مع دخولها اليوم السادس تأخذ الاحتجاجات الشعبية في السويداء السورية زخما تصعيدا من ناحية نسبة المشاركة والهتافات التي تعلو وتطالب بـ"إسقاط النظام السوري" وخلفية الفئات المتواجدة في الشارع، والتي باتت تنسحب على كافة شرائح المحافظة ذات الغالبية الدرزية.

وبعدما هتفوا في اليوم الأول بشعارات تندد بسوء الوضع المعيشي في سوريا ككل باتت السمة الأبرز للاحتجاجات المتواصلة، وهي الأكبر من نوعها في جنوب سوريا، المطالبة بإسقاط النظام ورئيسه بشار الأسد، وتطبيق القرارات الأممية الخاصة بالحل في سوريا، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 2254.

ويشارك في الاحتجاجات رجال دين ومثقفون وناشطون سياسيون معارضون وناشطات نسويات، حسب ما توثق تسجيلات مصورة تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ويجتمع كل هؤلاء في أثناء هتافهم جنبا إلى جنب وبشكل رئيسي في "ساحة السير" وسط المدينة.

وبينما يرددون الهتافات المناهضة للنظام السوري تعتليهم راية لطالما رفعت في المحافظة خلال المحطات الحساسة التي عاشتها على مدى سنوات، وتتألف من خمسة ألوان، وتعرف بين أوساط المجتمع هناك بـ"راية أو بيرق الخمسة حدود".

وكانت أوساط مقربة من النظام السوري قد اعتبرت رفع "الراية" على أنها "مؤشر يدل على دعوات الانفصال والحكم الذاتي"، لكن صحفيين وناشطين محتجين من السويداء ينفون ذلك، ويؤكدون أنها "رمز يتجاوز المسألة المذهبية والدينية ولا يحمل أي تفسير سياسي".

"رمز لمكافحة الطغيان"

وهذه المرة الأولى التي تشهد فيها السويداء السورية جنوبي البلاد هذا الزخم الكبير من الاحتجاجات، والتي لم تعد تقتصر على مطالب معيشية بل تعدت هتافاتها للمطالبة بإسقاط النظام وتطبيق القرارات الأممية الخاصة بالحل في سوريا.

وإلى جانب "راية الخمسة حدود" وثقت تسجيلات مصورة نشرتها شبكة "السويداء 24" المحلية التي توفر التغطية الإخبارية للاحتجاجات كيف رفع متظاهرون الراية الخاصة بالثورة السورية وإلى جانبها العلم الأحمر ذو النجمتين الذي يعتمده النظام السوري.

كما وثقت تسجيلات أخرى مشاركة من "عشائر البدو" المتواجدين في أطراف المحافظة ضمن المتظاهرين ورفعهم لراية خاصة بهم، الأمر الذي يراه مراقبون تأكيدا على أن رفع "راية الخمسة حدود" لا تؤشر إلى "دعوات الحكم الذاتي"، كما تزعم أوساط مقربة من النظام.

وتحظى السويداء برمزية وموقع حساس في سوريا، وتسمى بـ"حاضرة بني معروف".

ويوضح الأكاديمي والناشط السياسي الدكتور فايز قنطار أنه "وعبر تاريخ بني معروف الموحدون الدروز أخذت راية (خمسة حدود) دلالة رمزية تتجاوز المسألة الدينية أو المذهبية".

ويقول لموقع "الحرة": "في كل مرة وعندما تتعرض أي مجموعة للخطر في المحافظة تدافع عن نفسها تحت هذه الراية".

"واجه بني معروف حملات متعددة عبر التاريخ من القمع والقهر، وأشهرها حملات إبراهيم باشا عندما احتل بلاد الشام إذ رفضوا التجنيد الإجباري، مؤكدين أن ليس لديهم بنادق للإيجار".

و"عاد التاريخ نفسه"، بحسب تعبير المتحدث، بعدما رفض أهالي السويداء تجنيد أبنائهم ضمن صفوف النظام السوري، بعد انطلاقة الثورة السورية.

ويشرح الناشط السياسي أن "رفضهم للتجنيد دفع إبراهيم باشا لإطلاق 3 حملات وخاض حربا ضروس ضدهم"، وأنه "تحت هذه الراية تجمع قسم كبير من عشائر البدو والمسيحيين والدروز قبل عقود طويلة لمواجهة ما أطلق ضدهم".

"الراية أصبحت منذ تلك الفترة رمزا لمكافحة الطغيان والعدوان، واستنفار الهمم ولتوحيد الكلمة"، ويؤكد قنطار أنها "تتجاوز المسألة المذهبية، وتشكل رمزا لحشد الناس في حالات التعرض للتهديد".

ويضيف الصحفي والباحث السوري، نورس عزيز أن "الراية لها رمزية دينية معينة، وتخرج مع بقية البيارق في حالات الحرب أو التهديد الوجودي لأهالي جبل العرب".

و"الراية ذاتها تم رفعها في أثناء الثورة السورية الكبرى التي انطلقت من السويداء ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925".

ويوضح عزيز لموقع "الحرة" أن "وجودها محفز لتواجد المؤسسة الدينية التي لها ثقل كبير جدا وداعم للحراك".

واللافت في الاحتجاجات الحالية مشاركة كافة أطياف المجتمع في السويداء فيها، وعلى رأسهم رجال الدين والطبقة التي كانت تحسب في السابق على فئة "الرماديين" أو الموالين للنظام السوري.

وفي غضون ذلك بدا لافتا خلال الأيام الماضية دخول مشايخ العقل الثلاثة على الخط، بتأييدهم مطالب المحتجين، ولو أنهم لم يتطرقوا كثيرا إلى ما ينادوا به لإسقاط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد.

ما دلالات الألوان؟

وتشير راية أو "بيرق الخمسة حدود"، وفق الباحث عزيز "إلى مذهب التوحيد عند الموحدين الدروز، ويمثل كل لون بعد ومرتبة دينية معينة تتمثل بالرسل والأنبياء".

ويقول إن "اللون الأبيض يشير مثلا إلى النبي محمد"، مضيفا أن "الكثيرين يجهلون رموز هذه الألوان ولكنها تمثل حقيقة رمزية لكافة الأديان".

"الرموز دينية تعبر عن روح الثورة التي كانت في جبل العرب ضد الفرنسيين والعثمانيين والآن ضد آل الأسد"، حسب ذات المتحدث.

وفي حين تمثل الراية "رمزا دينيا يخص الطائفة الدرزية لها في ذات الوقت بعد اجتماعي خاص بالسويداء"، حسب ما يوضح الصحفي ومدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف.

ويقول معروف لموقع "الحرة": "البيرق هو تقليد من التقاليد العربية. دائما العشائر ترفع الرايات والبيارق وكل عشيرة لها بيرق وراية معينة".

و"هذا الشيء ينطبق على السويداء كون أهالي المحافظة عرب سوريون ويستمدون هذا التقليد من البعد العربي الموجودين فيه".

ويضيف الصحفي أن "الراية تمثل رمز لأهالي السويداء، ولها طابع اجتماعي والدليل أن رفعها لا يقتصر على رجال الدين الدروز بل من جانب جميع أبناء المجتمع".

ويرمز كل لون ضمن الراية إلى "حد من حدود الدين"، وهي "العقل، النفس، الكلمة، السابق واللاحق"، وتم تسميتها على هذا الأساس وفقا للتقسيمات الدينية، وفق معروف.

"لتوحيد الكلمة"

من جهتها توضح الناشطة السورية ريما فليحان أن "الراية هي رمز وبيرق له ثقافة معروفية أصيلة وقيمة كبيرة"، وترفع "لتوحيد الصف في المحافظة، وكي لا ينقسم الشارع".

وتضيف لموقع "الحرة" أنه "تحت الراية التي ترفع الآن، وهي رمز ثوري، سقط الكثير من الشهداء لحمايتها أيام الثورة السورية الكبرى"، بينما تؤكد أنها "ترمز إلى وحدة الصف والإخاء، وتوحد الناس بعيدا عن أي إشكاليات".

"الشارع اليوم بكل ميوله السياسية متوحد يطالب بإسقاط النظام والتغيير والحقوق ويرفع شعارا أهم قاله سابقا سلطان الأطرش: (الدين لله والوطن للجميع). الشعب السوري واحد"، كما تتابع فليحان.

الناشط السياسي مروان حمزة والذي يشارك في الاحتجاجات منذ يومها الأول يشير إلى أن "الراية لا تحمل أي أبعاد سياسية"، ولا "يفسر أنه علم ذاتي أو أنه علم الدروز فقط".

