بحسب زاوية النظر يمكن الحكم على قضية اتهام أفراد من الإخوان المسلمين في الأردن بتصنيع صواريخ ومسيّرات وحيازة متفجرات بقصد استخدامها في الأردن. فمن نظر لها من زاوية أمنيةمحضة، فكل ما قيل من ادعاءات صحيح. فجهاز الأمن لا يُحسن الظنّبمن امتلك أي قطعة سلاح بشكل غير قانوني، فكيف بالتصنيع؟ وانتماء تلك المجموعة لجماعة الإخوان يدفع بوضع الجماعة كلها نحو دائرة الاتهام.
من زاوية قانونية، فإن الحيازة - مجرّد الحيازة - بمعزل عن النوايا هي جريمة.
سياسيا هنا يمكن قراءة القضية من زاوية التضامن مع المعتقلين وإحسان الظن بهم، في سياق قضايا مشابهة من قضية السيارة الجيب في مصر قبل سبعين عاما إلى قضايا مشابهة كُشف أو لم يُكشف عنها خلال العقود الماضية.
ما شهدته وسائل الإعلام ومنصّات التواصل كان تسييسا في الاتجاهين؛بين رأي عام عربي وجزء كبير من الرأي العام الأردني يرى في المعتقلين ثلة من الشباب المناصر لفلسطين، حاول مساندة الفلسطينيين الذين يتعرّضون لحرب إبادة بقليل من السلاح. وتسيّيس مناقض من جانب إعلام الدولة ومن حالفها من الدول يرى الإخوان عموما إرهابيين وما المجموعة المعتقلة سوىدليل على تورّط الجماعة بالإرهاب. وأسوأ من ذلك كله هو لعب مجموعة، ليس ذباب الموساد عنها ببعيد، على وتر الغرائز وإثارة انقسام أردني فلسطيني.
قبل الحديث سياسيا، لا بد من الاستدراك قانونيا بأن لائحة الاتهام لا تعني الإدانة فقد يبرّأ المتهمون في الدرجة الأولى من المحاكمة، وقد يبرّؤون في الدرجة الأخيرة من التمييز. وأذكر في بدايات عملي الصحفي وفي العام ١٩٩٣، غطّيت القضية المعروفة باسم قضية "جامعة مؤتة"، وكان معتقلا فيها النائب السابق وعضو مجلس الأعيان عمر عياصرة. وأصدرت محكمة أمن الدولة أحكام إعدام ومؤبّد في القضية،لكنها عندما وصلت لمحكمة التمييز،أصدر القاضي عبدالمجيد الغرابية حُكما ببراءة جميع المتّهمين، وكان صالح العرموطي أحد محامييهم.واعتمد القاضي في البراءة على عدم توفّر ركني: المؤامرة ووجود الأداة، وتلاقي الإرادات الحرة. واعتبر إن الاعترافات غير صحيحة بعد إثبات واقعة التعذيب والإكراه.
بانتظار الحكم القضائي النهائي تُقرأ القضية سياسيا في إطار علاقة العلاقة الأردنية الفلسطينية جغرافيا وديموغرافيا. فالأردن يشكل أطول حدود مع كيان العدو يمتدّ نحو 335 كممتاخمة لطول الحدود مع فلسطين التاريخية ذات العمق المحدود باتجاه البحر المتوسط. ولا تبعد القدس عنها، وكذلك مفاعل ديمونا أكثر من ١٥ كلم، وفوق ذلك نحو نصف السكان بين لاجئين ونازحين فلسطينيين تجنّسوا بالجنسية الأردنية عقب وحدة الضفتين في ١٩٥٠. وبمعزل عن قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية في ١٩٨٨، فإن القضية الفلسطينية ظلّت قضية أردنية داخلية، خصوصا إن القرار شمل من كانوا يقيمون وقتها في الضفة الغربية ولم يشمل من يقيمون في الضفة الشرقية، وحتى قبل وحدة الضفتين، دخل الجيش العربي الأردني القدس باعتبارها أرضا عربية دون أن تكون له سيادة قانونية عليها. وبعد احتلال الضفة الغربية عام ١٩٦٧، لم يكن الأردن يرفض مبدأ المقاومة لاستعادة الأرض الأردنية المحتلة، لكنه رفض مبدأ كل السلطة للمقاومة الذي نتجت عنه أحداث السبعين وخروجقوات منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان. هذه الحقائق تتفاعل مع اللحظة السياسية المشتعلة منذ ٧ أكتوبر.
لم تكن هذه القضية هي الأولى، فتاريخيا ظلّت حماس جزءا لا يتجزّأ من الإخوان في الأردن، وكان العمل معها مثل العمل في أي من أقسام الإخوان. ومن تجربتي الشخصية إلى أن غادرت الإخوان في عام ١٩٩٧، لم يكن ثمة فصل تنظيمي بين الحركتين. كان معنا في جامعة اليرموك في كلية الهندسة عباس السيد الذي يقضي 35مؤبدا بتهمة نشاطه كقيادي في كتائب القسام في الضفة، وكان محمد نصر، أحد قيادات الحركة وأبرز مفاوضيها في كلية العلوم، وبعد التخرّج عمل سميح المعايطة الذي صار لاحقا وزير الإعلام في الحكومة الأردنية متفرّغا في المكتب السياسي لحركة حماس الذي كان يرأسه آنذاك الدكتور موسى أبو مرزوق.
لم يدخل المكتب السياسي لحماس إلى الأردن تسلّلا، بل دخل باتفاق بعد اكتشاف قضية تهريب أسلحة كبرى كان متّهما فيها الشيخ نمر العساف، رحمه الله، وهو أحد شيوخ العدوان المعدودين، وكبار مُلاك الأراضي في عمان. وقد وضع الشيخ الاعتقال ضمن سيرته الذاتية عندما ترشّح للانخابات النيابية. فمع أن تهريب السلاح وتخزينه جريمة قانونية، إلا إنه ميّزة سياسية في المقابل. وفي انتخابات ١٩٨٩، كان من دعاية المرشحين بمن فيهم سيف الدين مراد (الشركسي) وبسام حدادين (المسيحي) العمل مع الفصائل الفلسطينية المسلّحة من الجبهة الديموقراطية إلى النضال الشعبي.
