أمراض بالصدر ومشاكل عقلية وجينية.. هكذا يؤثر تغير المناخ على أطفالنا
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
يعد الأطفال الفئة الأضعف والأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية، وتطاردهم المخاطر في بطون أمهاتهم، مرورا بطفولتهم المبكرة، وتصاحبهم في مراحل لاحقة من حياتهم.
وتشير الدراسات إلى سلسلة من التأثيرات الصحية والنفسية المؤذية، تواجه أطفال اليوم، وتقارب 3 أضعاف الكوارث المناخية التي واجهها أجدادهم، وعبر حرائق الغابات والعواصف والفيضانات والجفاف وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض جودة الهواء؛ تتفاقم مشكلات عديدة على رأسها أمراض الصدر ومشاكل النمو وتغير التركيب الجيني لديهم، وفق تقرير نشرته مجلة "ساينس".
يتأثر الأطفال بصورة أكبر لأنهم يتطورون بدنيا ونفسيا، بصورة أكبر من البالغين، ما يجعلهم أكثر عرضة لاستقبال الملوثات القادمة عبر الهواء والماء والطعام، ومن ثم المرض بصورة أعنف.
وعبر عمله بين مصر وعدد من الدول الخليجية، يرصد الدكتور محمود بشير استشاري طب الأطفال وعضو الكلية الملكية لطب الأطفال بلندن، كيف تغيرت وتيرة الأمراض، ونوعيتها، مع التغيرات المناخية الطارئة، ويقول "لاحظت عبر عملي زيادة الحالات الواردة إليّ والتي تعاني من حساسية الصدر والجيوب الأنفية، لكنني لم أكتف بذلك، فالملاحظة هي الحلقة الأضعف، مما دفعني لمتابعة الأمر بشكل أعمق، لقد ذهبت المسألة لأبعد من ذلك، فقد تغيرت جودة الهواء، وارتفعت درجات الحرارة، فلم تعد المشكلة تتعلق بأمراض الصدر والحساسية فقط".
وتهدد التداعيات المناخية نحو مليار طفل حول العالم وفق بيان سابق لمنظمة "كيدز رايت"، وأوضح الدكتور بشير أن "التعرض للحرارة خلال الموجات الشديدة، يقف وراء ارتفاع معدلات وفيات الأطفال، تارة بسبب خلل أملاح أجسادهم، وتارة بسبب الجفاف الشديد، أما في حالات حرائق الغابات، فتتحول حياة الأطفال المستقرة، الهادئة، والنظيفة، إلى حياة عامرة بالدخان والاختناق، وسط معاناة من كرب ما بعد الصدمة، والأمر ينطبق أيضا على حالات السيول الشديدة والأعاصير العنيفة".
وبناء على دراسات سابقة أشارت إلى العلاقة بين التغيرات المناخية، والمعدلات المرتفعة لوفيات الأمهات الحوامل، والأطفال حديثي الولادة، فضلا عن الصعوبات التي صارت تواجه الأمهات الحوامل والمرضعات في بلدان عديدة، قال الدكتور بشير "من بين ما فاجئني العلاقة بين ارتفاع درجات الحرارة والولادة المبكرة، وما يتبعها من مشاكل جمة للطفل وعائلته، معاناة تكتمل مع ما تسببه التغيرات المناخية من إخلال بسلاسل إمداد الطعام، ومن ثم ارتفاع معدلات سوء التغذية للأطفال في الأعمار الصغيرة، فضلا عن انتشار أمراض بعينها كالملاريا، ومرض اليد والفم والقدم، والذي زادت معدلاته مع ارتفاع درجات الحرارة".