ويقول حمزة لموقع "الحرة" إن "السويداء لم تنفصل عن سوريا الأم وحدودها من آخر قرية في الجبل إلى آخر قرية في الحسكة ومن الشرق إلى الغرب. لن نقبل بأن ننفصل أو نذهب نحو اللامركزية التي يتحدث عنها مقربون من النظام".

ويرى الناشط السياسي أن "الحل في السويداء هو حل سوريا بالكامل"، ويشدد على أن "الراية وحملها لا علاقة له بأي تفسير سياسي".

وتهدف هذه الظاهرة إلى "حشد أكبر عدد ممكن من الناس وتوحيد كلمتهم في مواجهة النظام الاستبدادي"، وفق الأكاديمي والناشط فايز قنطار.

ويشير إلى أن "الشعارات التي تطرح تتجاوز مسألة المنطقة وتتجاوز المحافظة. المتظاهرون يهتفون: واحد واحد واحد الشعب السوري واحد. عاشت سوريا ويسقط الأسد. هي شعارات وطنية أعادت للثورة ألقها الأول، وأسميها الآن ثورة".

وإلى جانب السويداء شهدت عدة مناطق في محافظة درعا، يوم الجمعة احتجاجات شعبية نادت بإسقاط النظام السوري، وردد المحتجون شعارات "تناصر ما بدأته المحافظة ذات الغالبية الدرزية".

والسويداء ودرعا خاضعتان لسيطرة النظام السوري، وتعتبر الاحتجاجات فيها "حالة استثنائية" قياسا بباقي المحافظات الأخرى التي يسيطر عليها الأخير.

كما خرجت مظاهرات شعبية في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في شمال سوريا، في إدلب وريف حلب، وأظهرت تسجيلات مصورة إقدام محتجين في مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي على حمل "راية الخمسة حدود" إلى جانب الراية التي رفعت أولا في أعقاب الثورة السورية.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: النظام السوری بإسقاط النظام فی السویداء إلى جانب فی سوریا

إقرأ أيضاً:

FT: لن يتعافى المجتمع السوري دون تحقيق العدالة لضحايا الأسد

تناول افتتاحية صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، سقوط نظام الأسد والدعوات لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب من أركان النظام.

وقالت الصحيفة، إن الأولوية الكبرى بعد سقوط نظام بشار الأسد هو تجميع الأدلة والحفاظ عليها والتي توثق جرائم النظام السابق.

وأشارت إلى بيان منسوب إلى الأسد،  أكد فيه ان هربه من سوريا لم يكن مخططا له ولكن جلاء عاجل له إلى موسكو. 

وأضافت الصحيفة أن "طريقة خروج الديكتاتور السوري ليست مهمة بقدر أهمية الطريقة التي حكم فيها وما تريده مئات الألاف من العائلات التي قتل نظامه أفرادها وغيبهم قسريا وسجنهم واغتصبهم وعذبهم هو رؤية الأسد وحاشيته يواجهون العدالة على الجرائم الفظيعة التي ارتكبوها على مدى العقود الماضية".



وأشارت الصحيفة إلى من بين أفلام الفيديو والروايات المؤثرة وتقطع القلب صور المعتقلين الهزالى الذين تم تحريرهم من سجن صديانا سيء السمعة والسجون الأخرى. وقد تجولت الأسر في زنازين السجن وتصفحت الملفات والصور بحثا عن أي أثر لأحبائها.

وقالت الصحيفة إن السوريين يستحقون العدالة، ولكن التعقيد الرئيسي الذي يواجه الجهود الرامية إلى محاسبة الأسد وعائلته وأعوانه هو أن العديد منهم فروا بالفعل.

ويقال إن بعض كبار الجنرالات والمسؤولين فروا إلى دول عربية مجاورة، أو اختبأوا في مدنهم.

وأوضحت أن الأولوية المباشرة هي تأمين الأدلة التي يمكن استخدامها في بناء حالات ضدهم واالجرائم التي ارتكبوها خلال حكم عائلة الأسد وعلى مدى  أكثر من 50 عاما.

