يطرح الاحتلال الإسرائيلي نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في غزة باعتباره شرطا لاستئناف المفاوضات الرامية إلى إنهاء العدوان الوحشي المتواصل على القطاع، ما يثير تساؤلات جدية حول جدوى هذا الطرح، خاصة في ظل التاريخ الطويل من الاعتداءات الإسرائيلية وعدم التزامها بالاتفاقات المبرمة داخل فلسطين وخارجها.

وتطرح وقائع السنوات الماضية، إضافة إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين، صورة أوسع لمشروع لا يقتصر على "أمن" الاحتلال، بل يمتد إلى سوريا ولبنان ودول أخرى بينها السعودية، ويغذي الطروح التي تؤكد أن نزع السلاح الفلسطيني لن يكون نهاية الصراع، بل ربما مدخلا لمرحلة جديدة من الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.



ما المهم في الأمر؟
الحديث عن نزع سلاح المقاومة الفلسطينية ليس جديدا في الخطاب الإسرائيلي، لكنه عاد مؤخرا إلى الواجهة عقب خرق الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وفي حين ترفض المقاومة بشكل مطلق مناقشة نزع السلاح، يسعى الاحتلال الإسرائيلي الذي يشن عدوانا وحشيا على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر عام 2023، إلى ربط نزع السلاح بالمفاوضات الرامية لوقف الحرب.


وكان الوسطاء نقلوا مقترحا يتضمن نصا صريحا لأول مرة يتحدث عن نزع سلاح المقاومة، كشرط لإنهاء حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.

غير أن هذا المطلب لا يأتي ضمن رؤية متكاملة لتسوية سياسية عادلة، وإنما يندرج ضمن نهج عسكري تقليدي يسعى لتصفية أدوات المقاومة دون معالجة جذور الصراع، وعلى رأسها الاحتلال والاستيطان والحصار وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.

ما وراء غزة؟.. خريطة أطماع تتسع
منذ سنوات، لم تكن الاعتداءات الإسرائيلية محصورة في الأراضي الفلسطينية. ففي سوريا، نفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية على مدى أكثر من عقد، طالت مطارات عسكرية ومدنية ومراكز بحوث ومواقع في العمق السوري.

ورغم أن تذرع الاحتلال بالنفوذ الإيراني في هجماته على سوريا قبل سقوط نظام الأسد، لكن مراقبين رأوا أن هذه الهجمات تمثل سياسة إسرائيلية ممنهجة لضرب أي بنية عسكرية عربية قد تشكل لاحقا تهديدا لمصالحها، وهو ما انعكس في مئات الغارات العنيفة على سوريا بعد سقوط النظام.

وفي لبنان، تستمر دولة الاحتلال الإسرائيلي في خروقاتها لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نهاية تشرين الثاني /نوفمبر الماضي، حيث نفذ ما يزيد على ألف خرق، ما أسفر عن سقوط مئات الشهداء والمصابين في صفوف المدنيين.

وكان من المفترض أن تستكمل قوات الاحتلال انسحابها الكامل من جنوب لبنان بحلول فجر 26 كانون الثاني/ يناير الماضي، وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار، لكنها طلبت تمديد المهلة حتى 18 شباط/ فبراير الماضي.

ورغم مضي فترة تمديد المهلة، فإن حكومة الاحتلال واصلت المماطلة بالإبقاء على وجودها في 5 تلال داخل الأراضي اللبنانية على طول الخط الأزرق، دون أن تعلن حتى الساعة عن موعد رسمي للانسحاب منها.

ولا تقتصر التهديدات الإسرائيلية على الدول المجاورة، فقد برزت الأطماع الإسرائيلية في ما هو أبعد من ذلك في تصريحات أطلقها مسؤولون إسرائيليون بينهم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

في شباط /فبراير الماضي، قال نتنياهو الذي لا يفتأ يعيد التأكيد على رفضه لحل الدولتين، "لا مانع لدي بإقامة الدولة الفلسطينية في السعودية، لديهم مناطق شاسعة"، وهو ما أثار استنكارا سعوديا شديدا.