التغيرات المتلاحقة في البيئة المحيطة التي يتعرض لها الأطفال، تؤثر عليهم مدى الحياة (غيتي) هكذا تتـأثر حياتهم للأبدوفق ورقة بحثية صادرة عن جامعة هارفارد فإن الجينات عرضة للتغيير، كاستجابة للإجهاد السام، والتغيرات المتلاحقة في البيئة المحيطة، وغيرها من الخبرات المأساوية التي يتعرض لها الجميع، خاصة الأطفال، فتؤثر عليهم مدى الحياة، ولكن هل يكون التغيير للأفضل أم للأسوأ؟
في الواقع تتسبب الملوثات البيئية التي تدخل الجسم في تغير تسلسل الحمض النووي بشكل مباشر، وقد تسبب تفاعلا متسلسلا يؤثر على عمل جين معين، ما يؤثر لاحقا على عمل جين آخر، وهكذا تؤثر البيئة على صحة المرء عبر التأثير على البروتينات التي تعمل على تشغيل الجينات أو توقفها، ما يمكن أن يتفاقم لاحقا ليتسبب في أمراض مثل:
السرطان. التأخر العقلي. اضطرابات النمو العصبي. أمراض القلب والأوعية الدموية. داء السكري من النوع 2. البدانة. العقم.لكن الأمر لا يقف عند حدود تغير الجينات، ولكنه يمتد إلى حالة الطفل النفسية والعقلية، حيث يؤثر تغير المناخ بالسلب على النمو العقلي للأطفال، ما يؤثر على الأداء الدراسي لاحقا فضلا عن مجموعة من التأثيرات النفسية، ذكرها تقرير نشره موقع "ريسيرتش غيت"، مثل:
اضطراب ما بعد الصدمة. الاكتئاب. القلق. الرهاب. اضطرابات النوم. اضطرابات التعلق. تعاطي المخدرات. مشاكل التحكم في العاطفة، السلوك، الإدراك. مشاكل اكتساب اللغة والأداء الأكاديمي.الجفاف وارتفاع درجات الحرارة من أكثر مظاهر التغيرات المناخية التي أصبحت تهدد حياة الأطفال اليوم (بيكسابي) مَن الأكثر عرضة للخطر؟
تعد منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم ضعفا عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، ووفق تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن الأطفال أقل قدرة على النجاة من الأحداث المناخية القاسية، وهم أكثر عرضة للمواد الكيميائية السامة والأمراض الناتجة عن تغير درجات الحرارة.
وفي اليمن، وتحديدا في تعز، كانت علا السقاف، رئيسة منظمة بيئة السلام للتنمية، شاهدة على حوادث دفع خلالها الأطفال ثمن التغيرات المناخية، وتقول للجزيرة نت "صار من الصعب، بسبب درجات الحرارة المرتفعة، استمرار كثير من الأطفال في المدارس، حيث أوضاع الحرب قائمة، ولم تعد كثير من المدارس تعمل، ما سبب اكتظاظا في تلك التي بقيت تعمل، لتخدم الواحدة منها عدة قرى جبلية كانت أو ريفية، حيث يضطر الطفل في بعض الأحيان إلى السير مسافات طويلة تصل في بعض الأحيان إلى ساعة كاملة، أو أكثر للذهاب والإياب من المدرسة، فإذا صمد تحت أشعة الشمس الحارقة، لن يصمد في فصل تبلغ كثافته 60 طفل على الأقل، ويعاني كثير منهم بالفعل من أمراض تنفسية".
مأساة تكتمل في أوقات يفترض أن تكون طبيعية وهادئة، كوقت اللعب مثلا أو حتى وقت النوم، وتضيف السقاف "لا متنزهات خاصة كافية للأطفال في الريف أو حتى المدن، لذا فهم عادة ما يلعبون في مناطق خطرة، أكثرها على خطوط السيول، حدث هذا في تعز، بوقت قريب، حين أودى سيل في المدينة، بحياة طفلين، ويتكرر هذا كثيرا مع الأطفال، حيث يعجزون عن التصرف لضعف قوتهم، وخفة أوزانهم، والخطر ذاته يطارد سكان الشريط الساحلي على طول 2200 كيلومتر، حيث يتواصل ارتفاع منسوب المياه، والذي تسبب خلال الصيف الماضي في غرق العديد من الأسر وعوائلهم".
