معلومات الوزراء: الزراعة العضوية استثمار نحو مستقبل غذائي مستدام
تاريخ النشر: 17th, April 2025 GMT
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً أشار فيه إلى أن الزراعة استطاعت الاستفادة من التقنيات الحديثة مما ساهم في زيادة الإنتاجية لتلبية الطلب العالمي المتزايد، وقد ظهرت أهمية الزراعة العضوية؛ في ضوء الحاجة إلى تبني نهج جديد وشامل لا يقتصر على زيادة الإنتاج فحسب، بل يأخذ في الاعتبار أيضًا الجوانب البيئية والاجتماعية، في ظل وجود تداعيات بيئية واجتماعية سلبية، مثل: تدهور التربة، وفقدان التنوع البيولوجي، وتلوث المياه والتربة، وزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فضلاً عن معاناة النظم البيئية في مختلف أنحاء العالم من ضغوط كبيرة، تهدد قدرة الموارد الطبيعية على الاستمرار في الإنتاج، وتعرض خصوبة كوكبنا للخطر.
أشار التحليل إلى تعريف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) للزراعة العضوية، حيث أوضحت أنها نهج شامل لإدارة الإنتاج الزراعي يهدف إلى تعزيز صحة النظام البيئي الزراعي، بما يشمل التنوع البيولوجي، والدورة البيولوجية، والنشاط البيولوجي في التربة. ويركز هذا النظام على استخدام المُدخلات الطبيعية مثل المعادن والمواد المُستخلصة من النباتات، مع التخلي عن الأسمدة والمبيدات الكيميائية الاصطناعية.
وأضاف أن الزراعة العضوية تعتمد على تكامل جميع العناصر مثل التربة والنباتات والحيوانات والحشرات والمزارع والظروف المحلية بشكل مترابط، ويتم تحقيق هذا من خلال استخدام الأساليب الزراعية والبيولوجية والميكانيكية قدر الإمكان، مع الالتزام بمبادئ هذه التفاعلات الطبيعية، والاستفادة من النظام البيئي الطبيعي كنموذج.
كما تتشارك الزراعة العضوية مع العديد من التقنيات المستخدمة في أساليب الزراعة المستدامة الأخرى، مثل الزراعة البينية، وتناوب المحاصيل، والتغطية، ودمج المحاصيل مع الثروة الحيوانية. ومع ذلك، فإن التركيز على استخدام المدخلات الطبيعية (غير الاصطناعية)، وتحسين بنية التربة وخصوبتها، بالإضافة إلى تطبيق خطة تناوب المحاصيل، وهي الركائز الأساسية التي تجعل الزراعة العضوية نظامًا فريدًا في إدارة الإنتاج الزراعي.
وذكر التحليل وفقًا لإرشادات المنتجات الغذائية العضوية الصادرة عن دستور الأغذية العالمي 2007، والتي تم تطويرها من قِبل لجنة الدستور الغذائي، فإن نظام الإنتاج العضوي مُصمم لتحقيق ما يلي:
-تعزيز التنوع البيولوجي داخل النظام بأكمله.
-زيادة النشاط البيولوجي للتربة.
-الحفاظ على خصوبة التربة على المدى الطويل.
-إعادة تدوير النفايات من أصل نباتي وحيواني من أجل إعادة العناصر الغذائية إلى التربة، وبالتالي تقليل استخدام الموارد غير المتجددة.
-الاعتماد على الموارد المتجددة في النظم الزراعية المنظمة محليًّا.
-تشجيع الاستخدام الصحي للتربة والمياه والهواء، وكذلك تقليل جميع أشكال التلوث التي قد تنتج عن الممارسات الزراعية.
-تشجيع أساليب المُعالجة الدقيقة للمُنتجات الزراعية من أجل الحفاظ على سلامة المنتجات العضوية والصفات الحيوية في جميع المراحل.
وأشار التحليل إلى أن الاتحاد الدولي لحركات الزراعة العضوية، وهو منظمة غير حكومية تهدف إلى تعزيز الزراعة العضوية على المستوى العالمي، قد وضع مجموعة من المبادئ التوجيهية التي تم اعتمادها على نطاق واسع من قِبل المجتمع العضوي فيما يتعلق بالإنتاج والمعالجة العضوية.
