شهد شهر أبريل 2025 واحدة من أكبر الحملات الرقابية التي نفذتها الهيئة القومية لسلامة الغذاء، مستهدفة عددًا من أشهر سلاسل بيع وتصنيع المنتجات الغذائية في مصر، بعد تكرار شكاوى المواطنين بشأن ظهور أعراض تسمم غذائي عقب تناول منتجات من علامات تجارية معروفة مثل: "بلبن"، "كرم الشام"، "كنافة وبسبوسة"، "وهمي"، و"عم شلتت".

وأسفرت نتائج التحاليل الرسمية التي أجرتها معامل الهيئة عن وجود ملوثات وبكتيريا ممرضة داخل عينات متعددة، ما دفع السلطات إلى اتخاذ قرارات صارمة تشمل الغلق المؤقت، المصادرة، والإعدام الفوري لكميات ضخمة من الأطعمة. التحقيق التالي يستعرض ما حدث من بدايته حتى لحظة الحسم.

بداية الأزمة.. بلاغات بالتسمم تثير الشكوكتزايد شكاوى المواطنين:

خلال الأسابيع الماضية، تلقت الهيئة القومية لسلامة الغذاء بلاغات متكررة عبر المنصات الرسمية، تفيد بظهور أعراض تسمم غذائي حاد على عدد من المواطنين بعد تناول منتجات من فروع محددة تابعة لتلك السلاسل، خاصة في القاهرة، الجيزة، والإسكندرية.

تحرك فوري من الجهات الرقابية:

في استجابة عاجلة، أمرت الهيئة بتكثيف الجولات التفتيشية، وسحب عينات عشوائية من المصانع والمخازن والفروع التابعة للعلامات التجارية الخمس، مع التركيز على جودة الخامات وسلامة ظروف التصنيع والتخزين.

نتائج التحاليل.. مفاجآت صادمة تهدد الصحة العامةبكتيريا ممرضة في عينات متعددة:

كشفت نتائج التحاليل التي أُجريت داخل معامل الهيئة عن وجود بكتيريا مسببة للتسمم الغذائي في عدد كبير من المنتجات المعروضة، وهي أنواع معروفة بتأثيرها المباشر على الجهاز الهضمي، وقد تؤدي إلى أعراض خطيرة خاصة عند الأطفال وكبار السن.

ألوان محظورة وتخزين غير صحي:

بالإضافة إلى البكتيريا، كشفت الفحوص عن استخدام بعض الألوان الصناعية المحظورة دوليًا، إلى جانب سوء في طرق التخزين أدى إلى فساد بعض الأصناف وتحول رائحتها وقوامها، ما يجعلها غير صالحة نهائيًا للاستهلاك الآدمي.

أبرز نتائج الحملة الرقابية (نقاط)تنفيذ حملات تفتيش على 47 منشأة غذائية تابعة للسلاسل الخمس.إغلاق مؤقت لفروع متعددة لحين تصحيح الأوضاع الصحية والقانونية.مصادرة وإعدام كميات ضخمة من المنتجات غير المطابقة للمواصفات.رصد حالات غش غذائي باستخدام خامات دون المستوى ومكونات محظورة.إصدار تحذيرات رسمية وتوقيع جزاءات مالية وتنظيمية على الشركات المخالفة.إعلان استمرار الجولات الرقابية المكثفة خلال الشهور المقبلة دون إنذار مسبق.توجيهات وتحذيرات الهيئة القومية لسلامة الغذاءرسالة للمستهلكين:

حسب منشور، عبر صفحة مجلس الوزراء، دعت الهيئة المواطنين إلى توخي الحذر والإبلاغ الفوري عن أي علامات فساد أو تغير في خصائص المنتجات الغذائية، سواء من حيث الرائحة أو اللون أو الطعم، وأتاحت قنوات اتصال مباشرة للتواصل مع الهيئة تشمل الموقع الإلكتروني، الخط الساخن، ومنظومة الشكاوى الموحدة.

