المقاومة والذاكرة.. عربي21 تبرز كيف تعيش المدن بعد نزع أسلحتها
تاريخ النشر: 18th, April 2025 GMT
بقلب مُدن متفرقة عبر العالم، تتشابك الحكاياتُ حولَ السّلاح، الذي تحوّل من أداة دفاع عن النفس، إلى جزء من الهوية، ثمّ لذكرى توصف بـ"المؤلمة"؛ فيما تبرز بالواجهة، أسئلة عدّة، أبرزها: "ماذا يحدث عندما يُسحب السلاح؟ هل تتحرّر المدينة أم تتحوّل لجسد بلا روح؟ هل يصبح الصمت سلاما أم شكلا من أشكال الموت البطيء؟".
في هذا التقرير، تكشف "عربي21" أعماق مدن فقدت أسلحتها لكنها لم تفقد ذاكرتها، من غزّة حيث ترفض المقاومة نزع سلاحها، إلى بيروت التي تحوّلت جبهاتها إلى أسواق وعاد رصاصها للداخل، مروراً بنابلس والخليل اللتين تخفيان تراثهما النضالي تحت واجهاتٍ تجارية لامعة، وصولاً لأحياء الجزائر التي تدفن ذاكرتها الدموية تحت ستارٍ من الصمت الإجباري، وكامب شيكاغو في البرازيل حيث حلّ الفقر المدقع محلّ الرصاص.
غزة ترفض تكرار تجارب مدن أخرى
رفضت القوى الفلسطينية في غزة، مقترح وقف إطلاق النار، لاشتراطه نزع سلاح المقاومة، مؤكدةً أنّ: هذا السلاح حق دفاعي مشروع في مواجهة الترسانة العسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي. واعتبرت أن أي اتفاق دون ضمانات لإنهاء العدوان ورفع الحصار، هو: مجرد "فخ سياسي" يدعم الاحتلال، مع التأكيد على العلاقة الاستراتيجية بين غزة كمحور أمني لمصر، ومصر كعمق استراتيجي للقضية الفلسطينية.
وأكدت القوى نفسها، أن سلاح المقاومة يبقى الضمانة الوحيدة لتحرير الأرض ما دام الاحتلال قائماً؛ منتقدة المجتمع الدولي لتركيزه على نزع السلاح بدلاً من محاسبة دولة الاحتلال الإسرائيلي. وألقت باللوم على نتنياهو في تعطيل السلام، مشدّدة على شرعية المقاومة طالما استمر الاحتلال.
إلى ذلك، بينما ترفض غزة بشكل قاطع، فكرة نزع سلاح المقاومة، باعتباره ضمانة للبقاء في مواجهة الاحتلال؛ ترصد "عربي21" روايات مدن أخرى بخصوص مصيرها عقب أن سُحب سلاحها وبات مجرد ذكرى.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
نابلس والخليل بعد أوسلو
"كيف تعايشت المدن التي كانت معاقل النضال؟ هل نشأ جيلا جديدا يشعر بالقطيعة مع فكرة المقاومة؟" بمجرّد الحديث عن المدينتين الفلسطينيتين، نابلس والخليل، تطفوا مثل هذه الأسئلة للسطح، لتعيد للذاكرة تفاصيل شتّى، خفتت مع الزمن.
قال أحمد في حديثه لـ"عربي21" إنّ: "الشارع الذي كان فيه حاجز وحجارة، صار شارع كنافة"؛ فيما أشارت عدّة تقارير محلّية، متفرٍّقة، إلى أنّ: "نابلس التي كانت معقل الانتفاضة، والخليل التي كان ليلها أقصر من خوفها، أصبحتا مدينتين آخريين بعد اتفاق أوسلو".
ويشير عدد من الشباب في حديثهم لـ"عربي21"، إلى أنّهما: "مدن خبأت حجارتها، لكنها لم تنسها"، مردفين: "الجدران امتلأت بالإعلانات بدلا من الشعارات؛ والزّقاق التي كانت مسرح مواجهة، صارت طريقا للباصات".
إلى ذلك، أبرزوا بالقول: "نعم، لا نرمي الحجارة كل يوم؛ لكنّنا نرمي أفكارا أقوى منها، بشكل شبه يومي".
وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، برئاسة أرييل شارون، قد قادت ما يعرف بـ"السور الواقي" بين آذار/ مارس، وأيار/ مايو 2002، زاعمة القضاء على: "انتفاضة الأقصى" عبر اجتياح شامل لمدن الضفة الغربية. وأسفرت الحملة عن تداعيات خطيرة تمثلت في: الشروع ببناء جدار الفصل العنصري، مع تراجع في نشاط المقاومة الفلسطينية.
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، تصعيد انتهاكاتها في الضفة الغربية، حيث تشهد مدينتا نابلس والخليل سلسلة اقتحامات يومية واستهداف ممنهج للمدن والمخيمات الفلسطينية. في الشهر الماضي، اقتحمت آليات عسكرية للاحتلال الإسرائيلي مدينة نابلس عبر حاجز دير شرف، بينما توغّلت في بلدة بيت كاحل شمال الخليل.
