تصاعد التوتر في حضرموت.. مشروع حضرمي يواجه أجندات خارجية
تاريخ النشر: 17th, April 2025 GMT
يمن مونيتور/تقرير خاص
تشهد محافظة حضرموت اليمنية تصاعدًا حادًا في التوتر السياسي منذ بداية العام الماضي. يتزايد الصراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا والقوى المحلية المعارضة لتدخله. ويُؤدي هذا إلى مطالبات متزايدة بالحكم الذاتي.
وأثارت زيارة رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، لحضرموت في منتصف مارس الماضي جدلاً واسعًا.
وأدت تصريحات الزبيدي إلى ردود فعل غاضبة. أعلنت قبائل حضرموت رفضها لهذه التصريحات، وشكلت لجنة تحضيرية لكيان جديد اسمه “مجلس شيوخ الجنوب العربي”. كما أُعلن مؤخرًا عن تكتل قبلي وسياسي يُسمى “تيار التغير والتحرير”.
وعقدت قيادة حلف قبائل حضرموت، برئاسة عمرو بن حبريش، اجتماعًا قبليًا واسعًا السبت الماضي. حضر الاجتماع عدد كبير من القبائل، وأكد المشاركون على تمسكهم بحقوق أبناء حضرموت، بما في ذلك إدارة شؤونهم السياسية والأمنية والاقتصادية دون أي وصاية خارجية.
وتزامن هذا التصعيد مع عودة بن حبريش من زيارة للسعودية. يشير هذا التوقيت إلى اختلافات في الرؤى بين الرياض وأبوظبي بشأن مستقبل حضرموت. تسعى الإمارات، عبر المجلس الانتقالي، إلى بسط نفوذها على المحافظة، بينما تُشير بعض الملاحظات إلى أن السعودية تدعم تمكين القوى المحلية واستقلالية القرار السياسي في حضرموت.
وتُعتبر حضرموت ساحة صراع جديدة في ظل التصعيد السياسي والعسكري بالبلاد. تبدو الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي هامشيين، بلا تأثير حقيقي على الأحداث. هذا الواقع يُعقّد المشهد في حضرموت، التي تُقاوم مشروع الانفصال المدعوم إماراتيًا.
وساهم غياب الدولة المركزية وتضارب القرارات داخل السلطة الشرعية في خلق بيئة خصبة للنزعات الانفصالية. كما يثير تضارب مصالح أبناء حضرموت مع أجندات المجلس الانتقالي تساؤلات جوهرية حول مستقبل المحافظة، وهل ستحقق حضرموت تمكينًا ذاتيًا يعبر عن إرادة أبنائها بعيدًا عن التبعية والصراعات المفروضة.
مشروع حضرمي
وفي هذا السياق، علّق أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيئون، الدكتور مختار اليماني، على مخرجات “لقاء حضرموت” الذي نظمه حلف قبائل حضرموت، السبت الماضي، مؤكداً أن اللقاء كان بمثابة إعلان عن مشروع حضرمي خالص، يعبّر عن تطلعات أبناء المحافظة في إدارة شؤونهم، بعيداً عن الإملاءات الخارجية. وأضاف أن المشروع الحضرمي تم طرحه على طاولة قيادة التحالف العربي، بعد لقاء جمع الشيخ عمرو بن حبريش بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان.
اليماني انتقد زيارة رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي إلى المكلا، واعتبرها استفزازية وغير مبررة، قائلاً: “الزبيدي جاء ليوزع اتهامات باطلة لا تمت للشيخ عمرو بن حبريش أو للحضارم بأي صلة, الحضارم يرفضون الإرهاب، وليس من طباعهم احتضان أي قوى متطرفة, وعلى عيدروس أن يعي جيداً أن حلم الإمارات في التشطير لن يمر، وسينكسر على صخرة حضرموت”.
كما تساءل اليماني عن دوافع الزبيدي في إطلاق تهديداته لأبناء حضرموت، في الوقت الذي لا يتحرك فيه إلا بتوجيهات مباشرة من الكفيل الإماراتي، على حد تعبيره. مشيراً إلى تناقضات المجلس الانتقالي، الذي يتحدث عن فيدرالية في حال عودة الدولة الجنوبية، لكنه يمارس الإقصاء والتخوين في المحافظات التي لا تخضع لسيطرته.