في عقد التسيعنيات كان الأردن يئن من آلام الحصار الذي فرضته أمريكابعد وقوفه مع العراق في حرب الخليج الثانية. وكان الملك حسين يرى في الحركة الاسلامية حليفا تاريخيا يواجه به حصارا خارجيا وضغوطا داخلية. وكان ينظر لحماس باعتبارها جزءا من الحركة الاسلامية، وفوق ذلك حليفا له في مواجهة أبو عمار الذي كان ينازعه على فلسطيني مملكته. لاحقا سُويّت قضية الأسلحة أمنيا ولم تصدر فيها أحكام. وعُقد اتفاق مع مدير المخابرات وقتها (مصطفى القيسي)، يقضي باستضافة المكتب السياسي لحماس برئاسة الدكتور موسى أبو مرزوق، وهو من قطاع غزة وليس أردنيا.
لم تتوقف محاولات التهريب والتسلل والتصنيع حتى بعد الاتفاق، ومن القضايا اللافتة كانت قضية شباب عجلون ( الغرايبة والربابعة ) الذين حاولوا تصنيع متفجرات من حقول الألغام التي زرعها الجيش ، وكانوا من الحركة الإسلامية في الجامعة وحكموا بالمؤبد وخرجوا بالعفو العام.
بالنتيجة، انتهى الاتفاق مع حماس بوفاة الملك حسين وإخراج قيادات حماس من الأردن، بمن فيهم حملة الجنسية الأردنية في نهاية عام ١٩٩٩. ظلّت حماس ملتزمة بعدم فتح جبهة من الأردن، أو ممارسة عمل عسكري على أرضه، لكنها لم تلتزم تماما بعدم تهريب السلاح.
المؤسف في حملات التحريضوالاستقطاب ظهور منسوب عال من الجهل بتاريخ الأردن والإخوان والقضية الفلسطينية في ظل نزعات العنصرية والكراهية.
تاريخيا الإخوان دعوة سلمية، مارست العنف في مقاومة الاحتلال البريطاني لمصر والإسرائيلي في فلسطين، وتوّجت حركة حماس هذا المنحى، لكن سبقها حضور عسكري جهادي منذ العام 1948.
هنا تحضر قضية السيارة الجيب، والتي حُوكم فيها النظام الخاص للإخوان، في العهد الملكي في مصر.
وتُشكّل تلك المحاكمة التي برّأت "الإخوان المسلمين" من العنف والإرهاب، على الرغم من ضبط الأسلحة والمتفجّرات في السيارة، أقرب إلى مراجعة فكرية سياسية قانونية مُنصفة، دفعت رئيس المحكمة، المستشار أحمد كامل، إلى الانضمام للجماعة، بعد أصدار الحكم المخفّف على المتهمين وتبرئة أكثرهم.
يقول نصّ الحكم عن المتّهمين: "ولما وجدوا أن العقبة الوحيدة في سبيل إحياء الوعي القومي في هذه الأمة هي جيش الاحتلال... فاتّحدت إرادتهم على القيام بأعمال قتل ونسف وغيرها، مما قد لا يضرّ المحتلين بقدر ما يودي بمواطنيهم، وذهبوا في سبيل ذلك مذهبا شائكا، منحرفين عن الطريق الذي رسمه لهم رؤساؤهم، والذي كان أساسا قويّا لبلوغهم أهدافهم. وحيث أنه يتبيّن من كل هذا أن هذه الفئة الإرهابية لم تحترف الجريمة، وإنما انحرفت عن الطريق السوي، فحقّعلى هذه المحكمة أن تلقّن أعضاءهادرسا".
ميّز القاضي بين احتراف العنف والانحراف نحوه بدون تخطيط، مستندا لشهادات قادة الجيش المصري في حرب فلسطيين وسياسيين كثيرين ومفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني، الذي أشاد بدورهم منذ العام 1936. ولم يقتصر ذلك على مصر، حيث دخل متطوعو الإخوان المسلمين، وكان بينهم أقباط بالمناسبة، فلسطين قبل الجيش المصري. وفي الأردن، قاد مؤسّس الجماعة، عبد اللطيف أبو قورة، وكان من كبار تجار عمّان، كتيبتهم بعد أن جهّزها من ماله الخاص. وكذلك قاد مؤسّسهم في سورية، عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة دمشق، مصطفى السباعي، كتيبة الإخوان السوريين، وهو ما فعله مؤسّس "الإخوان" في العراق، محمد محمود الصواف.
في خريف عام 1948، أُلقي القبض على سيارة "جيب" في حي العباسية بالقاهرة، وبداخلها أوراق ومستندات وأسماء قيل إنها تتبع "التنظيم الخاص" داخل جماعة الإخوان المسلمين. هذه الحادثة، التي أصبحت لاحقا معروفة باسم "قضية السيارة الجيب"، شكّلت نقطة تحوّل في علاقة الجماعة بالدولة المصرية، وكانت تمهيدا لحملة واسعة من الاعتقالات، انتهت لاحقا باغتيال مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا.
القضية كانت سياسية بامتياز، رغم غلافها الأمني، واللافت أن محكمة الجنايات المصرية عام 1951 لم تُدن الجماعة كتنظيم، بل حمّلت بعض الأفراد مسؤولية العمل المسلح، مؤكّدة أن الجماعة الأم لم تكن تسعى لقلب نظام الحكم، ولا توجد أدلّة كافية لاتهام مكتب الإرشاد.
اليوم، بعد أكثر من سبعة عقود، تعود ذات الديناميكية في الأردن، حيث أُثيرت مؤخرا قضية أمنية ضد أفراد محسوبين على جماعة الإخوان، بتهمة تصنيع أسلحة بهدف تهريبها إلى الضفة الغربية. الجديد في هذه القضية - كما تشير محاضر التحقيق - ليس نيّة التهريب، بل محاولة تصنيع السلاح داخل الأردن، وهو تطوّر غير مسبوق يُستثمر سياسيا لإعادة فتح ملف الجماعة.
إن إحياء "رواية السيارة الجيب" من جديد في سياقات عربية مختلفة هو في الحقيقة إعادة إنتاج لفكرة أن التنظيمات الإسلامية، حتى السلمية منها، تحمل مشروعا سريّا مُهددا للدولة، وهو تصوّر يتجاهل تاريخا طويلا من العمل العلني، والمواقف الوطنية، والدعوة إلى الإصلاح عبر صناديق الاقتراع لا البنادق.