تحذير للمصنّعين وأصحاب السلاسل:

وجهت الهيئة إنذارًا واضحًا لجميع المنشآت الغذائية بضرورة الالتزام الكامل باشتراطات السلامة والنظافة والتخزين، مؤكدة أن أي تجاوز مستقبلي سيتم التعامل معه بإغلاق دائم وتحويل المسؤولين إلى جهات التحقيق.

تأتي هذه الواقعة لتؤكد مجددًا أن معايير سلامة الغذاء لا تحتمل التساهل، وأن صحة المواطن خط أحمر. فمهما كانت شهرة السلسلة أو انتشارها، فإن الالتزام بالقانون وجودة المنتج سيبقيان الفاصل الحقيقي بين النجاح والانهيار.

وتبقى رسالة الهيئة القومية لسلامة الغذاء واضحة: "لن نتهاون مع أي منشأة تهدد صحة المصريين، والرقابة مستمرة.. وبشدة".
 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الهیئة القومیة لسلامة الغذاء

إقرأ أيضاً:

تحوّل بفعل الناس.. طريق هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا

في كتابهما الذي سيصدر في يوليو/تموز 2025  للباحثين باتريك هيني وجيروم دريفون بعنوان "تحوّل بفعل الناس: طريق هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا"، يرصد المؤلفان التحولات المتسارعة التي طرأت على الهيئة منذ عام 2019. يستند الكتاب إلى مقابلات مع قادة الهيئة، بمن فيهم الرئيس السوري أحمد الشرع (المعروف سابقا بأبو محمد الجولاني)، إضافة إلى شهادات من دبلوماسيين ومعارضين وشخصيات مستقلة.

ويستفيض الباحث باتريك هيني في شرح التحوّل الجذري الذي طرأ على هيئة تحرير الشام وزعيمها، وهي تحوّلات يرى أنها لم تكن لحظة مفاجئة أو انقلابًا أيديولوجيًا معلنًا، بل سلسلة من التعديلات التكتيكية والتكيّفات المحلية المتدرجة عبر السنوات.

في حلقة جديدة من برنامج (Centre Stage)، الذي تنتجه الجزيرة الإنجليزية، تحدّث الباحث والمؤلف المتخصص في الشأن السوري باتريك هيني عن التحولات العميقة التي طرأت على هيئة تحرير الشام. وفي بداية الحوار، أشار هيني إلى أن الهيئة ليست معنية أساسًا بالحكم أو الإدارة بقدر ما هي تنظيم ثوري بطبيعته، يسعى إلى إحداث تحولات كبرى على الأرض. وقال "هم ثوار، لا يمكنهم معاداة المجتمع، ويدركون أنهم في موقع ضعف، وبالتالي عليهم أن يتعاملوا مع الواقع بحذر ومرونة".

إعلان

وأضاف أن التحول الحاسم الذي غيّر مسار الحرب في سوريا جاء حين نجحت الفصائل المسلحة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، في السيطرة السريعة على مناطق واسعة في البلاد، من إدلب إلى حماة وحمص، وصولًا إلى العاصمة دمشق، وأطاحت بنظام بشار الأسد، الذي حكم سوريا لأكثر من نصف قرن. هذا الإنجاز، بحسب هيني، لم يكن متوقعًا حتى من قادة الهيئة أنفسهم، بما فيهم الشرع.

وأوضح هيني أن أحد العوامل التي عجّلت بهذا التقدم هو "ضعف محور المقاومة"، في إشارة إلى تراجع نفوذ إيران وحزب الله نتيجة الضغوط الإقليمية، وانشغال روسيا بحربها في أوكرانيا. هذه الظروف أوجدت "نافذة فرص"، رأت فيها الهيئة إمكانية للعودة إلى العمل العسكري بعد فترة من الجمود عُرفت بـ"الصراع المتجمّد".

