غضب متزايد داخل مايكروسوفت بسبب دورها بالحرب على غزة
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
قالت صحيفة "الغارديان" إنه للمرة الثانية خلال الشهر الماضي، قاطع موظفو مايكروسوفت كبار المسؤولين التنفيذيين الذين كانوا يتحدثون في فعالية للاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس الشركة في 4 نيسان/ أبريل، احتجاجا على دور الشركة في الحصار الإسرائيلي المستمر على غزة.
قاطعت الموظفتان إبتهال أبو سعد وفانيا أغراوال المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي، مصطفى سليمان.
سبق فعالية آذار/ مارس تجمع حاشد في الخارج، شارك فيه أيضا موظفون حاليون وسابقون في عملاق التكنولوجيا.
رفع المتظاهرون لافتة على جدار القاعة كُتب عليها: "مايكروسوفت تُمكّن من الإبادة الجماعية" - في إشارة إلى استخدام "إسرائيل" المكثف لخدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية التي تقدمها الشركة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث "قابل الطلب الشره للجيش الإسرائيلي على القنابل حاجته إلى وصول أكبر إلى خدمات الحوسبة السحابية"، حسبما ذكرت صحيفة "الغارديان" في تقاريرها.
كانت هذه المظاهرة والاضطرابات أحدث حلقة في سلسلة متزايدة من الاحتجاجات التي حثّ فيها موظفو مقر مايكروسوفت في ريدموند بولاية واشنطن الشركة على قطع العلاقات مع "إسرائيل"، بعد أن استمرّ الاستياء من هذه القضية بين بعضهم لأكثر من عام على منتديات الشركة، وفي رسائل البريد الإلكتروني، وفي المكالمات مع ما تُطلق عليه الشركة "صراعات مكان العمل" بين أعضاء الفريق.
وبناء على ذلك، تُشير الاحتجاجات مجتمعة إلى أن المزيد من الموظفين سيتبعون ذلك، بالإضافة إلى قرارهم مغادرة الشركة تماما، وفقا لموظفين حاليين وسابقين تحدثوا إلى صحيفة "الغارديان". ولم ترد مايكروسوفت على طلب التعليق.
تُحاكي سلسلة الأحداث تلك التي شهدتها شركات تقنية أخرى، بما في ذلك "غوغل"، حيث احتج موظفون أيضا على علاقات الشركة بـ"إسرائيل" وطُردوا من العمل. في شباط/ فبراير، غيّرت "غوغل" إرشاداتها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مُلغية الالتزامات بعدم استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة أو الأسلحة.
وصف مهندس البرمجيات السابق في مايكروسوفت، حسام نصر، الوضع في الشركة بأنه "قريب جدا من نقطة تحول". وسلط الضوء على الأحداث الأخيرة، ومظاهرة 24 شباط/ فبراير في أول اجتماع شخصي للشركة منذ بداية الجائحة، ووقفة احتجاجية في 24 تشرين الأول/ أكتوبر وقت الغداء حدادا على عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين قتلتهم "إسرائيل" في الأشهر الثمانية عشر الماضية، كأمثلة على تصاعد السخط.
لم تدم مظاهرة شباط/ فبراير طويلا: فبينما بدأ الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، بالترويج للمنتجات الجديدة، وقف خمسة موظفين على منصة في الأعلى، كاشفين عن حروف على قمصانهم كُتب عليها: "هل تقتل برمجتنا الأطفال يا ساتيا؟". وفي غضون دقائق، أخرجهم عدة رجال بهدوء من الغرفة. أما بالنسبة لمسيرة تشرين الأول/ أكتوبر، فقد ساعد نصر والباحث وعالم البيانات عبدو محمد في تنظيم الحدث؛ وطُرِد كلاهما من العمل بعد ذلك بوقت قصير.
وقد ساعدت عمليات الفصل، إلى جانب سلسلة من المقالات المتعمقة الأخيرة حول دور مايكروسوفت في حصار "إسرائيل" لغزة، في تحفيز أولئك في الشركة الذين يشعرون بالقلق إزاء هذه القضية، وفقا لنصر والموظفة السابقة أبو سعد وموظفين حاليين طلبا عدم الكشف عن هويتهما خوفا من الانتقام.
