موقع النيلين:
2025-04-26@03:08:49 GMT

كيف ننظر لحادثة المتمة ومظالم دولة المهدية؟

تاريخ النشر: 18th, April 2025 GMT

كانت من سياسات خليفة المهدي عبد الله التعايشي التهجير القسري بالحرب من دارفور نحو أمدرمان، وارتكب في سبيل ذلك مجازر عديدة في قبائل تلك المنطقة، من رزيقات جنوبية وبني هلبة وهبانية وتعايشة، شمالا من ماهرية وبرتي وميدوب وغيرهم. كان موظف الخليفة وعامله في ذلك البطش قريبه (عثمان آدم) وكانت جزء من مهامه حسم تمرد الفور والتمدد لدار قمر ومساليت وبرقو غربا.

الضحايا بآلاف كثيرة من تلك الهجمات إضافة للتسبب في المجاعة التي قتلت الكثيرين أيضا، ثم بعد وفاة عثمان آدم مريضا بالوباء عين الخليفة قريبه الآخر محمود ود أحمد عاملا له هناك. وهذا الأخير لم يمكث كثيرا في دارفور لأن طبول جيش كتشنر الغازي قد بدأت في التقدم من الشمال، الخليفة الأحمق ضيق الرؤية كحال دولته لم يترك بسياساته نحو المجتمعات أي صليح له هناك، فقد كان خيال دولته محكوما بالفشل منذ بداية التأسيس.
مالذي حدث إذن؟

وصل كتشنر لدنقلا وقرر التقدم لأمدرمان وكان توقع الخليفة أنه حتما سيتخذ الطريق الصحراوي كما فعلت حملة إنقاذ غردون من قبل، مما يجعل منطقة المتمة منطقة استراتيجية، وعامل المهدية هناك هو عبدالله ود سعد، وقد تواترت أخبار كثيرة عن ضجر وتمرد وتعاون تجاري بينهم وجيش كتشنر بسبب سياسات الخليفة الظالمة نحوهم لسنوات.

دعا الخليفة التعايشي ود سعد وأخبره بخطته لجعل المتمة مركز عمليات لمواجهة جيش كتشنر، وواجهه بمعلومات عن معارضة المواطنين بل ووجود تعاون تجاري مع جيش كتشنر، وعبد الله ود سعد زعيم صادق شجاع له أنفة فقال له: نعم. كانت رؤية الخليفة هي إخلاء المتمة إذن من الأهالي نحو الشرق، عبورا للنيل ثم جعلها مركز مواجهة.

عاد عبدالله ود سعد للمتمة بعد أن قبل تقية ذلك المقترح، ثم تكاتف مع أهالي المتمة ضد قدوم جيش محمود ود أحمد والذي كان قد تحرك سلفا قبل هذه الأخبار، وذلك بحسب روايات راجحة من مؤرخين مثل كتاب مكي شبيكة، بعد ذلك حدثت المواجهة.

مواجهة بين جيش محمود ود أحمد عامل الخليفة بدارفور القادم من أمدرمان، مع عبدالله ود سعد وأهل المتمة، كانت مواجهة غير متكافئة تماما من كافة النواحي، ونتيجتها ضحايا وموت بما يصل لرقم بين ثلاث آلاف حتى خمس آلاف، قتل فيها عامل المهدية هناك عبدالله ود سعد، مع تنوع الروايات بالطبع بين قتله أو أسره ثم اعدامه في أمدرمان.

بعد ذلك كان جيش محمود ود أحمد في حالة يرثى لها مع تقدم جيش كتشنر، وقد خاب التوقع بأن القدوم سيكون من خلال طريق الصحراء، لتحدث المواجهة عن طريق النيل نفسه، في موقع قريب من عطبرة وعرفت بمعركة النخيلة وهزم فيها جيش المهدية تماما.

