عثمان جلال يكتب: الإسلاميون بارعون في التكتيك
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
(١) ما أكثر العبر وأقل الاعتبار في خلاصات تجربة التيار الاسلامي في الحكم والممتدة لثلاثين عاما وذلك منذ صعوده للسلطة عبر انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ على حكومة الديمقراطية الثالثة 1986 إلى 1989 برئاسة الإمام الصادق المهدي .
لقد حددت قيادة الحركة الاسلامية السودانية بواعث الإنقلاب في ثلاثة أسباب أولها أن مذكرة هيئة قيادة الجيش السوداني التي رفعت إلى رئيس الوزراء في فبراير ١٩٨٩ وضعت السودان في دائرة الإنقلاب العسكري المفتوح.
هكذا اختلت معادلة التجربة الديمقراطية الثالثة والتداول السلمي للسلطة في السودان وأصبح الرهان على القوة والتي تبدت في بندقية الحركة الشعبية بمشروعها التصفوي الشوفوني، وقوة الحركة الاسلامية ، فكان يوم 30 يونيو 1989م لحظة انبعاث عقل الأقلية المبدعة في اللحظة التاريخية الحرجة.
(٢)
بعد ثلاثين عاما من الحكم نفذت اللجنة الأمنية لنظام الرئيس البشير انقلابا عسكريا في يوم ١١ ابريل ٢٠١٩ .
ثم توارت قيادات اللجنة الأمنية عن قيادة المشهد السياسي ، وصعدت إلى السلطة الانتقالية مجموعة من الناشطين السياسيين تحت مسمى تحالف قحت والذين اعادوا عجلة التاريخ السياسي إلى ذات حالة السيولة والفوضوية التي سبقت انقلاب ٣٠ يونيو ٨٩ وتكرار التاريخ مرة مهزلة وتكراره اكثر من مرة مسخرة بتعبير كارل ماركس فالسودان بعد توقيع الوثيقة الدستورية في أغسطس ٢٠١٩ أصبح يدار كليا من السفارات الأجنبية لدرجة أن السفير البريطاني صاغ مذكرة طلب البعثة الأممية يونتاميس دون علم مجلسي السيادة والوزراء . وتم وضع فيتو احمر يقضي باقصاء الإسلاميين من الحياة السياسية بل وكاد أن يتم تصنيفهم جماعة إرهابية كما صرح صديقنا اللدود محمد الفكي سليمان. ثم تضخمت مليشيا آل دقلو سياسيا واقتصاديا وعسكريا وتم توظيفها من الحلف الخارجي لتصفية الاسلاميين من جذورهم مقابل أيلولة حكم السودان وراثيا لأسرة آل دقلو ونفاذ هذا السيناريو يعني تفتيت السودان على أسس صراع الهويات القاتلة.
(٣)
إن التاريخ ماكر ويضمر الشر لمن لا يتعظ منه بتعبير هيغل فمنذ صعود الإسلاميين للحكم لم يتغير الهدف الإستراتيجي للحلف الإقليمي والدولي والساعي إلى إسقاط تجربة الحركة الاسلامية في الحكم ولكن تنوعت تكتيكاته بين القوة الصلبة والناعمة حتى أسقط التجربة من داخل بنيتها الصلبة المنوط بها المناجزة عن التجربة بالسنان وذلك عبر نظرية الاقتراب الاستراتيجي.
رغم تآمر الغرب وحراس مشروعه الثقافي في الداخل على إسقاط تجربة الإسلاميين في الجزائر عام 1993م وتجربة حماس في فلسطين عام 2007م، رغم هذه العبر فقد تحولت إستراتيجية الحركة الاسلامية في التغيير الحضاري الشامل في السودان عبر السلطة والتي كان شعارها ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقران إلى محض تكتيكات بدأت بالمفاصلة الأولى وخروج العقل الفكري والإستراتيجي عام 1999م ، ثم انفصال الجنوب عام 2011م ، وتوالي الإنشقاقات والتي شملت مجموعة أمين بناني ، والطيب مصطفى، وجبريل ابراهيم وغازي صلاح الدين، هكذا اعتزل التجربة أهل العصبية الفكرية والجهادية ، وصعد أمثال المرتزق على الشيوع حميدتي فكان هذا ائذانا بالموت السريري للتجربة
ثم وظف الحلف الإقليمي والدولي الخبيث تناقضات الاسلاميين لاسقاط تجربتهم في الحكم ، وهكذا كان الاسلاميون بارعون في تكتيكات إسقاط تجربة الانقاذ وفاشلون في استراتيجيات العض عليها بالنواجذ وتعهدها بالاصلاح الصبور والدوؤب والمستمر من الداخل حتى إثمار المثال الديمقراطي .
(٤)
يدرك التيار الإسلامي في السودان من عبر ثورات الربيع العربي أن التحالف الإقليمي والدولي وراء إسقاط تجارب الاسلاميين في مصر وتونس ويمنع صعودهم في اليمن وليبيا، ويتآمر على التجربة السورية وهي في مخاض صراع الرؤى والتكوين، وينزع هذا الحلف الشرير لتحطيم حركة حماس ، وتفكيك حزب الله، وضرب إيران في العمق الاستراتيجي، واسقاط تجربة العدالة والتنمية في تركيا ويدرك الاسلاميون في السودان ان انشقاقاتهم المتوالية هي السبب في إسقاط تجربة الانقاذ في الحكم وتنامي التدخلات الخارجية الخبيثة التي انتهت بحرب 15 ابريل 2023م التي كادت ان تعصف بالدولة السودانية في الهاوية.
فما هو واجب التيار الاسلامي في هذه اللحظة التاريخية الحرجة؟؟ القرار الاستراتيجي هو الوحدة الشاملة في حزب سياسي طليعي جديد وقيادة شبابية جديدة تعبر عن اشواق الاسلاميين ، وتطلعات المجتمع السوداني في دولة العدالة والحرية والديمقراطية المستدامة والعزة والوحدة والوفاق والسلام والتنمية والنهضة.
ان وحدة التيار الاسلامي هي البداية الواثقة لبناء اكبر كتلة حرجة في التاريخ السياسي السوداني المعاصر واعني بذلك (كتلة تحالف الكرامة) والتي تضم كل القوى السياسية والمجتمعية التي ناصرت الجيش السوداني في معركة الشرف الوطني، ومهام هذه الكتلة الحرجة تتجلى في بناء دولة قوامة المجتمع، وقيادة السودان في دورات تجارب ديمقراطية توافقية في مرحلة ما بعد حرب الكرامة.
عثمان جلال
الجمعة: 2025/4/18
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الحرکة الاسلامیة فی السودان فی الحکم
إقرأ أيضاً:
الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
خاص سودانايل: دخلت الحرب السودانية اللعينة والبشعة عامها الثالث ولا زالت مستمرة ولا توجد أي إشارة لقرب انتهاءها فكل طرف يصر على أن يحسم الصراع لصالحه عبر فوهة البندقية ، مات أكثر من مائة ألف من المدنيين ومثلهم من العسكريين وأصيب مئات الالاف بجروح بعضها خطير وفقد معظم المصابين أطرافهم ولم يسلم منها سوداني فمن لم يفقد روحه فقد أعزً الاقرباء والأصدقاء وكل ممتلكاته ومقتنياته وفر الملايين بين لاجئ في دول الجوار ونازح داخل السودان، والاسوأ من ذلك دفع الالاف من النساء والاطفال أجسادهم ثمنا لهذه الحرب اللعينة حيث امتهنت كرامتهم واصبح الاغتصاب احدى وسائل الحرب القذرة.
خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية:
بالطبع كان الصحفيون السودانيون هم أكثر من دفع الثمن قتلا وتشريدا وفقدا لأعمالهم حيث رصدت 514 حالة انتهاك بحق الصحفيين وقتل 21 صحفي وصحفية في مختلف أنحاء السودان اغلبهن داخل الخرطوم وقتل (5) منهم في ولايات دارفور بعضهم اثاء ممارسة المهنة ولقى 4 منهم حتفهم في معتقلات قوات الدعم السريع، معظم الانتهاكات كانت تتم في مناطق سيطرتهم، كما فقد أكثر من (90%) من منتسبي الصحافة عملهم نتيجة للتدمير شبه الكامل الذي الذي طال تلك المؤسسات الإعلاميّة من صحف ومطابع، وإذاعات، وقنوات فضائية وضياع أرشيف قيم لا يمكن تعويضه إلى جانب أن سلطات الأمر الواقع من طرفي النزاع قامت بالسيطرة على هذه المؤسسات الاعلامية واضطرتها للعمل في ظروفٍ أمنية، وسياسية، بالغة التعقيد ، وشهد العام الماضي وحده (28) حالة تهديد، (11) منها لصحفيات ، وتعرض العديد من الصحفيين للضرب والتعذيب والاعتقالات جريرتهم الوحيدة هي أنهم صحفيون ويمارسون مهنتهم وقد تم رصد (40) حالة اخفاء قسري واعتقال واحتجاز لصحفيين من بينهم (6) صحفيات ليبلغ العدد الكلي لحالات الاخفاء والاعتقال والاحتجاز منذ اندلاع الحرب إلى (69) من بينهم (13) صحفية، وذلك حسب ما ذكرته نقابة الصحفيين في بيانها الصادر بتاريخ 15 أبريل 2025م بمناسبة مرور عامين على اندلاع الحرب.
هجرة الاعلاميين إلى الخارج:
وتحت هذه الظروف اضطر معظم الصحفيين إلى النزوح إلى بعض مناطق السودان الآمنة داخل السودان منهم من ترك مهنة الصحافة ولجأ إلى ممارسة مهن أخرى، والبعض الاخر غادر إلى خارج السودان إلى دول السودان حيث اختار معظمهم اللجوء الى القاهرة ويوغندا وكينيا أو اللجوء حيث يمكنهم من ممارسة أعمالهم الصحفية هناك ولكن أيضا بشروط تلك الدول، بعض الصحفيين الذين لجأوا إلى الخارج يعيشون أوضاع معيشية وانسانية صعبة.
انتشار خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة والمضّللة
ونتيجة لغياب دور الصحافة المسئولة والمهنية المحايدة عمل كل طرف من أطراف النزاع على نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والمضللة وتغييب الحقيقة حيث برزت وجوه جديدة لا علاقة لها بالمهنية والمهنة تتبع لطرفي الصراع فرضت نفسها وعملت على تغذية خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجدت الدعم والحماية من قبل طرفي الصراع وهي في مأمن من المساءلة القانونية مما جعلها تمعن في رسالتها الاعلامية النتنة وبكل أسف تجد هذه العناصر المتابعة من الالاف مما ساعد في انتشار خطابات الكراهيّة ورجوع العديد من أفراد المجتمع إلى القبيلة والعشيرة، الشئ الذي ينذر بتفكك المجتمع وضياعه.
منتدى الإعلام السوداني ونقابة الصحفيين والدور المنتظر منهم:
ولكل تلك الاسباب التي ذكرناها سابقا ولكي يلعب الاعلام الدور المناط به في التنوير وتطوير قطاع الصحافة والاعلام والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ونشر وتعزيز قيم السلام والمصالحة وحقوق الانسان والديمقراطية والعمل على وقف الحرب تم تأسيس (منتدى الاعلام السوداني) في فبراير 2024م وهو تحالف يضم نخبة من المؤسسات والمنظمات الصحفية والاعلامية المستقلة في السودان، وبدأ المنتدى نشاطه الرسمي في ابريل 2004م وقد لعب المنتدى دورا هاما ومؤثرا من خلال غرفة التحرير المشتركة وذلك بالنشر المتزامن على كافة المنصات حول قضايا الحرب والسلام وما يترتب عليهما من انتهاكات إلى جانب التقاير والأخبار التي تصدر من جميع أعضائه.
طالب المنتدى طرفي النزاع بوقف القتال فورا ودون شروط، وتحكيم صوت الحكمة والعقل، وتوفير الحماية للمدنيين دون استثناء في كافة أنحاء السودان، كما طالب طرفي الصراع بصون كرامة المواطن وحقوقه الأساسية، وضمان الحريات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير، وأدان المنتدى التدخل الخارجي السلبي في الشأن السوداني، مما أدى إلى تغذية الصراع وإطالة أمد الحرب وناشد المنتدى الاطراف الخارجية بترك السودانيين يقرروا مصيرهم بأنفسهم.
وفي ذلك خاطب المنتدى المجتمع الدولي والاقليمي بضرورة تقديم الدعم اللازم والمستدام لمؤسسات المجتمع المدني السوداني، خاصة المؤسسات الاعلامية المستقلة لكي تقوم بدورها المناط بها في التنوير ورصد الانتهاكات، والدفاع عن الحريات العامة، والتنديد بجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين، والمساهمة في جهود تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.
وكذلك لعبت نقابة الصحفيين السودانيين دورا هاما أيضا في رصد الانتهاكات التي طالت الصحفيين والمواطنين حيث أصدرت النقابة 14 تقريرًا يوثق انتهاكات الصحفيين في البلاد.
وقد وثّقت سكرتارية الحريات بنقابة الصحفيين خلال العام الماضي 110 حالة انتهاك ضد الصحفيين، فيما بلغ إجمالي الانتهاكات المسجلة منذ اندلاع النزاع في السودان نحو 520 حالة، من بينها 77 حالة تهديد موثقة، استهدفت 32 صحفية.
وأوضحت النقابة أنها تواجه صعوبات كبيرة في التواصل مع الصحفيين العاملين في المناطق المختلفة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة وانقطاع الاتصالات وشبكة الانترنت.
وطالبت نقابة الصحفيين جميع المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها لجنة حماية الصحفيين، باتخاذ إجراءات عاجلة لضمان أمن وسلامة الصحفيين السودانيين، ووقف حملات التحريض الممنهجة التي تشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية التي تكفل حماية الصحفيين في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.
خطورة ممارسة مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات
أصبح من الخطورة بمكان أن تمارس مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات فقد تعرض كثير من الصحفيين والصحفيات لمتاعب جمة وصلت لحد القتل والتعذيب والاعتقالات بتهم التجسس والتخابر فالهوية الصحفية أصبحت مثار شك ولها تبعاتها بل أصبح معظم الصحفيين تحت رقابة الاجهرة الامنية وينظر إليهم بعين الريبة والشك من قبل الاطراف المتنازعة تهمتهم الوحيدة هي البحث عن الحقيقة ونقلها إلى العالم، ولم تسلم أمتعتهم ومنازلهم من التفتيش ونهب ومصادرة ممتلكاتهم خاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع.