوانية لا تُفضي إلى انكسار، بل توقظ مزيداً من الوعي الجمعي، وتعمّق شعور المسؤولية لدى الناس، حيث تتحوّل دماء الشهداء إلى مشاعل تضيء الطريق، ويصبح القصف دافعاً لتماسك الصف، وسبباً في ارتفاع منسوب الغضب الشعبي العارم.

يتصاعد الزخم الشعبي في عموم مديريات الحديدة، من السَّهل إلى الساحل، ومن قلب المدينة إلى أطرافها، ويشهد الميدان حراكا جماهيريا واسعا عبر الوقفات القبلية واللقاءات الحاشدة، التي تحوّلت إلى محطات تعبئة وتحريض ووفاء. وكل لقاء قبلي، وكل وقفة، تحمل في جوفها قسما معلنا أن “لا حياد في معركة الوعي والحرية والسيادة”.

أبناء الحديدة لا يخرجون من أجل مشهدية الحشود، بل يخرجون لأنهم يعتبرون النفير واجبا دينيا وطنياً، تفرضه المعركة الكبرى التي تخوضها الأمّة، سواء في الداخل لمواجهة العدوان وأدواته، أو في الخارج نصرة لفلسطين وغزة التي تذبح تحت سمع العالم وبصره.

قبائل تهامة عمومًا، تواصل رسم لوحة نادرة من الاصطفاف، حيث تصطف البنادق بجوار الرّايات، وتصطف الكرامة بجوار الشهادة، ويتقدَّم الشيوخ، ويليهم الشباب، ويزحف الجمع نحو الكلمة الواحدة: “جاهزون للمعركة، حاضرون للتضحية، ولن نكون في صفوف المتفرجين”.

في كل لقاء قبلي، تتكرر العبارات ذاتها الصادقة الخارجة من عمق المعاناة والصمود: “لن نترك رجال الجبهات وحدهم، ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام التصعيد الأمريكي على مياهنا وموانئنا ومناطقنا، ولا أمام المجازر اليومية بحق أهلنا في غزة”، بمواقف ميدانية بدأت تترجم على الأرض.

الحديدة، ورغم محاولات التركيع الطويلة التي تعرَّضت لها خلال سنوات العدوان، لا تزال هي حارس البحر الأحمر التي تفاجئ الأعداء بإرثها الثوري، وهي التي قلبت حسابات المعتدين أكثر من مرَّة، بدءا من معركة الساحل وحتى اليوم، ها هي تعود لتشعل نار النفير بزخم غير مسبوق.

اللقاءات الجماهيرية، التي تعمُّ المناطق التهامية، تتحوّل إلى منابر لإشعال الحماسة الوطنية والغيرة الدِّينية، حيث يتصدَّر المشايخ والوجهاء الصفوف، يتحدّثون عن مسؤولية المرحلة، ويحفزون أبناءهم وأبناء قبائلهم للالتحاق بمسارات العِزة التي لا تبقي مجالا للتخاذل أو التردد.

ليس غريبا على تهامة أن تكون في الطليعة، فهذه الأرض، التي لم يعرف رجالها المساومة، عرفت جيدا كيف تصوغ الكرامة في مواقفها، وكيف تحوّل التحدِّيات والحصار والتهميش التاريخي إلى قوة دافعة للتمرّد على الهيمنة والذل، كما حوّلت ملوحة البحر إلى عزم لا يلين.

هذا التفاعل الشعبي المهيب لم يأتِ بتوجيهات فوقية، بل هو نابع من جذوة داخلية لا تنطفئ، ويعكس وعيا جمعيا تراكميا بأن هذه المعركة معركة بقاء وكرامة، وأن البحر الأحمر الذي يريد الأعداء تحويله إلى ممر استعماري، لن يسلم لهم ما دام في تهامة قلب ينبض.

كل لقاء قبلي يعقد في تهامة اليوم هو بمثابة خندقٍ تعبوي، يتخلله التأكيد على الموقف، والاستعداد للانخراط في الجبهات، وتشكيل قوافل العطاء، في مشهد يعكس أن الحديدة لا تتحرك بردود الفعل، بل تصنع الحدث، وتمضي به نحو المدى الأبعد.

الزخم يتصاعد أيضا من أوساط الشباب والطلاب والقطاعات المدنية، التي باتت تطلب ساحات التدريب والتأهيل قبل أن يُطلب إليها، إذ يرون في الالتحاق بجبهات الشرف، فرصة للانتصار على الظلم والعدوان، وفرصة لأن يكونوا في طليعة المرحلة لا في هامشها.

المديريات، الواقعة تحت التهديد المباشر، لم تتراجع عن دورها، بل تحوّلت إلى شعلة مشتعلة، تتصدّر المواقف، وترفع صوت النفير من قلب الوجع، لتؤكد أن هذا الشعب لا يمكن ابتزازه بالجوع ولا كسره بالقصف.

الإعلام المحلي في تهامة بدأ يلعب دوره الحقيقي، لا كمجرّد ناقلٍ للأخبار، بل كمحرك للرأي العام، وناقل لتفاصيل الملحمة الشعبية، وكاشف لأكاذيب المعتدين، حيث أصبحت الصورة التهامية صورة ملهمة ومزلزلة في آنٍ معًا.

الخطاب التعبوي المنتشر اليوم في الأوساط التهامية تحوّل إلى برنامج عمل يومي، حيث تُنظَّم اللقاءات والوقفات، وتوزّع المهام، في صورة تؤكد أن مشروع النفير ليس لحظة موسمية، بل مسار مستمر حتى الانتصار.

العدو بات يدرك أن تهامة ليست خاصرة رخوة، بل درع متين، ومصدر نفير لجبهة متواصلة تقلقه، وهو ما جعله يُكثف من غاراته على بعض المديريات، في محاولة لإرباك هذا الزخم الشعبي، لكنه لا يدري أن كل غارة تنتج غضبا جديدا، وكل شهيد يشعل ألف مقاتل.

حراس البحر الأحمر اليوم لا يرتدون زيا موحّدا، ولا يقفون في ثكنات مغلقة، بل هم أبناء القرى والمزارع والأسواق، الذين يلبّون النداء تاركين كل شيء خلفهم من أجل أن يظل البحر لنا، وأن تبقى الحديدة حُرة، عربية، عصيَّة على الطامعين.

إنه موسم النّفير التهامي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد أدرك الجميع أن الوقت ليس للانتظار، بل للانخراط الكامل في مشروع المواجهة، وهو ما يجعل من هذه الوقفات واللقاءات خنادق تمهِّد لانتصارات قادِمة، وتعيد ضبط وِجهة المعركة من جديد.

الرسائل، التي تبعثها تهامة اليوم، لا تُقرأ فقط في سياق الدّاخل، بل تُرسل إلى غزة، إلى جنين، إلى كل ساحات المقاومة، تقول فيها: “لسنا متفرِّجين، ولا هُواة بيانات، نحن شعب يتقدَّم، ويقاتل، ويصنع النَّصر مهما طال الزمن”.

في موازاة هذا النفير، يتعاظم الوعي الشعبي بضرورة البراءة الكاملة من الخونة والمرتزقة والعملاء، الذين باتت حقيقتهم مفضوحة، وانكشافهم ساطع لكل ذي بصيرة، فهم اليوم يقفون في صف العدو جهاراً نهاراً، يمهّدون له الطريق، ويبررون جرائمه، لكن الشعب الذي يعرف معنى الكرامة لا يمكن أن يغفر لفاقدي الشرف، ولا يساوم على طعنات الدّاخل، بل يلفظهم كما يُلفظ السّم، ويعزلهم من ذاكرة الأرض والتاريخ.

وفي مشهد موازٍ، تلتف القبائل والوجاهات والمكوِّنات المجتمعية حول قائد حكيم، يُمسك بدفّة المرحلة بثبات، ويقود المسار ببصيرة نافذة، حيث تترسخ الثقة الشعبية بأنه القائد الذي قرأ المشهد جيّداً، واستوعب لحظة الصراع، واستنهض الأمة من حالة الرّكود، فبات صوت الشعب ولسانه، وبوصلة الصمود في معركة المصير.

وها هو البحر الأحمر، مرّة أخرى، يشهد على أن حراسه ليسوا جنودا غربيين، بل رجال تهامة، الذين نذروا أرواحهم لتكون الأمواج سلاحا، والمرافئ خنادق، والساحل قلعة لا تسقط.

الحديدة – جميل القشم

مقالات مشابهة

  • 3 شهداء قصف الاحتلال تكية طعام خيرية وسط قطاع غزة
  • أدوية جديدة.. أسامة حمدي: مقبلون على مرحلة أسطورية في علاج السمنة والسكر
  • صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع
  • بشكل مؤقت.. اعتزال مدرب البرازيل السابق كرة القدم
  • بشكل دائم .. دعوى جديدة لوقف أوامر انتقامية لترامب
  • موسم النفير.. تهامة تصنع مجد الجهاد وتعلن البراءة من الخونة والعملاء
  • شاهد.. الجزيرة نت ترافق امرأة غزية في مهمة إعداد وجبة طعام
  • 50 يوما على إغلاق معابر غزة بشكل مُحكم.. وحماس تحذر من المجاعة
  • رئيس جامعة أسيوط: نواصل علاج أمراض الكبد بكفاءة تضاهي المعايير العالمية
  • إنتاج وفير ضائع .. المنقة طعام للحيوانات بسبب الحرب في السودان