كيف ستؤثّر المفاوضات الأميركية الإيرانية في اليمن؟
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
تعقد اليوم (19 إبريل/ نيسان) الجولة الثانية من مفاوضات النووي بين الولايات المتحدة وإيران في روما، بعد جولة أولى عقدت الأسبوع الماضي في مسقط، ومعها تتشابك ملفّات وأزمات عديدة من إيران إلى غزّة إلى اليمن وغيرها، في وقت يضغط فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي بدا مرتاحاً من نتائج الجولة الأولى، من أجل التوصّل إلى "قرار سريع بشأن إيران"، ما يعني أننا (كما يبدو) قريبون من صفقة بين الطرفَين.
ويبرز في هذه المفاوضات ملفُّ الحوثيين نقطةً مهمّةً، تنعكس على الوضع في اليمن عموماً، الذي يعيش حرباً منذ أكثر من عشر سنوات دمّرت مقدّراته وحوّلته بلداً تتحكمّ فيه عدة قوى إقليمية، في مقدّمتها إيران المتّهمة بتمويل الحوثيين ورعايتهم منذ نشأتهم، وصولاً إلى انقلابهم على الدولة في سبتمبر/ أيلول 2014، وسيطرتهم على العاصمة وعدة محافظات في الشمال.
وأهمية هذه المفاوضات أنها تأتي في ظلّ غارات أميركية غير مسبوقة على المحافظات اليمنية بدأت في الـ15 من الشهر الماضي (مارس/ آذار)، ووسط حديث مسؤول إيراني وصفته صحيفة تليغراف البريطانية بـ"الرفيع"، بشأن "تخلّي" إيران عن الحوثيين وسحب قواتها من اليمن "خشية" أن يؤدّي مقتل أيّ جندي إيراني إلى مواجهة مع واشنطن، كما قال، وهو ما اعتُبر رسالةً إيرانيةً قبيل المفاوضات تؤكّد أن ملفّ الحوثيين سيكون إحدى الأوراق التفاوضية.
رغم أن طهران تنفي مراراً تدخّلها في اليمن، وتؤكّد استقلالية قرار الحوثيين ومهاجمتهم سفناً إسرائيلية في البحر وإطلاق الصواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن تقارير كثيرة تتحدّث عن وجود عسكري يتمثّل في مجموعة من الخبراء العسكريين في عملية تصنيع الصواريخ والتدريب ورصد السفن في البحر منذ بداية عمليات الجماعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. وهنا نذكر ما أوردته وكالة رويترز (يناير/ كانون الثاني 2025) عن أربعة مصادر إقليمية ومصدرَين إيرانيَّين قولها إن قادةً من الحرس الثوري الإيراني موجودون في اليمن للمساعدة في توجيه هجمات الحوثيين في البحر الأحمر والإشراف عليها.
ولا يملك الحوثيون الوسائل والموارد، ولا المعرفة الكاملة، عدا معلومات الأقمار الاصطناعية اللازمة لتحديد الهدف ومهاجمته في البحر، وهو ما تشير إليه (مارس الماضي) المتحدثة باسم الأمن القومي في البيت الأبيض أدريان واتسون بأن المعلومات الاستخبارية التكتيكية المقدّمة من إيران "أدّت دوراً حاسماً في تمكين الحوثيين من استهداف السفن".
وفي خضم هذه المفاوضات، ملاحظ أن حدّة التصعيد رُفعت ما بعد جولة مسقط، سواء في اليمن عبر غارات كثيفة وعنيفة في عدّة محافظات، وخصوصاً صنعاء والحديدة وصعدة، خلّفت قتلى وجرحى، وردّة فعل الحوثي عبر إعلان استهدافات قاعدة سودت ميخا لإطلاق صواريخ في أريحا، ومطار بن غوريون في تلّ أبيب، وبطاريات صواريخ حيتس في منطقة شرق أسدود، وأيضاً قصف هدف حيوي في منطقة عسقلان، وكذا القصف الوحشي الإسرائيلي في قطاع غزّة، عبر استهداف المستشفى المعمداني، وهو آخر مستشفىً مركزي يقدّم الخدمة الطبّية في مدينة غزّة ومناطق الشمال.
ذلك كلّه ربّما يسلّط الضوء على سياسة ترامب التي ترتكّز على ممارسة أقصى درجات التصعيد أو الضغوط القصوى لتحقيق مكاسب على طاولة التفاوض وصولاً إلى اتفاق سريع، وهو ما بدأ يتكشّف في مفاوضات غزّة عبر طرح مقترحات جديدة، ربّما تُفضي إلى اتفاق تهدئة قريباً، وهذا أيضاً يحدث في أوكرانياً عبر إعطاء الضوء الأخضر لموسكو لرفع وتيرة الهجمات على كييف لإجبارها على تقديم تنازلات على طاولة التفاوض، وصولاً إلى حلّ يسعى إليه الرئيس الأميركي لوقف الحرب عبر عقيدة يروّجها ترامب نفسه، منذ حملته الانتخابية، تقوم على مبدأ "السلام من خلال القوة".
وسط هذا كلّه، تصرّ إيران على أن المفاوضات تقتصر على الملفّ النووي فقط، ولا تشمل ملفّات أخرى، إلا أن ما يناقشه المسؤولون الأميركيون والإيرانيون في الغرف المغلقة لا يمكن فصله عمّا يحدث في غزّة واليمن، فكلّ الخيوط متشابكة، وأيُّ اتفاق أميركي إيراني في المحصلة سيشمل اتفاقاً للتهدئة في غزّة ينعكس بالضرورة على وقف الحوثيين هجماتهم. وبالتالي، وقف الغارات الأميركية على اليمن.