كيف نفهم ما حدث إذن؟
إن فهم تلك الحادثة لا يجب أن يكون فهما محليا حول مظلومية خاصة مع المهدية، مظلومية تستنفر أقاليم ضد بعضها، فلو نظرنا لها كذلك فإن مظالم التعايشي مع قبائل دارفور نفسها هي أضعاف مظلمته مع المتمة، دعك عن التهجير القسري والمجاعة وغيرها. وما فعله عثمان آدم بدارفور لا يقارن بما فعله محمود ود أحمد في المتمة.
أي نموذج نفهم به ما حدث إذن؟
أولا:
هناك نموذح نسميه نموذج (التاريخ الوطني) وهو مشابه للحالة الصومالية، فالصومال عرفت مهديا سموه الانجليز (الملا المجنون) وهو ثائر صوفي قام ضد الانجليز ويعود بطريقته للأدارسة تحديدا عن طريق إبراهيم الرشيد السوداني، لكنه صومالي ينتمي لقبيلة محددة وفي حربه مع البريطانيين واجه قبائل أخرى وطرق صوفية أخرى وارتكب جزء من تلاميذه جرائم في حقهم هكذا حفظت ذاكرتهم (الذاكرة الشعبية) تلك الحوادث، وهناك كثير من الصوماليين ممن يعتبرون المهدي الصومالي محمد عبدالله شخص أجرم بحقهم. لكنه يظل ثائر ومنتصر على البريطانيين وجزء من تاريخ الوطنية الصومالية وجزء من (الذاكرة الوطنية). بالتالي فإن تضخيم المحلي مقابل تجاهل السياق الاستعماري موقف خاطئ يحجب عنا حكمة كبيرة.

ثانيا: نموذج (التاريخ الحضاري) وهو من خلال النظر لتلك الثورات كلها بمافيها المهدية والوهابية السنوسية في سياق حركة بعث في العالم الإسلامي وهي تتشابه كثيرا فعلا، فقد اتسمت بعد ثورتها الأولى بالضعف والتراجع بسبب جمود هذا العالم وتفوق القوى الاستعمارية الغربية حضاريا، بالتالي كان محكوما عليها بالفشل، وهذا تفكير قائم على (الذاكرة الحضارية) التي تستوعب كل تلك العوامل، كتاب المفكر المصري جمال حمدان عن العالم الإسلامي والاقتباسات أدناه تؤكد ذلك، حيث يصف الثورات تلك بأنها تحولت في النهاية لإمارات أسرية وراثية ضيقة تتقوقع على نفسها وطنيا وتتحجر في أنماطها الاجتماعية، فتغدو معاقل للرجعية وبذلك تخدم الاستعمار نفسه. والكتابات كثيرة لكن دعونا نكتفي بذلك.
تلك هي كل القصة حول كيف ننظر لحادثة المتمة ومظالم المهدية.

هشام عثمان الشواني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

ترامب: هناك خياران فقط أمام إيران وأحدهما سيئ جداً

واشنطن

صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الخميس بأن جهود الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران تسير على نحو جيد.

‎وذكر ترامب في تصريحاته “أرى أننا نسير على نحو جيد فيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق مع إيران… وهناك خياران فقط أمام إيران وأحدهما سيئ جدا٠

‎وأضاف”وهناك اتفاق في الطريق للتوصل إليه، ربما نشهد قرارا ممتازا للغاية. وسينقذ ذلك أرواحا كثيرة”.

 

مقالات مشابهة

  • ترامب: هناك حاجة ماسة للأدوية والغذاء في غزة وسنهتم بذلك
  • ترامب: هناك خياران فقط أمام إيران وأحدهما سيئ جداً
  • عبدالله بن زايد: علاقاتنا مع نيبال تشهد تطوراً مستمراً
  • عبدالله بن زايد ورئيس نيبال يبحثان تعزيز التعاون
  • عبدالله بن زايد يبحث تعزيز العلاقات الثنائية مع رئيس وزراء نيبال في كاتماندو
  • عبدالله بن زايد يبحث العلاقات الثنائية مع نائب رئيس وزراء نيبال
  • عبدالله بن زايد يلتقي نائب رئيس الوزراء وزير التنمية الحضرية في نيبال
  • رئيس نيبال يستقبل عبدالله بن زايد
  • ترامب يكشف عن محادثات مع الصين ووزير خزانته: هناك أمل بعقد اتفاق
  • ضجة حول فيديو أسوشيتد برس المتداول لحادثة اغتيال السادات.. هذا توقيت نشره