صرحت أبو سعد لصحيفة "الغارديان" بأنها أصبحت تعاني من صراع داخلي متزايد في الأشهر الأخيرة كمهندسة برمجيات تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي. وقالت إنه بعد عدة سنوات في الشركة، أظهرت التقارير الأخيرة "لي المزيد والمزيد من الروابط العميقة بين مايكروسوفت والحكومة الإسرائيلية". وقالت أبو سعد إن تقرير وكالة "أسوشيتد برس" عن استخدام الذكاء الاصطناعي الأمريكي الصنع في غزة، بما في ذلك مايكروسوفت، كان "القشة الأخيرة لأنه أظهر أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم لاستهداف وقتل الفلسطينيين... بدأت أفكر، لا توجد طريقة يمكنني من خلالها البقاء في مايكروسوفت بأيد نظيفة".
وقالت مهندسة البرمجيات إنه من المستحيل معرفة ما إذا كان عملها قد نُفذ في غزة، لأن الشركة تُخفي هوية جميع العقود مع الحكومة الإسرائيلية. في الوقت نفسه، قالت: "لست متأكدة من أن راتبي لا يأتي من أموال تأتي من الحكومة الإسرائيلية".
في غضون أيام من حديثها مع صحيفة "الغارديان"، طُردت أبو سعد من عملها. وقالت إن ستة من زملائها أو نحو ذلك أخبروها أنهم يفكرون في مغادرة الشركة.
قبل الاحتجاجات الأخيرة، التي كانت تُعقد حضوريا، كان موظفو مايكروسوفت يُبدون آراءهم عبر الإنترنت بشأن هجوم حماس والرد الإسرائيلي المستمر. وقد ثار جدلٌ حول بعض النقاشات على منتدى "فيفا إنغيج" التابع لشركة مايكروسوفت. ونشر أحد الموظفين: "لا يوجد تناسق بين من يُعلّمون أطفالهم في المدارس لقتل اليهود ومن يُدافعون عن أنفسهم فقط". وقد قوبلت العديد من دعوات التعاطف مع الفلسطينيين بوصف صريح "مؤيدي الإرهاب".
اشتكى الموظفون القلقون على مصير الفلسطينيين أو المنتقدون لـ"إسرائيل" مما اعتبروه ازدواجية في المعايير منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر. ويزعمون أن مايكروسوفت تُراقب آراءهم في المنتديات الداخلية، لكنها لا تُعامل مؤيدي "إسرائيل" بالمثل.
شارك أحد الموظفين، الذي تحدث مع صحيفة "الغارديان"، لقطات شاشة لرسائل بريد إلكتروني من أعضاء "فريق علاقات الموظفين العالمي" في الشركة، والذي مهمته التعامل مع "المسائل المعقدة والحساسة، وإجراء التحقيقات، وإدارة النزاعات في مكان العمل"، وفقا لمايكروسوفت.
وتُفصّل إحدى الرسائل الإلكترونية شكوى أحد الموظفين بشأن استخدام مصطلحات مثل "التطهير العرقي" على منصة "فيفا إنغيج"، لوصف أفعال "إسرائيل" في غزة. وتُشدد رسالة أخرى على ضرورة اتباع "قيم الشركة" مثل "الاحترام واللطف المتبادل" عند النشر عن "إسرائيل" وغزة أو الضفة الغربية.
في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، منعت مايكروسوفت موظفيها من النشر على قناة "جميع الشركات" على لوحة الرسائل، والتي تبث لجميع موظفي مايكروسوفت البالغ عددهم 400 ألف موظف ومورديها.
قال نصر إن وتيرة النشاط الداخلي على الإنترنت قد تغيرت على مدار عام 2024. ففي الأشهر التي تلت 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ركز العديد من الموظفين القلقين بشأن أحداث غزة على التصريحات العلنية لشركة مايكروسوفت، ووزعوا عريضة تحث الشركة على الدعوة علنا لوقف إطلاق النار. وأضاف أن اهتمامهم تحول تدريجيا إلى ممارسات الشركة التجارية.
وبحلول منتصف العام، كان نصر وآخرون ينظمون حملة "لا لآزور (Azure) للفصل العنصري"، في إشارة إلى حزمة مايكروسوفت آزور للحوسبة السحابية ومنتجات الذكاء الاصطناعي. وتجمع المجموعة توقيعات من زملائهم الموظفين على عريضة تحث الشركة على إلغاء عقود الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، والكشف عن علاقاتها بحكومة البلاد.
