شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري: مكيدة أحمد عز
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
تفاصيل اللقاء السري مع أحمد عز في الإسكندرية
مكيدة أحمد عز واجهت رفض شعبي
الرئيس مبارك أرسل لي تبرأه من ممارسات أحمد عز
هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم في أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودي بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتي.
أروى هذه الشهادات التي ينشرها بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.
اللقاء الصاخبتربطني علاقة قوية باللواء عادل لبيب الذى كان محافظًا لقنا لعدة سنوات، وقد اقتربت منه كثيرًا وأدركت قيمة هذا الرجل وإخلاصه في عمله وحبه للناس.
ظلت علاقتنا قوية ولا تزال، كان القاسم المشترك بيننا هو مصلحة الوطن، ومصلحة أبناء قنا، لم أطلب منه أية خدمة خاصة طيلة علاقتي به، فقط كان دوري كيف أساعد هذا الرجل المخلص إعلاميًا على إنجاح التجربة التي بدأت ترى ملامح النور على أرض قنا.
وقد ظلت العلاقة بيننا مستمرة، وعندما عُين محافظًا للبحيرة بعد أن تم نقله من قنا، كنت أزوره مرتين شهريًا على الأقل في مدينة دمنهور، وعندما نُقل إلى الإسكندرية استمريت في زياراتي له بشكل دائم ومستمر.. كنا نجلس سويا في استراحته المطلة على البحر داخل منطقة المنتزه، أقضى معه ساعات طوالا ثم أعود إلى القاهرة، وهكذا استمر الحال على مدى سنوات. كانت بيننا علاقة عميقة، والثقة متبادلة بيننا بدرجة كبيرة، وقد شاع أمر هذه العلاقة، وكان الكثيرون يعرفون حجم التقدير المتبادل بيننا.
علاقة لم تنقطع يوما مع اللواء عادل لبيب ومحافظ فنا ووزير التنمية المحلية الأسبق، وفى شهر مارس 2010 حدثني اللواء عادل لبيب وكان محافظًا للإسكندرية في هذا الوقت، وقال لي: فيه واحد مهم عاوز يشوفك!! وبدون أي تفكير قلت له على الفور: تحت أمرك يا أفندم، في أي وقت.
في الوقت المحدد ذهبت إلى استراحة محافظ الإسكندرية في المنتزه، وفى تمام الحادية عشرة بالتمام، كان أحمد عز قد وصل سائقًا سيارته دون أن يرافقه أحد، وكأنه أراد ألا يعرف أحد بهذا اللقاء، الذى تكتمت أسراره لسنوات طوال مضت.
جلس أحمد عز فى مواجهتى، واستمر اللقاء فى عتاب متبادل ونقاش حاد حول قضية احتكاره لإنتاج الحديد وطريقة امتلاكه لنسبة 50.2% من شركة حديد الدخيلة، وأيضًا بعض المواقف الأخرى لنحو ثلاث ساعات متواصلة.
كان الحديث صريحًا بيننا، وفى نهاية الجلسة، ظل كل منا عند موقفه، بينما حاول اللواء عادل لبيب تلطيف الأجواء أكثر من مرة خاصة عندما احتد النقاش بيننا.
غادر أحمد عز استراحة المحافظ وعاد من حيث أتى، بينما بقيت أنا لفترة من الوقت مع اللواء عادل لبيب.. خرجنا من داخل الاستراحة إلى خارجها، جلسنا على شط البحر، كانت أمواج البحر تتدفق بعنف، بينما كان الجو باردًا فى هذه الفترة..
قلت للواء عادل لبيب: ما تفسيرك لحضوره وإصراره على اللقاء بى فى وجودك؟
قال: الرجل يريد أن يهدئ الأوضاع معك.
قلت له: لا، الأمر ليس كذلك، أحمد عز يدبر لى مكيدة كبرى!!.
أبدى عادل لبيب دهشته، واستبعد ما قلته، وقال: لا أظن ذلك، لقد جاء فقط ليوضح موقفه.
قلت: الأيام بيننا يا افندم.. وحنشوف.
مضت الأيام سريعًا، وما هو إلا شهرين بعد هذا اللقاء حتى تحقق ظنى، فقد كان أحمد عز قد أعد العدة لمنعى من دخول انتخابات مجلس الشعب القادمة، وإذا صممت فليكن إسقاطى هو الحل النهائى لهذا الصداع الذى تسببت له فيه على مدى سنوات طوال.
كان أحمد عز يعرف أنه لن يستطيع إسقاطي في الانتخابات البرلمانية القادمة داخل حلوان، لأنه يعرف حجم علاقتي بالناس جيدًا، فتفتق ذهنه على أن يقوم بتقطيع دائرتي الانتخابية الدائرة (25) التي تشمل مناطق في حلوان ومنطقتي التبين و15 مايو، وقام على الفور بتقديم قانون يتضمن تعديلات طفيفة في بعض الدوائر، لكنه يركز على الدائرة (25) التي أمثلها، حيث تضمن القانون المقدم اقتطاع منطقتي (15 مايو والتبين) من دائرتي وضمهما إلى دائرة الصف التي كان يمثلها في هذا الوقت اللواء سعد الجمال، والنائب جمال عوض.
بدأت الأنباء تتسرب في هذا الوقت وعرفت أن المقصود من وراء هذا القانون هو الحيلولة دون ترشحي مرة أخرى، وإذا ما أصريت على الترشح فلن يكون أمامي إلا الترشح أمام الدكتور سيد مشعل وزير الدولة للإنتاج الحربى والمرشح عن الدائرة (24) ومقرها حلوان والمعصرة.
ومع تصاعد الأزمة نظم المئات من أبناء دائرة حلوان والتبين و15 مايو وقفة أولية أمام مجلس الشعب يوم 11 مايو 2010 أعلنوا فيها رفضهم لمشروع القانون المقدم من الحكومة بإيعاز من أحمد عز لتقسيم دائرة حلوان، ورفع المتظاهرون شعارات وهتافات تقول
«لو حلوان هتولع نار.. غير بكرى ما هنختار».. «شيلوا الدايرة حطوا الدايرة.. مصطفى بكرى جوه الدايرة» «طن حديد على طن حديد.. هو ده الفكر الجديد» «عز بيه.. يا عز بيه.. بكرى غايظك واللا إيه».
وبعد نهاية التظاهرة اتفق المتظاهرون على العودة للتظاهر والاحتشاد مرة أخرى أثناء مناقشة القانون أمام مجلس الشعب، خاصة أن مجلس الوزراء كان قد أقر قانون التقسيم في جلسته التي عُقدت يوم 10 مايو من نفس العام.
وفى يوم 15 مايو 2010 كنت أقف على باب مجلس الشعب منتظرًا بعض الأوراق من مكتبي، وكان د.زكريا عزمى عضو المجلس ورئيس ديوان رئيس الجمهورية متجها إلى اجتماع اللجنة التشريعية الذى سيعقد فى العاشرة والنصف صباحًا، وعندما رآنى واقفا قال لى: عاوزين يلغوا دايرتك ليه؟!..
قلت له: أنا سأحضر فورًا..
وبالفعل تسلمت الأوراق المنتظرة لعرضها على اللجنة وما أن وصلت حتى فوجئت بأن اللجنة التشريعية وافقت على مشروع القانون المقدم فى أقل من دقيقة، قلت: كيف ذلك؟ لقد جئت فى الموعد، فمتى اجتمعتم ومتى اتخذتم القرار؟!..
كان صوتى عاليا، وجهت حديثى إلى د.آمال عثمان رئيس اللجنة التشريعية، فشعرت بالحسرة على وجهها، ولم تستطع الرد ولو بكلمة واحدة، قلت: هذا ظلم.. هذا ظلم..
انصرف جميع من حولى، وبقيت وحيدًا، بينما كان أحمد عز يتابع الوقائع أولًا بأول..
كان أهالى حلوان قد احتشدوا مرة أخرى قبيل هذا الاجتماع، صباح السبت 14 مايو 2010، حيث شارك فى الاجتماع حوالى ثمانية آلاف مواطن ومواطنة من أبناء حلوان و15 مايو والتبين.
لقد حملنى المتظاهرون على الأعناق وراحوا يهتفون منددين بمسلك الحكومة ومسلك أحمد عز، وفى هذا المؤتمر الحاشد الذى عقد أمام البرلمان وسط حشود أمنية ضخمة، تحدثت فى المتظاهرين وقلت «إن أحمد عز أصبح الحاكم الفعلى لمصر، وبات يهدد كل من يرفع صوته ضد الفساد والاحتكار».
وناشدت فى هذا المؤتمر الرئيس مبارك التدخل وسحب مشروع القانون المقدم بتقسيم الدوائر وقلت «إن صبرى بدأ ينفد من ممارسات أحمد عز، وحذرت من تصاعد الأمر أكثر من ذلك، وساعتها لن أستطيع التحكم فى ردود أفعال جماهير حلوان الغاضبة».
ظلت الجماهير تهتف واحتلت شارع قصر العينى بأكمله ومنعت مرور السيارات وحملونى على الأكتاف ولم تهدأ المظاهرات إلا بعد أن طلبت منهم التوقف عند هذا الحد.
كنت قد حضرت قبل هذه المظاهرة الحاشدة بيومين المؤتمر الضخم الذى نظمه أهالى التبين و15 مايو والذى تعهدت فيه بعدم ترك حلوان مهما كانت الإجراءات التى سوف يجرى اتخاذها من قِبل البرلمان.
في هذا الوقت حدثني اللواء أبو الوفا رشوان رئيس سكرتارية الرئيس، وقال لي: إن الرئيس يبلغك إنه غير مسئول عن هذا الذى حدث وإنه يتمنى نجاحك في الانتخابات القادمة، وإذا كانت دائرة حلوان اتقسمت، ممكن تنزل في دائرة البساتين أو في قنا، قلت له: يافندم أرجوك أن تبلغ الرئيس مبارك أنني لن أترك دائرة حلوان ولو على جثتي، وأنني لن أذهب إلى أي دائرة أخرى، حتى ولو كان إسقاطي هو الثمن.
قال لي: طب وبعدين حتعمل إيه؟.. إنت عارف إن الدائرة الثانية بينزل فيها وزير الإنتاج الحربى د.سيد مشعل.
قلت له: حنزل ضده مهما كان الثمن، ومهما كانت النتائج.
قال: لا أظن أنك ستتمكن من النجاح.
قلت: أنا واثق من وقوف الناس معى مهما كان المرشح الآخر، ولكن إذا سقطت، فهذا أهون علىّ من النجاح فى دائرة أخرى غير دائرة حلوان.
قال: يعنى انت مصمم؟
قلت: نعم مصمم.
اعتصام وإضراب عن الطعام تحت القبةكانت اللجنة التشريعية قد أعدت تقريرها وعرضته سريعًا على الجلسة العامة لمجلس الشعب، ولم يكن أمامي غير أن أعلن الاعتصام والإضراب العام داخل البرلمان، حاول ضباط الأمن بالمجلس إثنائي عن هذا القرار إلا أنني كنت مصممًا عليه، فتم نقلى إلى إحدى الغرف داخل مبنى ملحق بالبرلمان، وشاع الخبر وتناقلته وسائل الإعلام المختلفة، تلقيت في هذا اليوم اتصالات عديدة من وسائل الإعلام والفضائيات وكبار المسئولين إلا أنني ظللت مصمما على الاستمرار في الاعتصام والإضراب عن الطعام.
وفى اليوم التالي حضرت الجلسة العامة التي عُقدت لمناقشة القانون، وقد طلبت الكلمة وتحدثت عن الهدف من وراء هذا القانون، وتساءلت: كيف يجرى تقسيم الدائرة بهدف إسقاطي؟! وقلت إننى أشعر بالقهر أمام هذا الظلم، وطالبت المجلس برفض القانون، وقلت: إننى سأظل معتصمًا ومضربًا عن الطعام احتجاجًا على ذلك.
وهنا تدخل د.فتحى سرور وقال إن الاعتصام يخل بواجبات العضوية، وقال: لقد أصدرت تعليماتى إلى قائد الحرس بفض الاعتصام فورًا، ودار جدل بينى وبينه لفترة من الوقت، لكنه كان مصمما وتم تمرير القانون، وبعد رفع الجلسة التف حولى عدد من نواب البرلمان، وحاولوا إقناعى إلا أننى قلت لهم: لقد رأيتم د.سرور يطالب قائد الحرس بطردى وهذا أمر لن أسكت عليه.
ذهب عدد من الأعضاء إلى رئيس المجلس يبلغونه عتابى على مطالبته بطردى، إلا أن د.سرور أبلغهم أنه يكن لى كل التقدير والاحترام، ونفى أن يكون قصده أن يقوم الحرس بطردى، وأنه سيقول ذلك فى الجلسة التى ستعقد بعد قليل فى البرلمان.
وبالفعل عندما عُقدت الجلسة التالية أكد د.سرور فى كلمته هذه المعانى وناشدنى إنهاء الإضراب والاعتصام، وأمام إلحاح أعضاء المجلس ألقيت كلمة عبرت فيها عن رفضى لهذا القانون الظالم وقلت: إننى حتى لو أنهيت الاعتصام والإضراب فإننى سأظل أناضل فى كافة المحافل للدفاع عن حقى وحق كل أهالى حلوان.
لقد شعرت بالظلم والقهر، وهنا تذكرت لقائى السرى مع أحمد عز وما قلته لعادل لبيب فى هذا الوقت، لقد وجدت مخاوفى على أرض الواقع، لكننى مع ذلك لم أتراجع، ولم أتردد
فى المواجهة، رفضت كافة محاولات ترشيحى فى دائرة أخرى، وقلت لن أترك حلوان مهما كان المرشح ومنصبه!!
وينشر موقع «الجمهور» يوم «الجمعة» من كل أسبوع، شهادة الكاتب والبرلماني مصطفى بكري، عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها، خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسي والرئيس السيسي.
اقرأ أيضاًمصطفى بكري يرد على أكاذيب الإخوان بشأن وفاة مواطنين بأحد مراكز الإصلاح
مصطفى بكري: تحويلات المصريين بالخارج زادت بنسبة 82%
مصطفى بكري: غزة ستشهد هجوما إسرائيليا عنيفا خلال أيام
«مصطفى بكري»: مهما فعلت إسرائيل بالشعب الفلسطيني فلن تُمحى الهوية الفلسطينية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مصطفى بكري أحمد عز موقع الأسبوع الرئيس السادات الرئيس مبارك شهادات وذكريات مصطفى بكري موقع الجمهور اللجنة التشریعیة القانون المقدم الرئیس مبارک فی هذا الوقت کان أحمد عز مجلس الشعب مصطفى بکری مهما کان محافظ ا و15 مایو إلا أن قلت له
إقرأ أيضاً:
مصطفى بكري يحذر من تطورات خطيرة بعد زيارة ترامب للمنطقة
أكد الإعلامي مصطفى بكري، أنه متوقع أن تشهد المنطقة تطورات خطيرة، بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب الشهر القادم، مشيرا إلى أن أمريكا تسعى للسيطرة على مضيق باب المندب، وتحكمها في عبور السفن.
وقال مصطفى بكري، خلال تقديمه برنامج “حقائق وأسرار”، عبر فضائية “صدى البلد”، أن الرئيس السيسي دائما ما كان يحذر من السيطرة على البحر الأحمر، واشتعال الأحداث في المنطقة، مؤكدا أن أمريكا لديها سعي لتوجيه ضربات لإيران.
ضربات للحزب الشعبي الأيرانيوتابع مقدم برنامج “حقائق وأسرار”، أنه متوقع في الفترة القادمة توجيه ضربات للحزب الشعبي الإيراني.