وجاءت تصريحات نتنياهو عقب مباحثات ثنائية جرت في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أثار موجة من الانتقادات عقب ترويجه لمشروع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، وهو طرح جاء في أعقاب تصريحات تحدث فيه ترامب أن "مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها".

من التصريحات إلى "العقيدة السياسية"
تعكس هذه التصريحات وجود تيار سياسي داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي لا يرى حلا في إطار الدولتين، بل يسعى لإعادة رسم خرائط النفوذ على أسس أمنية ودينية وتاريخية تحت شعار "تغيير وجه الشرق الأوسط"، وهي عبارة رددها نتنياهو في أكثر من مناسبة بعد السابع من أكتوبر.

وكان وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، شدد في تصريحات سابقة على أن حدود دولة الاحتلال الإسرائيلي يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق.


كما دعا المتطرف سموتريتش إلى حل السلطة الفلسطينية وضم جميع الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، مؤكدا أن "أرض إسرائيل الكبرى يجب أن تمتد الآن من البحر إلى الأردن".

وتتجلى رؤية الاحتلال الإسرائيلي الهادفة إلى بسط الهيمنة في مساعيها الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال تعزيز الاستيطان ودعم عنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى عدم انسحابها الكامل من جنوب لبنان وقضمها أراض سورية جديدة خلال الأشهر الماضي، معلنة انهيار اتفاقية فض الاشتباك الموقعة مع دمشق في 1974.

هل ينهي نزع السلاح المأساة؟
في الضفة الغربية المحتلة، لم تتوقف دولة الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذ عمليات اقتحام واعتقال يومية، وتوسيع المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وهو ما تصاعد بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر.

وفي القدس المحتلة، تتواصل محاولات تهويد الأحياء القديمة، ومنع الفلسطينيين من الصلاة بحرية في المسجد الأقصى المبارك.

ويشدد الباحث في الشأن الإسرائيلي، صلاح العواودة، على أن "المشكلة تكمن في الاحتلال نفسه، وليس في سلاح المقاومة"، مشيرا إلى أن الضفة الغربية تمثل مثالا صارخا على ذلك.

وأوضح العواودة في حديثه لـ"عربي21"، أن "الضفة لا يوجد فيها سلاح بعدما قضوا على كل الفصائل والأجنحة العسكرية، وأنشأوا قوات أمن خالية تماما من الخلفية النضالية والمناضلين السابقين، ما حولها إلى أجهزة أمنية مهنية خاضعة للاحتلال ومنسجمة معه بشكل كامل".


وأضاف أن "النتيجة مع ذلك كانت استيطانا وتهجيرا وتضييقا على الفلسطينيين، بل وحصارا حتى على السلطة الفلسطينية نفسها"، لافتا إلى أن "موضوع السلاح لا يمكن الدخول فيه بأي حال من الأحوال".

وأشار إلى أن "نزع السلاح سيدخلنا في موضوع تعريفات الاحتلال”، متسائلا: "ماذا يقصد الاحتلال بنزع السلاح؟ إذا دخلنا في هذا الباب لا نخرج، كما حدث في اتفاقيات أوسلو والتخلي عن العنف".

وبحسب الباحث، فإن الاحتلال الإسرائيلي "يأخذ عنوانا مثل نزع السلاح، ويبدأ بوضع تفسيرات مختلفة حسب شهوات من يصل إلى السلطة"، موضحا أن "إدخال الأمر في هذا النفق هو تدمير للقضية الفلسطينية، والرفض هو الأمر الطبيعي".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الاحتلال الفلسطينية غزة الضفة فلسطين غزة الاحتلال الضفة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال الإسرائیلی سلاح المقاومة الضفة الغربیة نزع السلاح

إقرأ أيضاً:

لبنان يستدعي سفير إيران بعد تعليقه على مساعي نزع سلاح حزب الله

استدعت الخارجية اللبنانية -اليوم الخميس- السفير الإيراني لديها احتجاجا على منشور له تطرق فيه إلى مسألة "نزع سلاح" حزب الله التي اكتسبت زخما مؤخرا بعد حرب مدمرة بين الحزب المدعوم من طهران وإسرائيل.

