يعد مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في قلب العاصمة باريس موطنا للعبة دبلوماسية غريبة، حيث يستغل عدد من رجال الأعمال المشبوهين مكانة هذه المنظمة الأممية لضمان الحصانة الدبلوماسية، هروبا من المساءلة القانونية، مما يسيء كثيرا إلى المؤسسة الدولية.

هكذا لخصت لوباريزيان تحقيقا مطولا -بقلم جان ميشيل ديكوجي وروبن كوردا- سلطت فيه الضوء على ما سمته ظاهرة "الاتجار بالتمثيل" في اليونسكو مقابل الحصانة الدبلوماسية، مما نشأ عنه نظام مواز طفيلي خلف الكواليس، حسب تعبير الصحيفة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جدعون ليفي: رسائل الاحتجاج على الحرب متأخرة وجبانةlist 2 of 2لوبوان: ترامب حفار قبر الإمبراطورية الأميركيةend of list

وفي هذا النظام الموازي، يتمتع عدد قليل من رجال الأعمال -الذين غالبا ما يكونون مشبوهين- بلقب السفير ومزاياه. وفي مواجهة التحقيقات المحتملة التي تستهدفهم، يلوحون بجوازات سفر دبلوماسية لعدد من الدول الصغيرة أو الجزر في الكاريبي أو المحيط الهادي التي لم تكن لهم معها أي علاقات في الأصل.

هبة من السماء

ويعود هذا الأمر -حسب تحقيق الصحيفة- إلى أن اليونسكو -التي تعمل على تعزيز التعليم والثقافة- ترسل لها الدول الأعضاء سفراء، كالمنظمات الدولية الكبرى، ويشارك هؤلاء "المندوبون الدائمون" في المفاوضات، ويصوتون على القرارات ويقترحون إدراج بعض المواقع في قائمة التراث العالمي الشهيرة لليونسكو.

يمثل بعض الأثرياء هبة من السماء لبعض الدول لأنهم يمطرون بأموالهم أراضيها الفقيرة وغير القادرة على تحمل تكاليف إرسال وفد إلى المنظمة، ويحصلون مقابل ذلك على تمثيلها وبالتالي على جواز السفر الدبلوماسي

وبالنسبة لدول معنية لا يتجاوز عددها 15، يمثل بعض الأثرياء هبة من السماء لأنهم يمطرون بأموالهم أراضيها الفقيرة وغير القادرة على تحمل تكاليف إرسال وفد إلى المنظمة، ويحصلون مقابل ذلك على تمثيلها، وبالتالي على جواز السفر الدبلوماسي بمبلغ مليون يورو -كما يقول أحد المصادر- مشيرا إلى أن بعض هؤلاء موجودون منذ زمن طويل، ويصفهم قائلا "إنها مافيا في الواقع".

إعلان

ويبدأ تحقيق الصحيفة بحادثة في مطار لوبورجيه (شمال باريس) حين يصل اثنان من موظفي الجمارك إلى طائرة خاصة متجهة إلى المملكة المتحدة، ويسأل أحدهما "هل تحمل معك نقودا أو مبالغ مالية أو أوراقا مالية أو أشياء ثمينة تبلغ قيمتها 10 آلاف يورو أو أكثر؟

ويبدو أن الملياردير السوري وفيق سعيد (85 عاما) الذي لم يخضع قط لمثل هذا التحقيق في نهاية المدرج، ولم يتعود على تحمل هذا النوع من الإزعاج، يفقد صبره وهو الذي قام برحلات جوية عديدة بين باريس وأماكن إجازته الأخرى لمدة 50 عاما.

ويظهر سكرتيره الخاص الذي يرافقه لموظفي الجمارك مبلغ 2500 دولار وألف يورو نقدا، ويقول "إنها رحلة خاصة" ولكن موظفي الجمارك صعدوا إلى الطائرة، وكتبوا في تقرير أعد لاحقا إن "تفتيش الطائرة أدى إلى اكتشاف عدة حزم من الأوراق النقدية باليورو والجنيه الإسترليني والدولار الأميركي داخل خزانة" وبعد العد تبين أن مجموع ما تم ضبطه أكثر من 260 ألف يورو.

أجندة غير واضحة

غير أن السفير سعيد -الذي عينته سانت فينسنت وجزر غرينادين مندوبها الدائم من عام 1996 إلى 2018 ومرة ​​أخرى منذ بداية العام- طالب وزارة الخارجية البريطانية واليونسكو بالاعتذار وبما هو مستحق له. ويؤكد، وهو يبدو نادما على القبول، أن رئيس الوزراء في سانت فينسنت وجزر غرينادين هو الذي أصر على أن يستأنف مهامه، مضيفا "لا تتصوروا أن هذه وسيلة للحصول على الحصانة الدبلوماسية. أنا أحب أن أبقى نشيطا، إنها منظمة نبيلة. أؤمن كثيرا بالتعليم".