من منطقة اشتباك لحي تجاري.. بيروت بعد الحرب الأهلية
"اليوم نخاف من صوت المفرقعات أكثر من صوت الرصاص، حيث أنّه في أيام الحرب، كنّا نعرف من يطلق النار ولماذا. أما الآن؟ الخوف لا عنوان له" تقول ميار في حديثها لـ"عربي21"، مبرزة أنّ: "بيروت تحاول أن تكون مدينة طبيعية، غير أنّ كل من عاش زمن الحرب يقول شيئاً آخر".
ومضت ميار، في وصفها لبيروت بالقول، إنّها: "مدينة تعلّمت أن تصمت أكثر ممّا تتكلم. حيث لم يعد هناك أي متسع للرصاص في الأحياء التي كانت خطوط تماس، في شوارع مثل المتحف والخندق الغميق وبرج أبي حيدر، وغيرهم"، مردفة: "الرصاص لم يختفِ، بل عاد إلى الداخل".
من زمن الحرب إلى الوقت الحالي المُعاش، تغيّرت ملامح بيروت، بحسب وصف أهلها أنفسهم؛ غير أن الذاكرة القديمة فيها لم تُمحى، من قبيل كنيسة القديس جاورجيوس، وهي كنيسة سريانية كاثوليكية، تم بناؤها عام 1878، وهي اليوم لا تزال عالقة بين البنايات الشاهقة لـ "الحي الرقمي لبيروت" في ضواحي خندق الغميق، وكأنّها باتت رمزا للذاكرة والصمود، وتعكس كيف يظل الماضي حاضرا رغم كافة التغيّرات.
بعد الحرب الأهلية 1975، تحول خندق الغميق لجزء من "الخط الأخضر" الفاصل في بيروت "المنقسمة طائفيا". سكن النازحون مباني المدينة السليمة والمتضررة، وكان من المفترض عودتهم بعد الحرب، لكن الإخلاء تأخّر أكثر لسنوات طويلة. لا تزال بعض المباني الشاغرة، للآن، تحتفظ بآثارهم: كتب، صور شهداء، وأغراض يومية.
إلى ذلك، شهدت لبنان عام 2020 انفجار "مرفأ بيروت" مخلّفا نحو 220 قتيلا و6500 جريحا، ولا تزال التحقيقات مستمرة، لليوم؛ فيما يعاني البلد من أسوأ أزمة اقتصادية منذ ثورة 2019، كما بات يقف على حافة حرب، مُحتملة، مع تصاعد تهديدات الاحتلال الإسرائيلي. ما يفسّر أن الذاكرة لم تنسى، ومع كل حدث تشتعل من جديد.
أحياء بالجزائر بعد المصالحة
"كيف يتعامل الجزائريون مع إرث تم محوه دون نقاش؟" جوابا على هذا السؤال، وصفت تقارير إعلامية، محلّية، كثيرة، أنّ: "الجزائر دفنت الحرب، لكنها لم تدفن ذاكرة الناس، إذ أنه في باب الوادي، الحي الذي كان قلب العشرية السوداء، صار الحديث عن تلك الأيام نوعا من المحرمات".
وأبرزت في الوقت نفسه أنّ: "الصمت بداخل عدد من المناطق بقلب الجزائر، بات فرض عين، حيث الجدران نُظفت من آثار الرصاص، لكن العيون لم تنظف ذاكرتها بعد".
وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد قال قبل عامين، في رسالة وجهها لشعبه، إن بلاده لن تفرط في حقها حيال جرائم الاستعمار الفرنسي، معتبرا أنها "لن تسقط بالتقادم".
وأوضح تبون، أنّ: "ذلك اليوم بدأ فيه الجزائريون مجابهة آثار خراب شامل فظيع، يشهد على جرائمِ الاستعمار البشعة، التي لن يطالها النسيان ولن تسقط بالتقـادم"، في إشارة إلى ما يطلق عليه في الجزائر رسميا بـ"عيد النصر" وتقيم له احتفالات، ويوصف في فرنسا بـ"يوم الذكرى"، والمقصود به انتهاء الحرب في الجزائر.
وأردف: "سَنواصل بدون هوادة وبلا تفريط، استكمال مساعينا بالإصرار على حق بلادنا في استرجاعِ الأرشيف، واستجلاء مصير الـمفقودين أثناء حرب التحرير الـمجيدة"، مبرزا: "سنطالب بتعويض ضحايا التجارب النووية وغيرها من القضايا الـمتعلقة بهذا الملف من فرنسا".
وتتفاوض الجزائر وفرنسا، منذ سنوات، حول 4 ملفات تاريخية عالقة، أولها الأرشيف الجزائري الذي ترفض السلطات الفرنسية تسلميه، ويتعلق الملف الثاني باسترجاع جماجم قادة الثورات الشعبية (موجودة بمتحف الإنسان بالعاصمة باريس).