إذن، فقد حملت كل قيادات الجماعة في ذلك الوقت السلاح، وقاتلت ضد المشروع الصهيوني، لكن هل نقلت تلك الخبرة القتالية إلى بلادها ومارست العنف؟ عاد السباعي إلى الجامعةوالبرلمان والعمل السياسي، وكذلك الصواف وأبو قورة. المفارقة أن قائد "الإخوان"، والذي وثق تجربتهم العسكرية في كتابيه "الإخوان المسلمون في حرب فلسطيين" و"المقاومة السرية في قناة السويس"، كامل الشريف، لجأ إلى الأردن بعد المواجهة مع عبد الناصر، وأسّس صحيفة الدستور وصار وزيرا للأوقاف.
بلغ الإسفاف والفجور في الخصومة إلى درجة الإساءة لتاريخ البلد، فالملوك هم أولى بفهم الدستور والقانون واللحظة السياسية. اللغة الاتهامية لا تليق بالعرش الهاشمي، من لدن الملك المؤسس عبدالله، الذي افتتح مقرّهم، كما تُدين أحمد الطراونة الذي جاء لهم بالترخيص، وتُدين الملك حسين والملك عبدالله الثاني الذين استقبلوا قياداتهم في المقر العامر، وأشركوهم في الحكومات ومجالس التشريع و .. إلخ.
تاريخ سبعة عقود لا يُختزل بمداخلة تلفزيونية أو منشور على منصّات التواصل. وهو إساءة لجيل دافع عن الأردن وفلسطين بغزير الدماء وعزيز النفوس.
عندما جهز عبداللطيف أبو قورة وهارون الجازي سريّة أبو عبيدة للدفاع عن القدس هل كانوا تنظيما سريا يستغفل النظام؟! عندما استشهد رضوان رجا كريشان في حرب الاستنزاف في الكتيبة التي شكّلها عبدالله عزام؛ هل كان يقاتل خلسة؟!
الإخوان يحتاجون تجديدا في الفكر، على قاعدة الفخر بتاريخهم وما قدّموه لأمّتهم، دعوة الخالدين هي سلسلة ممتدة إلى النبي " قدوتنا" وليست حزبا ولا تنظيما. هي "روح جديدةتسري في هذه الأمة، فتحييهبالقرآن"؛ على قول حسن البنا.
التنظيم ليس مقدّسا، ولا مدنّسا. هو آلية تتغير بتغير الزمن. وبعيدا عن اللغة الاتهامية والتحريضية، فقد دعوت أكثر من مرة إلى تجديد هذه الدعوة، ومراجعة الأخطاء والتوبة عنها، والبناء على المنجزات التي حقّقتها. ثمة لقاء بين متطرّفي الإخوان ومتطرفي الدولة في التركيز على الوسيلة والشكل، وترك الهدف والمعنى.
عليه أدعو إلى حلّ التنظيم الذي عرفناه خلال عقود، وبناء آليات عمل تتجاوزه وصولا إلى تحقيق الأهداف التي سعى إليها. وهي أهداف تتطابق تماما مع رؤية بناء مجتمع القيم، وهو هدف أي دولة. وتلك القيم هي التي يُربى عليها الفرد والأسرة والمجتمع، وهي التي تحقّق سيادة القانون والدستور؛ فالالتزام بالقانون يكون طاعة لله وتحقيقا لرضاه، وليس خوفا من السلطة.
هل تعلم إن المراقب العام الأسبق محمد عبدالرحمن خليفة كان وراء فكرة قانون المالكين والمستأجرين وهو من أقنع الملك المؤسّس بها، من خلال عمله كمحام؟
ثم يأتيك تكفيري، أو من الإخوان ويقول قوانين وضعية وحكم بغير ما أنزل الله!
الدولة، النظام، القانون.. هذه منجزاتبشرية لعمارة الأرض وحفظ النوع البشري. الإسلام هو قيم عليا ومعايير سامية للفرد والمجتمع، يسعى إليها المخلصون.
لا نستبق حكم القضاء، ولكن على أسوأ تقدير لو ثبت كل ما أورده الادعاء العام، هل مصلحة الأردن تحويل قوةً سياسية حصلت على نصف مليون صوت إلى فصيل إرهابي ؟
هل يمكن بحكم قضائي ضبط غضب الناس تجاه جرائم الاحتلال ؟
للتذكير عندما أقدم الجندي الأردني أحمد الدقامسة على إطلاق النار على طالبات إسرائيليات ، وهو عمل أرفضه شخصيا، لم يبق محام في الأردن لم يترافع عنه وكان أبرزهم نقيب المحامين حسين مجلي وصار بعدها وزيرا وكان من هيئة الدفاع هاني الخصاونة رئيس التشريفات الملكية وزير الأعلام الأسبق. لم يجرّم من تصدى للدفاع عنه، بل لم تجد من يهاجمه
وفي غضون العدوان على غزة احتفل الأردنيون بالشهيد الجازي رغم أن ما أقدم عليه مخالف للقانون.
قصارى القول سيظل الأردن مؤثرا ومتأثرا بالقضية الفلسطينية، ولا يمكن فصله عنها ، ومن المهم أن تكون عامل توحيد للدولة والمجتمع لا عامل تقسيم واستقطاب .
وستظل الحركة الإسلامية بعثراتها وأنجازاتها جزءا من تاريخ البلاد وحاضرها ، ومن المهم أن تحل مشاكلها مع الدولة بالتفاهم والحوار لا التشاكس والصدام . وهي رصيد وذخر وعون لا عبء .
لنترك القضاء يقول كلمته، ولنستغل الفضاء السياسي والرقمي والإعلامي في جبر مصاب أهلنا في غزة بخاصة، وفلسطين عامة.
ولنرص الصفوف لمواجهة الخطر الداهم، عدوا صهيونيا منفلتا مع إدارة أميركية حمقاء، وموقف عربي مفكك.