ومع ذلك، تظل أجندة سعيد داخل اليونسكو غير واضحة -حسب التحقيق- فقد ولد في دمشق وبنى علاقاته مع عائلة الأسد وخاصة أسماء زوجة الرئيس السوري المخلوع بشار.

ومع أن فضيحة فساد واسعة النطاق شوهت هذا العقد الكبير، فلم يتم استجواب سعيد -الذي حصل منذ ذلك الحين على الجنسية الكندية- مطلقا في هذه القضية، وهو يقسم الآن على أن الأموال التي عثر عليها في مقصورته لم تستخدم إلا لتغطية تكاليف وقود الطائرة والإصلاحات المحتملة في البلدان المنعزلة عن النظام المصرفي.

إعلان محمي بوضعه الدبلوماسي

وأشار تحقيق لوباريزيان إلى أن سلوك هؤلاء الدبلوماسيين المزعجين بدأ يعكر بشكل متزايد مزاج هذه الأوساط الراقية. وفي هذا السياق، قامت دولة أنتيغوا وباربودا بطرد ممثلها لدى اليونسكو بوريس لاتور على وجه السرعة منتصف فبراير/شباط الماضي، بعد ذكر اسم هذا السفير الاستثنائي وكامل السلطة في قضية تم التحقيق فيها بسويسرا، تتعلق بسرقة منزل والده الذي هو قنصل سيشل في جنيف، وكان على خلاف معه.

ويتهم الأب ابنه بسرقة ما يقرب من مليون يورو نقدا ومجوهرات فاخرة تم تبديدها في فنادق فخمة في نيويورك ومراكش ولندن، ويؤكد ذلك أحد اللصوص. ولكن محامييه ريمي لورين وماكسيم فوس يعتبران الأمر مؤامرة، ويستعدان لإثبات أن موكلهما استهدفه خصوم خبيثون، ولا علاقة له بهذه القضية، ويؤكدان أنه رجل أعمال نزيه ومتمكن، ومحمي بوضعه الدبلوماسي، وبالفعل أفلت من أي استجواب من قبل الشرطة.

وتذكر الصحيفة بأن شراء الحصانة حيلة قديمة، مشيرة إلى أن رجل الأعمال بيير فالكون -الذي صدرت بحقه أوامر اعتقال بتهمة الاتجار بالأسلحة- قدم جواز سفر دبلوماسي إلى السلطات الفرنسية، بعد أن عينه الرئيس الأنغولي خوسيه إدواردو دوس سفيرا لدى اليونسكو.

وإلى جانب الضرر الواضح الذي يلحق بالصورة، يشير تحقيق الصحيفة إلى أن هذه التعيينات المريحة تضر بسير عمل المنظمة الدولية، إذ يقوم السفراء -الذين غالبا ما يكونون غائبين- بتعيين نواب لشغل مقاعدهم، وينخرط هؤلاء "النواب" في نوع من المزادات الدائم، توجههم فيه المصلحة الشخصية لا الأجندة السياسية، حتى لو أدى ذلك إلى تحريف كافة قواعد اللعبة الدبلوماسية.

متورطة في كل الخلافات

ومع أن مندوبة دولة سانت لوسيا الصغيرة فيرا الخوري لاكويل (اللبنانية الأصل) تعرف كل شيء عن هذه المناطق الرمادية، إذ ترأست المجلس التنفيذي لليونسكو منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وكانت مرشحة لرئاسة المنظمة عام 2017 تحت راية لبنان، لكنها رفضت الحديث مع الصحيفة مستشهدة بواجب السرية المرتبط بمنصبها.

اليونسكو لا تفرض أي قيود على تجديد سفرائها خلافا لبعض الدول، مما يوجد البيئة المثالية لنظام الاتجار بالحصانة"

وبحسب العديد من الشهود المميزين، فإن هذه الستينية متورطة في كل الخلافات، وقد وجدت الوقت الكافي لنسج شبكتها داخل اليونسكو، كما أن الملياردير النيجيري جيلبرت شاغوري (نائبها منذ ما يقرب من 30 عاما) يمتلك شبكات واسعة في أفريقيا، وهو رائد أو حتى مهندس هذا النظام من السفراء الوهميين، المليء منذ فترة طويلة بأشخاص من أصل لبناني.

إعلان

ومع أن بعض المهتمين يحذر قائلا "إن خوفنا هو أن يبدأ هذا النموذج في الانتشار" فإن اليونسكو لا تستطيع أن تسجل إلا الملفات المشبوهة المفروضة عليها رغم إدراكها التام أن بعض الحالات مثيرة للريبة، غير أن "الدول الأعضاء تتمتع بالسيادة في اختيار ممثليها" والخارجية الفرنسية وحدها هي المختصة برفض دخول السفراء الأكثر ريبة.

وخلصت الصحيفة إلى أنه لا يهتم باليونسكو -التي تظل معظم أنشطتها بعيدة وغير معروفة لعامة الناس- سوى عدد قليل منهم، وهي نفسها لا تفرض أي قيود على تجديد سفرائها خلافا لبعض الدول.

وهذا ما يعلق عليه مسؤول بالمنظمة قائلا "الحصانة الدبلوماسية في كثير من الحالات تستخدم غطاء لمصائر مشبوهة. لقد حان الوقت لأن تضع الدول الأعضاء إطارا أخلاقيا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات الحصانة الدبلوماسیة إلى أن

إقرأ أيضاً:

اليونسكو تُعلن مد باب التقدم لـ"جائزة اليونسكو - اليابان للتعليم من أجل التنمية المستدامة" لعام 2025

أكد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة، أهمية الدور الذي تقوم به اللجنة الوطنية في تنفيذ مشروعات وطنية وإقليمية ودولية، بالتعاون مع منظمات اليونسكو، والألكسو، والإيسيسكو، موضحًا أن هذه الجهود تُسهم في تحقيق رؤية مصر 2030، وتعزز التمثيل المصري في المحافل الدولية المعنية بالتعليم والثقافة والعلوم، إلى جانب دعم التعاون مع هذه المنظمات في مجالات التعليم العالي، والبحث العلمي، والابتكار، وتعزيز تبادل الخبرات على المستويات العربية والإفريقية والدولية.

وفي هذا الإطار، أعلنت اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو، بالتعاون مع منظمة اليونسكو، عن مد باب التقدم لـ"جائزة اليونسكو - اليابان للتعليم من أجل التنمية المستدامة" حتى (٩) مايو 2025

هذا وقد أوضح الدكتور أيمن فريد، مساعد الوزير للتخطيط الاستراتيجي والتدريب والتأهيل لسوق العمل، ورئيس قطاع الشؤون الثقافية والبعثات، والمشرف على اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة، أن هذه الجائزة تُمنح مرة واحدة كل عامين، إضافةً إلى كونها ممولة من حكومة اليابان، وتتألف من ثلاث جوائز سنوية، قيمة كل منها 50، 000 دولار أمريكي، مشيرًا إلى أنها مُنحت لأول مرة من قِبل المدير العام لليونسكو في نوفمبر 2015. وتُقدّر الجائزة والفائزون بها دور التعليم في ربط الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية للتنمية المستدامة.

كما أكدت د.هالة عبد الجواد، مساعد الأمين العام للجنة الوطنية لشؤون اليونسكو، أنه يشترط في هذه الجائزة تطبيق المشروع أو البرنامج المقدم من أجل التنمية المستدامة كتعليم تحويلي يدعم التنمية المستدامة ويؤدي إلى تغيير فردي واجتماعي، فضلاً عن التكامل، بحيث يُعالج المشروع أو البرنامج الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة (المجتمع، والاقتصاد، والبيئة) بطريقة متكاملة، إضافةً إلى الابتكار، حيث يُظهر المشروع أو البرنامج نهجًا مبتكرًا في التعليم من أجل التنمية المستدامة. كما يجب أن يكون المشروع أو البرنامج مستمرًا ومُفعّلًا منذ أربع سنوات على الأقل، وأن يُظهر وجود أدلة على النتائج، وأن يكون له تأثير كبير مقارنةً بالموارد المُستثمرة، وأن يكون قابلًا للتكرار والتوسع، وأن يُساهم في واحد أو أكثر من مجالات العمل الخمسة ذات الأولوية لإطار التعليم من أجل التنمية المستدامة لعام 2030.

للمزيد من المعلومات عن هذه الجائزة وكيفية التقدم لها، يُرْجى الدخول على الرابط الإلكتروني التالي:

https://www.unesco.org/en/prizes/education-sustainable-development

وذلك قبل موعد غايته(٩) مايو 2025.

على أن يتم موافاة اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو أو الوفد الدائم لليونسكو

بنسخة كاملة من المشروع المُقدم على البريد الإلكتروني التالي:

[email protected]

[email protected]

[email protected]

مقالات مشابهة

  • الفرنسية تزدهر في المملكة.. مهرجان الفرانكوفونية في جدة يكشف عن طموحات الطلاب
  • هل تزيد الكوارث البيئية إيمان الناس بالأشباح؟
  • الخارجية اللبنانية تدعو السفير الإيراني إلى التقيد بالأصول الدبلوماسية.. ما السبب؟
  • منصوري تستقبل 5 سفراء معتمدين لدى الجزائر
  • الخداع تحت غطاء الصداقة وخيمة الثقة !
  • منصوروي تستقبل 5 سفراء معتمدين لدى الجزائر
  • اليونسكو تُعلن مد باب التقدم لـ"جائزة اليونسكو - اليابان للتعليم من أجل التنمية المستدامة" لعام 2025
  • تعليم جدة يبحث مقومات ترشيحها ضمن شبكة اليونسكو في ملتقى "مدن التعلم"
  • صواريخ الحوثيين المضطربة تتهاوى فوق منازل اليمنيين تحت غطاء الغارات الأمريكية
  • الهوية العُمانية في الميادين الدبلوماسية