تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إطار سياسة الرسوم الجمركية المتصاعدة، وهذه المرة يتمحور الخلاف حول شرط الشراء المتبادل.

وشرط الشراء المتبادل هو التزام تفرضه إسرائيل على الشركات الأجنبية الفائزة بعطاءات حكومية بأن تستثمر في الاقتصاد المحلي أو تشتري منتجات إسرائيلية، وفق تقرير لصحيفة غلوبس الإسرائيلية.

هذا النموذج من الشراء المتبادل يضخ مليارات الدولارات سنويا في السوق الإسرائيلية ويدعم مئات الشركات المحلية، لا سيما في قطاع الأسلحة. إلا أن الحكومة الإسرائيلية تجري حاليا نقاشات عاجلة بشأن احتمال إعفاء الشركات الأميركية من هذا الشرط مقابل الحصول على تخفيضات في الرسوم الجمركية المفروضة ضمن خطة ترامب الاقتصادية.

وفي حال تنفيذ هذا الإعفاء، فإن قطاعات صناعية بأكملها -خاصة العسكرية- قد تتعرض لضربة مؤلمة، بحسب غلوبس.

ضغوط جمركية أميركية مرتفعة

يأتي هذا التوجه الإسرائيلي في محاولة لتقليص العجز التجاري الأميركي مع إسرائيل، وهو الأساس الذي بُنيت عليه الرسوم الأميركية المرتفعة البالغة 17%.

وتقود وزارة المالية هذه المحادثات بهدف بلورة موقف موحد وسلة من الإجراءات، تمهيدًا لعرضها على وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

شركة إلبيت تتمتع بأفضلية في هذه الظروف نظرًا لامتلاكها فروعا في الولايات المتحدة (رويترز)

وبموجب آلية الشراء المتبادل المعمول بها في إسرائيل، يتوجب على الشركات الأميركية إجراء مشتريات محلية تعادل 50% من قيمة أي صفقة دفاعية لا تموَّل من المساعدات الأميركية، و35% في العقود المدنية، و18% في التعاقدات مع الهيئات الحكومية.

إعلان

لكن التقرير الأميركي المتعلق بإسرائيل، ضمن خطة الرسوم التي نشرتها إدارة ترامب، اعتبر أن الشركات الأميركية "تواجه تمييزًا سلبيًّا بسبب متطلبات الشراء التعويضي الكبيرة".

وأشار إلى أنه "رغم صدور قرار من محكمة إسرائيلية يمنع أخذ عروض الشراء التعويضي في الاعتبار عند تحديد الفائز في العطاء، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة الأميركية تتردد في الالتزام بهذه المتطلبات، مما يُقلّص من مشاركتها في المناقصات الإسرائيلية".

بين أميركا والصين

ورغم أن إسرائيل بدأت بالفعل تقديم تنازلات، مثل إلغاء الرسوم الجمركية على منتجات أميركية، وتوسيع الاعتراف بالمعايير الأميركية، بل وحتى إعادة توجيه جزء من المشتريات الحكومية من أوروبا إلى السوق الأميركية، فلا تزال الضغوط مستمرة.

وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن واشنطن لا تهتم فقط بالدول التي تشتري منها إسرائيل، بل أيضًا بالدول التي تتجنب الشراء منها. وهذا ما يُظهر ضعف موقع إسرائيل في مواجهة قوتين اقتصاديتين عالميتين.

وأحد أبرز الأمثلة على هذا التوتر يتمثل في مشروع الخط الأزرق للقطار الخفيف في القدس، حيث قررت وزارة المالية استبعاد شركة (سي آر آر سي) الصينية من صفقة تزويد العربات بسبب ضغوط أميركية، رغم أنها كانت قد وفرت العربات لمشروع الخط الأحمر في تل أبيب. وفي المقابل، تواصل شركة هيونداي الكورية تنفيذ التوريد.

الشركات الكبرى تستفيد والصغيرة تخسر

وفي مواجهة هذا الواقع، تتمتع شركات الأسلحة الكبرى في إسرائيل بأفضلية، نظرًا لامتلاكها فروعًا وشركات تابعة لها في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، تملك "إلبيت" شركة "إلبيت للأنظمة – أميركا"، و"الصناعات الجوية الإسرائيلية" تملك شركة "ستارك"، أما "رافائيل" فتدير شركة "بي في بي" المختصة بالأنظمة الكهروبصرية.

إسرائيل تجد نفسها عالقة في وسط صراع تجاري عالمي لا تتحكم في قواعده (رويترز)

وتمنح هذه الفروع للشركات الكبرى القدرة على الإنتاج داخل أميركا تحت شعار "صنع في الولايات المتحدة"، وتشغيل عمالة محلية، وفي الوقت نفسه استغلال التكنولوجيا الإسرائيلية المعتمدة ميدانيا، وهو ما يجعلها في موقع قوي رغم الرسوم.

إعلان

أما الشركات الناشئة والصغيرة، فستضطر إلى البحث عن حلول إبداعية للبقاء في السوق، في ظل تحديات غير مسبوقة. وبحسب بيانات "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، فإن الولايات المتحدة كانت ثاني أكبر مشترٍ لصادرات الصناعات العسكرية الإسرائيلية بين عامي 2020 و2024، بنسبة بلغت 13% من مجمل الصادرات.

مأزق لا مفر منه

إسرائيل، كما توضح "غلوبس"، تجد نفسها عالقة في وسط صراع تجاري عالمي لا تتحكم في قواعده. وبينما تحاول تقليص الخسائر والتنازل تدريجيا لتخفيف الضغط الأميركي، فإن الثمن الداخلي يبدو مرتفعًا، خاصة على القطاعات الإنتاجية المحلية التي تعتمد على منظومة الشراء المتبادل كأداة للبقاء والنمو.

وتذكر الصحيفة أن التنازلات لصالح الولايات المتحدة قد تفتح أبوابًا جديدة من التعاون، لكنها في الوقت نفسه تهدد بتفكيك أحد أهم أعمدة الاقتصاد الصناعي الإسرائيلي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

صندوق النقد الدولي: تباطؤ النمو العالمي بسبب الرسوم الأميركية

خفض صندوق النقد الدولي، يوم الثلاثاء، توقعاته للنمو الاقتصادي في معظم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، مشيرًا إلى تداعيات موجة الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأميركية مؤخرًا، والتي وصفها بأنها "الأعلى منذ قرن".

وقالت وكالة رويترز إن الصندوق قلّص توقعاته للنمو العالمي لعام 2025 بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 2.8%، وبمقدار 0.3 نقطة لعام 2026 إلى 3%، مقارنة بتقديرات يناير/كانون الثاني الماضي.

تأثير مباشر للتصعيد التجاري

وذكر "بيير أوليفييه جورينشا"، كبير اقتصاديي الصندوق، في مؤتمر صحفي نقلته رويترز: "ندخل حقبة جديدة يُعاد فيها ضبط النظام الاقتصادي العالمي السائد منذ 80 عامًا… التصعيد السريع للتوتر التجاري والمستويات المرتفعة للغاية من عدم اليقين بشأن السياسات المستقبلية سيكون لها تأثير كبير على النشاط الاقتصادي العالمي".

وأوضح جورينشا أن الرسوم الأميركية، التي فرضها الرئيس دونالد ترامب بنسبة 145% على معظم المنتجات الصينية وتصل إلى 245% على السيارات الكهربائية، دفعت صندوق النقد إلى خفض توقعاته لنمو الصين في 2025 إلى 4%، مقارنة بـ 4.6% في التقديرات السابقة، بحسب ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

وفي المقابل، فرضت الصين تعريفات جمركية بنسبة 125% على المنتجات الأميركية، وصرّحت رسميًا أنها "ستستمر في المواجهة حتى النهاية"، ما يُنذر باستمرار أجواء عدم الاستقرار الاقتصادي، وفق التقرير.

إعلان نمو متفاوت… ومخاوف من الركود

خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي إلى 1.8% في 2025، أي أقل بنحو 0.9 نقطة مئوية عن توقعات سابقة، فيما قُدّر التضخم الأميركي عند 3% نتيجة الرسوم الجمركية وقوة قطاع الخدمات، وفق ما أكده جورينشا.

أما في كندا، فتم تخفيض النمو المتوقع إلى 1.4% في 2025، بينما شهدت المكسيك أسوأ التعديلات، حيث تراجع نموها إلى -0.3%، بانخفاض 1.7 نقطة مئوية.

وشملت التعديلات أيضًا منطقة اليورو التي يُتوقع أن تحقق نموًا ضعيفًا لا يتجاوز 0.8% في 2025. أما ألمانيا، فهبطت توقعاتها إلى 0%، فيما مثّلت إسبانيا استثناءً، بتعديل إيجابي إلى 2.5%.

في بريطانيا، تراجع النمو المتوقع لعام 2025 إلى 1.1%، أي أقل بنحو نصف نقطة مئوية عن تقديرات يناير.

الصين المتضرر الأكبر

أوضح التقرير، الذي وصفه الصندوق بأنه "مرجعي حتى تاريخ 4 أبريل"، أن الاقتصاد الصيني يعاني من ضعف في الاستهلاك المحلي وأزمة ديون محلية ناجمة عن تدهور قطاع العقارات، إضافة إلى تراجع ثقة المستهلك منذ 2022.

ورغم تسجيل الناتج المحلي للصين نموًا بنسبة 5.4% في الربع الأول من 2025، فإن محللين نقلت عنهم رويترز رجّحوا أن هذا الارتفاع كان مؤقتًا، نتيجة تسارع عمليات التسليم قبل دخول الرسوم حيّز التنفيذ.

تجارة مكلفة ونظام تجاري غامض

خفض الصندوق كذلك توقعاته لنمو التجارة العالمية إلى 1.7% فقط في 2025، أي ما يعادل نصف نسبة النمو المقدّرة لعام 2024. وقال جورينشا إن الرسوم المرتفعة ستؤدي إلى "انخفاض كبير" في التجارة بين الولايات المتحدة والصين، موضحًا: "التجارة ستستمر، ولكن بكلفة أعلى وكفاءة أقل… الغموض بشأن أماكن الاستثمار ومصادر التوريد يؤثر على التوقعات".

وأشار إلى أن القدرة على التنبؤ بالنظام التجاري "باتت أمرًا بالغ الأهمية"، وأن إصلاحات هيكلية كبرى مطلوبة لتغيير المسار الاقتصادي العالمي.

التوقعات المتوسطة المدى… دون المتوسط التاريخي

أبقى الصندوق على توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي على المدى المتوسط عند 3.2% سنويًا للسنوات الخمس المقبلة، مقارنة بمتوسط 3.7% بين عامي 2000 و2019، مع غياب مؤشرات لتحسن هيكلي ملموس.

إعلان

وخلص جورينشا إلى أن "الطلب على الدولار بدأ بالتراجع تدريجيًا"، لكنه أكد في تصريح لـ رويترز أن: "النظام النقدي العالمي لا يزال قويًا… لسنا قلقين على استقراره في هذه المرحلة".

مقالات مشابهة

  • الذهب يعوض خسائره وسط إقبال على الشراء وتراجع الدولار
  • ما دور إسرائيل في الحرب الأميركية على الحوثيين؟
  • غالبية الشركات الألمانية في الصين تأثرت سلباً بحرب الرسوم
  • صندوق النقد الدولي: تباطؤ النمو العالمي بسبب الرسوم الأميركية
  • صحيفة: أوكرانيا مستعدة لتقديم تنازلات لترامب بشأن التسوية
  • مصر تدرس فرض ضريبة موحدة على أرباح الشركات بدلا من الرسوم الحكومية
  • واشنطن تفرض عقوبات على 12 شركة إيرانية
  • القاهرة للدراسات الاقتصادية يوضح تأثير الضريبة الموحدة على الشركات والإيرادات الحكومية
  • 144 شركة ومؤسسة حكومية وخاصة تبحث التعاون في "ملتقى الشركات" بصحار
  • وكالة الفضاء الأوروبية تفرض قيود على الصور الفضائية لليمن