في المجمل، تدخل إيران هذه المفاوضات في ظلّ انتكاسات كبيرة داخلياً وخارجياً مُنيت بها خلال العامَين الماضيَين، فالدولة التي تغلغلت وظلّت تفاخر بسيطرتها على أربع عواصم عربية، خسرت قوة حزب الله في لبنان، وتلاشى نفوذها في سورية بعد سقوط نظام الأسد (8 ديسمبر/ كانون الأول 2024)، وفي العراق لم يعد نفوذها كما السابق نتيجة متغيّراتٍ كثيرة، ليبقى اليمن آخر آمال النفوذ الإيراني، فهل من المنطقي أن تتجّه طهران أيضاً إلى خسارة ورقتها الرابحة عبر التخلّي عن الحوثيين في اليمن، خصوصاً أن خسارة هذه الجماعة تعني خسارة منطقة نفوذ غير عادية في البحرَين الأحمر والعربي، وفي باب المندب؟
يرفض المنطق التسليم بأمر كهذا، لكن واقع الحال الذي وصلت إليه إيران اليوم يجعل ما سبق منطقياً، من باب أن التخلّي عن هذه "الأذرع" يصبح ممكناً لتجنّب ضربةٍ عسكريةٍ مشتركةٍ أميركيةٍ وإسرائيلية هدّد بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب: "إذا لم توافق إيران على إنهاء برنامجها النووي" (10 إبريل/ نيسان).
إلا أن هناك من يرى أن طهران قد تعلن رسمياً تخلّيها (أو عدم ارتباطها) عن الحوثيين، وهو أساساً ما تعلنه منذ سنوات ويعلنه الحوثيون أيضاً، لكنّها ستترك للجماعة القيادة في المرحلة المقبلة بشكل مستقلّ، بحيث يواصل الحوثيون عملياتهم في البحر وإطلاق الصواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة من دون أيّ تدخّل إيراني، ورفض الربط بين عملياتهم وبين أيّ اتفاق إيراني أميركي، بمعنى إخراج الأمر بشكل مختلف لا يحمّلها تبعات ما يفعله الحوثيون فتتبرّأ منهم علناً، ولعلّ الحديث عن تمدّد الحوثيين في القرن الأفريقي (تحديداً في الصومال)، وعلاقتهم بحركة الشباب الإسلامي، يُظهر أن الجماعة تمضي باتجاه البحث عن بدائل في إمدادات الأسلحة، في حال تحقّق الانفصال عن طهران.
قد يصطدم هذا السيناريو بموقف ترامب من هجمات الحوثيين، وتحميله إيران تبعات ذلك، ويعيدنا إلى تصريحه في الشهر الماضي (مارس)، الذي قال فيه: "سيُنظر إلى كلّ طلقة يطلقها الحوثيون على أنها خرجت من أسلحة وقيادة إيران، وستتحمّل إيران المسؤولية وستواجه عواقب وخيمة". لذا، قد لا تقبل الإدارة الأميركية بمثل هذا الأمر، فتضغط على طهران من أجل إجبار الحوثيين على وقف عملياتهم، وأن يكونوا جزءاً من أيّ اتفاق مُرتقَب.
وبالتركيز على الداخل الإيراني، لعلّ الضربات الجوية المتبادلة مع إسرائيل واستهداف خزانات الوقود الإيرانية (أكتوبر/ تشرين الأول 2024) قد فاقمت الأزمات المعيشية في المدن الإيرانية، إذ تعيش أزمة وقود غير مسبوقة، بحسب تقارير صحافية. ووسط تزايد أعباء العقوبات الاقتصادية، يبدو أن همّ إيران الأول، هو التوصّل إلى اتفاق يحقّق لها مكاسب تعينها في مجابهة الوضع الاقتصادي الداخلي ورفع العقوبات الاقتصادية والحصول على الأموال المُجمَّدة، وتهدئة الشارع المحتقن الذي تخشى انفجاره في وجهها، وهو أشدّ خطورة من تهديدات الخارج، حتى ولو كان المقابل توقيع اتفاق جديد يحافظ على مصالحها الاستراتيجية، ويجعلها تخسر كثيراً من الأوراق، فالخيارات محدودة وإيران اليوم غيرها في الأمس.
في المحصلة، ما يهم اليمنيين من هذه المفاوضات هو ما سينعكس على وضعهم ويومياتهم وعودة الهدوء إلى حياتهم ولو قليلاً، بعد أن قلبت الغارات الأميركية ليلهم نهاراً منذ منتصف الشهر الماضي (مارس)، وإن كانوا قد اعتادوا على وضع كهذا طيلة سنوات الحرب العبثية، التي لا يبدو أن هناك أفقاً لنهايتها.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن أمريكا الحوثي ايران مفاوضات هذه المفاوضات فی الیمن فی البحر ل إیران
إقرأ أيضاً:
إعلام إيراني: مد "محادثات عمان" إذا اقتضى الأمر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أفادت وسائل إعلام إيرانية، اليوم السبت، بأن المحادثات النووية "الإيرانية - الأمريكية" في عمان قد تمدد إذا اقتضى الأمر؛ وفقًا لنبأ عاجل لقناة "القاهرة الإخبارية".
الجولة الثالثة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدةوأعلن التليفزيون الإيراني، انطلاق الجولة الثالثة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان.
فيما أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن أولوية طهران إنهاء العقوبات غير القانونية ضد شعبنا.