ورأى هيني أن زعيم هيئة تحرير الشام لم يكن مرتاحًا للدور المفروض عليه كـ"حاكمٍ لِجَيْب صغير" في إدلب، بل كان يسعى إلى أدوار ملحمية تتناسب مع طبيعته الثورية. وأضاف "هو لا يرى نفسه مسؤولًا إداريًا عن مخيمات ولاجئين وأشجار زيتون، بل قائد ميدان، رجل معارك وتحوّلات كبرى".

"زعيم هيئة تحرير الشام لم يرَ نفسه مسؤولًا إداريًا عن مخيمات ولاجئين وأشجار زيتون، بل قائد ميدان، رجل معارك وتحوّلات كبرى، التقيت به عدة مرات خلال السنوات الماضية، وهو شخصية تمتلك رؤية واضحة لما تريده. يُحسب له أنه نجح في قيادة حركته عبر تحولات أيديولوجية عميقة، وتمكن من الحفاظ على وجوده واستمراريته في صراع يمتد لأكثر من 14 عامًا"

وعن شخصيته، قال هيني "التقيت به عدة مرات خلال السنوات الماضية، وهو شخصية تمتلك رؤية واضحة لما تريده. يُحسب له أنه نجح في قيادة حركته عبر تحولات أيديولوجية عميقة، وتمكن من الحفاظ على وجوده واستمراريته في صراع يمتد لأكثر من 14 عامًا".

ووصفه بأنه إستراتيجي وبراغماتي في آن معًا، يمتلك القدرة على التكيّف واتخاذ قرارات مفصلية ضمن تعقيدات المشهد السوري. واعتبر أن ما نشهده اليوم من تغيّرات على الأرض هو نتيجة مباشرة لهذا التحول الذي قاده الجولاني داخل الهيئة.

في الأيام التي أعقبت سقوط النظام، يرى هيني أن الوضع بدا أفضل مما كان متوقعًا، لكنه يصف المشهد بأنه لا يزال هشًا ويعتمد على كيفية إدارة ما بعد الصراع، وهو ما سيتضح أكثر في قادم الأيام.

​هيئة تحرير الشام تحوّلت إلى كيان يسعى لإدارة مدنية معتدلة، مركّزة على الحوكمة والتواصل مع المجتمع الدولي (الجزيرة) من مقاتل إلى حامٍ للحريات

يطرح المحاور سؤالًا لافتًا: كيف يمكن لرجل كان قبل سنوات يقاتل ضمن قيادة "جبهة النصرة" ويتبنّى "خطابًا متطرفًا"، أن يتحول اليوم إلى زعيم يعلن التزامه بضمان الحريات الشخصية، ويطالب بعدم المساس بالمباني الحكومية أو بالأقليات؟

إعلان

يرد هيني بأن هذا هو "سؤال المليون دولار"، مؤكدًا أن ما حدث لا يمكن اختصاره بجملة واحدة أو تفسير سريع، لكنه محاولة لفهم مسار متراكم من التغيّرات، وليس مجرد تبديل علني في الخطاب أو الأيديولوجيا.

وأوضح أن هذه التحولات جاءت نتيجة ضغوط وتعقيدات عدة، بعضها محلي وبعضها الآخر إقليمي ودولي. فقد وجدت الهيئة نفسها مضطرة للتعامل مع واقع جديد، من أبرز ملامحه الوجود التركي العسكري في الشمال السوري، وتكوين بيئة مجتمعية يغلب عليها الإسلام الصوفي التقليدي، لا السلفي الجهادي، وهو ما تطلّب مقاربة جديدة في العلاقة مع السكان.

تراجع الأجنحة المتشددة

يصف هيني ما حدث داخل الهيئة بأنه "دائرة فاضلة" من التحول التدريجي: كل خطوة تكيف جديدة كانت تواجه مقاومة داخلية من التيارات الأكثر تشددًا، وكانت تلك المقاومة تُواجه من القيادة، مما أدى تدريجيًا إلى تقليص نفوذ هؤلاء المتشددين.