أما بخصوص الملف الثالث، فهو تعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، ويخصّ الرابط: استجلاء مصير المفقودين خلال ثورة التحرير (1954-1962) وعددهم ألفان و200، حسب السلطات الجزائرية.
حين يُسحب السلاح هل تعود الحياة؟
في أحياء مثل كامب شيكاغو، حيث كان السلاح هو لغة الفقراء الوحيدة أمام دولة لا تراهم. وعندما جُمع السلاح، تُرك الناس يواجهون الفقر والعطالة والعنف من نوع آخر: عنف الحاجة، لتتوالى مقولات الشباب: "عندما كنت مسلحاً، كان لي صوتا، الآن أنا مجرد شبح".
إلى ذلك، هكذا تعيش المدن التي انتُزع سلاحها؛ لا صوت رصاص؛ لكن الذاكرة أقوى من أن تَنسى، لأن السلاح حين يغادر، يترك خلفه كثيرا من الأسئلة، من قبيل: ماذا تبقّى من مدينة كانت تُقاتل؟ وهل الهدوء دائما علامة سلام، أم علامة تعب؟.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية بيروت الجزائر غزة نابلس الخليل الجزائر غزة بيروت نابلس الخليل المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی نابلس والخلیل التی کانت التی کان إلى ذلک
إقرأ أيضاً:
الدويري: لهذه الأسباب تعتمد المقاومة على الكمائن في هذه المرحلة
قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري إن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تعتمد على الكمائن في المرحلة الحالية بسبب طبيعة تموضع قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
وجاء كلام الدويري في سياق تعليقه على تغريدة للناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أبو عبيدة قال فيها: "ما زال مقاتلونا يخوضون معارك بطولية وينفذون كمائن محكمة ويتربصون بقوات العدو لإيقاعها بمقتلة محققة".
وأوضح الدويري أن رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد، إيال زامير اختار مقاربة عسكرية مختلفة، حيث اعتمد على النيران أكثر من اعتماده على القوات، التي تموضعت في المناطق العازلة وعلى أطراف المناطق المبنية.
وأوكل زامير مهمة القتال الرئيسي لسلاح الجو، الذي تسبب في خسائر بصفوف الغزيين بنسبة 90%.
وعلى ضوء تموضع قوات الاحتلال كان لزاما على المقاومة الفلسطينية -يتابع الدويري- أن تطور طريقة إدارة المعركة، وأن تخوض حرب العصابات من أجل استنزاف قوات الاحتلال الإسرائيلي ماديا ونفسيا، وهو ما يجري حاليا.
وأشار إلى أن مقاتلي المقاومة يقومون بما أسماها عمليات الإغارة، وهي نوع من الكمائن، بحسب المفاهيم العسكرية.
إعلانولأن خياراتها محدودة في ظل طبيعة إدارة جيش الاحتلال للمعركة في غزة، يتعين على مقاتلي المقاومة -كما يقول اللواء الدويري- أن يجدوا الثغرات المناسبة لإيقاع خسائر في صفوف جيش الاحتلال.
ومن جهة أخرى، كشف اللواء الدويري أن الأعداد الأساسية لكتائب القسام تبلغ 24، وهناك حديث عن إعادة بنائها في 23 كتيبة موزعة جغرافيا، كتائب رفح ولواء خان يونس ولواء مدينة غزة ولواء الشمال، وكل لواء يتكون من كتائب.
عمليات المقاومةوفي الأيام الأخيرة، أعلنت المقاومة الفلسطينية عن عدة عمليات ضد قوات الاحتلال، فقد استهدفت كتائب القسام السبت الماضي خلال كمين ببيت حانون أطلقت عليه "كسر السيف" جيبا عسكريا من نوع ستورم.
وأعقبه استهداف قوة الإسناد التي هرعت إلى المكان بعبوة تلفزيونية 3 مضادة للأفراد، ثم استهداف موقع مستحدث لجيش الاحتلال بـ4 قذائف "آر بي جي" وعدد من قذائف الهاون.
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم الجمعة، عن مقتل جندي خلال معارك في تل السلطان برفح جنوبي قطاع غزة.
وأعلن جيش الاحتلال مساء أمس مقتل قائد دبابة من الكتيبة 79 في معارك شمال غزة، وكشف أيضا عن إصابة من وحدة يهلوم وجندي من الكتيبة ذاتها بجروح خطيرة.
وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن الجندي القتيل أصيب بنيران قناص في بيت حانون قرب موقع عسكري بالمنطقة العازلة.
وحول خسائر الاحتلال، نقلت صحيفة هآرتس عن وزارة الدفاع الإسرائيلية قولها إن 316 جنديا وعنصرا من المؤسسة الأمنية والعسكرية، و79 إسرائيليا آخرين، قُتلوا منذ أبريل/نيسان 2024.