مقترحات لمواجهة الأزمة الاقتصادية في السودان في ظل ارتفاع سعر الدولار
تاريخ النشر: 18th, April 2025 GMT
يمر الاقتصاد السوداني حالياً بأزمة حقيقية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية من جهة وتبعات الحرب من جهة أخرى، والتي أدت مجتمعة إلى اختلال كبير وغير مسبوق في مؤشرات الاقتصاد الكلي مثل معدلات التضخم وأسعار الفائدة وسعر الصرف وميزان المدفوعات.
وفي مقدمة هذه المؤشرات يأتي انهيار حاد ومفاجئ في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي، حيث وصل سعر الدولار إلى حوالي 2500 جنيها محققاً أعلى مستوياته على الإطلاق مقارنة بالجنيه السوداني ، مما أدى إلى زيادة الطلب والإقبال على شراء الدولار كملاذ آمن في مواجهة تراجع الثقة في الاقتصاد المحلي وتدهور قيمة عملته.
وفيما يلي أبرز الآثار السلبية الناجمة عن ارتفاع سعر صرف الدولار وكيفية مواجهتها:
أولاً: ارتفاع التضخم
من أبرز تداعيات ارتفاع سعر الدولار هو ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير جداً، حيث تجاوزت نسبته 20%، وهي أعلى نسبة. ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكلفة الواردات ومدخلات الإنتاج المستوردة من الخامات وقطع الغيار والآلات وتكلفه الحرب ، مما انعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات المحلية.
ومن أهم الحلول المقترحة لاحتواء التضخم:
– رفع أسعار الفائدة لتقليص السيولة النقدية والحد من الاستهلاك والاستثمارات غير الضرورية مما يساهم في تخفيض الطلب الكلي.
– دعم السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود لخفض أسعارها مباشرة على المستهلكين ذوي الدخل المحدود.
– مراجعة الرسوم الجمركية وضرائب المبيعات لتقليل تكلفة الواردات.
– تشجيع الاستثمارات الهادفة لزيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على السلع المستوردة.
ثانيًاً: تدهور القدرة الشرائية
ترتب على ارتفاع التضخم تآكل كبير في دخول ومدخرات الأفراد، مما أدى إلى تدهور حاد في مستويات المعيشة وزيادة معدلات الفقر. وقد تضررت الطبقة متوسطة الدخل بشكل خاص كون مداخيلها ثابتة وغير قادرة على مواكبة الزيادة في تكاليف المعيشة.
ومن الحلول الممكنة:
– رفع الحد الأدنى للأجور ورواتب العاملين في الحكومة والقطاع العام للحفاظ على القدرة الشرائية.
– دعم برامج الضمان الاجتماعي والمعونات لأشد الفئات فقرًا.
– إتاحة تسهيلات ائتمانية للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة لدعم الطبقة متوسطة الدخل.
ثالثاً: نقص السلع والخدمات
شهدت الأسواق السودانيه نقصًا حادًا في العديد من السلع الأساسية نتيجة صعوبة استيرادها بسبب ضعف العملة المحلية مقابل الدولار. وتكلفة الحرب كما أدى ذلك إلى تعثر مشروعات تنموية وبنية تحتية كبرى بسبب توقف استيراد مستلزمات الإنشاءات وقطع الغيار من الخارج.
ويمكن مواجهة ذلك من خلال:
– وضع آليات لضمان استيراد السلع الأساسية بأسعار مدعومة أو ميسرة لفترات الشح وارتفاع الأسعار العالمية.
– التوسع في الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي ودعم المنتجين لسد الفجوة مع الواردات.
– مراجعة أولويات المشروعات القومية للتركيز على ذات الجدوى الاقتصادية العالية في المرحلة الراهنة.
رابعًا: هروب رؤوس الأموال وتدفقات الاستثمار الأجنبي
شهد الاقتصاد السوداني خروج تدفقات هائلة من رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية خارج البلاد بفعل ضعف ثقة المستثمرين في استقرار الاقتصاد ونتيجة حتميه للحرب ، مما أدى لنضوب مصادر تمويل المشروعات وتعطل خطط التنمية.
ويمكن معالجة ذلك من خلال:
– سن قوانين جديدة لتحفيز الاستثمار وضمانات لتحويل الأرباح ورؤوس الأموال للخارج.
– تقديم حوافز ضريبية وجمركية لجذب استثمارات في الصناعات التصديرية والبديلة عن الواردات.
– إصدار سندات دولارية ذات عوائد عالية لاستقطاب المدخرات المحلية بالدولار بدلاً من الاحتفاظ بها خارج البلاد.
خامسًا: مخاطر أزمة المديونية
ارتفعت تكلفة خدمة الدين الخارجي المقوم بالدولار بشكل كبير مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، مما يهدد بأزمة ديون حقيقية.
ومن الحلول الممكنة:
– إعادة جدولة الديون مع الدائنين الأجانب لتأجيل أقساطها لحين استقرار الاقتصاد.
– الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للحصول على قروض ميسرة لسد العجز المالي دون اللجوء للاقتراض الخارجي.
