لجريدة عمان:
2025-04-26@01:52:02 GMT

«التواصل مع الآخر» .. حكايات البداية لن تندثر

تاريخ النشر: 18th, April 2025 GMT

«التواصل مع الآخر» .. حكايات البداية لن تندثر

لا أعرف على وجه الدقة ما الذي يجعلني أشعر بهذا الحنين العميق لطابع البريد، في حين يعتبره البعض مجرد بقايا زمن مضى، بالنسبة لي، كان ولا يزال رفيقًا صامتًا شاركني فترات التكوين الذهني، وترك بصمة دافئة في أعماق الذاكرة، وأنا اليوم في العقد الخامس من العمر، لا تزال رؤيته تثير في نفسي شيئًا من السعادة، وكأنها رسالة من ماضٍ جميل يأبى الرحيل.

عندما أفتش بين مقتنياتي القديمة أجد أشياء كثيرة فقدت بريقها مع الزمن، تخلصت منها دون تردد، لكن من بين كل تلك الأشياء بقيت «رسالة يتيمة» من صديق عزيز ترقد في أحد الأدراج، ورغم اهتراء الورقة وتآكل أطرافها لم أستطع التخلي عنها، ولا أدري ما السر وراء هذا التعلّق العجيب بها، ربما لأنها تحمل شيئًا من الروح، من الزمن، منّا نحن حين كنا نكتب بقلب نقيّ وأمل بسيط.

في ذاكرة الطفولة تلمع صور الطوابع البريدية الملونة والمزخرفة، كأنها لوحات فنية صغيرة، تحمل بين تفاصيلها شيئًا من ثقافات الشعوب وتاريخ الدول. كنت أراها ملتصقة على أظرف الرسائل القادمة من مكاتب البريد، كل واحدة تحكي قصة مدينة أو مناسبة أو رمز وطني. في تلك الأيام كان الذهاب إلى البريد طقسًا اجتماعيًا يوميًا، ومشهد القوى العاملة وهم يتجمعون عند صناديقهم لاستلام الرسائل، والسيارة التي تمرّ كل صباح لجمع البريد من الصناديق المنتشرة، وصندوق البريد المعدنيّ المثبّت خارج المبنى... كلها صور لا تزال تسكن الذاكرة.

في المدارس كانت هواية جمع الطوابع والعملات متجذّرة بيننا نحن الطلاب. كنا نتنافس في عرض مجموعاتنا، ونفخر بكل طابع نحصل عليه، خاصة إذا جاء من دولة نائية. تعلّمنا من الطوابع أسماء البلدان، ومعاني الأعلام، ومعالم شهيرة لم نرها، لكنها صارت مألوفة عبر تلك الأوراق الصغيرة. ولا أنسى كيف جمعتنا «مجلة ماجد» في صفحة «التعارف»، حيث كتبنا أسماءنا وعناويننا، وبحثنا عن أصدقاء بالمراسلة في كل مكان، ففتح ذلك لنا أبواب العالم من غرفتنا الصغيرة.

في الثمانينيات، كان من في الخارج لا يتواصل مع أهله إلا عبر الرسائل، كانت تلك الرسائل طويلة وصادقة، فيها الكثير من التفاصيل التي لا نقولها وجهًا لوجه. وفي المقابل، كنا نحن نكتب لعشرات من الأصدقاء حول العالم بحثًا عن صداقة حقيقية، ونتلهّف لوصول الرد.

ثم بدأت ملامح التغيير تظهر تدريجيًا، وظهرت «كابينات الهاتف» في الشوارع، ومعها «الكروت الهاتفية» التي كانت تُشترى من المحالّ التجارية وتُستخدم حتى تنفد. رغم أن الاتصال لم يكن رخيصًا، إلا أنه كان وسيلة لا غنى عنها، وكنت أرى البعض يحتفظ بـ«الكروت الهاتفية» الفارغة كأنها بطاقات تذكارية، مرسومة بألوان مميزة وصور جذابة.

ثم دخل «البيجر» حياتنا، ذلك الجهاز الصغير الذي لا يرسل سوى رقم المتصل، لكنه جعل من يملكه يشعر بأنه يمتلك شيئًا مميزًا، كان البعض يتركه يرنّ فقط ليتباهى، وحتى يسمع من حوله أنه «متصل» بالحياة العصرية، لكنه لم يكن يغني عن الهاتف، بل يدفعك إليه، فتذهب لتقف في طابور طويل أمام الهاتف العمومي، أو تنتظر في بيتك اتصالًا لاحقًا.