وبالتالي فإن ممارسات الزراعة العضوية تستند إلى مبادئ محددة على النحو التالي:
-مبدأ الصحة: حيث يتمثل دور الزراعة العضوية في جميع مراحلها، سواء في الزراعة أو المعالجة أو التوزيع أو الاستهلاك، في دعم وتعزيز صحة النظم البيئية والكائنات الحية، بدءًا من أصغر الكائنات في التربة ووصولًا إلى البشر. بناءً على ذلك، يجب تجنب استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية والأدوية الحيوانية والمواد المضافة إلى الأغذية التي قد تؤثر سلبًا في الصحة.
-مبدأ البيئة: ينبغي أن تقوم الزراعة العضوية على الأنظمة البيئية الحية والدورات الطبيعية، والتفاعل معها، ومحاكاة عملياتها، والمساهمة في استدامتها. كما يجب أن تتماشى الإدارة العضوية مع الظروف المحلية، والبيئة، والثقافة، وحجم العمليات الزراعية. كما أن تقليل المُدخلات من خلال إعادة الاستخدام، وإعادة التدوير، والإدارة الفاعلة للموارد والطاقة سيساهم في تحسين جودة البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
-مبدأ الإنصاف: يؤكد هذا المبدأ ضرورة أن يدير المشاركون في الزراعة العضوية علاقاتهم الإنسانية بطريقة تضمن العدالة لجميع الأطراف المعنية - من مزارعين وعمال ومصنعين وموزعين وتجار ومستهلكين. كما يُشدد على ضرورة توفير الظروف والفرص التي تضمن رفاهية الحيوانات وفقًا لبنيتها الفسيولوجية وسلوكها الطبيعي. ويجب أن تتم إدارة الموارد الطبيعية والبيئية المستخدمة في الإنتاج والاستهلاك بطريقة عادلة اجتماعيًّا وبيئيًّا، مع الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
-مبدأ الرعاية: وينص هذا المبدأ على أن الاحتياط والمسؤولية يجب أن يكونا في صدارة الأولويات عند إدارة وتطوير واختيار التكنولوجيا في الزراعة العضوية. ويعد العلم أمرًا ضروريًا لضمان أن تكون الزراعة العضوية صحية، وآمنة، وصديقة للبيئة. ومع ذلك، ينبغي أن تأخذ الزراعة العضوية في اعتبارها الحلول المناسبة المستندة إلى الخبرات العملية والمعرفة التقليدية المتراكمة، مع تجنب المخاطر الكبيرة من خلال اعتماد التقنيات المناسبة، ورفض التكنولوجيات غير المتوقعة، مثل الهندسة الوراثية.
كما استعرض التحليل الإحصائيات العالمية للزراعة العضوية على النحو التالي:
-مساحات الأراضي الزراعية العضوية: حيث تطورت مساحات الأراضي الزراعية العضوية عالمياً خلال الفترة من (2000- 2023) وفقًا لتقرير صادر عن (IFOAM)، و(FIBL) بعنوان "عالم الزراعة العضوية: الإحصاءات والاتجاهات الناشئة حتى عام 2025"، والذي يشير إلى أن مساحة الأراضي الزراعية العضوية (بما في ذلك المناطق غير المحوَّلة) بلغَّت نحو 98.9 مليون هكتار في عام 2023. مما يمثل نموًّا بنسبة 2.6% مقارنةً بعام 2022.
أما بالنسبة لمساحة الأراضي الزراعية العضوية على المستوى العالمي وفقاً للمناطق في عام 2023، فقد تصدرت أوقيانوسيا القائمة بحصة تزيد على نصف الأراضي الزراعية العضوية في العالم عام 2023، حيث بلغت مساحتها 53.2 مليون هكتار، أي نحو 54% من إجمالي المساحة العالمية. تلتها أوروبا بمساحة 19.5 مليون هكتار (20%)، ثم أمريكا اللاتينية بمساحة 10.3 ملايين هكتار (10%)، تليها آسيا بمساحة 9.1 ملايين هكتار (9.2%)، وإفريقيا بـ مساحة 3.4 ملايين هكتار (3.4%)، وأمريكا الشمالية بمساحة 3.3 ملايين هكتار (3.4%).
أما عن أكبر الدول في مساحات الأراضي الزراعية العضوية عالمياً خلال عام 2023، فقد تمتعت أستراليا بأكبر مساحة من الأراضي الزراعية العضوية لتسجَّل نحو (53.02 مليون هكتار) عام 2023، تليها الهند (4.5 ملايين هكتار) والأرجنتين (4.0 ملايين هكتار)، واحتلت ألمانيا المرتبة الأخيرة بمساحة قدرها (1.89 ملايين هكتار).