في العام الجديد، كشفت وثائق حصلت عليها "دروبسايت"، وهي وسيلة إخبارية مستقلة، عن "تهافت كبير من شركات التكنولوجيا التي تسعى لتقديم خدمات للجيش الإسرائيلي" بما في ذلك مايكروسوفت.
وقد شاركت "دروبسايت" الوثائق مع صحيفة "الغارديان"، مما أدى إلى نشر قصة أخرى مع مجلة "+972"، وهي وسيلة إعلام إسرائيلية. بعد شهر، في 18 شباط/ فبراير، نشرت وكالة "أسوشيتد برس" تقريرها الخاص. وقد أجّج هذا التقرير المُفصّل والمُعمّق المخاوف المُتزايدة لدى بعض موظفي مايكروسوفت. في اليوم التالي لنشر تحقيق الوكالة، ووفقا للقطات شاشة لرسائل "فيفا إنغيج"، سأل أحد الموظفين الإدارة العليا عن المقالات، "مُتسائلا عما إذا كانت مايكروسوفت قد تخلّت تماما عن... بيانات حقوق الإنسان الخاصة بها؟".
ويُشير المنشور إلى أن التزامات مايكروسوفت في مجال حقوق الإنسان تشمل "دعم الدور الإيجابي للتكنولوجيا في جميع أنحاء العالم" و"تقليل خطر الضرر".
"ومع ذلك، يُظهر تحقيق وكالة أسوشيتد برس بوضوح أن تقنية الذكاء الاصطناعي التي نقدمها تُمكّن مباشرة من تدمير غزة"، كما جاء في المنشور. وبحلول صباح اليوم التالي، أُزيل المنشور من الدردشة.
وقالت آنا هاتل، التي تعمل في الشركة منذ ما يقرب من خمس سنوات، إن هذه المقالات القليلة "كانت بالغة الأهمية" لجهود التنظيم خارج الإنترنت. ويصدق هذا بشكل خاص لأن "العديد من العاملين في مجال التكنولوجيا يعيشون في فقاعة، ومايكروسوفت تريد إبقاء الأمر على هذا النحو.
الموظف الذي لا يعلم أن عمله يُستخدم في أسلحة الذكاء الاصطناعي لن يفعل شيئا حيال ذلك". وأضافت أن "المحادثات الفردية مع [زملاء العمل]" في العمل وفي التجمعات تساعد في نشر المعلومات الواردة في التغطية.
وأضاف نصر أن حملة "لا لآزور للفصل العنصري" عملت أيضا مع حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) لإضافة مايكروسوفت إلى قائمة حملات المقاطعة.
وأعلنت حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها عن الحملة في 3 نيسان/ أبريل، مُسلّطة الضوء على كيفية "اعتماد الجيش الإسرائيلي بشكل كبير على مايكروسوفت لتلبية المتطلبات التكنولوجية".
في الوقت نفسه، صرّحت إحدى موظفات مايكروسوفت لصحيفة "الغارديان" بأنها "منهكة" من الجهد المبذول لجذب الانتباه إلى ما تعتبره خيانة لقيم الشركة المعلنة في عقودها مع "إسرائيل". على سبيل المثال، استشهدت بحدث دُعي إليه الصحفي الفلسطيني أحمد شهاب الدين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 للتحدث إلى الموظفين. قدّم الموظفون الإسرائيليون تقارير زعموا فيها أن المنظمين معادون للسامية، فألغت الشركة الحدث. كما أشارت إلى تبادل الاتهامات على منصة "فيفا إنغيج"، بما في ذلك لقطة شاشة تُظهر موظفا يصف الفلسطينيين بـ"القتلة. الإرهابيين. الوحوش".
غادر موظفون آخرون الشركة بالفعل. في 4 كانون الأول/ ديسمبر، أرسلت أنجيلا يو بريدا إلكترونيا إلى ما يقرب من 30 ألف موظف تُعلن فيه استقالتها. وكتبت: "انضممت إلى مايكروسوفت إيمانا مني بأن عملي سيُطوّر التكنولوجيا 'لصالح البشرية'". وسلطت يو الضوء على التقارير الأخيرة حول علاقات مايكروسوفت بـ"إسرائيل"، وقالت: "يؤلمني ضميري أن أعرف أن المنتجات التي نعمل عليها أنا وأنت تُمكّن الجيش الإسرائيلي من تسريع مشروعه للتطهير العرقي".
حثّت يو كل من يقرأ على توقيع عريضة "لا لآزور للفصل العنصري". وأشارت إلى أن الشركة سبق أن ألغت عقودا تجارية لأسباب أخلاقية - بما في ذلك عام ١٩٨٦، عندما قطعت علاقاتها مع جنوب أفريقيا بسبب الفصل العنصري.
في ذلك الوقت، بلغت مبيعات مايكروسوفت العالمية حوالي ١٠٠ مليون دولار، وفقا للتغطية الإخبارية المعاصرة - أي أقل من القيمة الحالية لعقد واحد بين شركة التكنولوجيا ووزارة الدفاع الإسرائيلية.
وقالت الموظفة "المنهكة" إن هذه الأرقام تشير إلى صعوبة الاحتجاج على وجود مايكروسوفت في "إسرائيل". وأضافت أن الشركة "آلة ربح. كل ما يهمهم هو المال. الذكاء الاصطناعي والعمل، العمل، العمل".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية مايكروسوفت غزة الذكاء الاصطناعي الاحتلال غزة الاحتلال مايكروسوفت ابادة ذكاء اصطناعي صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعی فی مایکروسوفت مایکروسوفت فی أحد الموظفین تشرین الأول بما فی ذلک فی الشرکة أبو سعد
إقرأ أيضاً:
يساعدك في اتخاذ القرار.. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي صورة الإنسان عن نفسه؟
يشهد العالم المعاصر تحوّلًا غير مسبوق في تاريخ الوجود البشري، تقوده التكنولوجيا بصفتها القوة الأكثر تأثيرًا في تشكيل ملامح الحياة الحديثة.
لم تعد التكنولوجيا مجرد أدوات أو منصات مساعدة، بل أصبحت بحد ذاتها بيئةً كلية نعيش فيها، وعاملًا حيويًا يُعيد صياغة مفاهيم الإنسان عن ذاته، وعن العالم، وعن الآخرين من حوله. وفي قلب هذا التحول تقف الأجيال الجديدة لا كمتلقٍّ سلبي، بل كنتاجٍ حيّ لهذا العصر الرقمي بكل تعقيداته وتناقضاته.
نتحدث هنا تحديدًا عن جيل Z (المولود بين 1997 و2012)، وجيل ألفا (المولود بعد 2013)، وهما جيلان نشآ في ظل تحوّل تكنولوجي عميق بدأ مع الثورة الرقمية في نهاية القرن العشرين، وتفاقم مع دخول الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والميتافيرس والبيانات الضخمة إلى صلب الحياة اليومية.
جيل Z يمثل الجسر بين عالمين: عالم ما قبل الثورة الرقمية، وعالم أصبحت فيه الخوارزميات هي "العقل الجمعي" الجديد.
لقد عاش هذا الجيل مراحل الانتقال الكبرى: من الكتب الورقية إلى الشاشات، من الاتصالات الهاتفية إلى الرسائل الفورية، من الصفوف المدرسية إلى التعليم عن بُعد. أما جيل ألفا، فهو الجيل الذي لم يعرف سوى الرقمية منذ لحظة الميلاد، إذ تفتحت حواسه الأولى على شاشة، وتكوّنت مهاراته اللغوية من خلال مساعد صوتي، وتعلّم المفاهيم الأولى عن طريق تطبيقات ذكية وخوارزميات دقيقة تستجيب لسلوك المستخدم لحظيًا.
إعلانإننا لا نتحدث عن تغيّر في أنماط الحياة فقط، بل عن إعادة تشكيل حقيقية للذات الإنسانية. ففي السابق، كانت الهوية تُبنى عبر التفاعل مع الأسرة، والمدرسة، والثقافة المحلية، وكانت تنشأ ضمن سياق اجتماعي واضح المعالم.
أما اليوم، فالأجيال الرقمية تبني صورها الذاتية في فضاءات افتراضية عالمية، تتخطى الحواجز اللغوية والثقافية والجغرافية. إنها هوية "مُفلترة"، تُنتجها الصور والمنشورات والتفاعلات المرسومة وفق خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، وتُقاس بكمية "الإعجابات" والمشاهدات، لا بتجربة الذات العميقة.