توالت بعدها القفزات التقنية، وبدأت الهواتف المحمولة تدخل حياتنا، ببطء في البداية، وبأسعار مرتفعة، ثم صارت أكثر انتشارًا، وظهر الإنترنت في سلطنة عمان خلال التسعينيات، وكانت تلك بداية تحوّل حقيقي في طريقة تواصلنا وتبادلنا للمعلومات. ومع كل هذه التحولات، تغيّرت عاداتنا واهتماماتنا، وانزوى البريد التقليدي، لكنه لم يختفِ. رغم كل ما جاء به العصر الرقمي، بقي للبريد دوره في مجالات حيوية، مثل الشحن، والتوصيل، والخدمات الرسمية، ولا تزال بعض المراسلات تحتفظ بهيبتها حين تصل مختومة بالطابع، الرسائل البريدية قديمًا كانت تنقسم إلى «رسائل عادية» زهيدة التكلفة، و«رسائل مسجلة» وهي ما كان يُعرف بخدمة «العلم والوصول»، وأيضًا «البرقيات المستعجلة» التي كانت كلماتها محدودة وسعرها مرتفعًا. إنّ البريد ليس مجرد وسيلة نقل رسائل، بل هو فصل من ذاكرة الشعوب. هناك ما هو معروف ومتداول، وهناك ما يحتاج إلى بحث وتنقيب في أرشيفات الزمن، ومن الطرائف أن بريطانيا -أول دولة أصدرت الطوابع- لا تكتب اسمها على طوابعها حتى اليوم، مكتفية بصورة الحاكم، في إشارة رمزية إلى أسبقيتها التاريخية في هذا المجال.

لمن أراد أن يعيش متعة الاكتشاف والحنين، فإن تاريخ البريد وطوابعه ومراسلاته تشكّل خيطًا مضيئًا في نسيج الحياة، والبحث فيه ليس مجرد معرفة، بل رحلة وجدانية نحو زمن كان فيه للرسالة معنى، وللطابع أثر، وللكلمة المكتوبة بيد دافئة حياة كاملة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بحضور الرئيس بارزاني.. إقامة اليوم الوطني للصلاة في كوردستان

شبكة انباء العراق ..

أقيمت اليوم الأربعاء، 23 نيسان 2025، وبحضور الرئيس مسعود بارزاني ورئيس إقليم كوردستان ورئيس حكومة الإقليم وعدد كبير من كبار المسؤولين والقادة في العراق وإقليم كوردستان والعالم، ووفود برلمانية من دول مختلفة، وممثلي ومبعوثي الدول من أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط، وشخصيات دينية من أديان ومذاهب متعددة، مراسم اليوم الوطني للصلاة تحت شعار (نحو الوحدة في الإيمان) بأربيل عاصمة إقليم كوردستان.

وهذه هي المرة الأولى التي يُقام فيها اليوم الوطني للصلاة في إقليم كوردستان، حيث ألقى الرئيس مسعود بارزاني كلمةً، جدد في مستهلها، التعبير عن تعازيه ومواساته لرحيل قداسة البابا فرنسيس، مؤكداً أن جذور ثقافة التعايش وقبول الآخر وحرية الرأي والمعتقد الديني والمذهبي مترسخة في كوردستان منذ القدم، ونحن نفخر بها وندافع عنها وسنواصل المضي على هذا النهج.

كما أشار الرئيس بارزاني إلى أن عبادة الله قاسم مشترك لجمع الأديان المختلفة على أساس أن الحق لا يتجزأ، وأن الطرق للوصول إلى الحق كثيرة، كما أن جميع الأديان المقدسة التي تقبل حقيقة وحدانية الله، كلها تبحث عن تلك الحقيقة ويجب احترامها جميعاً، فالأخلاق هي جوهر الدين.

وفي جانب آخر من كلمته، أشار الرئيس بارزاني إلى أنه منذ بداية سلطة مشيخة بارزان بقيادة الشيخ عبدالسلام بارزاني والشيخ أحمد بارزاني، كان احترام الأديان المختلفة وقبول الآخر جزءاً أساسياً من عقيدتنا.

نص كلمة الرئيس مسعود بارزاني؛

بسم الله الرحمن الرحيم

بدايةً، أرحب بكم جميعاً بحرارة، أيها الضيوف الكرام… أهلاً وسهلاً بكم في كوردستان، مهد التعايش القومي والديني.

قبل أن أبدأ كلمتي، أود أن أعرب مرة أخرى عن مشاركتنا الأحزان مع جميع محبي الإنسانية في العالم بفقدان رجل عظيم محب للسلام والإنسانية، ألا وهو قداسة البابا.

