سياسة واشنطن: حماية الملاحة لا إنهاء حكم الحوثي
تاريخ النشر: 18th, April 2025 GMT
في خضم تواتر التقارير حول محادثات أمريكية-خليجية لدعم عملية عسكرية ضد الحوثيين، يتضح أن السياسة الأمريكية تجاه اليمن، في عهد ترمب كما في عهد بايدن، تركز على ردع الحوثيين دون كسرهم، وضمان حرية الملاحة البحرية، دون الانخراط في الصراع الداخلي اليمني مع مراعاة المصالح السعودية، باعتبارها عاملا رئيسيا في الحسابات.
وانسجاما مع هذا التوجه الأمريكي، نشرت وسائل إعلام دولية مثل وكالة “رويترز” وصحيفة “وول ستريت جورنال” في الأيام الماضية، تقارير تفيد بوجود محادثات بين مسؤولين أمريكيين ونظرائهم في السعودية والإمارات لدعم تشكيلات عسكرية محسوبة على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لتنفيذ عملية برية ضد الحوثيين، ولاحقا عادت وكالة رويترز وغيرها لنشر نفي الدولتين لهذه الأنباء.
وفي تأكيد إضافي لهذا التوجه، نشرت السفارة الأمريكية عبر حسابها على منصة “إكس” تصريحا مقتضبا للسفير الأمريكي، أكد فيه أن الحملة الحالية التي بدأت عقب تولي ترمب منصبه في يناير الماضي تستهدف القدرات العسكرية للحوثيين، لا المدنيين الواقعين تحت حكمهم الذي وصفه بـ “الاستبدادي”.
وخلال الفترة الماضية، أكد العديد من المسؤولين الأمريكيين، بينهم وزير الدفاع، تمسك واشنطن بهذه السياسة، مشددين على أن الحملة العسكرية الجارية تهدف حصرا لردع الحوثيين ومنعهم من استهداف الملاحة في البحر الأحمر، دون السعي إلى إسقاط حكمهم أو الانخراط في الصراع الداخلي في اليمن، بما يعني أن القضاء على الحوثيين ليس هدفا مطروحا إن لم يكن مستبعدا تماما.
في هذا السياق، لم تكن المواقف الأمريكية مفاجئة للمراقبين الواقعيين، الذين أدركوا منذ البداية حدود الدور الأمريكي في اليمن، بخلاف أولئك الذين انخدعوا بتحليلات قائمة على الأمنيات والدعاية.
فمنذ عقود، لم تنظر واشنطن إلى اليمن إلا من منظور أمني بحت مرتبط بمكافحة الإرهاب، وهو ما انعكس في شراكتها مع نظام صالح، ثم هادي من بعده، إضافة إلى اعتمادها على الضربات الجوية عبر الطائرات المسّيرة كوسيلة لتنفيذ أهدافها الأمنية المحددة.
بعد تدخل السعودية في اليمن عام ٢٠١٥ بطلب من هادي لدعمه ضد الحوثيين لم يطرأ تحوّل جوهري للنظرة الأمريكية تجاه اليمن، بل جرى تأطيرها ضمن إطار العلاقات الوثيقة مع الرياض، كما يقول الباحث في الشؤون الخليجية عدنان هاشم.
ومن هذا المنظور تعاملت واشنطن مع الملف اليمني من خلال البوابة السعودية، على اعتبار أن القرار اليمني خاضع بدرجة كبيرة للنفوذ السعودي، وهو ما جعل المصالح السعودية عاملا حاسما في صياغة الموقف الأمريكي.
مع تولي ترمب الرئاسة، كانت واشنطن قد بدأت بالفعل حملة عسكرية تستهدف الحوثيين عقب تصاعد هجماتهم على الملاحة البحرية، تحت ذريعة دعم غزة، غير أن دوافعهم، بحسب العديد من المراقبين، تجاوزت مجرد التضامن مع الفلسطينيين، لتندرج ضمن أهداف سياسية محلية وتنفيذ أجندة إقليمية مرتبطة بتعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة.
وحيال هذا الوضع، كان أمام إدارة ترمب خياران: إما إنهاء حرب غزة، وبالتالي وقف الحوثيين لهجماتهم – وهو ما حدث لفترة قصيرة قبل استئنافها – أو البحث عن صفقة مع الحوثيين، وهو خيار كان سيُعد انتصارا لهم، ولذلك لم يكن مطروحا بجدية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا المقال لا يهدف إلى تقييم فعالية الحملة الحالية أو مقارنتها مع نهج بايدن، بل لفت الانتباه إلى أن مقاربة ترمب لا تختلف جوهريا عن سياسات سلفه؛ إذ ظل تركيزها منصبا على ردع الحوثيين ومنع توسع تهديدهم، دون السعي إلى إنهاء سلطتهم في صنعاء، أو الانخراط عسكريا في الصراع الداخلي اليمني.
بمعنى آخر، تسعى واشنطن إلى إعادة الحوثيين إلى قواعد الاشتباك المرسومة دون السماح لهم بتجاوزها، مع ضمان استمرار حرية الملاحة، لا أكثر.
ومع ذلك، من المحتمل أن تؤدي الحملة الحالية إلى إضعاف القدرات العسكرية والاقتصادية للحوثيين، وإن كان من السابق لأوانه تقييم حجم هذه التأثيرات أو مداها، في ظل غياب سقف زمني محدد للحملة.