بحسب زاوية النظر يمكن الحكم على قضية اتهام أفراد من الإخوان المسلمين في الأردن بتصنيع صواريخ ومسيّرات وحيازة متفجرات بقصد استخدامها في الأردن. فمن نظر لها من زاوية أمنيةمحضة، فكل ما قيل من ادعاءات صحيح. فجهاز الأمن لا يُحسن الظنّبمن امتلك أي قطعة سلاح بشكل غير قانوني، فكيف بالتصنيع؟ وانتماء تلك المجموعة لجماعة الإخوان يدفع بوضع الجماعة كلها نحو دائرة الاتهام. من زاوية قانونية، فإن الحيازة - مجرّد الحيازة - بمعزل عن النوايا هي جريمة. سياسيا هنا يمكن قراءة القضية من زاوية التضامن مع المعتقلين وإحسان الظن بهم، في سياق قضايا مشابهة من قضية السيارة الجيب في مصر قبل سبعين عاما إلى قضايا مشابهة كُشف أو لم يُكشف عنها خلال العقود الماضية. ما شهدته وسائل الإعلام ومنصّات التواصل كان تسييسا في الاتجاهين؛بين رأي عام عربي وجزء كبير من الرأي العام الأردني يرى في المعتقلين ثلة من الشباب المناصر لفلسطين، حاول مساندة الفلسطينيين الذين يتعرّضون لحرب إبادة بقليل من السلاح. وتسيّيس مناقض من جانب إعلام الدولة ومن حالفها من الدول يرى الإخوان عموما إرهابيين وما المجموعة المعتقلة سوىدليل على تورّط الجماعة بالإرهاب. وأسوأ من ذلك كله هو لعب مجموعة، ليس ذباب الموساد عنها ببعيد، على وتر الغرائز وإثارة انقسام أردني فلسطيني. قبل الحديث سياسيا، لا بد من الاستدراك قانونيا بأن لائحة الاتهام لا تعني الإدانة فقد يبرّأ المتهمون في الدرجة الأولى من المحاكمة، وقد يبرّؤون في الدرجة الأخيرة من التمييز. وأذكر في بدايات عملي الصحفي وفي العام ١٩٩٣، غطّيت القضية المعروفة باسم قضية "جامعة مؤتة"، وكان معتقلا فيها النائب السابق وعضو مجلس الأعيان عمر عياصرة. وأصدرت محكمة أمن الدولة أحكام إعدام ومؤبّد في القضية،لكنها عندما وصلت لمحكمة التمييز،أصدر القاضي عبدالمجيد الغرابية حُكما ببراءة جميع المتّهمين، وكان صالح العرموطي أحد محامييهم.واعتمد القاضي في البراءة على عدم توفّر ركني: المؤامرة ووجود الأداة، وتلاقي الإرادات الحرة. واعتبر إن الاعترافات غير صحيحة بعد إثبات واقعة التعذيب والإكراه. بانتظار الحكم القضائي النهائي تُقرأ القضية سياسيا في إطار علاقة العلاقة الأردنية الفلسطينية جغرافيا وديموغرافيا. فالأردن يشكل أطول حدود مع كيان العدو يمتدّ نحو 335 كممتاخمة لطول الحدود مع فلسطين التاريخية ذات العمق المحدود باتجاه البحر المتوسط. ولا تبعد القدس عنها، وكذلك مفاعل ديمونا أكثر من ١٥ كلم، وفوق ذلك نحو نصف السكان بين لاجئين ونازحين فلسطينيين تجنّسوا بالجنسية الأردنية عقب وحدة الضفتين في ١٩٥٠. وبمعزل عن قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية في ١٩٨٨، فإن القضية الفلسطينية ظلّت قضية أردنية داخلية، خصوصا إن القرار شمل من كانوا يقيمون وقتها في الضفة الغربية ولم يشمل من يقيمون في الضفة الشرقية، وحتى قبل وحدة الضفتين، دخل الجيش العربي الأردني القدس باعتبارها أرضا عربية دون أن تكون له سيادة قانونية عليها. وبعد احتلال الضفة الغربية عام ١٩٦٧، لم يكن الأردن يرفض مبدأ المقاومة لاستعادة الأرض الأردنية المحتلة، لكنه رفض مبدأ كل السلطة للمقاومة الذي نتجت عنه أحداث السبعين وخروجقوات منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان. هذه الحقائق تتفاعل مع اللحظة السياسية المشتعلة منذ ٧ أكتوبر. لم تكن هذه القضية هي الأولى، فتاريخيا ظلّت حماس جزءا لا يتجزّأ من الإخوان في الأردن، وكان العمل معها مثل العمل في أي من أقسام الإخوان. ومن تجربتي الشخصية إلى أن غادرت الإخوان في عام ١٩٩٧، لم يكن ثمة فصل تنظيمي بين الحركتين. كان معنا في جامعة اليرموك في كلية الهندسة عباس السيد الذي يقضي 35مؤبدا بتهمة نشاطه كقيادي في كتائب القسام في الضفة، وكان محمد نصر، أحد قيادات الحركة وأبرز مفاوضيها في كلية العلوم، وبعد التخرّج عمل سميح المعايطة الذي صار لاحقا وزير الإعلام في الحكومة الأردنية متفرّغا في المكتب السياسي لحركة حماس الذي كان يرأسه آنذاك الدكتور موسى أبو مرزوق. لم يدخل المكتب السياسي لحماس إلى الأردن تسلّلا، بل دخل باتفاق بعد اكتشاف قضية تهريب أسلحة كبرى كان متّهما فيها الشيخ نمر العساف، رحمه الله، وهو أحد شيوخ العدوان المعدودين، وكبار مُلاك الأراضي في عمان. وقد وضع الشيخ الاعتقال ضمن سيرته الذاتية عندما ترشّح للانخابات النيابية. فمع أن تهريب السلاح وتخزينه جريمة قانونية، إلا إنه ميّزة سياسية في المقابل. وفي انتخابات ١٩٨٩، كان من دعاية المرشحين بمن فيهم سيف الدين مراد (الشركسي) وبسام حدادين (المسيحي) العمل مع الفصائل الفلسطينية المسلّحة من الجبهة الديموقراطية إلى النضال الشعبي. في عقد التسيعنيات كان الأردن يئن من آلام الحصار الذي فرضته أمريكابعد وقوفه مع العراق في حرب الخليج الثانية. وكان الملك حسين يرى في الحركة الاسلامية حليفا تاريخيا يواجه به حصارا خارجيا وضغوطا داخلية. وكان ينظر لحماس باعتبارها جزءا من الحركة الاسلامية، وفوق ذلك حليفا