هذه هي المرة الأولى التي يُنظم فيها مثل هذا التجمع في كوردستان، والهدف منه هو تعريف العالم بالثقافة الغنية المتأصلة في كوردستان منذ القدم، وهي ثقافة التعايش وقبول الآخر وحرية الرأي والدين والمذهب. هذه الثقافة التي نفخر بها ونؤكد تمسكنا باستمرار المضي على هذا النهج. وآمل أن يساهم هذا التجمع في تعميق وتوسيع هذه الأخوّة وهذا التعايش في كوردستان.

إن عبادة الله تمثل نقطة مشتركة لجمع الأديان المختلفة، فالحق لا يتجزأ، والطرق للوصول إلى الحق كثيرة، وكل الأديان المقدسة التي تقبل حقيقة وحدانية الله، تبحث عن تلك الحقيقة ويجب احترامها جميعاً، فجوهر الدين هو الأخلاق.

يقول جلال الدين الرومي: الحق مثل قمة الجبل، هناك طرق عديدة للوصول إلى القمة، ولكن الهدف واحد، وهو الوصول إلى الحق.

منذ بداية سلطة مشيخة بارزان بقيادة الشيخ عبدالسلام بارزاني والشيخ أحمد بارزاني، كان احترام الأديان المختلفة وقبول الآخر جزءاً أساسياً من عقيدتنا، وهذا استناداً إلى قول الله تعالى في القرآن الكريم:

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

هذه آية من القرآن الكريم ترشدنا إلى طريق الاستمرار على هذه العقيدة وهي التعايش وقبول الآخر.

على مر التاريخ، عندما كانت الهجمات تُشن على كوردستان، لم يكن المعتدون يميّزون بين المسلم والمسيحي والإيزيدي، فقد أحرقوا جميع القرى، وتم ترحيل الجميع، وتعرضوا جميعاً للإبادة الجماعية ودُفنوا تحت الأرض وهم أحياء. وأخيراً حرب داعش التي لم تفرِّق بين المسلم والمسيحي والإيزيدي، حيث ارتكبوا جرائم فظيعة، وفي المقابل، كان البيشمركة البواسل بتضحياتهم منقطعة النظير يدافعون عن الجميع وحطّموا أسطورة داعش، ولكن بعد تقديم ثمن باهظ جداً، وهو ما يقارب 12 ألف شهيد وجريح.

فلتكن هذه البداية لعقد مثل هذه التجمعات مستقبلاً، لكي نعلم جميعاً، بأننا وقبل كل شيء، عبادُ الله وأننا جميعاً إخوة في الإنسانية.

ونستطيع جميعاً أن نعيش معاً من خلال قبول الآخر والمحبة والسلام؛ ولكن بممارسة الظلم، فأن الظالم لن يتمكن من الشعور بالراحة، ولا المظلوم كذلك.

كانت وصايا وإرشادات جميع الأنبياء أيضاً بمد يد الأخوة للآخر، كما أوصوا بالتعايش.

في الختام، أسأل الله تعالى أن يهدي الجميع، وأن يعم السلام في المنطقة والعالم بأسره، وأن تسود الأخوة. وأتمنى أن تقضوا وقتاً سعيداً في كوردستان، ونحن نفخر بكم، ومرة أخرى نرحب بكم جميعاً ترحيباً حاراً، ونشكر جميع السادة الذين نظموا هذا التجمع، شكراً لجهودهم.
والسلام عليكم.

user

مقالات مشابهة

  • ما هي الإمتيازات التي كانت تدافع عنها د. هنادي شهيدة معسكر زمزم
  • لاول مرة: البريد يفتح ابوابه حتى 12 ليلا
  • كيف تعمل فئات البريد الإلكتروني الجديدة من آبل؟
  • حكايات المكبرين للأوائل.. الجامع الكبير ساحة المعركة الأولى (الحلقة الثالثة)
  • «ماسكد وندرلاند» تروي حكايات الطبيعة في «الشارقة القرائي للطفل»
  • سامح قاسم يكتب | ضي رحمي.. أن تترجم لتكون القصيدة قلبك الآخر
  • تمساح يقرع جرس باب منزل في فلوريدا
  • “البداية”… تظاهرة ثقافية في دمشق تستعيد روح الثورة السورية وقصص المختفين قسراً
  • بحضور الرئيس بارزاني.. إقامة اليوم الوطني للصلاة في كوردستان
  • التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات