هآرتس: طيارون إسرائيليون يروون ما خفي من حرب غزة
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
القدس المحتلة- أجرى ملحق نهاية الأسبوع في صحيفة "هآرتس"، حوارا مطولا مع عدد من الطيارين ومشغلي الطائرات المسيّرة والضباط في سلاح الجو الإسرائيلي، ممن يشاركون بشكل مباشر بالغارات الجوية المكثفة على قطاع غزة منذ بداية الحرب.
اعتمدت الصحيفة في إعداد التقرير على مقابلات جماعية، مع الحفاظ على سرية أسماء المشاركين "لدواعٍ أمنية"، كونهم من الأشخاص المسؤولين بشكل مباشر عن تنفيذ عمليات القصف والتدمير التي طالت القطاع، وأودت بحياة أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين.
وأظهر الحوار الذي أجراه الصحفيان إيتاي ماشيح وران شمعوني، جانبا من المشهد الحربي، إذ قدم سردا داخليا لتجارب الطيارين ومشغلي الطائرات المسيرة، من خلال إفاداتهم التي كشفت عن تصدعات نفسية وأخلاقية بدأت تظهر في أوساطهم.
يتحدث الطيارون عن لحظات مفصلية، رأوا فيها وجوه الأشخاص الذين قصفوهم، وجوه أطفال ونساء ومسنين، ظهرت فجأة على شاشات الطائرات المسيرة أو خلال تحليل ما بعد الغارة.
يروون كيف تحولت العمليات التي كانت تنفذ في السابق كمهام "روتينية" إلى أفعال مشحونة بالشكوك والندم، حتى أن بعضهم بدأ بالتشكيك في جدوى الحرب نفسها والاستمرار فيها.
وإلى جانب الأثر النفسي، أعرب العديد من الطيارين عن قلق قانوني متزايد من تبعات مهامهم، في ظل تصاعد الحديث عن التحقيق بجرائم حرب ومخاوف من ملاحقات دولية، فـ"تنفيذ الأوامر" لم يعد -في نظرهم- يشكل حصانة كافية أمام القانون الدولي.
إعلانولم تقتصر الشهادات على البعد الشخصي، بل كشفت عن تحول في المزاج داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، إذ أصبحت قضايا مثل حماية المدنيين محورا أساسيا في النقاشات، مدفوعة بما يسمى الآن "القلق الأخلاقي" والتداعيات القانونية المحتملة.
وكشفت المقابلات التي أجرتها الصحيفة مع عدد من أفراد القوات الجوية الإسرائيلية، من طيارين، ومشغلي طائرات مسيرة، وضباط دعم جوي، وحتى ضباط يعملون في الخطوط الأمامية، عن مواقفهم وأفكارهم التي ترافق خدمتهم منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأضفت مدة الحرب الطويلة، إلى جانب حجم القتل والدمار، مزيدا من التعقيد والتوتر، حيث عبر بعض المشاركين بالمقابلات عن مشاعر قاسية، وتحدثوا عن صراع داخلي حقيقي، بل وتردد بالاستمرار بالخدمة العسكرية.
في المقابل، رأى آخرون أن ما يجري هو جزء "طبيعي" من واقع الحرب، رغم اعترافهم بأنه "مؤسف"، وأشاروا إلى أن "الأذى الواسع" الذي يلحق بالمدنيين الأبرياء "ليس مقصودا"، بل "نتيجة حتمية" لما وصفوه بـ"إحصائيات الحرب القاسية" و "ظروف القتال المعقدة على أرض الواقع".
متورطونتشير المقابلات إلى أن نظام الهجوم الجوي في الجيش الإسرائيلي يعمل بطريقة مجزأة، تجعل من الصعب على المشاركين في مختلف مراحل العملية العسكرية أن يدركوا الصورة الكاملة، بما في ذلك العواقب الإنسانية للقصف، فغالبا ما يتعمد أن تغيب هذه الصورة عن وعيهم أثناء تنفيذ الغارات.
ففي الشهادات قال طيار متقاعد شارك في الحرب كضابط دعم جوي ضمن أحد الألوية في غزة "لا أريد أن أُهين من هم في قمرة القيادة، لكن الطيار لا يعرف فعليا ما الذي يقصفه"، وأضاف أن من غير المريح الاعتراف بذلك، لكن الواقع هو أن الطيارين يعانون.
وتابع "هم لا يتلقون أي معلومات واضحة عما يحتويه الهدف"، ما يجعل قراراتهم محصورة في نطاق ضيق من المعرفة، ويضاعف من وطأة المعضلة الأخلاقية التي يواجهونها.
إعلانمن جهة أخرى، أعرب عدد من أفراد سلاح الجو غير المشاركين مباشرة بالهجمات على غزة عن ارتياحهم لعدم تورطهم، وأوضح بعضهم أنهم يتعمدون تجنب التفكير بالأمر، وقال أحدهم "لماذا أحمّل روحي ما قد لا أقدر على تحمله؟"
ومع ذلك، فإن أصواتا أخرى داخل السلاح لا تزال تدق ناقوس الخطر، ففي الأسبوع الماضي، وجه عدد من أفراد القوات الجوية رسالة إلى الطيارين، حذروا فيها من أن الوضع يزداد خطورة، بينما كان المشهد في حي الشجاعية، حيث وُوريت عشرات الجثث الثرى في صباح اليوم ذاته، شاهدا دامغا على ما تنطوي عليه هذه التحذيرات من حقيقة مؤلمة، بحسب الشهادات التي أوردتها الصحيفة.
عبّر "ر"، وهو طيار احتياطي لطائرة "إف-16" عن تحول حاد في مشاعره منذ بدء الحرب على غزة، ففي البداية، رأى فيها "حربا عادلة"، لكنه اليوم يعيش صراعا داخليا متزايدا، ويصف الموقف بأنه "معضلة يومية"، مشيراً إلى أن بعض الطيارين يفكرون بالتوقف عن الطيران بسبب فقدان الثقة بجدوى القتال.
ويؤكد أن "التساؤل عن الغاية من القصف ليس سياسيا، بل أخلاقيا وإنسانيا، حتى بين مؤيدي الحكومة"، ويضيف "كل طلعة جوية تزن الكثير، وإذا لم أفهم هدفها، كيف أواصل؟"، لكنه ورغم شكوكه بالحكومة، لا يزال يثق بسلاح الجو ومنظومة اتخاذ القرار فيه، ويعترف بمحدودية معرفته بالأهداف "قد يقال لي إن الهدف ضابط كبير، لكنه ربما يكون مراهقا، ولا أعلم ما إذا تم إخلاء المكان".
ويختم قائلا "أثق بأن من يختار الأهداف يحاول تقليل الأضرار، لكن في النهاية، علي أن أعيش مع نتائج ما أفعل، قد يكون هناك من قرر أن مقتل ما يصل إلى 10 مدنيين ضرر يمكن تحمله، بينما أنا لا أقبل بذلك، ومع ذلك، هذه الثقة عليّ أن أحددها مسبقا، لا يمكنني أن أفتح هذا النقاش داخل السرب".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات على غزة عدد من
إقرأ أيضاً:
محللون إسرائيليون: هذه أسباب تكثيف حماس نشر فيديوهات الأسرى
اعتبر محللون إسرائيليون بث حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سيلا من المقاطع المصورة لأسرى محتجزين لديها أنه يزيد الضغط الشعبي الإسرائيلي على حكومة بنيامين نتنياهو لإبرام صفقة تنهي الحرب، ومؤشرا على حرب نفسية ضارية.
وبالتوازي مع مقاطع حماس، اتهمت عائلات أسرى وزراء وأعضاء في الكنيست من الائتلاف اليميني الحاكم بأنهم يعيشون حياتهم بشكل طبيعي وبالتخلي أيضا عن الأسرى.
وقالت مراسلة الشؤون السياسية في القناة 13 الإسرائيلية موريا أسرف وولبيرغ إن الفيديوهات تشير إلى رغبة حماس في ممارسة ضغط شعبي على الحكومة الإسرائيلية حتى توافق على الشروط التي ترفضها.
ووصف مراسل الشؤون العربية في القناة 12 الإسرائيلية أوهاد حمو ما تقوم به حماس بـ"حملة حقيقية تصدر بشكل متتابع"، ويشير إلى أمرين اثنين هما:
وضع المفاوضات التي تراوح مكانها، إذ تريد حماس نجاح المفاوضات وإبرام صفقة. إغلاق المعابر وسط مجاعة حقيقية تستشري في قطاع غزة.بدوره، أعرب محلل الشؤون الفلسطينية في القناة 13 الإسرائيلية حيزي سيمانتوف عن قناعته بأن حماس تحاول التأثير على المفاوضات من أجل إبرام صفقة.
ووفق سيمانتوف، فإن حماس تستغل الأسرى الأحياء لتوصيل رسائل للرئيس الأميركي دونالد ترامب لكي يضغط على إسرائيل لإبداء مرونة في شروط الصفقة لتكون مريحة أكثر لحماس.
إعلان
من جانبها، نقلت قناة "كان 11" الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي تأكيده أن حماس هي من ستحدد من سيطلق سراحهم من الأسرى أولا، في وقت لا تزال تتحدث فيه إسرائيل عن صفقة جزئية.
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مصدر إسرائيلي قوله إن رئيس الموساد ديفيد برنيع سافر الخميس إلى قطر، في خطوة "قد تمثل عودته إلى طاولة المفاوضات بعد أن تم تنحيته من هذا الدور قبل شهرين".
وفي 17 أبريل/نيسان الجاري، أكد رئيس حماس في قطاع غزة خليل الحية الاستعداد للبدء الفوري في مفاوضات الرزمة الشاملة، وتتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
وشدد الحية على أن حماس لن تكون "جزءا من سياسة الاتفاقات الجزئية التي يتخذها نتنياهو غطاء لأجندته القائمة على استمرار الإبادة، حتى لو كان الثمن التضحية بأسراه".
وتنصلت إسرائيل من الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، واستأنفت في 18 مارس/آذار الماضي الحرب، التي راح ضحيتها أكثر من 50 ألف شهيد منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ونصت المرحلة الأولى من الاتفاق على إطلاق سراح 33 أسيرا إسرائيليا (أحياء وأمواتا)، وهو ما أوفت به الفصائل الفلسطينية، إذ أفرجت عن 25 أسيرا حيا و8 جثامين عبر 8 دفعات مقابل خروج قرابة ألفي أسير فلسطيني، بينهم مئات من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية.
ولا يزال هناك 59 أسيرا إسرائيليا محتجزا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة -وفق تقديرات إسرائيلية- في حين يقبع في سجون الاحتلال أكثر من 9500 فلسطيني، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة عديد منهم.