وقالت الخارجية -في بيان على منصة إكس- "حضر سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى لبنان مجتبى أماني إلى وزارة الخارجية بناء لاستدعائه على خلفية مواقفه العلنية الأخيرة".

وأضافت أن الأمين العام للوزارة أبلغه "ضرورة التقيد بالأصول الدبلوماسية المحددة في الاتفاقات الدولية الخاصة بسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفي مقدّمها اتفاقية فيينا".

وكان أماني قد كتب في منشور على منصة إكس يوم 18 أبريل/نيسان الجاري أن "مشروع نزع السلاح هو مؤامرة واضحة ضد الدول".

وأضاف "نحن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية نعي خطورة هذه المؤامرة وخطرها على أمن شعوب المنطقة. ونحذر الآخرين من الوقوع في فخ الأعداء".

وأتى منشور أماني في وقت يكتسب فيه النقاش بشأن تفكيك ترسانة حزب الله و"حصر السلاح بيد الدولة" زخما في الآونة الأخيرة مع تصاعد الضغوط الأميركية على السلطات اللبنانية، والخسائر الفادحة التي تكبدها التنظيم خلال مواجهة مع إٍسرائيل استمرت أكثر من عام وانتهت بوقف إطلاق نار يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

إعلان

وأكد مسؤولون لبنانيون يتقدمهم رئيس الجمهورية جوزيف عون العمل على "حصر السلاح بيد الدولة" وبسط سلطتها على كامل أراضيها، خصوصا في مناطق جنوبية محاذية للحدود مع إسرائيل، لكنه أكد أيضا أن ذلك موضوع "حساس" يبقى تحقيقه رهن توافر "الظروف الملائمة".

من جهته، شدد الأمين العام للحزب نعيم قاسم في أبريل/نيسان على أنه لن يسمح "لأحد بأن ينزع سلاح حزب الله أو ينزع سلاح المقاومة"، مؤكدا استعداد الحزب لحوار بشأن "الإستراتيجية الدفاعية" للبنان، شرط انسحاب إسرائيل من جنوب البلاد ومباشرة الدولة عملية إعادة الإعمار.

وكان أماني قال لقناة "الجديد" اللبنانية -أمس الأربعاء- إن نزع السلاح "شأن داخلي لبناني لا نتدخل فيه".

وأضاف "نلتزم بما تتفق عليه المؤسسات اللبنانية"، مضيفا "في لبنان يوجد احتلال، يوجد هجوم، يوجد الخطر الإسرائيلي، هناك فئة موجودة (حزب الله).. يريدون الدفاع عن أنفسهم".

ونص اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بوساطة أميركية، على انسحاب مقاتلي حزب الله من المنطقة الحدودية الواقعة جنوب نهر الليطاني (على مسافة نحو 30 كيلومترا من الحدود)، وتفكيك بناه العسكرية فيها، في مقابل تعزيز الجيش وقوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) انتشارهما قرب الحدود مع إسرائيل.

وكان من المفترض بموجب القرار أن تسحب إسرائيل كل قواتها من مناطق في جنوب لبنان توغلت إليها خلال الحرب، لكنها أبقت وجودها العسكري في 5 مرتفعات تعتبرها "إستراتيجية" وتتيح لها الإشراف على جانبي الحدود وتواصل شن ضربات تقول إنها تستهدف عناصر لحزب الله.

مقالات مشابهة

  • ضوء أخضر أميركي لعون بملف سلاح حزب الله؟
  • قيادي في “حماس”: سلاح المقاومة غير مطروح للتفاوض
  • مصير سلاح "حزب الله".. جدل الدولة والمقاومة في لبنان
  • سلاح الجو الإسرائيلي يتسلّم 3 مقاتلات جديدة من طراز F-35
  • الرئاسة والحزب... نحو مخرج منظّم
  • سلاح المقاومة… درع الكرامة وخط النار الأخير في وجه العدوان الصهيوني
  • لبنان يستدعي سفير إيران بعد تعليقه على مساعي نزع سلاح حزب الله
  • بدء سحب السلاح من المخيمات الفلسطينية شمالاً
  • عباس يشتم المقاومة الفلسطينية ويثير غضب المغردين
  • السفير الإيراني في لبنان: نزع سلاح حزب الله "شأن داخلي"