ومن أبرز الأمثلة على هذا التحول، قبول الهيئة عام 2017 بإقامة "حكومة الإنقاذ السورية" كجسم إداري بديل، وهو ما اعتُبر تحولًا في نهجها من العسكرة إلى نوع من الحوكمة، حتى وإن كانت تحت سيطرتها المباشرة.

كما اضطر قائد هيئة تحرير الشام إلى تبرير مواقف صعبة أمام جمهوره الداخلي، من قبيل القبول بهدنة فرضتها تركيا مع روسيا بعد 9 أشهر من المواجهات العنيفة، وبيع ذلك الخطاب الجيوسياسي في سياق شرعي جهادي داخلي، وهو ما شكّل تحديًا فكريًا وتنظيميًا كبيرًا.

يختم هيني هذا الجزء بالتأكيد على أن هذه التغيّرات التراكمية مكّنت الهيئة من تقليص المعارضين داخلها، وصولًا إلى مرحلة احتكار شبه كامل للمشهد العسكري والمدني في إدلب ومحيطها، وهو ما يُمهّد، برأيه، لفصل جديد من صراع طويل لم يقل كلمته الأخيرة بعد.

النموذج الإداري في إدلب

في حديثه عن التجربة الإدارية لهيئة تحرير الشام في إدلب، يوضح باتريك هيني أن التحديات التي واجهتها الهيئة بعد الانتقال من العمل العسكري إلى الحوكمة كانت كبيرة ومعقدة، من بينها إدارة الشأن الديني، وخاصة المساجد وخطب الجمعة.

في إدلب وحدها، كان هناك أكثر من 1200 مسجد، يديرها خطباء وأئمة من أبناء المجتمعات المحلية، غالبهم لا ينتمون إلى التيارات السلفية أو الجهادية، بل يمثلون ما يُعرف بـ"الإسلام الشعبي" التقليدي. أمام هذه المعادلة، اتخذت الهيئة قرارًا لافتًا بعدم إقصاء هؤلاء الخطباء، بل تركتهم في مواقعهم، مع منحهم حرية نسبية في اختيار موضوعات خطبهم، رغم تقديم الهيئة مقترحات ثلاثية كل خميس لخطبة الجمعة.

يقول هيني إن هذا القرار كان خطوة ذكية تعكس إدراك الهيئة لحقيقة وضعها؛ "هي ليست حركة جماهيرية واسعة كالإخوان المسلمين، بل قوة عسكرية انتقلت إلى الإدارة، وتدرك أنها لا تستطيع استفزاز المجتمع أو فرض قطيعة معه، لذا اختارت سياسة الاحتواء والتكيّف بدل المواجهة".

إعلان التعامل مع الأقليات

واحدة من أكثر النقاط حساسية في أي مشروع حوكميّ لفصيل عسكري إسلامي هي كيفية التعامل مع الأقليات الدينية، لا سيما المسيحيين. هنا يشير هيني إلى تجربة فريدة حصلت في إدلب، حيث بدأت الهيئة بمقاربات تصالحية أعادت بعض المسيحيين إلى مناطقهم، بعد أن كانوا قد غادروها تحت ضغط الحرب.

يؤكد هيني أن هذه التجربة الإيجابية انتقلت تدريجيًا إلى مدينة حلب، حيث لاحظ سكانها من المسيحيين أن أقرانهم في إدلب لم يواجهوا اضطهادًا طائفيًا أو ممارسات تمييزية. ويقول "المسيحيون بدؤوا يتناقلون فيما بينهم أخبار إدلب، من إدلب إلى حلب، وظهر أن ما جرى هناك لم يكن سيئًا، بل على العكس كان يحمل نموذجًا يمكن التفاهم معه".

هذه السياسة، بحسب هيني، أسهمت في إبقاء جزء من المسيحيين في حلب وعدم مغادرتهم البلاد، وأنتجت ما يشبه "الإرث الإيجابي" في إدارة التنوع الديني. هذا الإرث تكرّر لاحقًا في مناطق أخرى كحمص، والساحل، ودمشق، حيث تبنّت الهيئة -أو الجهات التي تأثرت بنموذجها- أسلوبًا إداريًا يقوم على تجنّب العنف الطائفي، والسماح بعودة الأقليات إلى بيوتها، ومعاملتها على قدم المساواة مع بقية مكونات المجتمع.

يختم هيني هذا الجزء بالإشارة إلى أن ما حدث في إدلب لم يكن مجرد استثناء عابر، بل "نموذج تم تعميمه"، حيث تحوّل إلى ما يشبه خارطة طريق (بلو برينت) في التعامل مع الأقليات والتنوع، تم استنساخه لاحقًا في مناطق أخرى خاضعة لسيطرة المعارضة أو على تماس مباشر مع هيئة تحرير الشام.

هذا النموذج، القائم على تقليص الخطاب الطائفي، واحتواء الرموز الدينية التقليدية، والتفاوض مع المكونات الاجتماعية المختلفة، يُمثّل -في رأي هيني- مزيجًا من البراغماتية والتعلم السياسي الميداني، وهو ما لم تستطع أي فصائل أخرى تحقيقه بالفعالية نفسها.

نظام الأسد جثم على صدر الشعب السوري لأكثر من 5 عقود (الفرنسية) بعد سقوط الأسد

عقب الإطاحة المفاجئة بنظام بشار الأسد، وجد أبو محمد الجولاني نفسه فجأة في واجهة المشهد السوري، لا كقائد ميداني فقط، بل كأمر واقع يُنظر إليه اليوم باعتباره أحد اللاعبين الأساسيين في إدارة المرحلة الانتقالية. هذا التحوّل، بحسب باتريك هيني، يضع المجتمع الدولي أمام سؤال صعب: هل يمكن الوثوق بالجولاني؟

إعلان

رغم أن هيئة تحرير الشام لا تزال مصنّفة منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة وعدد من الدول الغربية، فإن الواقع الجديد يفرض على هذه الجهات مراجعة موقفها. فالرجل الذي يُنظر إليه اليوم كأحد "صنّاع المرحلة" يتحدث عن التعايش، وحرية المرأة، والأمن في الشارع، وكلها مواقف تتعارض جذريًا مع خلفيته الجهادية.

يرى هيني أن "البراغماتية بدأت تفرض نفسها حتى في الغرب"، مشيرًا إلى نقاشات جارية في مستويات عالية حول إمكانية تعديل التصنيف، وقد صدرت بالفعل إشارات مرنة من بعض الدول. وأضاف "إذا كانت هناك حاجة للتعامل مع الجولاني، فربما يكون من الحكمة تقييمه وفقًا لمسيرته منذ لحظة التحول، وليس ماضيه فقط، لأن سجلّه في السنوات الأخيرة يُظهر أداءً أفضل بكثير".

"البراغماتية بدأت تفرض نفسها حتى في الغرب، ومن الحكمة تقييم (الشرع) وفقًا لمسيرته منذ لحظة التحول، وليس ماضيه فقط، لأن سجلّه في السنوات الأخيرة يُظهر أداءً أفضل بكثير"

دمشق بعد الثورة

يتوقف هيني عند التعقيد الذي تمثله دمشق، العاصمة التي تمثل كل رمزية النظام السابق، والتي تضم مزيجًا طائفيًا وعرقيًا معقّدًا. وهو يتساءل: هل يستطيع الزعيم، الذي أدار إدلب بنجاح نسبي، أن ينجح في إدارة دمشق؟ الأمر غير محسوم، خاصة مع وجود نخبة علوية ومسيحية وإدارية كبيرة داخل مؤسسات الدولة لا تزال باقية.

ويؤكد أن المعضلة الحقيقية في المرحلة المقبلة هي في كيفية إقامة توازن بين هيئة تحرير الشام وحلفائها، من جهة، وبين بقايا الدولة السورية والنخبة السياسية، والمعارضة في الخارج من جهة أخرى. هذه "المثلثات المتقابلة"، كما يسميها هيني، ستكون حاسمة في تحديد شكل النظام المقبل وهوية المشروع السياسي الجديد، الذي -ولأول مرة منذ أكثر من عقد- يتم صياغته من دمشق، لا من إدلب.

يلفت هيني النظر إلى التعقيد الإقليمي والدولي الذي يفاقم المشهد، حيث تتقاطع مصالح قوى كبرى مثل الولايات المتحدة، وتركيا، وإيران، وإسرائيل، إضافة إلى الفاعلين المحليين مثل الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية، وتنظيم الدولة (داعش) الذي لا يزال حاضرًا بشكل مبعثر في البادية والجنوب الشرقي.

إعلان

وأكد أن الشمال الشرقي لسوريا، الغني بالنفط والمفتوح على الصراعات الدولية، سيكون مسرحًا مهمًا في مستقبل التوازنات. ويضيف "المشهد لا يقتصر على دمشق، فالنزاع في الشرق حول السيطرة على الموارد والسكان وطبيعة النفوذ الدولي سيبقى عنصرًا محوريًا في رسم مستقبل البلاد".

هذه اللحظة، رغم ما تحمله من قلق وتحديات، تمنح السوريين –للمرة الأولى منذ سنوات – إحساسًا بفرصة جديدة (الأناضول)  لحظة الغموض

أما عن اللحظة الحالية، فيصفها هيني بأنها واحدة من أكثر المراحل غموضًا في تاريخ سوريا الحديث. فالمعركة على دمشق قد تواجه قريبًا "أزمة تشبّع" بسبب تراكم الملفات والمسؤوليات. ويطرح تساؤلات فنية: هل لدى القيادة آليات تفويض؟ هل يمكنها بناء مؤسسات قابلة للاستمرار؟ ومتى ستنفتح على المجتمع الدولي؟ كلها أسئلة بدون إجابة واضحة.

حين سُئل عن مصدر الأمل في سوريا بعد كل هذا العنف والدمار، أجاب هيني بأن الأمل اليوم يُقاس بالسلب، أي بمجرد غياب النظام السابق. يروي عن صديقه الكردي الذي قال له "لأول مرة منذ 13 عامًا أشعر أنني حر، لا أعرف من الجولاني، ولا ما الذي سيأتي، لكنني أعرف شيئًا واحدًا: لم نعد تحت حكم الأسد، ونستطيع أن نتنفس".

وختم حديثه بالتأكيد على أن هذه اللحظة، رغم ما تحمله من قلق وتحديات، تمنح السوريين -للمرة الأولى منذ سنوات – إحساسًا بفرصة جديدة. لكن هذه الفرصة لا تعني شيئًا إن لم تقترن بتحمل المسؤولية، والانفتاح، وتأسيس نموذج مختلف عن الأنظمة الاستبدادية التي مزّقت العالم العربي منذ "الربيع العربي" وحتى اليوم.

مقالات مشابهة

  • «أبوظبي للجودة» يفتش على 28.6 ألف منتج بالربع الأول
  • فضيحة غذائية.. حلوى شهيرة تستخدم صبغة دباغة الجلود
  • تطبيق مواعيد القطارات بالتوقيت الصيفي 2025،، الهيئة القومية لسكك حديد مصر تُعلن التفاصيل
  • تحوّل بفعل الناس.. طريق هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا
  • التمرين الإنتخابي الجزئي يعزز موقع البام في الخريطة السياسية
  • أبوظبي.. رصد 5 منتجات مسحوبة عالمياً بالأسواق
  • طريقة عمل كنافة بالبستاشيو خطوة بخطوة
  • كيان وهمي.. سقوط المتهم بالنصب والاحتيال على المواطنين بالقاهرة
  • انطلاق اجتماع محلية النواب لمناقشة الأدوات الرقابية
  • إعادة فتح سلسلة فروع محلات بلبن وكنافة وبسبوسة بالغربية دون بيع منتجات لمدة 15 يوما..صور