المستشارين الآليين يغيرون طبيعة إدارة الاستثمار
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
في السنوات الأخيرة، شهدت الصناعة المالية تحولًا كبيرًا من خلال دمج الذكاء الاصطناعي (AI) والأتمتة في مختلف جوانب عملياتها. وكان أحد التغييرات الأكثر عمقا هو ظهور المستشارين الآليين واعتمادهم السريع من قبل المنصات الرقمية التي تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقديم المشورة الاستثمارية الآلية والشخصية وإدارة المحافظ الاستثمارية، والتي تشمل التداول بالأسهم والاستثمار في مختلف الأصول المالية.
المستشارون الآليون عبارة عن منصات عبر الإنترنت تستفيد من الخوارزميات المتطورة والنماذج المستندة إلى الذكاء الاصطناعي لمساعدة المستثمرين على إنشاء وإدارة محافظ استثمارية متنوعة. تقوم هذه المنصات بجمع بيانات حول الوضع المالي للمستثمر، وتحمل المخاطر، وأهداف الاستثمار من خلال الاستبيانات عبر الإنترنت. تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بعد ذلك بمعالجة هذه المعلومات للتوصية باستراتيجية مناسبة لتخصيص الأصول والاستثمار.
مزايا المستشارين الآليين1. التخصيص: تمكّن خوارزميات الذكاء الاصطناعي المستشارين الآليين من إنشاء خطط استثمار مخصصة مصممة خصيصًا لأهداف المستثمرين الأفراد وتحملهم للمخاطر. كان هذا المستوى من التخصيص متاحًا في السابق فقط للمستثمرين الأثرياء الذين يعملون مع مستشارين بشريين.
2. اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات: يمكن للمستشارين الآليين تحليل كميات هائلة من بيانات السوق التاريخية وفي الوقت المباشر، لتوجيه استراتيجياتهم الاستثمارية كواحدة من طرق الثراء المهمة في الاستثمار. ويساعد هذا النهج المبني على البيانات في اتخاذ قرارات استثمارية أكثر استنارة والتكيف مع تغيرات السوق بسرعة.
3. الاستثمار الخالي من العواطف: غالبًا ما تؤثر العواطف البشرية على قرارات الاستثمار، مما يؤدي إلى نتائج دون المستوى الأمثل. يعمل المستشارون الآليون على أساس المنطق والخوارزميات المحددة مسبقًا، مما يزيل التحيزات العاطفية من عملية الاستثمار.
4. المراقبة المستمرة: يقوم المستشارون الآليون بمراقبة المحافظ وإعادة توازنها بشكل مستمر للحفاظ على توزيع الأصول المرغوب فيه. وهذا يقلل من الحاجة إلى الرقابة البشرية المستمرة ويضمن بقاء استراتيجية الاستثمار متوافقة مع أهداف المستثمر.
5. إمكانية الوصول والقدرة على تحمل التكاليف: يعمل المستشارون الآليون على إضفاء الطابع الديمقراطي على إدارة الاستثمار من خلال جعلها في متناول مجموعة واسعة من المستثمرين. كانت الخدمات الاستشارية المالية التقليدية تقتصر في كثير من الأحيان على الأفراد ذوي الثروات العالية بسبب الرسوم المرتفعة. يقدم المستشارون الآليون رسومًا أقل وأحيانًا لا يوجد حد أدنى لمتطلبات الاستثمار، مما يجعل الاستثمار في متناول الجميع.
التحديات والصعوباتفي حين أن المستشارين الآليين يقدمون العديد من المزايا، إلا أن هناك أيضًا تحديات واعتبارات يجب معالجتها:
· التفاعل البشري المحدود: يقدر بعض المستثمرين اللمسة الشخصية والتفاعل البشري الذي يقدمه المستشارون التقليديون. قد لا يكون المستشارون الآليون مناسبين لأولئك الذين يفضلون اتباع نهج عملي أكثر في التخطيط المالي.
· خطر الاعتماد المفرط: يجب على المستثمرين أن يفهموا أنه على الرغم من أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي هي أدوات قوية، إلا أنها ليست معصومة من الخطأ. قد يؤدي الاعتماد المفرط على المستشارين الآليين دون فهم استراتيجية الاستثمار الأساسية إلى نتائج غير متوقعة، لذلك يجب الانتباه عند إدارة الشؤون المالية بشكل شخصي.
· تقلبات السوق: في حين أن المستشارين الآليين مجهزون للتعامل مع تقلبات السوق، إلا أن الأحداث الصعبة والمواقف غير المسبوقة قد تتحدى أحيانًا خوارزمياتهم. وقد تؤدي التقلبات السريعة في السوق التي لوحظت خلال هذه الأوقات إلى أداء غير متوقع للمحفظة.
· المواقف المالية المعقدة: قد يحتاج المستثمرون الذين لديهم أوضاع مالية معقدة، مثل مصادر الدخل المتعددة، أو الاعتبارات الضريبية، أو احتياجات التخطيط العقاري، إلى مشورة أكثر تخصيصًا تتجاوز قدرات المستشارين الآليين.
مستقبل المستشارين الآليينيشير مسار المستشارين الآليين إلى استمرار النمو والتطور. ومن المرجح أن يتم دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التعلم الآلي ومعالجة اللغات الطبيعية، بشكل أكبر لتعزيز التخصيص والاستجابة للخدمات الاستشارية الروبوتية. بالإضافة إلى ذلك، ستشكل التغييرات التنظيمية والتطورات في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي كيفية عمل هذه المنصات وتفاعلها مع المستثمرين.
في النهاية، يمثل تطور المستشارين الآليين تحولا كبيرا في مجال إدارة الاستثمار. لقد جعلت الخوارزميات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي الاستثمار أكثر سهولة وبأسعار معقولة. على الرغم من وجود تحديات، لا يمكن التغاضي عن الفوائد المحتملة للمستشارين الآليين. مع استمرار تطور التكنولوجيا، يستعد المستشارون الآليون للعب دور محوري في تشكيل مستقبل إدارة الاستثمار من خلال الجمع بين قوة الذكاء الاصطناعي وحكمة المحترفين الماليين ذوي الخبرة. ولذلك، ينبغي للمستثمرين أن يفكروا في دمج الخدمات الاستشارية الآلية في استراتيجياتهم الاستثمارية مع البقاء يقظين بشأن احتياجاتهم وظروفهم المالية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي خوارزميات الذكاء الاصطناعي الأصول المالية إدارة الاستثمار من خلال
إقرأ أيضاً:
هذه أبرز وظائف المستقبل التي تنبأ بها الذكاء الاصطناعي
في عصر الذكاء الاصطناعي، لم يَعُد مستقبل الوظائف مجرد سيناريوهات مستقبلية أو تكهنات بعيدة، بل بات واقعًا يتشكّل بسرعة تفوق التوقعات. ما كان يُعتبر ضربًا من الخيال قبل سنوات، أصبح اليوم حقيقة مدعومة بأرقام وتقارير صادرة عن كبرى المؤسسات البحثية والتقنية.
الذكاء الاصطناعي لم يَعد يكتفي بأتمتة المهام الروتينية، بل بات يُعيد تشكيل سوق العمل من جذوره، ويبتكر وظائف لم تكن موجودة من قبل، دافعًا بالمهن إلى تحوّل غير مسبوق في النوع والسرعة والمهارات المطلوبة.
ووسط هذه التحولات المتسارعة، لم تعد الوظائف الجديدة خيارًا تقنيًا نخبويًا، بل أصبحت ضرورة حتمية تفرضها موجات التغيير، وتُبرز الحاجة إلى مواكبة هذا الواقع الجديد بمرونة واستعداد دائم.
فالتغيير الذي كان يستغرق عقودًا بات يحدث خلال أشهر، ومهن الأمس باتت تُستبدل بوظائف لم نسمع بها من قبل، إذ تُجمِع التقارير الحديثة الصادرة عن PwC و Gartner وMcKinsey على أن الوظائف الجديدة ليست ترفًا تقنيًا، بل ضرورة إستراتيجية للتكيف مع عالم سريع التغيّر.