– تنويع مصادر التمويل الخارجي وزيادة الاقتراض بالعملات الأخرى غير الدولار.
سادسًاً: برنامج الإصلاح الاقتصادي
أطلقت الحكومة برنامج إصلاح اقتصادي طموح بالتعاون مع صندوق النقد الدولي يستهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل، غير أن آثاره الإيجابية مازالت غائبة على أرض الواقع حتى الآن.
ولنجاح هذا البرنامج ينبغي:
الالتزام التام بتنفيذ جميع بنود ومعايير الأداء المتفق عليها مع صندوق النقد دون مماطلة.
– اتخاذ قرارات جريئة بخفض الدعم ورفع الضرائب وتقليص فاتورة الأجور في موازنة الدولة.
– مكافحة الفساد المالي والإداري بحزم لترشيد الإنفاق العام وزيادة الإيرادات.
– تهيئة المناخ لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية في الاقتصاد الحقيقي.
خلاصةً:
تواجه السودان أزمة اقتصادية خانقة فرضتها المتغيرات الإقليمية والعالمية بالإضافة إلى العيوب الهيكلية في اقتصاده المحلي وظروف الحرب . وقد تفاقمت هذه الأزمة بشكل حاد مع انهيار قيمة العملة المحلية أمام الدولار، مما أدى لارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم وتدني مستويات المعيشة وتعثر النشاط الاقتصادي.
وتتطلب مواجهة هذه التحديات تضافر الجهود على المستويين الحكومي والشعبي، بالإضافة إلى دعم المجتمع الدولي. كما ينبغي تبني سياسات اقتصادية تصحيحية جريئة تستهدف استعادة الاستقرار الكلي والتوازنات الداخلية والخارجية للاقتصاد، وذلك من خلال برنامج إصلاحي شامل بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية.
وفي الوقت ذاته، لا بد من وضع سياسات وبرامج حماية اجتماعية فعالة للحد من تداعيات هذه الإصلاحات على الطبقات الأكثر فقراً وهشاشة، حتى لا تتحمل الفئات الأضعف أعباء تصحيح مسار الاقتصاد بمفردها.
وليد دليل – خبير مصرفي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: مع صندوق النقد مما أدى
إقرأ أيضاً:
أستاذ علاقات دولية: تضارب مصالح الغرب وراء عرقلة انتهاء الأزمة في السودان
قال أستاذ العلاقات الدولية، حامد عارف، إنه بغض النظر عن تعقيدات المشهد السياسي السوداني وارتباطها بالأوضاع الميدانية وتوزع مناطق النفوذ، فإن كثيرا من المراقبين يعتقدون بأن ما تشهده البلاد منذ عدّة أعوام هو نتيجة طبيعية للتدخلات الخارجية وتعدد الأطراف الدولية المتداخلة في الصراع وارتهان بعض القوى السياسية في السودان للخارج.
وأضاف، أن تشكيل التحالف السياسي الجديد برئاسة رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، ألقى بظلاله على الأوساط السياسية والمدنية في السودان في فبراير الماضي، فـ بعد إعلان قوى سياسية وشخصيات سودانية عن تشكيل التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة صمود، بعد إعلان تنسيقية تقدم حل نفسها توجهت الأنظار نحو تحالف السودان التأسيسي الجديد، وبدأت التساؤلات والانتقادات تتوالى من ممثلي الأحزاب والمراقبين والكتاب حول أسباب تشكيل هذا التحالف والداعمين له وأهداف تشكله.
وتابع أنه ما بين "صمود" و"التأسيسي" ومخرجاتهم يأتي مؤتمر لندن ليثبت بأن هناك قوى خارجية تتحكم بالوضع السياسي السوداني، وأن صمود والتأسيسي وغيرها ما هي إلا ممثل لتلك القوى الغربية وبعيدة عن مصالح الشعب السوداني.
وأوضح عارف أنه كان قد عقد مؤتمر دولي في العاصمة البريطانية لندن حول السودان في 16 أبريل الماضي، بدعوة من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحادين الأفريقي والأوروبي، إذ شارك في المؤتمر وزراء من 14 دولة، بالإضافة إلى ممثلين عن هيئات دولية والأمم المتحدة وسط غياب الحكومة السودانية عن المؤتمر ما طرح إشارات استفهام كبيرة حول سبب عدم دعوتها.
واستطرد : "يأتي هذا المؤتمر بالتزامن مع الذكرى الثانية للحرب الدائرة في السودان، التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 14 مليوناً"، موضحا أنه نشبت خلافات بين عدة دول عربية وقوى سياسية سودانية خلال الاجتماع بشأن قضايا تتعلق بحكم السودان، في الوقت الذي عول كل من الجيش السوداني والدعم السريع شبه العسكرية على دعم دول المنطقة، لإنهاء الصراع.
وأكد أن الدبلوماسية الإماراتية، لانا نسيبة، أوضحت أن بلادها تشعر بخيبة أمل بسبب عدم التوصل إلى توافق في مؤتمر لندن حول إنهاء الحرب الدائرة في السودان، وهي تلقي باللوم على خلافات الدول المشاركة، مشيرا إلى أن الواقع يُؤكد أنه ليس من مصلحة الغرب التوصل لحل سياسي في السودان، لذا فإن مؤتمر لندن ما هو إلا مسرحية ضمن سلسلة من المسرحيات التي تنفذها القوى الغربية إعلامياً للتظاهر بدعم السودان والرغبة في إنهاء الصراع.
وأكد عارف أنه في الوقت الذي تغذي فيه الدول الغربية الصراع من تحت الطاولة ومن وراء الكواليس، إذ يجري ذلك بالتواطؤ مع قوى سياسية سودانية محلية وعلى رأسها حمدوك في الحقل السياسي، ومحمد حمدان دقلو حميدتي في الحقل العسكري عبر دعم الغرب لقوات الدعم السريع بالسلاح والتكنولوجيا الغربية والمرتزقة الأوكران والأجانب، حيث تم تأكيد ذلك باعتراف مسؤولين رسميين أوكرانيين بمشاركة قوات أوكرانية في القتال بالسودان، إلى عشرات التقارير الإعلامية التي تؤكد الدعم الغربي لقوات حميدتي.
ونوه إلى أن حمدوك وتحالفه صمود بوصفه ممثل لمصالح القوى الغربية لعب دوراً أساسياً في فشل مؤتمر لندن وزيادة الانقسام بين القوى السياسية في السودان، مضيفا أن المعطيات الميدانية من ناحية تقدم الجيش عسكرياً في عدّة مناطق، وتراجع قوات الدعم السريع المدعومة من بعض الدول العربية والدول الغربية، بالإضافة للاتهامات الدولية التي تلاحق قوات "الدعم السريع" بارتكاب انتهاكات ضد الإنسانية، لعبت دوراً كبيراً بالانقسام السياسي الحاصل في السودان وظهور تحالف صمود الذي يترأسه حمدوك.
وأشار إلى أنه لا تزال رغبة بعض القوى السياسية في تقدم بتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع- وهو السبب الأساسي وراء انقسام تقدم، الأمر الذي يعتبر دليلا واضحا على التحالف السري بين تنسيقية "تقدم" وقوات "الدعم السريع" بإشراف بعض البلدان العربية والدول الغربية، مضيفا أن التحالف المستقبل السياسي لـ "تقدم" وسمعتها أصبح في مهب الريح، إذ يضاف إلى ذلك الخسائر العسكرية المتتالية التي تلقتها قوات "الدعم السريع" في الميدان، كل ذلك جعل من "تقدم" ورقة خاسرة حتماً بالنسبة لفرنسا وبريطانيا بالرهان السياسي، وهذا ما دفعهم للبحث عن بديل جديد "نظيف السمعة سياسياً"، ومن هنا ظهرت فكرة تحالف "صمود" التي عززت الانقسام السياسي.
ولفت إلى أنه قد أتت الأوامر من قوى غربية لحمدوك المعروف بارتباطاته بالدول الغربية لتشكيل التحالف الجديد، مضيفاً بأن الوضع السياسي في السودان ليس على ما يرام، كما أن التحالف الجديد وتوقيت تشكيله ومكوناته، تعزز الشكوك بالولاء الوطني للقوى والمكونات السياسية المنضوية تحت مظلته، وانتمائها الوطني، لأن "صمود" لم تأت بأي شيء جديد، حيث نشأ التحالف من غالبية قوى تنسيقية تقدم السياسية، مضيفا ان الوجوه ذاتها ومجموعات مهنية ونقابية دون برنامج واضح لإنهاء الحرب، كما أن مواقف التحالف، حسب بيانه، لا يعترف بالجيش وشرعية مؤسسات الدولة ويتعامل مع المؤسسة العسكرية كفصيل سياسي، وهذا ما يدفع باتجاه زيادة الفجوة والانقسام بين أبناء البلد بدلاً من تقريب وجهات النظر.
كما لفت إلى أن قوى سياسية وشخصيات سودانية أعلنت في فبراير الماضي، عن تشكيل التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة صمود، برئاسة حمدوك، وذلك بعد أن أعلنت تنسيقية تقدم حل نفسها، نتيجة خلافات بين أعضائها إثر تبني فصائل الجبهة الثورية، مقترحا بتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع هدفه انتزاع الشرعية عن الحكومة السودانية في بورتسودان.
واختتم بأن هذا الخلاف أتى لوجود موقفين استعصى الجمع بينهما، إذ تم إقرار فك الارتباط السياسي والتنظيمي بين الموقفين وتم الإعلان في بيان رسمي عن تشكيل تحالف صمود، حيث في المقابل، اختارت القوى التي تؤيد تشكيل حكومة موازية، إطلاق اسم تحالف السودان التأسيسي على تنظيمها الذي يشكل الحكومة المرتقبة المعنية بوحدة السودان وإثبات عدم شرعية حكومة البرهان في بورتسودان، حسب ميثاق التحالف.