وقد جمعت لجنة العدالة والمساءلة الدولية، وهي هيئة غير حكومية، بالفعل 1.1 مليون وثيقة داخلية وشهادة من آلاف الضحايا، لاستخدامها في المحاكمات المستقبلية.

كما قامت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، وهي هيئة شبه قضائية أنشأتها الأمم المتحدة في عام 2016، بجمع الأدلة أيضا، لكن القيادة المؤقتة في سوريا، التي تعهدت بتقديم مرتكبي الفظائع إلى العدالة، تحتاج بشكل عاجل إلى إنشاء هيئة مستقلة لحماية لألية التوثيقية التي خلفتها البيروقراطية القاتلة للأسد.

وبينت الصحيفة أن المسألة التالية هي أين يمكن سماع هذه الأدلة. فسوريا ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، ومن المرجح أن تستخدم روسيا والصين حق النقض ضد أي قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنح المحكمة السلطة القضائية.

ولفتت إلى أن البديل هو الاتفاق مع الأمم المتحدة لإنشاء محكمة خاصة، كتلك التي أنشئت لمحاكمة مرتكبي الجرائم في سيراليون وكوسوفو وتعمل بموجب القانون الدولي.

وربما تم إجراء المحاكمات في ضوء القانون المحلي، لكن يجب على قادة سوريا الجدد إظهار احترامم لحكم القانون والنظام وتشكيل حكومة شاملة ممثلة لأطياف المجتمع السوري، وحتى لو حدث هذا فإن النظام القضائي السوري قد يكون غير قادر أو ليست لديه القدرة على استماع الحالات.

وتحدثت الصحيفة عن واحد من السيناريوهات لسوريا، وهي إنشاء محكمة دولية مدعومة بعملية العدالة الانتقالية، على شكل ما حدث في جنوب أفريقيا وتشيلي ورواندا والتي تجمع بين القضايا القضائية والتدابير غير القضائية مثل لجان الحقيقة التي تهدف إلى تخيف المعاناة داخل المجتمع وتسرع من شفائه. ولكن حتى كانت هناك إمكانية للتوصل إلى هذه العملية، فهل هناك إمكانية لمحاكمة  الأسد نفسه؟

وتابعت الصحيفة البريطانية، "في الوقت الحالي، ليس من المرجح تعاون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، في تسليم زعيم آخر إلى العدالة الدولية".

وأوضحت أن الأسد قد ينتهي به المطاف في مكان آخر، وقد ينهار نظام بوتين أيضا.



وترى الصحيفة أن الأمر يرجع في النهاية للسوريين وطريقة اختيار النموذج المناسب لهم وتحقيق العدالة من سنوات الديكتاتورية والقمع، فالحكومة السورية  لديها  تحديات أكثر إلحاحا، بما فيها إطعام شعب فقير وبناء حكومة مستقرة، وهذا ليس مضمونا بعد.

ومع ذلك، ربما كانت هناك وعود واقعية بتحقيق العدالة  من الأسد وأعوانه. وسيكون هذا حيويا للبدء في بناء سيادة القانون. وتشير الخبرة في أماكن أخرى إلى أنه كلما تأخرت المساءلة القانونية عن الفظائع، كلما استغرق المجتمع وقتا أطول للتصالح مع ما حدث.

وختمت "لابد وأن يكون تقديم زعماء النظام السابق وشركائه للمحاكمة جزءا رئيسيا من صحوة سوريا من كابوسها الوطني الطويل".

مقالات مشابهة

  • شنيكر تعليقًا على سقوط النظام السوري: تمّ تحرير لبنان
  • FT: لن يتعافى المجتمع السوري دون تحقيق العدالة لضحايا الأسد
  • احتجاجات للأقليات الدينية في طرطوس السورية تنديداً بالانفلات الأمني
  • «خطة النواب» توافق على قانون الحوافز والتيسيرات الضريبية للمشروعات التي لا تتجاوز 15مليون جنيه
  • قوات الاحتلال تتوغل في الجنوب السوري وتقترب من حدود الأردن
  • الخارجية الألمانية: المسألة الملحة هي تحقيق الاستقرار في سوريا
  • رفع العلم السوري الجديد على مبنى السفارة السورية في الأردن
  • الاقتصاد السوري بين الواقع والمستقبل
  • السليمانية تنفي وجود (ماهر الأسد) ضمن حدود المحافظة
  • التمكين السوري مسؤولية جماعية