يجب البدء بإنشاء حواجز مائية على الشواطئ في اليمن كي لا يتأثر سكان السواحل بالارتفاع المتزايد لمياه البحر (غيتي) تدابير لحماية الأطفالوتقترح الباحثة والناشطة اليمنية علا السقاف بعض التدابير السريعة التي من شأنها تقليل ضحايا التغيرات المناخية من الأطفال، وهي:
تحديد مجاري خاصة ومحددة للسيول؛ مع وضع الإرشادات والتحذيرات الكافية لمنع الاقتراب منها. البدء في عمليات التشجير لتقليل درجة الحرارة، وتشجيع الأطفال على غرس المزيد من الشجر. توعية الأطفال في المدرس بطرق الحفاظ على البيئة، بداية من طرق التعامل الصحيحة مع المخلفات، مرورا بأهمية النباتات والحفاظ عليها. توعية الأطفال بمواسم ومناطق السيول وطرق التعامل الصحيحة معها، ومع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة. البدء بإنشاء حواجز مائية على الشواطئ؛ كي لا يتأثر سكان السواحل بالارتفاع المتزايد لمياه البحر.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ارتفاع درجات الحرارة التغیرات المناخیة
إقرأ أيضاً:
تقرير جديد لـ معلومات الوزراء حول تداعيات تغير المناخ على مستقبل الطاقة
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً جديداً حول "تداعيات تغير المناخ على مستقبل الطاقة"، تناول من خلاله أهمية مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة في ظل تزايد معدل الطلب عليها عالميًّا، والعلاقة بين الظواهر المناخية المختلفة ومصادر الطاقة، وكيف تؤثر تلك الظواهر على قطاعات الطاقة المختلفة كلٌّ على حدة.
فضلاً عن انعكاسات تغير المناخ على البنية التحتية لقطاع الطاقة، وتحليل فجوة العرض والطلب على مصادر الطاقة، مع استعراض مستقبل الطاقة في مصر في ظل تغير المناخ من خلال الإسقاط على التحديات التي تواجه قطاع الطاقة في مصر، وأبرز الجهود المبذولة للنهوض بهذا القطاع.
أوضح التقرير أنه في ضوء ما يعانيه العالم من تغير مناخي حاد وما يصاحبه من ظواهر متطرفة، أثرت بالطبع على جميع مقدرات الحياة ومفاتيح التنمية والتطور والتقدم، بل أصبحت تهدد حياة الإنسان واستقراره وأمنه، ولما كانت الطاقة هي جوهر عملية التنمية الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم، وهي السبيل لرفاهية الإنسان ورخائه واستقراره المادي والاجتماعي.
نظرًا لأهميتها في خلق فرص عمل عديدة تُسهم في الحد من البطالة، وقدرتها على دعم الصناعات والاستثمارات والابتكارات والخطط والبرامج والاستراتيجيات الجديدة بما يعود بالنفع والفائدة على البشرية- كان لزامًا أن يتم التطرق لتأثير التغيرات والظواهر المناخية عليها.
وذلك في ظل ما تجابهه من تحديات أخرى مرتبطة بالسياقات الدولية المختلفة بما تتضمنه من تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وإمدادات الطاقة، والأزمة الروسية - الأوكرانية، والصراع في غزة وتأجج منطقة البحر الأحمر والذي أثر بدوره على تلك الإمدادات.
وقد أشارت مجموعة البنك الدولي بأهمية الطاقة المتجددة مثل (الشمس والمياه والرياح) لأن تكون مصدرًا بديلًا للوقود الأحفوري الناضب؛ إذ من الممكن أن تساعد البلدان على التخفيف من تبعات تغير المناخ، كما أنها من الممكن أن تكون حلًّا مناسبًا بحلول عام 2030 لتعويض الفجوة في قطاع الطاقة.
لكن هذه الطموحات باتت مُهددة بفعل موجات الطقس غير المعتادة والظواهر المناخية المتطرفة (ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع مستوى سطح البحر، والجفاف، والفيضانات، والأعاصير، وتباين معدل هطول الأمطار، وغيرها)، فأصبح مستقبل الطاقة سواء كانت متجددة أو تقليدية مهددًا على نحو مباشر بسبب تلك الحوادث، والأمر ينطبق كذلك على الإنتاجية والاستهلاك.
وأضاف التقرير أنه في ظل زيادة الطلب العالمي على مصادر الطاقة المختلفة لتلبية احتياجات التنمية والتطوير المستمر وللحاق بركب التطور التكنولوجي والمعلوماتي، تأتي أهمية مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة وذلك على النحو التالي:
أولاً: أهمية الوقود الأحفوري كمصدر رئيس لإمدادات الطاقة عالميًّا: تنبع أهمية الوقود الأحفوري من كونه المصدر الرئيس لإمدادات حوالي 80% من الاحتياجات العالمية للطاقة، كما أنه يمثل الداعم الأول للاقتصاديات العالمية لأكثر من 150 عامًا، بل إنه كان الركيزة الأساسية التي قامت عليها الثورة الصناعية وكان له الدور البارز في النمو الاقتصادي الذي حدث منذ ذلك الحين.
وقد أبرز التقرير أهمية الوقود الأحفوري في تعزيز نهضة المجتمعات وتطورها على النحو التالي:
1-المصدر الأول لإنتاج الطاقة ولاسيما الكهربائية، والمصدر الأول للوقود لوسائل النقل المختلفة: وهناك العديد من الدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري كمصدر رئيس لإنتاج الطاقة الكهربائية ويتم قياسها كنسبة مئوية من إجمالي الكهرباء المنتجة في العالم، لعل أبرزها: روسيا التي تعتمد على الوقود الأحفوري لإنتاج نحو 64% من الكهرباء، والصين 64.7%، بالإضافة إلى اعتماد الهند في 78% من إنتاجها على الوقود الأحفوري، وكازاخستان 87.2%، ومنغوليا 89.3%، وإيران 93.8%، والمملكة العربية السعودية 99.8%، وسلطنة عمان 99.4%، وليبيا 100%، والجزائر 99.2%، والنيجر 93.7%، وتشاد 94.3%، ومصر 88.2%، وإيطاليا 56.3%، والولايات المتحدة الأمريكية 59.1%
2-تعزيز القطاع الطبي بالتقنيات الحديثة، حيث يتم من خلال المشتقات البترولية انتاج العديد من المواد اللازمة للجراحة كالمعقمات وخيوط الجراحة المتطورة التي ساهمت في الارتقاء بهذا القطاع ليعود بالنفع على الإنسان.
3-تُسهم في صناعة الأنسجة والملابس من خلال الألياف الاصطناعية المشتقة من الوقود الأحفوري.
4-كما تدخل في نطاق صناعة الأسمدة ودعم قطاع الزراعة.
5-يساعد على تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستوى الدخل: لاسيما للعاملين في قطاعات النفط والغاز الطبيعي والفحم؛ حيث أن هذه القطاعات ترفع من نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، وتحسن من مستوى الرفاهة الاجتماعية، كما أنه يسهم في عدة قطاعات كصناعة السيارات، وصناعة الحديد والصلب، والأسمدة، والمنسوجات، والبتروكيماويات.
ثانياً: أبرز التقرير أهمية الطاقة المتجددة (الشمس والرياح والمياه) كمصدر ثانٍ لإمدادات الطاقة عالميًّا: فعلى الرغم من الأهمية المحورية للوقود الأحفوري كمصدر أولي للطاقة، فإن السياقات الراهنة المرتبطة بأنه مصدر ملوث للبيئة وغير متجدد وله دور في تغير المناخ وكمياته المحدودة -بسبب استنزاف احتياطاته-، دعت إلى الانتقال نحو طاقة نظيفة، صديقة للبيئة وغير ناضبة، أو ما يمكن أن يطلق عليه الطاقة المتجددة ممثلة في (الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية، وطاقة المد والجزر، والطاقة الحرارية الأرضية).
وقد أشارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أنه رغم اعتماد 80% من سكان العالم -أي ما يقرب من 6 مليارات نسمة- على الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة، وأن 80% من الإنتاج العالمي للطاقة يأتي من خلال مصادر الطاقة التقليدية، فإن الاتجاه نحو الطاقة المتجددة كمصدر بديل للطاقة أصبح محل اهتمام من العالم، لا سيما أن 29% من الكهرباء المتولدة في العالم تأتي من خلال الطاقة المتجددة.
وترى الوكالة أنه بحلول عام 2050 يمكن أن يتم توليد 90% من الطاقة الكهربائية من خلال مصادر الطاقة المتجددة، لذا فأهميتها تنبع من كونها: مصادر متجددة (مستدامة) للطاقة، صديقة للبيئة غير ملوثة، تحافظ على الصحة العامة، وتكاليف الاستثمار فيها منخفضة مقارنة بالوقود الأحفوري، وتُسهم في خلق فرص عمل جديدة وآمنة للحد من معدلات البطالة.
وقد أوضح التقرير أن الظواهر المناخية المتطرفة التي تنتج عن التغيرات الحادة في الطقس أثرت على قطاع الطاقة بشكل بيِّن، خاصة قطاع توليد الطاقة الكهربائية من خلال الوقود الأحفوري، ومحطات الطاقة الحرارية، والكهرومائية، ومحطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ وبالتالي تأثر قطاع الطاقة من حيث البنية التحتية، ومعدل الطلب على الطاقة، وانخفاض قدرة المحطات وما إلى ذلك من ظواهر.
وقد استعرض التقرير تأثير الظواهر المصاحبة لتغير المناخ على قطاع الطاقة وذلك على النحو التالي:
-تأثر البنى التحتية الحيوية لقطاع الطاقة ولا سيما الوقود الأحفوري: فقد تأثر قطاع الطاقة فعليًّا من الظواهر المناخية المتطرفة على مستوى البنى التحتية وعمليات الإنتاج والتكرير للوقود الأحفوري، فغالبًا ما تتم العملية التي يتم فيها استخراج النفط والغاز الطبيعي في المياه أو المناطق الساحلية والصحراوية، وبالتالي قد يتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف والأعاصير إلى التأثير على مصافي التكرير الموجودة على طول السواحل كتأثر الساحل الأمريكي بالأعاصير المدمرة.
كما تأثرت البنية التحتية للطاقة، وتحديدًا قطاع النقل المتمثل في الطرق والسكك الحديدية، بالإضافة إلى خطوط الأنابيب الناقلة للنفط والغاز والتي تُعد الأساس لقطاع الطاقة؛ لأنها تنقل الوقود الأحفوري إلى محطات المعالجة والتكرير ومنه للتوزيع وتبدأ بنطاق صغير وصولًا إلى النقل عبر القارات.
-خلل منظومة العرض والطلب في قطاع الطاقة نظرًا لاعتبارات (التكلفة، التخزين، التوليد).
-تهديد إنتاجية الطاقة المتجددة (الحرارية، الكهرومائية، الطاقة الشمسية، طاقة الرياح): فقد تتأثر إنتاجية الطاقة الحرارية وتتأثر كفاءة المولدات بفعل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدل البخر للمياه المستخدمة في التبريد؛ مما قد يترتب عليه ضعف القدرة الإنتاجية لتلك المحطات، وخاصة أن تكاليف إنشاء طرق بديلة لتبريد المولدات من غير الاستعانة بالمياه مكلفة للغاية؛ مما يفرض تحديًا على هذا القطاع.
واستعرض التقرير أبرز إجراءات التكيف التي تم اتخاذها في قطاع الطاقة لمجابهة هذا التغير والتكيف مع تداعياته السلبية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
-إدراج قطاع الطاقة النووية كأحد إجراءات التخفيف لمجابهة تغير المناخ.
-إجراءات التكيف في قطاع الطاقة المتجددة (الكهرومائية والشمس والرياح): والتي تتمثل في: بناء السدود والخزانات كبيرة الحجم لأجل الاستفادة من فائض المياه الناتج عن الأمطار والفيضانات.
-إجراءات التخفيف في قطاع الوقود الأحفوري: على الرغم من التأثير السلبي للوقود الأحفوري على تغير المناخ من ناحية ارتفاع نسبة المساهمة في الانبعاثات الكربونية، فإنه تأثر كذلك بفعل ذلك التغير، وكان لازمًا أن يتم اتخاذ عدد من الإجراءات تتضمن التخفيف للحد من الانبعاثات الناتجة عن هذا القطاع، والتي من ضمنها أن يتم تخفيض غاز الميثان -العنصر الأساسي في تكوين طبقة الأوزون الأرضي، بالإضافة إلى كونه مسببًا رئيسًا في تغير المناخ وتلوث الهواء- من عملية إنتاج الوقود الأحفوري.
التغيرات المناخية ومصروأشار التقرير إلى مستقبل قطاع الطاقة في مصر ومدى تأثره بفعل التغيرات المناخية، حيث أشار إلى تمتع مصر على مدار تاريخها بالمناخ المعتدل في ظل درجات حرارة غير مرتفعة، وأجواء شتوية دافئة، لكن مع بداية الألفية الجديدة شهدت مصر سياقات مغايرة على صعيد المناخ؛ فمن المناخ المعتدل إلى موجات الحر وارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وموجات البرد التي تصل حد الصقيع أحياناً في عدد من المحافظات.
حيث ارتفعت درجات الحرارة في الفترة ما بين عام 1901 وعام 2013 بمعدل 0.1 درجة مئوية لكل عشرة أعوام وتسارعت وتيرتها في الفترة ما بين 2000 إلى 2020 بمتوسط 0.38 درجة مئوية لكل عقد، وهو أعلى من المتوسط العالمي لكل عقد والبالغ 0.31 درجة مئوية، كما أن المتوسط العالمي لتلك الظاهرة خلال العام الواحد في تلك الفترة 0.03 درجة مئوية لكل سنة.
