"الجنون في مسرح القسوة" لـ نوزاد جعدان يضيء على ارتباط الإبداع بالسلوك
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
يشتمل كتاب "الجنون في مسرح القسوة ثورة على دكتاتورية العقل وتمرد على الأنساق الثقافية" للأديب نوزاد جعدان، على 3 فصول "العقل والعقلانية بين الثقافتين الغربية والعربية"، و"الجنون وإثبات الهوية المفقودة"، و"حضور الجنون في مسرح القسوة".
يهدي الكاتب دراسته، إلى أنطونان أرتو الذي يلهمنا إلى الآن، وإلى كل مجنون مختلف يخرج كاللوتس من المستنقعات، ويزهر على الرغم من كل ذلك.
تبلورت مشكلة الدراسة في التساؤل الرئيسي التالي: الربط دائماً بين الجنون بصفته المرضية والإبداع، ومدى تأثير اللاعقل ونجاحه في مسرح القسوة، وإلى أي مدى ساهم اللاعقل في إيجاد مسرح متفرد ومختلف؟
وتهدف الدراسة للتعرف على مدى ارتباط الإبداع بالسلوك الشخصي عبر تجربة أنطونان أرتو المسرحية، وآلية تأثير الفطرة والموهبة على الإبداع وتفوقها على الأسس والمفاهيم الثابتة، والتوضيح أن اللاعقل وحده لا يمكن أن ينتج عملا فنياً ذا قيمة إبداعية.
ويحدد جعدان فرضيات الدراسة، في أن الأعمال الفنية تنتج من خلال توظيف قدرات العقل ولكن بمنحى مختلف، وأن الفن هو انعكاس للواقع المعاش وحال المجتمع ووضع الفنان هو ما ينقل واقع المجتمع.
مغايرة في التفكيروفي ختام هذه الدراسة الصادرة عن دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع في العراق، يوصي الكاتب بمجموعة من الأمور المهمة، منها إعادة النظر في مفهوم الجنون بالمعنى المتداول، واعتباره ظاهرة اجتماعية نفسية نسبية، وليس ظاهرة مرضية تستوجب إقصاء المجانين من الحياة العامة وتهميشهم، كما يدعو إلى توظيف نظريات أرتو في السينما العربية والاستفادة منها، ولا سيما أنه يعتمد على لغة الصورة وليس على الكلمة، فالسينما كتابة بالصور وليس بالكلمات، ويوضح أن المغايرة في التفكير ليست وسيلة لإسقاط صفة الجنون على المبدع، وأن بعض علماء النفس الأوائل ربطوا بين بعض الظواهر الفنية والمرض النفسي، لأنهم خلطوا بينه وبين مفهوم الاستجابة للضغوط النفسية والاجتماعية.
ويذكر أن الفنان المبدع يتسم بشخصية مختلفة عن العوام، تتمتع بحساسية عالية تجاه الأحداث من حوله، ما يجعله يتفاعل معها في علاقة تبادلية، ومن العبث أن نطلب منه أن يكون شأنه شأن باقي الناس، لأننا نقتل إبداعه بذلك وروح الخلق فيه، وحري بنا تشجيعه بدلاً من نعته بالمجنون، واحترام اختلافه مهما كان متطرفاً، فالحياة متطرفة بكل أشكالها.
انتصار للمجانينويشير جعدان إلى أن مسرح أرتو فيه انتصار لكل مجانين العالم على حساب دكتاتورية العقل والمسارح المتماهية مع المنطلق العقلاني الصرف، موضحاً أن البحث في الطقوس الأولى لإنسانيتنا يفضي بنا إلى مراسي الفن الأصلية المختبئة داخلنا، وداعياً إلى الاستفادة من تجارب مسارح غير مستكشفة في الوطن العربي، وبخاصة مسارح إفريقيا وشرق آسيا، لما تحتويه من جماليات، وشعريات مسرحية غير معروفة لدينا.
يذكر أن نوزاد جعدان من مواليد حلب ويقيم في الإمارات، حاصل على ليسانس إعلام في جامعة دمشق، وماجستير في الأدب المسرحي في الأكاديمية العربية في الدنمارك، وهو طالب دكتوراه في الأدب المسرحي في الأكاديمية نفسها، ويعمل في دائرة الأشغال العامة بالشارقة منذ عام 2012.