من أبرز هذه الوظائف، فني الصيانة التنبُّئِية بالذكاء الاصطناعي (AI Predictive Maintenance Technician) الذي يستخدم خوارزميات لرصد الأعطال قبل وقوعها، ما قد يُوفر على الشركات ما يصل إلى 630 مليار دولار سنويًا، بحسب Cisco Systems، وكذلك مهندس سلاسل الإمداد الذكية (Smart Supply Chain Engineer )، الذي يوظف أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين سرعة ودقة تسليم المنتجات؛ إذ أظهرت دراسة لمؤسسة Deloitte أن هذه الوظيفة يمكن أن تقلّص وقت التسليم بنسبة 40%، وتخفض الانبعاثات بنسبة 25%.
إعلانإنها ليست مجرد لحظة تحوّل في سوق العمل، بل ثورة مهنية تقودها الخوارزميات، وتبتكر وظائف لم تُكتب فصولها بعد، وفي قلب هذه الثورة، تتزايد الحاجة إلى مواهب قادرة على فهم هذه التحولات والتفاعل معها بمرونة وكفاءة.
فالسؤال لم يَعُد: "ما الوظيفة التي سأشغلها؟"، بل أصبح: "هل وظيفتي المقبلة موجودة أصلًا؟"، في وقت تشير فيه دراسة حديثة لمعهد McKinsey Global (2024) إلى أن 85% من وظائف عام 2030 لم تُخترع بعد.
هذا الواقع الجديد يُحتّم على الأفراد والمؤسسات إعادة التفكير في مهاراتهم، وأنماط التعلم، ونماذج العمل، استعدادًا لسوق لا يعترف بالثبات، بل يكافئ القادرين على التكيف المستمر، والتعلّم مدى الحياة.
في القطاع القانوني مثلًا، يُعاد تعريف العمل المكتبي مع ظهور محلل العقود الذكية (Smart Contract Analyst)، الذي يدمج بين القانون والبرمجة لفهم وتحليل الوثائق القانونية الرقمية.
أما في المجال الأخلاقي، فتبرز حاجة الشركات إلى مهندس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Engineer) لضمان ألا تتخذ الخوارزميات قرارات متحيزة أو تمييزية، كما تنبأت Gartner بأن 30% من الشركات الكبرى ستوظف هذا الدور بحلول 2026.
ضمن الرؤى الاستشرافية التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي نفسها، تم التنبؤ بظهور خمس مهن جديدة بحلول عام 2030، تشمل: مدقق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Auditor)، ومهندس الميتافيرس (Metaverse Engineer)، ومطور برامج الحوسبة الكمومية (Quantum Software Developer)، ومعالجًا نفسيًا مختصًا في الإدمان الرقمي (Digital Detox Therapist)، ومهندس التعلم (Learning Engineer).
هذه الوظائف – التي لم يكن لها وجود فعلي قبل سنوات قليلة – تعكس ليس فقط التحولات التقنية، بل أيضًا التغير العميق في طبيعة المهارات المطلوبة.
إعلانوهو ما يفرض على الجامعات ومراكز التدريب إعادة صياغة مناهجها لتتناسب مع هذه الاتجاهات المستقبلية، وتوفير بيئات تعليمية مرنة تُعد الطلبة لشغل أدوار لم يُخترَع جزء كبير منها بعد.
قصة حقيقية من كوريا الجنوبية تُجسّد هذا التحول: "لي جاي هون"، مهندس ميكانيكي سابق، أعاد تأهيل نفسه ليصبح منسق التفاعل بين البشر والروبوتات (Human-Robot Interaction Facilitator)، ليقود فريقًا في تطوير تجربة العملاء داخل متاجر ذكية تستخدم مساعدين روبوتيين. بعد ستة أشهر من التدريب المتخصص، تضاعف دخله وانتقل إلى إدارة مشاريع تقنية كانت خارج نطاق تصوره المهني السابق.
لكن هذا التقدم لا يتوزع بشكل عادل حول العالم. ففي حين تسارع الدول الصناعية إلى إعادة هيكلة أنظمتها التعليمية واستثماراتها في المهارات المستقبلية، تقف الدول النامية، وخاصة العربية، أمام تحديات مضاعفة. ضعف البنية التحتية الرقمية، ونقص التمويل الموجه للبحث والتطوير، يحدان من قدرة هذه الدول على مواكبة التحول.
بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (2023)، فإن فجوة المهارات الرقمية في بعض دول الشرق الأوسط تتجاوز 60%، وهو ما يهدد بتهميشها في الاقتصاد العالمي الجديد.
هنا يبرز دور الحكومات كمحرك رئيسي للجاهزية المستقبلية. فبدلًا من التركيز فقط على خلق وظائف تقليدية، عليها تبني سياسات دعم للوظائف الرقمية الجديدة، مثل تقديم حوافز للشركات التي توظف في مجالات الذكاء الاصطناعي، وإنشاء شراكات بين الجامعات ومراكز الأبحاث التكنولوجية، كما فعلت سنغافورة ورواندا بنجاح لافت.
في العالم العربي، بدأت مؤسسات وشركات في دول مثل قطر، والسعودية، والإمارات تولي اهتمامًا متزايدًا بهذه التحولات. على سبيل المثال، أطلقت بعض الجامعات العربية برامج دراسات عليا متخصصة في الذكاء الاصطناعي، تشمل مساقات تتناول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مختلف القطاعات.
إعلانكما بدأت بعض الشركات الناشئة في المنطقة توظيف مختصين في تصميم واجهات تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس بداية دخول العالم العربي في موجة جديدة من الابتكار الوظيفي.
هذا الواقع الجديد يتطلب إعادة نظر شاملة في مفهوم المهارة. فالمهارات التقنية وحدها لم تعد كافية، بل أصبحت المهارات التحليلية والإنسانية مثل التفكير النقدي، والإبداع، والتواصل الفعّال، عوامل حاسمة للنجاح في هذه المهن الناشئة.
كما يُعد الاستثمار في منصات التعلم مدى الحياة خطوة ضرورية لتقليل "التآكل المهني السريع"، إذ تشير تقديرات البنك الدولي (2024) إلى أن 40% من المهارات الحالية ستصبح غير صالحة خلال خمس سنوات.
المسؤولية اليوم لا تقع على الحكومات فحسب، إذ على الأفراد كذلك أن يعيدوا تعريف علاقتهم بالوظيفة. فالمستقبل سيكون لمن يتقنون فن التعلم المستمر والتكيف السريع، لا لمن يعتمدون على تخصص جامعي واحد مدى الحياة. إن مهارات مثل تحليل البيانات، التفكير النقدي، والقدرة على التعاون مع الخوارزميات، ستكون العملات الجديدة في سوق العمل.
المؤكد أن سوق العمل لم يعد كما عرفناه. فبينما استغرقت الثورة الصناعية الأولى قرنًا لتغيير طبيعة المهن، يكفي اليوم تحديث خوارزمية واحدة لإعادة تشكيل صناعة بأكملها.
ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى جميع القطاعات – من القانون إلى الطب، ومن الإعلام إلى الخدمات اللوجيستية – فإننا أمام تحول يشبه الانتقال من عصر الفلاحة إلى الثورة الصناعية، لكن بوتيرة أسرع بمئة مرة.
هذا التسارع غير المسبوق يفرض علينا جميعًا، حكومات وأفرادًا، أن نعيد تعريف جوهر المهارات المطلوبة، ونفكر بمرونة، ونستعد لما هو أبعد من مجرد التغيير: إلى ما يشبه إعادة خلق الإنسان المهني من جديد.
عودٌ على بدء، فإن المهن الجديدة التي أوجدها الذكاء الاصطناعي تمثّل اليوم فرصة مهمة للعالم العربي ليس فقط لمواكبة التحول الرقمي، بل لقيادته أيضًا في بعض المجالات. ويتطلب ذلك استثمارًا جادًا في التعليم، والبحث، وتوفير بيئة تنظيمية وأخلاقية تُشجّع على الابتكار دون الإضرار بالقيم المجتمعية.
إعلانوأخيرًا، نقف اليوم على أعتاب مرحلة يُعاد فيها رسم خريطة العمل عالميًا، ومن يتهيأ لها منذ الآن، سيكون الأقدر على حصد ثمارها لاحقًا.
فالمستقبل لا ينتظر المترددين، بل ينحاز لمن يملكون الشجاعة لتعلم الجديد، والمرونة لإعادة تشكيل ذواتهم المهنية، والوعي بأن الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا، بل أداة تفتح أبوابًا لم تُطرق من قبل. إنها لحظة تحوّل، والفرص الكبرى قد لا تأتي مرتين.. فهل نحن فاعلون؟
| الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.