في المقابل، تبدو الحكومة اليمنية، التي دأبت على مطالبة المجتمع الدولي التصدي لخطر الحوثيين، غير قادرة على استثمار هذه اللحظة عسكريا أو سياسيا، نتيجة غياب الإرادة السياسية وارتهان قرارها لتحالفات إقليمية غير راغبة في العودة إلى الحرب.
وعلى صعيد موازٍ، كانت السعودية قد أبرمت تفاهمات مشتركة مع الحوثيين، كان من المُفترض الإعلان عنها مطلع العام الجاري، لولا اندلاع حرب غزة وما تبعها من انخراط الحوثيين فيها عبر الهجمات البحرية، مما دفع إدارة بايدن حينها إلى تجميد “خارطة الطريق” التي لم تكن الحكومة اليمنية طرفا فيها.
من وجهة نظر البعض، يُمكن فهم تحفظ الرياض عن العودة إلى التصعيد العسكري في اليمن بتركيزها على مشاريعها الاقتصادية الكبرى، وهو ما يُفسّر تصالحها مع طهران، في حين يرى آخرون أن الرياض قد حققت معظم أهدافها هناك، وهي بالضرورة ليست تلك التي أعلنتها عند بدء تدخلها.
أما أبوظبي، فقد استثمرت تدخلها في اليمن لتعزيز نفوذها في الجنوب، بما في ذلك السيطرة على جزر استراتيجية مثل سقطرى وميون، إلى جانب إنشاء تشكيلات سياسية وعسكرية تدفع باتجاه تقسيم البلاد، وهو ما يتناقض كليا مع أهداف التحالف العربي عند بدء تدخله.
وعلى ضوء هذه التطورات، أستحضر بعض ما طرحته قبل ثلاثة أشهر خلال ندوة نظمها مركز المخا للدراسات عبر منصة “إكس”، حيث أشرت حينها إلى أن مقاربة ترمب المتوقعة تجاه الحوثيين لن تختلف جوهريا عن نهج سلفه؛ إذ ستقوم على دعم سياسة الردع دون الانخراط البري، مع الحرص على تجنب وضع السعودية تحت ضغط مباشر قد يدفع الحوثيين إلى شن هجمات انتقامية ضدها.
وبطبيعة الحال، لا يزال هناك من يطرح فرضية دعم قوات يمنية للقيام بعمل عسكري محدود يستهدف تحرير الحديدة لإبعاد الحوثيين عن الساحل، غير أن نجاح مثل هذا السيناريو -حتى لو تحقق- لا يعني بالضرورة توقف الهجمات الحوثية، نظرا لقدرتهم على استخدام صواريخ وطائرات مسّيرة من مناطق أخرى، مما يُبقي التهديد قائما.
في نهاية المطاف، تبقى غاية سياسة الردع الأمريكية واضحة، ولا علاقة لها بهدف استعادة الدولة الذي لن يتحقق عبر المراهنات الخارجية، بل عبر صياغة استراتيجية يمنية جادة وإرادة سياسية حقيقية. وبدون ذلك، سيظل المشهد ساحة لصراعات الآخرين ومصالحهم، لا ساحة لاستعادة الدولة والكرامة اليمنية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةطيب ايها المتصهين العفن اتحداك كمواطن يمني ان تقول لسيدك ترا...
رعى الله أيام الرواتب حين كانت تصرف من الشركة. أما اليوم فهي...
اتحداك تجيب لنا قصيدة واحدة فقط له ياعبده عريف.... هيا نفذ...
هل يوجد قيادة محترمة قوية مؤهلة للقيام بمهمة استعادة الدولة...
ضرب مبرح او لا اسمه عنف و في اوقات تقولون يعني الاضراب سئمنا...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الحکومة الیمنیة إعلام الحوثیین فی الیمن وهو ما
إقرأ أيضاً:
لماذا الأمم المتحدة تقلق من الضربات الأمريكية على مليشيا الحوثي في اليمن؟
قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن الشعب اليمني عالق في دوامة عنف وأزمة إنسانية خانقة.
وعبر دوجاريك عن قلق المنظمة المتزايد إزاء استمرار الغارات الجوية (الأمريكية)، والتي تطال المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك المرافق الصحية.
وأكد دوجاريك -في مؤتمر صحفي عقده في نيويورك، الأربعاء أن الأمم المتحدة وشركاءها يواصلون تواجدهم وتقديم الخدمات أينما أمكنهم ذلك حسب التمويل المتاح.
وقال إن تمويل خطة الاستجابة والاحتياجات الإنسانية لليمن لهذا العام بلغ حتى الآن 8% فقط، حيث تم استلام أقل من 205 ملايين دولار أمريكي من أصل ما يقرب من 2.5 مليار دولار مطلوبة.
وحذر من تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن، وسط تصاعد موجة العنف في البلاد ونقص حاد في التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية للعام الجاري.
وأشار الى أن التمويل المتاح حالياً لا يكفي، لكنه ضروري لمساعدة المجتمعات المتضررة على البقاء والاستقرار، موضحاً أنه "لا يمكننا تقديم المزيد بأموال أقل".
دعا المتحدث الأممي جميع أطراف النزاع إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وتجنب استهداف المنشآت المدنية