له في مواجهة أبو عمار الذي كان ينازعه على فلسطيني مملكته. لاحقا سُويّت قضية الأسلحة أمنيا ولم تصدر فيها أحكام. وعُقد اتفاق مع مدير المخابرات وقتها (مصطفى القيسي)، يقضي باستضافة المكتب السياسي لحماس برئاسة الدكتور موسى أبو مرزوق، وهو من قطاع غزة وليس أردنيا. لم تتوقف محاولات التهريب والتسلل والتصنيع حتى بعد الاتفاق، ومن القضايا اللافتة كانت قضية شباب عجلون ( الغرايبة والربابعة ) الذين حاولوا تصنيع متفجرات من حقول الألغام التي زرعها الجيش ، وكانوا من الحركة الإسلامية في الجامعة وحكموا بالمؤبد وخرجوا بالعفو العام. بالنتيجة، انتهى الاتفاق مع حماس بوفاة الملك حسين وإخراج قيادات حماس من الأردن، بمن فيهم حملة الجنسية الأردنية في نهاية عام ١٩٩٩. ظلّت حماس ملتزمة بعدم فتح جبهة من الأردن، أو ممارسة عمل عسكري على أرضه، لكنها لم تلتزم تماما بعدم تهريب السلاح. المؤسف في حملات التحريضوالاستقطاب ظهور منسوب عال من الجهل بتاريخ الأردن والإخوان والقضية الفلسطينية في ظل نزعات العنصرية والكراهية. تاريخيا الإخوان دعوة سلمية، مارست العنف في مقاومة الاحتلال البريطاني لمصر والإسرائيلي في فلسطين، وتوّجت حركة حماس هذا المنحى، لكن سبقها حضور عسكري جهادي منذ العام 1948. هنا تحضر قضية السيارة الجيب، والتي حُوكم فيها النظام الخاص للإخوان، في العهد الملكي في مصر. وتُشكّل تلك المحاكمة التي برّأت "الإخوان المسلمين" من العنف والإرهاب، على الرغم من ضبط الأسلحة والمتفجّرات في السيارة، أقرب إلى مراجعة فكرية سياسية قانونية مُنصفة، دفعت رئيس المحكمة، المستشار أحمد كامل، إلى الانضمام للجماعة، بعد أصدار الحكم المخفّف على المتهمين وتبرئة أكثرهم. يقول نصّ الحكم عن المتّهمين: "ولما وجدوا أن العقبة الوحيدة في سبيل إحياء الوعي القومي في هذه الأمة هي جيش الاحتلال... فاتّحدت إرادتهم على القيام بأعمال قتل ونسف وغيرها، مما قد لا يضرّ المحتلين بقدر ما يودي بمواطنيهم، وذهبوا في سبيل ذلك مذهبا شائكا، منحرفين عن الطريق الذي رسمه لهم رؤساؤهم، والذي كان أساسا قويّا لبلوغهم أهدافهم. وحيث أنه يتبيّن من كل هذا أن هذه الفئة الإرهابية لم تحترف الجريمة، وإنما انحرفت عن الطريق السوي، فحقّعلى هذه المحكمة أن تلقّن أعضاءهادرسا". ميّز القاضي بين احتراف العنف والانحراف نحوه بدون تخطيط، مستندا لشهادات قادة الجيش المصري في حرب فلسطيين وسياسيين كثيرين ومفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني، الذي أشاد بدورهم منذ العام 1936. ولم يقتصر ذلك على مصر، حيث دخل متطوعو الإخوان المسلمين، وكان بينهم أقباط بالمناسبة، فلسطين قبل الجيش المصري. وفي الأردن، قاد مؤسّس الجماعة، عبد اللطيف أبو قورة، وكان من كبار تجار عمّان، كتيبتهم بعد أن جهّزها من ماله الخاص. وكذلك قاد مؤسّسهم في سورية، عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة دمشق، مصطفى السباعي، كتيبة الإخوان السوريين، وهو ما فعله مؤسّس "الإخوان" في العراق، محمد محمود الصواف. في خريف عام 1948، أُلقي القبض على سيارة "جيب" في حي العباسية بالقاهرة، وبداخلها أوراق ومستندات وأسماء قيل إنها تتبع "التنظيم الخاص" داخل جماعة الإخوان المسلمين. هذه الحادثة، التي أصبحت لاحقا معروفة باسم "قضية السيارة الجيب"، شكّلت نقطة تحوّل في علاقة الجماعة بالدولة المصرية، وكانت تمهيدا لحملة واسعة من الاعتقالات، انتهت لاحقا باغتيال مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا. القضية كانت سياسية بامتياز، رغم غلافها الأمني، واللافت أن محكمة الجنايات المصرية عام 1951 لم تُدن الجماعة كتنظيم، بل حمّلت بعض الأفراد مسؤولية العمل المسلح، مؤكّدة أن الجماعة الأم لم تكن تسعى لقلب نظام الحكم، ولا توجد أدلّة كافية لاتهام مكتب الإرشاد. اليوم، بعد أكثر من سبعة عقود، تعود ذات الديناميكية في الأردن، حيث أُثيرت مؤخرا قضية أمنية ضد أفراد محسوبين على جماعة الإخوان، بتهمة تصنيع أسلحة بهدف تهريبها إلى الضفة الغربية. الجديد في هذه القضية - كما تشير محاضر التحقيق - ليس نيّة التهريب، بل محاولة تصنيع السلاح داخل الأردن، وهو تطوّر غير مسبوق يُستثمر سياسيا لإعادة فتح ملف الجماعة. إن إحياء "رواية السيارة الجيب" من جديد في سياقات عربية مختلفة هو في الحقيقة إعادة إنتاج لفكرة أن التنظيمات الإسلامية، حتى السلمية منها، تحمل مشروعا سريّا مُهددا للدولة، وهو تصوّر يتجاهل تاريخا طويلا من العمل العلني، والمواقف الوطنية، والدعوة إلى الإصلاح عبر صناديق الاقتراع لا البنادق إذن، فقد حملت كل قيادات الجماعة في ذلك الوقت السلاح، وقاتلت ضد المشروع الصهيوني، لكن هل نقلت تلك الخبرة القتالية إلى بلادها ومارست العنف؟ عاد السباعي إلى الجامعةوالبرلمان والعمل السياسي، وكذلك الصواف وأبو قورة. المفارقة أن قائد "الإخوان"، والذي وثق تجربتهم العسكرية في كتابيه "الإخوان المسلمون في حرب فلسطيين" و"المقاومة السرية في قناة السويس"، كامل الشريف، لجأ إلى الأردن بعد المواجهة مع عبد الناصر، وأسّس صحيفة الدستور وصار وزيرا للأوقاف. بلغ الإسفاف والفجور في الخصومة إلى درجة الإساءة لتاريخ البلد، فالملوك هم أولى بفهم الدستور والقانون واللحظة السياسية. اللغة الاتهامية لا تليق بالعرش الهاشمي، من لدن الملك المؤسس عبدالله، الذي افتتح مقرّهم، كما تُدين أحمد الطراونة الذي جاء لهم بالترخيص، وتُدين الملك حسين والملك عبدالله الثاني الذين استقبلوا قياداتهم في المقر العامر، وأشركوهم في الحكومات ومجالس التشريع و .. إلخ. تاريخ سبعة عقود لا يُختزل بمداخلة تلفزيونية أو منشور على منصّات التواصل. وهو إساءة لجيل دافع عن الأردن وفلسطين بغزير الدماء وعزيز النفوس. عندما جهز عبداللطيف أبو قورة وهارون الجازي سريّة أبو عبيدة للدفاع عن القدس هل كانوا تنظيما سريا يستغفل النظام؟! عندما استشهد رضوان رجا كريشان في حرب الاستنزاف في الكتيبة التي شكّلها عبدالله عزام؛ هل كان يقاتل خلسة؟! الإخوان يحتاجون تجديدا في الفكر، على قاعدة الفخر بتاريخهم وما قدّموه لأمّتهم، دعوة الخالدين هي سلسلة ممتدة إلى النبي " قدوتنا" وليست حزبا ولا تنظيما. هي "روح جديدةتسري في هذه الأمة، فتحييهبالقرآن"؛ على قول حسن البنا. التنظيم ليس مقدّسا، ولا مدنّسا. هو آلية تتغير بتغير الزمن. وبعيدا عن اللغة الاتهامية والتحريضية، فقد دعوت أكثر من مرة إلى تجديد هذه الدعوة، ومراجعة الأخطاء والتوبة عنها، والبناء على المنجزات التي حقّقتها. ثمة لقاء بين متطرّفي الإخوان ومتطرفي الدولة في التركيز على الوسيلة والشكل، وترك الهدف والمعنى. عليه أدعو إلى حلّ التنظيم الذي عرفناه خلال عقود، وبناء آليات عمل تتجاوزه وصولا إلى تحقيق الأهداف التي سعى إليها. وهي أهداف تتطابق تماما مع رؤية بناء مجتمع القيم، وهو هدف أي دولة. وتلك القيم هي التي يُربى عليها الفرد والأسرة والمجتمع، وهي التي تحقّق سيادة القانون والدستور؛ فالالتزام بالقانون يكون طاعة لله وتحقيقا لرضاه، وليس خوفا من السلطة. هل تعلم إن المراقب العام الأسبق محمد عبدالرحمن خليفة كان وراء فكرة قانون المالكين والمستأجرين وهو من أقنع الملك المؤسّس بها، من خلال عمله كمحام؟ ثم يأتيك تكفيري، أو من الإخوان ويقول قوانين وضعية وحكم بغير ما أنزل الله! الدولة، النظام، القانون.. هذه منجزاتبشرية لعمارة الأرض وحفظ النوع البشري. الإسلام هو قيم عليا ومعايير سامية للفرد والمجتمع، يسعى إليها المخلصون. لا نستبق حكم القضاء، ولكن على أسوأ تقدير لو ثبت كل ما أورده الادعاء العام، هل مصلحة الأردن تحويل قوةً سياسية حصلت على نصف مليون صوت إلى فصيل إرهابي ؟ هل يمكن بحكم قضائي ضبط غضب الناس تجاه جرائم الاحتلال ؟ للتذكير عندما أقدم الجندي الأردني أحمد الدقامسة على إطلاق النار على طالبات إسرائيليات ، وهو عمل أرفضه شخصيا، لم يبق محام في الأردن لم يترافع عنه وكان أبرزهم نقيب المحامين حسين مجلي وصار بعدها وزيرا وكان من هيئة الدفاع هاني الخصاونة رئيس التشريفات الملكية وزير الأعلام الأسبق. لم يجرّم من تصدى للدفاع عنه، بل لم تجد من يهاجمه . وفي غضون العدوان على غزة احتفل الأردنيون بالشهيد الجازي رغم أن ما أقدم عليه مخالف للقانون . قصارى القول سيظل الأردن مؤثرا ومتأثرا بالقضية الفلسطينية، ولا يمكن فصله عنها ، ومن المهم أن تكون عامل توحيد للدولة والمجتمع لا عامل تقسيم واستقطاب . وستظل الحركة الإسلامية بعثراتها وأنجازاتها جزءا من تاريخ البلاد وحاضرها ، ومن المهم أن تحل مشاكلها مع الدولة بالتفاهم والحوار لا التشاكس والصدام . وهي رصيد وذخر وعون لا عبء . لنترك القضاء يقول كلمته، ولنستغل الفضاء السياسي والرقمي والإعلامي في جبر مصاب أهلنا في غزة بخاصة، وفلسطين عامة. ولنرص الصفوف لمواجهة الخطر الداهم، عدوا صهيونيا منفلتا مع إدارة أميركية حمقاء، وموقف عربي مفكك.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الإخوان الضفة حماس الاردن حماس الإخوان الضفة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المکتب السیاسی لحماس القضیة الفلسطینیة الحرکة الاسلامیة الإخوان المسلمین الحرکة الإسلامیة جماعة الإخوان الضفة الغربیة تهریب السلاح الجیش المصری ومن المهم أن فی هذه الأمة من الإخوان هذه القضیة إلى الأردن الإخوان فی ات التواصل الملک حسین للدفاع عن سبعة عقود حسن البنا فی الأردن س الجماعة منذ العام فی الدرجة من الأردن عن الطریق من الحرکة ظل ت حماس قاد مؤس س العمل مع بمن فیهم أبو قورة الذی کان من زاویة فی جامعة فی الضفة أکثر من وکان من فی کلیة فی سبیل هی التی ما أقدم أن تکون جزءا من هل کان عام 1948 کان من یرى فی فی مصر ت قضیة وهو من لم تکن لم یکن
إقرأ أيضاً:
عربي21 تستعرض تاريخ 80 عاما من العلاقة بين الإخوان والدولة في الأردن
أعلن وزير الداخلية الأردني مازن الفراية الأربعاء، حظر جماعة الإخوان المسلمين، بوصفها "جماعة منحلة"، وشدد على إغلاق كافة مقراتها، ومنع وسائل الإعلام من التعاطي مع ما يصدر عنها أو عن قياداتها.
وبين الفراية أنه سيتم "تسريع عمل لجنة الحل المكلفة بمصادرة ممتلكات الجماعة وفقاً للأحكام القضائية ذات العلاقة"، في إشارة إلى قرار صادر عام 2020 بمصادرة ممتلكات الجماعة، لكنه لم يُطبّق بشكل فعلي.
ولفت إلى "اعتبار الانتساب لما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين المنحلة أمراً محظوراً"، كما تقرر "حظر الترويج لأفكار الجماعة تحت طائلة المساءلة القانونية".
إعلان الفراية الذي جاء بعد أيام من كشف جهاز المخابرات العامة عن خلايا كانت تعمل على "المساس بالأمن الوطني" وربط بعض أعضائها بـ"الإخوان المسلمين"، يمثّل المرحلة الأكثر سوءا في العلاقة بين الجماعة والدولة، والتي تعود إلى 80 عاما للوراء.
نستعرض في هذا التقرير العلاقة التاريخية بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين:
مباركة الملك المؤسس
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن رسميًا في 1945، بعد موافقة السلطات الأردنية على تسجيلها كجمعية خيرية، وكان أول مراقب عام لها عبد اللطيف أبو قورة، حيث حظيت الجماعة حينها بمباركة الملك المؤسس عبد الله الأول الذي حضر إعلان إشهار الجماعة. (كان حينها أميرا لإمارة شرق الأردن).
ومنذ اللحظة الأولى، كانت العلاقة بين الجماعة والنظام تقوم على التحالف غير المعلن في مواجهة التيارات اليسارية والقومية.
ومع وصول الملك الشاب حينئذ الحسين بن طلال إلى السلطة، وإصداره في 1953، قرارًا بتوسيع الحريات العامة، توسع نشاط الإخوان، رغم أن بعض نشاطاتهم أثارت حنق السلطات حينها، مثل احتجاجهم على "حلف بغداد" عام 1955، ما أدى إلى اعتقال عدد من قياداتهم في مقدمتهم المراقب العام حينها محمد عبد الرحمن خليفة.
وتزايد نشاط الإخوان وأسسوا جريدة "الكفاح الإسلامي" التي رأس تحريرها الراحل يوسف العظم، وشاركوا في مجلس النواب بعد فوزهم بأربعة مقاعد عام 1956، علما أنهم لم يشاركوا بقائمة منفصلة لوحدهم.
الوقوف مع الملك حسين
على مدار 47 عاما حكم خلالها الملك حسين الأردن (1952-1999)، شهدت العلاقة بين الإخوان المسلمين والدولة الأردنية تحولات عديدة، إلا أن الجماعة وقفت مع الملك حسين في المنعطفات الهامة والخطيرة.
ففي العام 1957، انحازت الجماعة إلى صف الملك حسين ضد محاولة الانقلاب عليه من قبل حكومة سليمان النابلسي، وحركة "الضباط الأحرار" الذين كان يقودهم علي أبو نوار.
وقبيل ذلك، استفادت "الإخوان" من كونها مصنفة كـ"جمعية خيرية" وبالتالي لم يتم شملها بقرار حظر الأحزاب السياسية عام 1957.
بعد نكسة حزيران 1967، سجّلت جماعة الإخوان المسلمين موقفا آخر إلى جانب الدولة الأردنية والملك حسين، حينما نأت بنفسها عن الصراع ضد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
ورفضت الجماعة المشاركة في أحداث أيلول 1970، واعتبرتها "فتنة بين طرفين مسلمين"، مع رفضها وجود "دولة داخل دولة" في إشارة إلى سيطرة الفدائيين على مدن أردنية.
بدوره، أشاد الملك حسين بجماعة الإخوان المسلمين عدة مرات، ووصفهم بأنهم "جزء من شعبه"، لكنه هاجمهم في مراحل لاحقة.
وشهدت فترة السبعينات نشاطا كبيرا للإخوان المسلمين، ودخلوا الحكومة عبر حقيبة وزارة التربية والتي شغلها الراحل إسحاق الفرحان، إضافة إلى نشاطهم الكبير في النقابات المهنية، إلى جانب العمل الخيري عبر "جمعية المركز الإسلامي" التي تأسست في 1963.
إلا أن الدولة كانت تتعامل بحزم ضد الإخوان في بعض المحطات، كاعتقال عدد من قياداتها، ومنع آخرين من الخطابة، بسبب الاحتجاج على زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى عمّان عام 1974.
كما تعرض مجموعة من كوادر وقيادات الإخوان إلى التضييق، والفصل من وظائفهم في الجامعات، ومؤسسات مختلفة في فترة الثمانينات.
ولوحق طلبة من "الإخوان" في الجامعات بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات الطلابية، وأبرزها أحداث جامعة اليرموك 1986.
تسيّد للبرلمان.. وتوتر متصاعد
ومع عودة الحياة البرلمانية إلى الأردن بالتزامن مع قرار فك الارتباط عام 1989، وبعد إلغاء الأحكام العرفية، حصد الإخوان 17 مقعدا من أصل 80 في الانتخابات، وأصبحوا يشكلون كتلة صلبة وترأسوا المجلس لثلاث دورات متتالية عبر الراحل عبداللطيف عربيات، مستفيدين من تنامي شعبيتهم وتزايد النفس الإسلامي بين الأردنيين مع انحسار التنظيمات والأحزاب اليسارية والقومية.
وشارك الإخوان في صياغة "الميثاق الوطني الأردني" الذي دعا إليه الملك الراحل الحسين بن طلال، وأعلنه رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات عام 1991، وبالتزامن عين رئيس الوزراء مضر بدران 5 وزراء من الإخوان في حكومته.
وفي عام 1992 أسست الإخوان ذراعها السياسي المتمثل في "حزب جبهة العمل الإسلامي"، وكان يضم حينها شخصيات غير إخوانية، وبرزت الجماعة والحزب في رفض سياسات الحكومة الداخلية لا سيما فيما يتعلق بالقرارات الاقتصادية.
وأخذت العلاقة بين الدولة و"الإخوان" منذ ذلك الحين منحى تصعيديا، وكان قرار "الصوت الواحد" في انتخابات 1993 مساهما في إضعاف حضور الجماعة في البرلمان، حيث اعتبره "الإخوان" موجها ضدهم.
وتلقت "الإخوان" ضربة كبيرة بتمرير التصويت على معاهدة وادي عربة "اتفاق السلام مع الاحتلال"، عام 1994، حيث صوت غالبية النواب بالموافقة.
ورفضت "الإخوان" المشاركة في انتخابات عام 1997 باعتبارها غير نزيهة، وتدار بتوجيه من الحكومة، والمفارقة حينها أن حركة "حماس" وعبر رئيس مكتبها السياسي حينها خالد مشعل، حاولت التوسط في إقناع الإخوان بالمشاركة في الانتخابات بحسب ما كشف نائب المراقب العام السابق زكي بني ارشيد، حيث كانت العلاقة بين الحركة والأردن جيدة، قبل التوتر اللاحق.
حقبة الملك عبدالله والربيع العربي
مع تولي الملك عبد الله الثاني العرش في 1999، بدأ الأردن في مسار جديد نحو الإصلاحات السياسية والاقتصادية، حيث سعى الملك إلى تحديث الاقتصاد وفتح المجال أمام المشاركة السياسية.
وشهدت العلاقة توترات ومحطات مثيرة، بدءا من إغلاق مكاتب حركة "حماس" وإبعاد قادتها خارج الأردن، ومواقف أخرى مثل اعتقال 4 نواب من "الإخوان" بسبب ذهابهم إلى بيت عزاء "أبو مصعب الزرقاوي" عام 2006، والنواب هم "محمد أبو فارس، وعلي أبو السكر، وجعفر الحوراني، وإبراهيم المشوخي".
كما تعرضت الجماعة لضربة قوية بعد حل الحكومة الهيئة الإدارية لـ" جمعية المركز الإسلامي" عام 2010، وتجميد أموالها.
ومع اندلاع ثورات الربيع العربي، شارك "الإخوان" بقوة في احتجاجات الشارع الأردني، إلا أن الجماعة كانت ترفض رفع سقف المطالب والهتافات، وكانت تدعو لعدم رفع شعار "إسقاط النظام"، مع مطالبتها بضرورة تنفيذ إصلاحات حقيقية تتمثل أولا في انتخابات برلمانية نزيهة تُتنج حكومة منتخبة.
واعتبرت الجماعة أن الوضع السياسي في الأردن غير صحّي، ورفضت المشاركة في انتخابات عام 2013.
وتعرضت الجماعة للتضييق مجددا، وكان اعتقال نائب المراقب العام حينها زكي بني ارشيد عام 2015 بتهمة الإساءة إلى الإمارات، مثالا على تردي العلاقة بين الإخوان والدولة.
الانشقاقات والإقصاء
شهدت جماعة الإخوان المسلمين تصدعا وانشقاقات كبيرة بالتزامن مع انحسار الحراك الشعبي في الأردن، و"الثورات المضادة" في مصر، وتونس.
وكان الانشقاق الأبرز المتمثل في الأمين العام السابق عبد المجيد ذنيبات، رفقة مجموعة من القيادات الذين تم فصلهم من الجماعة بسبب اتهامهم بمحاولة "الانقلاب" على "الإخوان" بالتنسيق مع السلطات.
في آذار/ مارس 2015، وجّهت الحكومة ضربة قاصمة للإخوان، بمنحها ترخيصا جديدا للمجموعة المنشقة بقيادة عبد المجيد ذنيبات تحت مسمى "جمعية جماعة الإخوان المسلمين"، واعتبارها الجماعة الأصلية غير مرخصة.
وفي العام 2016، أغلقت السلطات الأردنية المقر الرئيسي للإخوان في عمان وبعض المكاتب الفرعية في محافظات أخرى، بحجة أن الجماعة تعمل بدون ترخيص قانوني بعد الاعتراف بالجمعية المنشقة، ليصدر قرار قضائي في 2020 بحل الجماعة ونقل ممتلكاتها إلى الجمعية، وهو ما لم يتم تنفيذه على أرض الواقع لغاية إعلان الفراية عن الإجراءات الجديدة.
وبدأت الحكومة بالتحقيق في الأصول المالية للإخوان، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على الجماعة.
وواجهت الجماعة قيودًا متزايدة على تنظيم الفعاليات العامة، مثل المؤتمرات والمسيرات. كما تم منع بعض قيادات الإخوان من السفر أو الظهور الإعلامي.
كما ضيقت الحكومة على "جمعية المحافظة على القرآن الكريم" وجمدت العشرات من فروعها بحجة مخالفة بعض التعليمات.
واستخدمت الحكومة سلاح "الترخيص" ضد الذراع الإعلامي لحزب جبهة العمل الإسلامي المتمثل في قناة "اليرموك" التابعة لحزب جبهة العمل الإسلامي، حيث تم التضييق عليها ومنعها من العمل.
ما بعد حرب غزة
وبعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في تشرين أول/ أكتوبر 2023، اعتقلت السلطات الأردنية العشرات من كوادر وقيادات الإخوان، علما أن شعبية الجماعة أخذت بالاتساع، وحصدوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة 2024 نحو نصف مليون صوت، ليصل 31 نائبا من الإسلاميين إلى البرلمان.
وخلال الشهور الماضية شنت وسائل إعلام وكتاب ومسؤولين سابقين في الأردن هجوما لاذعا على الإخوان، وطالبوا بحظرها، وهو ما تم بالفعل تنفيذا لقرار سابق.
وكانت دعوات "الإخوان" للتوجه نحو الحدود الفلسطينية، ومحاصرة سفارة الاحتلال في منطقة الرابية، عاملا هاما تردي العلاقة مع الحكومة الأردنية، رغم التصريحات المباشرة لأمين عام "الإخوان" مراد العضايلة بتهدئة الشباب، وإقناعهم بعدم جدوى محاولة تنفيذ أي عمليات داخل فلسطين المحتلة.
وقال العضايلة بعد عملية الشابين عامر أبو غزالة وحسام قواس في البحر الميت العام الماضي: "رسالتي لشباب الحركة الإسلامية بعد عملية البحر الميت هي ألا تتعجلوا، المعركة قادمة، ونحن في الأردن دولة، ولدينا جيش وقيادة".