صدر له 5 مجموعات شعرية هي، حائطيات طالب المقعد الأخير، وأغاني بائع المظلات، وسعيد جداً، وسكاكين أليفة، وأمشي على يدي، وله أيضاً مجموعة قصصية "خزانة ترابية"، وله أيضاً عدة إصدارات في المسرح منها، وطن شبه منحرف، وبطولة مطلقة، وعسس في ليل لا ينعس، وقريباً سيصدر له "أغاني نسيم" أناشيد للأطفال.
ولجعدان إصدارات في مجال السينما منها، رواد السينما الهندية في جزأين، كما يعمل على ترجمة الأدب، وله مختارات من الشعر العالمي، ومختارات شعرية من الهند وباكستان، وأنامل النسيم، كما ترجم رواية ديفداس، وهو مؤسس حركة شعراء وفنانين من أجل عالم مختلف، التي ضمت كوكبة من الشعراء والفنانين من مختلف أنحاء العالم، وقد فاز بالعديد من الجوائز العربية والدولية، منها جائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال المسرح المركز الأول عام 2016.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
مدرسة أثينا.. عندما جمع رفائيل الفلاسفة في لوحة واحدة
في قاعة ضخمة داخل الفاتيكان، تقف واحدة من أعظم اللوحات الجدارية في تاريخ الفن الغربي: “مدرسة أثينا” للفنان الإيطالي رافائيل (رفائيلو سانزيو).
هذه اللوحة، التي رسمها بين عامي 1509 و1511، ليست مجرد عمل فني… بل مشهد فلسفي شامل، جمع فيه رفائيل رموز الفكر الإنساني من مختلف العصور في “ندوة خيالية” لا تحدث إلا على الجدران.
لوحة من العقل والفنتقع اللوحة في “غرفة التوقيعات” داخل الفاتيكان، حيث كانت تعقد الاجتماعات الرسمية للبابا.
اختار رفائيل أن يُجسّد روح العقل في هذه القاعة من خلال لوحة تمثل “المدرسة الفلسفية العظمى” في أثينا، حيث تقف العقول اللامعة من الفلسفة اليونانية في مشهد درامي مذهل.
في قلب اللوحة، يظهر اثنان من أعظم فلاسفة التاريخ: أفلاطون وأرسطو، يسيران جنبًا إلى جنب وسط القاعة، يتناقشان بحيوية، في رمز يجمع بين “المثالية” و”الواقعية”.
المعنى في التفاصيل• أفلاطون يشير إلى السماء، في إشارة إلى نظريته عن “عالم المُثل”.
• أرسطو يمد يده أفقيًا، في إشارة إلى تركيزه على “الواقع المادي والعقلاني”.
• على الجانبين، تنتشر شخصيات أخرى مثل:
• سقراط يناقش الشباب بحماس.
• ديوجين مستلقٍ وحده على الدرج، في تحدٍّ للترف والمنطق السائد.
• فيثاغورس يدوّن معادلاته الهندسية.
• أبيقور يضع إكليل أوراق الغار، في رمز للذة والمعرفة.
ورغم أن بعض الشخصيات يصعب تحديد هويتها بدقة، إلا أن المؤرخين يجمعون على أن اللوحة تجمع أكثر من 20 مفكرًا وفيلسوفًا وفنانًا، بما فيهم سلفرفيوس، زينون، وحتى رفائيل نفسه، الذي رسم وجهه بين الحضور في تواضع غريب على فنان عصره.
رمزية اللوحة“مدرسة أثينا” ليست مجرد لوحة جدارية ضخمة؛ بل بيان فلسفي مصور .
هي دعوة للحوار بين العقول، وتأكيد على أن الحقيقة لا تُولد إلا من النقاش والاختلاف. رسمها رفائيل في وقتٍ كانت فيه أوروبا تخرج من ظلام العصور الوسطى نحو نور العلم، كأنما يقول: “النهضة تبدأ من هنا… من العقل”.
الجمال المعمارياختار رفائيل خلفية معمارية كلاسيكية ذات قبب ضخمة وأعمدة متناسقة، استوحاها من أعمال المهندس العظيم برونليسكي.
المكان نفسه يبدو كهيكل مقدس للعقل، كأن رفائيل أراد أن يقدس الفلسفة كما تقدس الكنيسة الدين.