-توزيع المُنتجين للزراعة العضوية حسب الدول والمناطق: ففي عام 2023، كان هناك أكثر من 4.3 ملايين منتج في مجال الزراعة العضوية على مستوى العالم، وكان أكثر من 93% من هؤلاء المنتجين في آسيا وإفريقيا وأوروبا. وقد تصدرت الهند الدول من حيث عدد المنتجين العضويين، تلتها أوغندا وإثيوبيا.
ومع ذلك، انخفض عدد المنتجين على مستوى العالم في عام 2023 بنحو 182 ألف منتج، بما يعادل نسبة 4.0%، مقارنةً بعام 2022، في حين شهدت أوروبا، وأمريكا الشمالية زيادة في عدد المنتجين، إلا أن العدد انخفض في أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية وأوقيانوسيا في عام 2023.
-الاتجاهات العالمية لأسواق الأغذية العضوية: حيث سجَّلت مبيعات التجزئة نحو ما يزيد على 136 مليار يورو تقريبًا في عام 2023، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر سوق للأغذية العضوية (59.0 مليار يورو)، تليها ألمانيا (16.1 مليار يورو)، ثم الصين (12.6 مليار يورو)، ثم فرنسا (12.1 مليار يورو). أما فيما يتعلق بالمنتجات العضوية المُستوردة، فقد كانت أبرز ثلاث منتجات هي: الموز (1250.63 ألف طن متري)، والسكر (500.73 ألف طن متري)، وكُسب الزيت (408.87 آلاف طن متري)، (معظمها من كُسب زيت فول الصويا)، وفول الصويا (383.13 طنًّا متريًّا)، والتي شكلت معًا 49% من إجمالي الواردات العضوية. وقد تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، وألمانيا قائمة المُستوردين الرئيسين، حيث استأثرت الدول الثلاث مُجتمعة بما يقرب من 76% من جميع الواردات العضوية.
أشار التحليل إلى أن الجهود المصرية في الزراعة العضوية شهدت تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت جزءًا من رؤية الدولة لتحقيق الأمن الغذائي المستدام، والحفاظ على البيئة. وفيما يلي استعراض لأبرز الجهود التي قامت بها مصر في مجال الزراعة العضوية:
-صدور قانون الزراعة العضوية رقم ١٢ لسنة ٢٠٢٠، لتعزيز مكانة الزراعة العضوية في مصر وتوسيع نطاق تطبيقها. كما تم صدور اللائحة التنفيذية للقانون في أبريل 2021، حيث قامت وزارة الزراعة بالتعاون مع هيئة سلامة الغذاء بإعداد اللائحة التنفيذية للقانون، والتي تتألف من سبعة أبواب تشمل التعريفات والأحكام العامة، وتسجيل محاور الزراعة العضوية (مثل وحدات الإنتاج، الجهات المعتمدة، المدخلات، والمنتجات الزراعية العضوية)، بالإضافة إلى تحديد مسؤوليات وواجبات الأطراف المختلفة في الزراعة العضوية. كما تشمل اللائحة تنظيم عمليات استيراد وتصدير المدخلات والمنتجات الزراعية العضوية، فضلًا عن وضع آليات الرقابة والتدابير الإدارية اللازمة.
-تم إصدار عدة قرارات لتشجيع الشركات العاملة في مجال الزراعة العضوية على تسجيل مختلف المدخلات العضوية، بما في ذلك المبيدات الحيوية والعضوية وغيرها من المدخلات المتعددة، وذلك في إطار تيسير إجراءات تسجيل مدخلات الزراعة العضوية وتحقيق أفضل معدلات الأداء. وفي إطار هذه الجهود، تم تسجيل 37 شركة تعمل في مجال الزراعة العضوية، وجارٍ تسجيل 19 شركة أخرى. كما تم تسجيل 18 مبيدًا حيويًّا وعضويًا، بينما يجرى تسجيل 12 مبيدًا حيويًا وعضويًا آخر. بالإضافة إلى ذلك، تم تسجيل 65 مدخلًا لتغذية النباتات العضوية، وتم تسجيل 28 وحدة إنتاج عضوي، فيما يتم حاليًا تسجيل 9 وحدات أخرى، وذلك وفقًا لتصريحات مدير المعمل المركزي للزراعة العضوية في يناير 2025.