هذا التحول لا يخلو من مفارقات. فعلى الرغم من الكمّ الهائل من التواصل الرقمي، تشير دراسات عديدة إلى تصاعد مشاعر الوحدة والعزلة، خصوصًا بين المراهقين والشباب.
وقد ربطت تقارير صحية بين الإفراط في استخدام التكنولوجيا وبين ارتفاع معدلات القلق، واضطرابات النوم، وضعف التركيز، وتراجع المهارات الاجتماعية.
جيل Z، برغم إتقانه المذهل للتكنولوجيا، يواجه صعوبة متزايدة في بناء علاقات واقعية مستقرة. أما جيل ألفا، فيُظهر مبكرًا قدرة رقمية خارقة، لكنها تقترن أحيانًا بضعف في التطور اللغوي والعاطفي، وكأن المهارات الإنسانية الكلاسيكية باتت تُستبدل تدريجيًا بكفاءات رقمية جديدة.
هذا لا يعني أن الأجيال الرقمية "أقل إنسانية"، بل إنها مختلفة في تركيبها المعرفي والعاطفي والاجتماعي. إنها أجيال تعيش فيما يمكن تسميته "الواقع الموسّع"، حيث تتداخل فيه الذات البيولوجية بالذات الرقمية، ويذوب فيه الخط الفاصل بين ما هو واقعي وما هو افتراضي.
وهذه الحالة تطرح سؤالًا وجوديًا جوهريًا: من أنا في عالم يُعاد فيه تشكيل الذات بواسطة أدوات لا أتحكم بها بالكامل؟ من يوجّهني فعلًا: أنا، أم البرمجية التي تختار لي ما أقرأ وأشاهد وأرغب؟
في هذا السياق، تتزايد الحاجة إلى تفكيك العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا من جديد. فنحن لم نعد فقط نستخدم التكنولوجيا، بل يُعاد تشكيلنا من خلالها، وقد أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا خفيًا في اتخاذ القرارات، وتوجيه السلوك، وحتى في تكوين القيم وتصورات العالم. منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام لم تعد وسائط ترفيهية فحسب، بل منصات لإنتاج الثقافة والهوية والسلوك الاستهلاكي.
إعلانولعل المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه التكنولوجيا التي وُعدنا بها كوسيلة لتحرير الإنسان، باتت تخلق أشكالًا جديدة من التبعية. فمن جهة، تسهّل الحياة وتختصر الوقت، لكنها من جهة أخرى تُعيد تشكي إدراكنا بطريقة غير مرئية. إنها "القوة الناعمة" الأشد تأثيرًا في تاريخ البشرية.
في ظل هذا الواقع، لا يكفي أن نُحمّل الأفراد مسؤولية التكيف. المطلوب هو تفكير جماعي لإعادة توجيه العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. المؤسسات التعليمية مطالبة بأن تراجع مناهجها، لا فقط لتُدخل التقنية، بل لتُعيد التوازن بين ما هو رقمي وما هو إنساني.
الأسرة، بدورها، لم تعد فقط مصدرًا للقيم، بل أصبحت "ساحة مقاومة" للحفاظ على الحميمية في وجه التمدد الرقمي. أما صانعو السياسات، فعليهم مسؤولية أخلاقية وتشريعية للحدّ من تغوّل التكنولوجيا في تفاصيل الحياة اليومية، ووضع ضوابط تحمي الأجيال من فقدان الجوهر الإنساني.
ينبغي ألا يكون السؤال: كيف نُقلل من استخدام التكنولوجيا؟ بل: كيف نستخدمها بطريقة تحافظ على إنسانيتنا؟ كيف نُدرّب أبناءنا على التفكير النقدي، والقدرة على التأمل، والانفتاح العاطفي، لا فقط على البرمجة والتصميم؟
نحن نعيش لحظة مفصلية، لحظة يُعاد فيها تعريف الإنسان، لا بالمعنى البيولوجي، بل بالمعنى الوجودي. وإذا لم نُحسن إدارة هذا التحوّل، فإننا قد نخسر القدرة على أن نكون ذاتًا فاعلة حرة في عالم تتزايد فيه السيطرة غير المرئية للأنظمة الذكية.
المستقبل لا تصنعه الآلات، بل الإنسان الذي يعرف كيف يتعامل معها. ولهذا، فإن المعركة الأهم ليست بين الأجيال والتكنولوجيا، بل بين الإنسان وإنسانيته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline