سباق مع الزمن.. الإنفاق السعودي على كرة القدم يستهدف تنويع الاقتصاد
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
في وقت يتلقى نجوم كرة القدم العالميون عروضا ضخمة من السعودية، هناك ميل إلى نسيان أنّ هذه الظاهرة تعود إلى عقود خلت، لكن رهانات اليوم تبدو كبيرة جدًا.
فحين تقرأ عن لاعب برازيلي يستقبله آلاف المشجعين في مطار في السعودية، قبل أن ينطلق في سيارة رولز رويس لتناول الطعام مع أعضاء العائلة الملكية، سيتبادر إلى الذهن فورا نيمار، لاعب الهلال السعودي الجديد.
لكنه اللعب البرازيلي ريفيلينو، الذي انضمّ إلى نادي الهلال ذاته، بموجب عقد ضخم في 1978، في اليوم نفسه تقريبا، لكن 45 عاما قبل نيمار، وهو مثيله على رأس السيليساو هذه الأيام.
وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" في ذلك الوقت: "بالإضافة إلى الحصول على سيارة مرسيدس بنز جديدة، وبدل معيشة قدره 10 آلاف دولار شهريًا، سيقيم ريفيلينو في أحد القصور الخالية للأمير خالد آل سعود".
وتم إغداق رفاهيات مماثلة، بمبالغ أكبر تتناسب مع الأسعار الحالية، على نيمار، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، والفرنسي كريم بنزيما، وغيرهم من النجوم البارزين الذين انضموا إلى الدوري السعودي للمحترفين هذا العام.
وبلغت رسوم الانتقالات هذا الصيف وحده 830 مليون دولار، بدون احتساب أجور اللاعبين الباهظة، أو توقيع رونالدو في يناير/كانون الثاني الماضي، على عقد يقال إنه سيدّر عليه 400 مليون يورو على مدار عامين ونصف.
اقرأ أيضاً
تحدٍ سعودي.. هل يحدد برميل النفط مصير استثمارات الرياضة؟
ويعد الإنفاق فجأة بهذا الحجم والسرعة أمرا غير مألوف في كرة القدم، ويتضاءل أمام الاستحواذات السعودية المتفرقة الأخرى مثل ريفيلينو، والمدرب البرازيلي الأسطوري ماريو زاغالو، والإيطالي روبرتو دونادوني، والبلغاري خريستو ستويتشكوف، على مرّ السنين.
وتعد هذه الفورة السعودية أكثر من مجرد بحث عن مكانة أو "تبييض رياضي" لصورة البلاد التي تتعرض لانتقادات شديدة لسجلها في مجال حقوق الإنسان، وهي مرتبطة أكثر بدافع وجودي، وهي "إعادة تشكيل الاقتصاد قبل انخفاض عائدات النفط".
ويقول رئيس عمليات الدوري المعين حديثا كارلو نهرا: "هذا المشروع جزء من مشروع تحوّل ينقل هذا البلد إلى حيث يريد أن يمضي".
وإذا كانت السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، ليست جديدة على الإنفاق الكبير على لاعبي كرة القدم، فإن الأمور مختلفة تمامًا هذه المرة.
ويعدّ مشروع كرة القدم الحالي جزءًا من "رؤية 2030"، الخطة الطموحة التي يقودها الحاكم الفعلي للبلاد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد السعودي المرتهن بالنفط.
ويقول نائب رئيس تحرير صحيفة "الرياضية" البارزة صالح الخليف: "كان هناك توجها لجلب أسماء كبيرة" في السبعينات.
اقرأ أيضاً
ليست رياضة فقط.. كرة القدم في السعودية لعبة جيوسياسية ودينية
ويتابع من مكتبه في الرياض: "جاء ريفو (ريفيلينو) ولاعبون آخرون من تونس لعبوا بشكل جيد في كأس العالم 1978، لكن التجربة كانت فاشلة في النهاية".
ويضيف: "قامت الأمور في حينه على أعضاء شرف في الأندية، لم تكن هنك خطة أو إنفاق حكومي".
ويوضح أنّ المرحلة الأولى "لم تكن مستدامة لذا لم تنجح.. وهذا مختلف تماما عن التجربة الحالية".
راهنا، تستثمر السعودية مئات المليارات في كل شيء بدءًا من نيوم، المدينة الجديدة المستقبلية على ساحل البحر الأحمر، إلى المنتجعات السياحية والترفيهية للجماهير، بما في ذلك كرة القدم.
واستحوذ صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم على أربعة أندية كرة قدم، وبالتالي هو الذي يموّل انضمام اللاعبين الدوليين اليها.
وتهدف "خطة 2030" إلى تنويع مصادر الدخل في الدولة الصحراوية التي يبلغ عدد سكانها 32 مليونا، وحيث تقل أعمار ثلثي السكان عن 30 عاما، والوقت عنصر ثمين في ذلك.
اقرأ أيضاً
الترفيه والرياضة في السعودية: تلميع صورة أم بناء هوية؟
وتتوقّع "أوبك"، منظمة البلدان المصدرة للنفط التي تعدّ السعودية عضوا بارزا فيها، أن يصل الاستهلاك العالمي إلى ذروته في عام 2040 تقريبا، ما يعني ضمنا أن الإيرادات سوف تنخفض بعد ذلك.
ويرى المحاضر في الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي في كلية سكيما للأعمال في باريس سايمون تشادويك، أنّ "السعودية تسابق الزمن".
ويقول: "أمام المملكة 20 عامًا للتنويع.. وفي هذه الأثناء، هي عُرضة لتقلبات أسعار النفط".
ويتابع "عليهم أن يتحركوا بسرعة، عليهم أن يتحركوا بشكل استراتيجي، عليهم أن يتحركوا بفعالية".
وتعد الحشود المكتظة التي تحضر لمشاهدة رونالدو بمثابة تحوّل كبير في بلد محافظ للغاية، حيث كانت النساء ممنوعات من دخول الملاعب حتى العام 2019.
ويقول المحرّر الرياضي علي خالد من صحيفة "عرب نيوز"، التي تصدر بالإنجليزية من الرياض، إن "المتهكمين سيقولون ما هي الأسباب وراء ذلك"، في إشارة إلى الحديث عن "الغسل الرياضي".
اقرأ أيضاً
كارنيجي: فورة الرياضة والترفيه بالسعودية.. برامج سلطوية بلا رقابة شعبية لتغيير نمط حياة المواطنين
ويتابع: "لكن كل ما في الأمر أن المسؤولين السعوديين يجلبون ذلك إلى شعبهم الذي لم تكن لديه لفترة طويلة إمكانية الوصول إلى أي ترفيه من هذا المستوى".
ووفقا لنهرا، فإن "الهدف الرئيسي هو كيف يمكننا تحويل الرياضة إلى رياضة تلهم الشعب السعودي وتشركه وتسليه. (...) "هذا هو المحرك".
لكن تشادويك يشير إلى أنّ الاستثمارات في كرة القدم والفورمولا واحد والغولف والمهرجانات الموسيقية وغيرها قد تكون أكثر من مجرّد تشجيع الناس على الإنفاق.
ويقول: "أعتقد أن أمن الأسرة الحاكمة هو في قلب هذا الأمر".
ويتابع: "الاستثمار في كرة القدم هو الخبز والسيرك للقرن الحادي والعشرين"، في إشارة إلى سياسة توفير الطعام والترفيه في آنٍ معاً، موضحًا أن الأمر بمثابة أن "تعطي الناس ما يريدون، وتأمل أن يتركوك وشأنك".
ويختم بالقول: "لن يسائلوك، بل سيدعمونك".
اقرأ أيضاً
أموال السعودية تغير الرياضة وسط مخاوف أوروبية
المصدر | فرانس برسالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الرياضة السعودية دوري سعودي رونالدو بنزيما فی السعودیة کرة القدم اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
“الدنيا كما هي.. لكننا تغيّرنا”
بقلم : وسن زيدان ..
كثيرًا ما نسمع عبارات مثل: “الدنيا تغيرت”، “الزمن لم يعد كما كان”، وكأننا نحمل الزمن والدنيا مسؤولية كل ما نراه من تغيرات في القيم والأخلاق. ولكن، هل فعلاً تغيرت الدنيا؟ أم أن القلوب والنفوس هي التي تبدلت؟
الحقيقة التي قد يغفل عنها البعض هي أن الزمن في ذاته لا يتغير. الأيام تمر، والشمس تشرق وتغيب، والفصول تتعاقب كما كانت منذ الأزل. ولكن، نحن البشر، نحن من يضع بصمته على هذا العالم، ونحن من نرسم ملامح “الدنيا” التي نتحدث عنها.
كانت الأخلاق في الماضي قيمة جوهرية في المجتمعات. الاحترام، الأمانة، الكرم، والترابط الأسري كانت هي القواعد التي تحكم علاقات الناس. أما اليوم، فقد نلاحظ تراجعًا في هذه القيم بسبب الانشغال بالمظاهر والاهتمام بالمصالح الفردية. لقد تغيرت الأولويات، وأصبحت المادة والمكانة الاجتماعية هي المحرك الرئيسي للعديد من التصرفات.
هذا التحول في الأخلاق ليس مسؤولية “الدنيا”، بل مسؤوليتنا نحن كبشر. القلوب التي كانت تفيض بالمحبة والصفاء أصبحت أكثر قسوة بفعل الأنانية والتنافس غير النزيه.
المبادئ التي كانت تُعتبر خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه أصبحت مرنة في عيون البعض، تُعدل وتُكيف حسب المصالح. في الماضي، كانت الكلمة وعدًا، والعهد التزامًا. أما الآن، فالكثيرون يتحدثون عن “الظروف” و”المتغيرات” كأعذار لتبرير أخطائهم وتجاوزاتهم.
لكن، رغم هذا التغير، لا تزال هناك قلوب طيبة وأرواح صادقة ترفض الانجراف مع التيار. هذه الفئة القليلة من الناس هي التي تجعلنا نؤمن بأن الأمل لا يزال موجودًا، وأن الدنيا لم تفقد جمالها، بل نحن بحاجة إلى إعادة النظر في تصرفاتنا.
العودة إلى القيم الأصيلة تبدأ من داخلنا. علينا أن نتحمل مسؤولية أنفسنا بدلاً من إلقاء اللوم على الدنيا أو الزمن. التغيير يبدأ من التربية، من غرس القيم في الأجيال القادمة، ومن تعليمهم أن الأخلاق هي أساس كل شيء.
كما أن دور الإعلام والتعليم والمجتمع مهم جدًا في إعادة إحياء المبادئ والقيم. يجب أن يكون هناك وعي بأن التغيرات التي نلاحظها ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة لما نصنعه نحن بأيدينا.
الدنيا لم تتغير. هي كما هي، بعيدة عن كل
اتهام. نحن من تغيرنا. نحن من نحتاج إلى وقفة صادقة مع أنفسنا لمراجعة أخلاقنا وسلوكياتنا. ربما حينها، حين تتبدل قلوبنا إلى الأفضل، سنرى أن “الدنيا” أجمل بكثير مما نعتقد.
حين تتبدل قلوبنا إلى الأفضل، سنرى أن “الدنيا” أجمل بكثير مما نعتقد، لأن الجمال الحقيقي لا يكمن في الأشياء المحيطة بنا، بل في الطريقة التي ننظر بها إلى الحياة وفي القيم التي نحملها ونعكسها في تعاملاتنا. إذا أردنا تغيير الواقع، فعلينا أن نبدأ بإصلاح دواخلنا؛ بالعودة إلى الصدق، بالتسامح مع الآخرين، بإحياء روح التعاون والتعاطف التي كانت يومًا أساس مجتمعاتنا.
التغيير يبدأ بخطوة صغيرة، لكنها قادرة على صنع فرق كبير. فلنجعل من أنفسنا نموذجًا للخير، ولننظر إلى العالم من منظور إيجابي يحمل في طياته الإيمان بأن الخير لا يزال موجودًا، وأن الإصلاح ممكن. فالزمن لا يغير الإنسان، بل الإنسان هو الذي يملك القوة لتغيير نفسه والعالم من حوله.
اخيرا .. ، تذكروا دائمًا أن الدنيا ستبقى كما هي، محايدة وصامتة. لكننا نحن من نحدد ملامحها، بأفعالنا، بأخلاقنا، وبما نزرعه من قيم. فلنكن نحن التغيير الذي نتمنى رؤيته في هذا العالم.
user