-يتم حاليًا تأهيل وتدريب 29 مهندسًا من العاملين في مجال الزراعة العضوية ومدخلات الزراعة العضوية لأول مرة. كما أن المعمل المركزي للزراعة العضوية يصدر الآن شهادات لتسجيل المهندسين العضويين والمكاتب الاستشارية التي تعمل في هذا المجال، وهو ما لم يكن متاحًا سابقًا. ويأتي ذلك في إطار خطة التنمية المستدامة 2030.
-أطلقت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي الاحتفال الأول بيوم الزراعة العضوية المصري في 25 فبراير 2025، ليُعتمد يوم 25 فبراير من كل عام كيوم الزراعة العضوية المصري، بهدف زيادة الوعي بأهمية الزراعة العضوية ودورها الحيوي في الحفاظ على صحة الإنسان والبيئة، وكذلك في مواجهة التغيرات المناخية، وذلك في إطار استراتيجية مصر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وفقًا لرؤية مصر 2030.
-أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي عن تعزيز التعاون بين القطاع الخاص ومركز البحوث الزراعية، حيث تم الاتفاق على تشكيل لجنة تنسيقية تضم ممثلين من الشركات الخاصة والمركز، تعقد اجتماعات دورية لمناقشة التحديات وإيجاد حلول مبتكرة لدعم التحول إلى الزراعة العضوية، وإبراز الشراكات الحالية بين القطاع الخاص ومركز البحوث الزراعية، والتي تشمل مشروعات إنتاج الكمبوست، وتصنيع الأسمدة الحيوية، وتجفيف النباتات الطبية والعطرية.
-يقدم المعمل المركزي للزراعة العضوية دعمًا كاملًا للمستثمرين والمزارعين في مجال الزراعة العضوية، من خلال تقديم جميع التسهيلات اللازمة لتسجيل المُدخلات العضوية المختلفة، مما يعزز دعم المنتجين ويسهم في توسيع نطاق الزراعة العضوية في مصر، بالإضافة إلى دور المعمل في توفير البدائل الحيوية والطبيعية الآمنة لاستخدامها في التسميد والمكافحة الحيوية، بالإضافة إلى تقديم الدعم الفني والتدريبي لجميع العاملين في هذا القطاع الواعد.
-تم توقيع مذكرة تفاهم بين المعمل المركزي للزراعة العضوية والمعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية (كيوكاب)؛ بهدف تعزيز التعاون في فحص متبقيات المبيدات والملوثات الأخرى في المواد والمنتجات العضوية، بالإضافة إلى توفير برامج تدريب وتأهيل في نطاق اختصاصات كل من الجانبين.
- أعلن المعمل المركزي للزراعة العضوية، التابع لمركز البحوث الزراعية في فبراير 2025، عن انطلاق أولى دوراته التدريبية المتخصصة لتأهيل المهندسين والعاملين والمختصين في مجال مدخلات الزراعة العضوية، تأتي هذه المبادرة في إطار استراتيجية دعم الإنتاج الزراعي العضوي والمستدام، بهدف تسهيل إجراءات تسجيل المدخلات العضوية المختلفة.
-دشّن المعمل المركزي للزراعة العضوية أولى التجارب الحقلية لاختبار وتقييم فاعلية المخصبات الحيوية في تحسين الإنتاجية الزراعية المصرية، وذلك في إطار جهود المعمل المستمرة لتوفير حلول طبيعية وآمنة للمزارعين.
-تم توقيع بروتوكول تعاون بين المعمل المركزي للزراعة العضوية والمعمل المركزي للحشائش في يناير 2025، بهدف إجراء التجارب والتقييم لمبيدات الحشائش العضوية، سواء كانت محلية أو مستوردة، ويوجد رغبة في تسجيلها بالإدارة العامة للزراعة العضوية كمبيدات حشائش عضوية متخصصة.
أشار التقرير في ختامه إلى أنه لتحقيق الأمن الغذائي العالمي المستدام، سنحتاج إلى تقنيات متنوعة ومتوافقة مع الظروف المحلية، حيث تمثل النظم العضوية والتقليدية، أو ربما مزيجًا منهما، نهجًا سيلعب دورًا حيويًا في ضمان سبل عيش المزارعين، مع تقليل التكاليف البيئية والاجتماعية للزراعة في الوقت ذاته. وأخيرًا، بالنظر إلى التحديات العالمية التي يواجهها إنتاج الغذاء، يمكن القول إن الزراعة العضوية تعد جزءًا أساسيًا من الحل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مجلس الوزراء الزراعة العضوية الاحتباس الحراري الفاو
إقرأ أيضاً:
معلومات الوزراء: تغير المناخ يؤثر عالمياً على الأمن الغذائي ويدفع بالملايين للنزوح
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله مفهوم تغيُّر المناخ ومسبباته وتداعياته على مختلف المناطق، كما استعرض تأثيره على الأفراد والشركات، مع توضيح أبرز مقترحات مواجهته.
أشار التحليل إلى أن تغيُّر المناخ يُعد أحد أخطر التحديات البيئية الأكثر إلحاحًا في العصر الحديث؛ حيث يؤثر بشكل مباشر على الأفراد، من خلال مظاهر هذا التغيُّر التي تشمل ارتفاع درجات الحرارة، والتي تهدد الصحة العامة، لا سيما لدى الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال وكبار السن، كما يؤدي إلى تراجع الموارد الطبيعية، مثل المياه والغذاء، نتيجة لاختلال أنماط هطول الأمطار؛ مما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي، ويهدد الأمن الغذائي، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة الأعباء المعيشية، بالإضافة إلى ذلك، تتسبب الكوارث الطبيعية المتزايدة، مثل الفيضانات والجفاف، في فقدان المنازل وتشريد الملايين؛ مما يؤدي إلى أزمات إنسانية واجتماعية، كما تتأثر سبل العيش؛ حيث يواجه العاملون في الزراعة والصيد والسياحة تحديات تهدد استقرارهم الاقتصادي.
أوضح التحليل أن تغيُّر المناخ يُشير إلى التغيُّرات طويلة الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس، والتي قد تحدث بشكل طبيعي نتيجة للتقلبات في النشاط الشمسي أو الانفجارات البركانية الكبرى، ومع ذلك، فمنذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية هي العامل الأساسي وراء تغيُّر المناخ، وقد أكد علماء المناخ أنها مسؤولة بشكل كامل عن الاحترار العالمي خلال القرنين الماضيين؛ إذ تؤدي الأنشطة البشرية إلى انبعاث الغازات الدفيئة التي تُسهم في رفع درجة حرارة الأرض بمعدل أسرع من أي وقت مضى، وذلك خلال الألفي عام الأخيرة على الأقل.
أضاف التحليل أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض أصبح الآن حوالي 1.1 درجة مئوية أكثر دفئًا مما كان عليه في أواخر القرن التاسع عشر، أي قبل الثورة الصناعية، ويُعد العقد الماضي (2011-2020) الأكثر دفئًا على الإطلاق، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز. وينتج عن احتراق هذه المصادر انبعاثات الغازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري)، التي تعمل كغطاء يحيط بالأرض؛ مما يؤدي إلى احتباس حرارة الشمس، وارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ذكر التحليل أن ثاني أكسيد الكربون والميثان يُعدوا من الغازات الدفيئة الرئيسة المسؤولة عن تغيُّر المناخ؛ حيث تنتج هذه الغازات من استخدام البنزين في وسائل النقل أو حرق الفحم لتدفئة المباني، كما أن إزالة الغابات تُسهم في إطلاق كميات إضافية من ثاني أكسيد الكربون، وتُعد الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي، من بين القطاعات الرئيسة المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وعند وصول الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، ستصبح موجات الحر أكثر شدة، وستمتد الفصول الدافئة لفترات أطول، بينما ستتقلص الفصول الباردة، أما في حال ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 2 درجة مئوية، فستصل موجات الحر المتطرفة بشكل متكرر إلى مستويات حرجة؛ مما يشكل تهديدًا مباشرًا للزراعة والصحة.
أوضح التحليل أن تأثيرات تغيُّر المناخ لا تقتصر على ارتفاع درجات الحرارة فقط، بل تمتد لتشمل تغييرات واسعة في مختلف الأنظمة البيئية والمناطق الجغرافية، والتي ستزداد حدتها مع استمرار الاحترار، وتشمل هذه التأثيرات:
-تغيُّر أنماط هطول الأمطار: حيث من المتوقع أن تزداد نسبة الهطول في المناطق الواقعة عند خطوط العرض العليا، بينما ستنخفض بشكل ملحوظ في أجزاء واسعة من المناطق شبه الاستوائية، كما ستتغير أنماط الأمطار الموسمية وفقًا لكل منطقة، مع حدوث فيضانات متكررة بالتزامن مع موجات جفاف أكثر حدة بعدد من المناطق.
-ارتفاع مستوى سطح البحر: سيستمر مستوى سطح البحر في الارتفاع على مدار القرن الحادي والعشرين؛ مما سيؤدي إلى تفاقم الفيضانات الساحلية في المناطق المنخفضة، وزيادة معدلات تآكل السواحل، ومن المتوقع أن تتحول الأحداث المتطرفة لارتفاع مستوى سطح البحر، التي كانت تحدث مرة كل 100 عام، إلى ظواهر سنوية بحلول نهاية القرن.
- ذوبان الجليد وفقدان الغطاء الثلجي الموسمي: سيؤدي الاحترار المستمر إلى تسارع ذوبان التربة الصقيعية، واستمرار فقدان الجليد البحري في القطب الشمالي خلال فصل الصيف، إلى جانب تراجع الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية.
-تغيُّرات في المحيطات: حيث يشهد المحيط ارتفاعًا في درجة حرارة مياهه، وزيادة في موجات الحرارة البحرية، وتحمضًا متزايدًا، وانخفاضًا في مستويات الأكسجين، وهي تغييرات مرتبطة بالنشاط البشري، ومن المتوقع أن تؤثر هذه التحولات على النظم البيئية البحرية والمجتمعات التي تعتمد عليها، وستستمر على الأقل حتى نهاية هذا القرن.
-تأثيرات على المدن: حيث ستتفاقم بعض جوانب تغيُّر المناخ في المناطق الحضرية، لا سيما ارتفاع درجات الحرارة؛ حيث تكون المدن عادة أكثر دفئًا من المناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الفيضانات الناتجة عن الأمطار الغزيرة، وارتفاع مستوى سطح البحر في المدن الساحلية.
علاوةً على ذلك، تُسهم الظواهر المناخية المتطرفة مثل الأعاصير وحرائق الغابات في تدمير المنازل والبنية التحتية؛ مما يجبر الكثيرين على النزوح من مناطقهم، كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد المدن الساحلية؛ مما يجعل السكان أكثر عرضة لفقدان مساكنهم ومصادر رزقهم، ولا تقتصر التأثيرات على الصحة والاقتصاد فحسب، بل تمتد إلى الجوانب النفسية والاجتماعية؛ حيث يزيد القلق بشأن المستقبل مما يتسبب في زيادة مستويات التوتر والاكتئاب بين الأفراد.
استعرض التحليل تأثير تغير المناخ على الأفراد من خلال تسليط الضوء على عدة جوانب رئيسية وهي:
أولاً: تأثيرات تغيُّر المناخ على الصحة: تصف منظمة الصحة العالمية تغيُّر المناخ بأنه أكبر تهديد صحي يواجه البشرية، إذ تُقدر أنه سيتسبب في نحو 250,000 وفاة إضافية سنويًّا بين عامي 2030 و2050، وستكون معظم هذه الوفيات ناتجة عن سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، على أن الحرارة هي أخطر أنواع الطقس القاسي؛ حيث تُسهم درجات الحرارة المرتفعة في وفيات العمال الذين يعملون في الهواء الطلق، والسياح، والحجاج الدينيين، والأشخاص الذين يعانون من التشرد، لكن تأثير الحرارة لا يقتصر على ذلك، بل يؤثر أيضًا على الصحة الجسدية والعقلية بطرق مختلفة:
1- تسببت فصول الشتاء الأقصر والأكثر دفئًا في انتشار أكبر للأمراض المنقولة عبر الحشرات، مثل داء لايم، وزيكا، والملاريا، وحمى الضنك، وفيروس غرب النيل، وشيكونغونيا.
2- تؤدي موجات الحر، خاصةً عند اقترانها بتلوث الهواء الناتج عن حركة المرور، إلى ارتفاع مستويات الأوزون؛ مما يُسهم في تفاقم العديد من المشكلات الصحية، مثل: الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن.
3- زيادة تركيزات حبوب اللقاح وإطالة مواسم الحساسية، فوفقًا لمؤسسة الربو والحساسية الأمريكية، فإن ارتفاع درجات الحرارة في الولايات المتحدة أدى إلى تمديد موسم حبوب اللقاح بين 11 و27 يومًا خلال الفترة من 1995 إلى 2011.
وأضاف التحليل أن تغيُّر المناخ يزيد احتمال حدوث جائحة جديدة؛ حيث إن ارتفاع درجات الحرارة سيجبر الحيوانات البرية على تغيير موائلها (بيئاتها)، ووفقًا لتقرير نُشر في المجلة العلمية Nature، فقد يؤدي ذلك إلى دفع هذه الحيوانات إلى العيش بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان؛ مما يزيد فرص انتقال الفيروسات وحدوث جائحة جديدة.
ويشير التقرير إلى أن "تغيُّر النطاق الجغرافي" سيؤدي إلى تفاعل الثدييات مع بعضها بعضًا لأول مرة؛ مما قد يتسبب في تبادل آلاف الفيروسات. ويؤكد العلماء أنه حتى في حال الحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية هذا القرن، فإن ذلك "لن يقلل من انتقال الفيروسات في المستقبل".
وأوضح التحليل أنه بالرغم من أن التغيُّر المناخي يؤثر على الجميع، فإن بعض الفئات أكثر عرضة للمخاطر الصحية، وتشمل:
1-الأطفال: بسبب جهازهم المناعي غير المكتمل، يكونون أكثر عرضة للإجهاد الحراري والجفاف، كما أنهم أكثر حساسية لتلوث الهواء ودخان حرائق الغابات.
2-النساء الحوامل: يواجهن خطرًا متزايدًا من الإجهاد الحراري أثناء موجات الحر بسبب التغيُّرات الفسيولوجية المرتبطة بالحمل، كما أنهن وأجنتهن أكثر حساسية لتلوث الهواء ودخان الحرائق.
3-كبار السن والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة: يكونون أكثر عرضة للجفاف، والإجهاد الحراري، والالتهابات، وتفاقم أمراض القلب والجهاز التنفسي.
4-السكان في المناطق الريفية والنائية وسكان الشعوب الأصلية والأشخاص ذوي الدخل المنخفض: يواجهون مخاطر أكبر بسبب قلة الخدمات الصحية، وزيادة التعرض للكوارث الطبيعية، مثل: حرائق الغابات والجفاف والعواصف وارتفاع مستوى سطح البحر.
ثانياً: التأثير الاقتصادي لتغيُّر المناخ على الأفراد والشركات: أشار التحليل إلى أن موجات الحرارة المرتفعة، والجفاف الطويل الأمد، والفيضانات الشديدة تُسهم في ارتفاع تكاليف المعيشة وجعل الناس أكثر عرضة للمخاطر.
1- التأثير على الأمن الغذائي والأسعار: تؤثر الأحوال الجوية القاسية على إنتاج العديد من المحاصيل الأساسية، مثل الأرز، والقمح، والذرة، والقهوة، والكاكاو؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الجودة.
2- تراجع استقرار شبكة الكهرباء وارتفاع التكاليف: حيث تصبح شبكة الكهرباء أكثر عرضة للاضطرابات، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الضغط عليها، خاصة مع تزايد الاعتماد على أجهزة التبريد، كما يواجه مزودو الخدمات أضرارًا متزايدة بسبب الظواهر المناخية المتطرفة، مثل حرائق الغابات والعواصف العنيفة، وفي النهاية، تنعكس هذه التحديات على المستهلكين من خلال ارتفاع تكاليف الكهرباء.
3- ارتفاع حرارة المحيطات يهدد حياتنا واقتصادنا: يشكل ارتفاع مستوى سطح البحر خطرًا غير مسبوق على سلاسل التوريد العالمية، فقد يؤدي إلى تعطيل الموانئ والبنية التحتية الساحلية، كما أن ارتفاع درجات حرارة المياه يُسهم في زيادة شدة العواصف في المناطق الاستوائية؛ مما يعرض الأرواح والممتلكات للخطر، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن المحيطات تعد موطنًا لغالبية التنوع البيولوجي في العالم، كما يعتمد عليها 3 مليارات شخص في كسب رزقهم، ومع ذلك، تؤدي انبعاثات الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية إلى ارتفاع حرارة المحيطات، وزيادة حموضتها، ونقص مستويات الأكسجين؛ مما يهدد مستقبل الوظائف والصناعات المرتبطة بالبحار.