في حين أن متوسط الاحتباس الحراري في مصر يبلغ نحو 0.04 درجة مئوية لكل سنة. وهو مرتفع نسبيًّا مقارنة بالمتوسط العالمي خلال تلك الفترة، وهو ما يظهر تأثير تغير المناخ على مصر بداية من الألفية الجديدة.
وأوضح التقرير أن تلك السياقات المناخية تؤثر بدورها على قطاع الطاقة باعتباره أحد أبرز القطاعات المتأثرة في مصر بفعل تلك الظواهر، وذلك في ظل ارتفاع معدل الطلب على الطاقة داخل الدولة لتلبية الاحتياجات الأساسية للأفراد والتنمية.
وهو ما أقرته دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة للبيئة؛ حيث أفادت الدراسة أن 50% من إجمالي الكهرباء التي يتم استهلاكها خلال أشهر الصيف في القاهرة تأتي من خلال استخدام أجهزة تكييف الهواء. وهو ما يشكل ضغطًا على قطاع الطاقة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وما يصاحبها من ظواهر مناخية ذات صلة، إضافة إلى زيادة الطلب على الطاقة في فترات موسمية (الصيف) على حساب أخرى.
وقد استعرض التقرير التحديات التي تواجه مستقبل الطاقة بالدولة المصرية، ومنها: تغير المناخ، وتحديات مرتبطة بالانتقال والتحول للطاقة المتجددة، وندرة الموارد الطبيعية، مشيراً إلى أنه برغم تلك التحديات قامت الدولة المصرية بجهود حثيثة في قطاع الطاقة لأجل تحسين إنتاجية هذا القطاع من جانب، والحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عنه من جانب آخر، والنهوض باتجاه مشروعات جديدة تُسهم في تحقيق الانتقال العادل للطاقة، ولعل أبرز تلك الإسهامات:
تشييد محطة الطاقة النووية في الضبعة لتوليد الكهرباء.
-اتخاذ قطاع الكهرباء عددًا من الإجراءات للحفاظ على البيئة وضمان استدامتها إذ اعتمدت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة خطة طوارئ لمكافحة تلوث مياه النيل الناتج عن المحطات التي تقع على جانبي النهر.
-تعزيز القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة من خلال الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة كالمياه والشمس والرياح بتشييد وبناء المحطات الجديدة
-دعم البنية التحتية لقطاع الطاقة وذلك لترشيد الاستهلاك؛ حيث تم دعم الجهد الفائق والعالي لمحطات الطاقة بإجمالي 50 ألف كيلومتر من الخطوط الهوائية والكابلات الأرضية، إضافة إلى استبدال العدادات الذكية بعدادات القراءة التقليدية، فحتى تاريخه تم تركيب نحو 9.9 ملايين عداد مسبوق الدفع بشركات توزيع الكهرباء، إضافة إلى الاتفاق على إنشاء شبكات الاتصال ومراكز البيانات الخاصة بها.
وأفاد التقرير في ختامه أن تغير المناخ وما يصاحبه من ظواهر مناخية متطرفة تؤثر تأثيرًا بيِّنًا على مستقبل قطاع الطاقة في مختلف دول العالم ومنها بالتأكيد مصر، فبرغم الجهود الدولية لأجل التخفيف والتكيف مع الطقس المتطرف في هذا القطاع، فإن التأثيرات بالغة في عدد من قطاعات الطاقة وعلى وجه التحديد قطاع الطاقة المتجددة.
بل قد وصلت في بعض الأحيان بتهديد إنتاجية الطاقة في ظل الطلب المتزايد على مصادرها بفعل السياقات الدولية المتغيرة واحتياجات التنمية والتطوير المستمر؛ لذا يتعين أن تتضافر الجهود الدولية والوطنية لأجل التحرك جماعيًّا من خلال الاتفاقات والسياسات والبرامج والخطط والاستراتيجيات لإنقاذ مستقبل الطاقة في العالم، وذلك باعتبار أن المناخ ظاهرة فاقت حدود وإمكانات وقدرات الدول على مواجهتها فرادى دون تضافر الجهود معًا.