4- تغيُّر المناخ يدفع بالملايين إلى النزوح: يُعد تغيُّر المناخ أحد العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى الهجرة الداخلية؛ حيث يؤثر سلبًا على سبل العيش، ويجعل بعض المناطق غير صالحة للسكن بسبب تعرضها الشديد للظواهر المناخية القاسية، وتشير التوقعات إلى أن 216 مليون شخص قد يضطرون للنزوح بسبب تغيُّر المناخ بحلول عام 2050، وذلك عبر ست مناطق حول العالم، وستكون أكبر أعداد النازحين في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (86 مليون شخص)، تليها شرق آسيا والمحيط الهادي (49 مليون شخص)، ثم جنوب آسيا (40 مليون شخص).
5- تغيُّر المناخ قد يجعل تأمين الممتلكات أكثر تكلفة: ففي عام 2021 تسببت الكوارث الجوية المتطرفة في خسائر مؤمَّنة بلغت 105 مليارات دولار، وهو رابع أعلى مستوى منذ عام 1970، وذلك وفقًا للتقديرات الأولية لشركة Swiss Re، إحدى الشركات الرائدة عالميًّا في التأمين وإعادة التأمين، ولا يؤدي هذا فقط إلى ارتفاع تكاليف التأمين للجميع، بل قد يجعل بعض الأصول غير قابلة للتأمين تمامًا. ووفقًا لمجلس المناخ الأسترالي، فإن واحدًا من كل 25 منزلًا في أستراليا قد يصبح غير قابل للتأمين بحلول عام 2030.
6- تكاليف باهظة للشركات بسبب المخاطر البيئية: أشارت دراسة صادرة عن منظمة CDP غير الربحية في عام 2021، التي تدير أكبر نظام عالمي للإفصاح البيئي، إلى أن الشركات قد تتحمل ما يصل إلى 120 مليار دولار من التكاليف المرتبطة بالمخاطر البيئية في سلاسل التوريد بحلول عام 2026، وتشمل هذه التكاليف ارتفاع أسعار المواد الخام، بالإضافة إلى تغييرات تنظيمية مثل فرض ضرائب الكربون، وذلك في إطار الجهود العالمية للتصدي للأزمات البيئية.
استعرض التحليل طرق مواجهة تغيُّر المناخ ومنها:
-التمويل المتعلق بالمناخ: يلعب الدعم الاقتصادي دورًا كبيرًا في معالجة تغيُّر المناخ؛ حيث تحتاج الدول النامية إلى 127 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2030، و295 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2050 للتكيف مع تغيُّر المناخ، في الوقت الحالي، يبلغ تمويل التكيف مع المناخ نحو 50 مليار دولار سنويًّا؛ مما يشكل فجوة كبيرة في تلبية الاحتياجات المتزايدة لمواجهة التحديات البيئية.
-التخفيف والتكيف: يجب أن تضمن جهود التخفيف والتكيف مع تغيُّر المناخ عدم تضرر أي فئة بشكل غير عادل، خلال مسيرة الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، ويجب أن تلعب السياسات الحكومية دورًا حاسمًا في الحد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال، يمكن دعم إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، من خلال برامج تأهيل العمال لاكتساب مهارات جديدة تلائم الوظائف المستدامة، كما يمكن توجيه العائدات الناتجة عن تطبيق سياسات مثل ضرائب الكربون لدعم المجتمعات منخفضة الدخل.
-الأمن الغذائي والمائي: يعد تطوير نظم إنتاج الغذاء وتحسين كفاءة استخدام الموارد المائية من الخطوات الأساسية للتكيف مع الواقع الجديد الذي يفرضه تغيُّر المناخ. ومع ذلك، هناك تفاوتات كبيرة في استهلاك المياه بين الدول الغنية والدول منخفضة الدخل، وكذلك بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية داخل كل دولة. لذا، فإن ضمان توزيع عادل ومستدام للموارد أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
وأكد التحليل في ختامه أن مواجهة أزمة تغيُّر المناخ، تتطلب تعزيز الوعي واتخاذ تدابير جادة للتخفيف من آثاره والتكيف معها؛ حيث إن المسؤولية مشتركة بين الحكومات والمجتمعات والأفراد، فالتغيير يبدأ من السياسات البيئية المستدامة، مرورًا بالاستثمارات في الطاقة النظيفة، وصولًا إلى تبني سلوكيات صديقة للبيئة. كما يلعب التعاون الدولي دورًا أساسيًّا في وضع سياسات فعالة للحد من الانبعاثات الكربونية، وتعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة؛ لضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.