وأكد اليماني أن حضرموت بتاريخها السياسي وثقلها الثقافي والاقتصادي، لا يمكن اختزالها في تبعية عابرة لأجندات تمولها أبوظبي، بل إنها كانت ولا تزال ركيزة أساسية في معادلة الوحدة والاستقرار اليمني. مشدداً على أن أبناء حضرموت يختلفون في تركيبتهم ومواقفهم عن أي مناطق أخرى، ولن يسمحوا بأن تتحول محافظتهم إلى ساحة لتنفيذ أجندات لا تخدم المواطن الحضرمي الذي يرزح تحت وطأة الفقر وغياب الخدمات الأساسية.
أردف: “ما تشهده حضرموت اليوم يعكس واقعاً متغيراً، تسعى فيه القوى المحلية إلى استعادة زمام المبادرة، في مواجهة مشاريع الهيمنة الخارجية, مع تراجع دور السلطة الشرعية، لذلك تبرزاليوم حضرموت كصوت مختلف يطالب بتمكين حقيقي ينبع من إرادة أهلها، لا من رغبات الفاعلين الإقليميين”.
فدرالية تحفظ اليمن وتوحّد مكوناته
تمثل محافظة حضرموت اليوم واحدة من أبرز بؤر التوتر السياسي في اليمن، في ظل غياب الدولة المركزية, وتعدّ المحافظة نموذجاً صريحاً لما يصفه مراقبون بـ”عبث الإمارات” في الجغرافيا اليمنية، حيث تسعى أبوظبي عبر وكلائها في الداخل – وعلى رأسهم المجلس الانتقالي الجنوبي – إلى فرض أجندة انفصالية تتجاوز إرادة أبناء المحافظات، وفي مقدمتهم أبناء حضرموت الذين يرفضون بشدة هذا المشروع.
في حديثه لـ”يمن مونيتور”، اعتبر الكاتب والصحفي مصعب عفيف أن البيان الختامي لفعالية حلف قبائل حضرموت لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة طبيعية لتراكمات طويلة من التهميش وسوء الأداء الحكومي. وأشار إلى أن مطالب أبناء حضرموت بدأت بشكل أساسي كمطالب أساسية ومشروعة, تتعلق بالأوضاع المعيشية لأبناء المحافظة، جراء تدهور سعر العملة، وارتفاع الأسعار، وتردي الخدمات، وضمان استقرار الكهرباء لكنها قوبلت بتجاهل واضح من قبل المجلس الرئاسي والحكومة.
وقال عفيف إن “المسؤول الأول عن هذا الإهمال هو الدولة الشرعية”، مضيفاً أن حلف قبائل حضرموت منح المجلس الرئاسي مهلة كافية منذ 7 يوليو 2024 للرد على تلك المطالب، دون أن يقابل ذلك بأي استجابة جدية. واعتبر أن هذا التجاهل هو ما تسبب في حالة التصعيد والاحتقان الذي تعيشه المحافظة اليوم.
وبحسب عفيف، فإن المجلس الانتقالي لم يكتفِ بعدم الاستجابة، بل أرسل رئيسه عيدروس الزبيدي إلى مدينة المكلا في زيارة أثارت التوتر، حيث أطلق تهديدات مباشرة ضد أبناء حضرموت وحلفهم القبلي، في محاولة واضحة للهيمنة على القرار المحلي. وأوضح أن أبناء حضرموت باتوا يعتبرون الحلف القبلي بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش المكون الأكثر تمثيلاً لقضاياهم.
ويرى عفيف أن الحكم الذاتي للمحافظة ليس فقط مطلباً عادلاً، بل إنه يتوافق مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي أقرّ قيام دولة يمنية اتحادية تضمن لكل إقليم حقه في إدارة شؤونه. وأكد أن أبناء حضرموت يرفضون تمثيل الانتقالي لهم، ويطالبون بالمشاركة المباشرة في أي مفاوضات سياسية تخص حاضرهم ومستقبلهم، وهو حق مشروع لا يمكن القفز عليه تحت أي ذريعة.
واختتم عفيف حديثه بالتأكيد على أن الأمن والاستقرار في حضرموت هو جزء لا يتجزأ من أمن الجزيرة والخليج، وأن الحل الحقيقي يكمن في دعم دولة يمنية واحدة تحت نظام فدرالي شامل، لا من خلال تغذية النزعات الانفصالية أو تمكين كيانات تتبع أجندات خارجية. ودعا إلى أن تكون حضرموت نموذجاً لحكم ذاتي عادل، في إطار دولة اتحادية جامعة تحفظ سيادة اليمن وتستوعب تنوع مكوناته، لا مشروعاً ممزقاً يضع البلاد رهينة للفوضى الإقليمية.
لماذا تُعد حضرموت هدفاً استراتيجياً لأطماع الإمارات؟
منذ انطلاق عمليات التحالف العربي في مارس 2015 تحت شعار “التصدي للحوثيين”، لم تمضِ سنوات حتى تحوّل الدور الإماراتي في اليمن من شريك عسكري في المعركة إلى لاعب مستقل يسعى لتحقيق أهداف توسعية تتجاوز الأهداف المُعلنة, واليوم، تبرز حضرموت كواحدة من أبرز محطات هذا التمدد، في مشهد يُظهر كيف تحوّلت “مواجهة الانقلاب” إلى بوابة للهيمنة الجيوسياسية والاقتصادية؟!.
ورغم أن الحوثيين يتركزون في شمال اليمن – من صعدة مروراً بعمران والجوف وذمار، ووصولاً إلى صنعاء – فإن حضرموت، الواقعة في الجنوب الشرقي من البلاد، ظلت بعيدة عن جبهات المواجهة المباشرة, ومع ذلك، فإن الإمارات لم تتردد في توسيع نفوذها نحو هذه المحافظة، وهو ما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التوجه.
الناشط والكاتب السياسي فؤاد بن طهيف يرى أن حضرموت “فرضت نفسها كغنيمة ضرورية لدى دولة الإمارات”، بسبب جملة من العوامل الحيوية التي تمتلكها، والتي تجعل منها هدفاً استراتيجياً لأي مشروع توسعي في المنطقة. ويضيف أن المجلس الانتقالي الجنوبي، كأداة إماراتية محلية، لم يكن سوى الوسيلة لتسهيل هذا التمدد.
تتمتع حضرموت بقدرات لوجستية وجغرافية جعلت منها مطمعاً إقليمياً، إذ تمتد سواحلها على مساحة كبيرة من البحر العربي، وتحتضن موانئ واعدة، فضلًا عن ثروات نفطية وغازية لا تزال بكراً في كثير من مناطقها, هذه الإمكانيات – بحسب بن طهيف – أسالت لعاب أبوظبي، التي بات واضحاً أنها تسعى للسيطرة على ممرات التجارة البحرية من اليمن حتى القرن الإفريقي.
وأوضح بن طهيف في حديثه لموقع “يمن مونيتور”, قائلا:” وفي الوقت الذي كان ينشغل فيه التحالف السعودي بالمواجهات مع الحوثيين شمالاً، كانت الإمارات تنقل ثقلها العسكري والسياسي إلى الجنوب، وتحديداً نحو المناطق الساحلية، لتبني وجوداً دائماً يخدم طموحاتها في الهيمنة البحرية على بوابات آسيا وإفريقيا.
وأكد بن طهيف إن قوات الانتقالي المدعومة من أبوظبي، إلى جانب قوات طارق صالح، تحولت إلى أذرع عسكرية بيد الإمارات للسيطرة على السواحل والجزر اليمنية الممتدة من حضرموت شرقاً إلى باب المندب غرباً, وهو ما يشير إلى مشروع لا يقتصر على اليمن، بل يمتد ليشمل عمقاً استراتيجياً أكبر في القارة الإفريقية، عبر سلسلة من القواعد والموانئ التي تسعى أبوظبي للسيطرة عليها في كل من سقطرى، بربرة، مصوع، وأماكن أخرى على البحر الأحمر.
“تيار التغيير والتحرير”: تصدٍ للهيمنة
في خطوة اعتُبرت ردًا مباشرًا على التصعيد الإماراتي الأخير في حضرموت، أُعلن يوم الاثنين المنصرم عن إشهار تكتل قبلي وسياسي جديد تحت مسمى “تيار التغيير والتحرير”، جاء ليرفع صوتاً حضرمياً وطنياً يطالب بالعدالة والسيادة ويرفض مشاريع الهيمنة والانفصال.
وشهدت مدينة العبر، الواقعة شمال غرب حضرموت، مراسم إعلان التكتل وسط حضور لافت لقيادات اجتماعية ومشايخ قبائل، أبرزهم من قبيلة كندة، وهي واحدة من أعرق القبائل في اليمن والمنطقة، حيث رُفعت الأعلام اليمنية، إلى جانب رايات تمثّل هوية التيار الوليد.
وأكد بيان الإشهار أن “تيار التغيير والتحرير” ينطلق من ثلاث أولويات محورية: الإصلاح الشامل ومكافحة الفساد، إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس العدالة والكفاءة، وحماية الحقوق والحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية. وشدد البيان على التزام التيار باستخدام الوسائل المشروعة لتحقيق هذه الأهداف، مستنداً إلى دعم الشعب ومشاركته الفاعلة في اتخاذ القرار.
يتزامن إعلان التيار مع احتدام مساعي الإمارات لتعزيز سيطرتها على حضرموت عبر أدواتها المحلية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي تصاعدت تحركاته مؤخرًا بعد جولة عيدروس الزبيدي في محافظات جنوب وشرق اليمن، حيث أدلى بتصريحات أثارت غضبًا واسعًا في حضرموت.
الأكاديمي والمحلل السياسي، سليمان باذيب، يرى في هذا التكتل الجديد استجابة وطنية واعية لـ”السلوك الإماراتي الاستفزازي” في حضرموت، مضيفًا أن أبناء المحافظة باتوا يدركون أن المجلس الانتقالي يُستخدم كجسر عبور لأجندات توسعية لا تخدم اليمن ولا أهله، بل تسعى لنهب موارده وتفتيت كيانه الوطني.
وقال باذيب في حديثه لـ”يمن مونيتور”: “أثارت تحركات الإمارات المريبة تجاه حضرموت حفيظة المخلصين، الذين أدركوا خطورة ترك الأمور دون مواجهة، خاصة بعد أن تحوّلت حضرموت هدفا للمشروع الانفصالي الممول من أبوظبي”.
وأكد باذيب أن التصدي لهذا المشروع لا يتأتى إلا من خلال دعم توجهات الحكم الذاتي لأبناء حضرموت، واستعادة القرار الوطني المستقل، بعيدًا عن الوصاية الخارجية، داعيًا في الوقت نفسه دول التحالف إلى مراجعة مواقفها ودعم وحدة اليمن ومؤسساته الاتحادية.
وأضاف: “نأمل أن يكون دعم الإخوة في التحالف مرتكزًا على بناء دولة فدرالية قوية موحدة، بعيداً عن الحسابات الضيقة التي تُغذي مشاريع الفوضى والانقسام”.
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد التدخلات الخارجية، تجد حضرموت نفسها أمام لحظة فارقة في تاريخها السياسي والوطني. فبحسب مراقبين، تقف المحافظة بين خيارين لا ثالث لهما: إما الانخراط في مشروع الهيمنة الذي تقوده أبوظبي عبر أدواتها المحلية، بما يعنيه ذلك من تقويض للسيادة الوطنية وتهميش للقرار الحضرمي، أو التوجه نحو إعادة تشكيل دورها كقوة محلية فاعلة، تمتلك زمام المبادرة وتدير مقدراتها في إطار دولة اتحادية عادلة، تُعيد الاعتبار للمركزية التوافقية، وتحفظ لليمن وحدته واستقلاله في مواجهة مشاريع التفكيك والتبعية.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الهيمنة الخارجية اليمن حضرموت المجلس الانتقالی الجنوبی حلف قبائل حضرموت عیدروس الزبیدی عمرو بن حبریش أبناء حضرموت یمن مونیتور فی حضرموت أن أبناء حضرموت ا التی ت
إقرأ أيضاً:
تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا يخيم على خطط بوتن لإقامة قاعدة بحرية في أفريقيا
يهدد صراع أمريكي-روسي خطط بوتين لإقامة قاعدة بحرية في أفريقيا، يقول خبير في الكرملين: “تنظر موسكو إلى السودان، بسبب موقعه الاستراتيجي، كمكان منطقي لتوسيع نفوذ روسيا في أفريقيا”، تحذر إدارة ترامب من “عواقب وخيمة” بشأن خطط روسيا لافتتاح قاعدة بحرية في السودان الذي تمزقه الحرب. وقد أثارت أنباء تطوير القاعدة تحذيراً غير معتاد من وزارة الخارجية الأمريكية.
_يقول خبير في الكرملين إن "موسكو تنظر إلى السودان، بسبب موقعه الاستراتيجي، كمكان منطقي لتوسيع بصمة روسيا في أفريقيا"._
بقلم بول تيلسلي، فوكس نيوز
24 أبريل 2025
يهدد صراع أمريكي-روسي خطط بوتين لإقامة قاعدة بحرية في أفريقيا
يقول خبير في الكرملين: “تنظر موسكو إلى السودان، بسبب موقعه الاستراتيجي، كمكان منطقي لتوسيع نفوذ روسيا في أفريقيا”
تحذر إدارة ترامب من “عواقب وخيمة” بشأن خطط روسيا لافتتاح قاعدة بحرية في السودان الذي تمزقه الحرب. وقد أثارت أنباء تطوير القاعدة تحذيراً غير معتاد من وزارة الخارجية الأمريكية.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لفوكس نيوز ديجيتال: “نشجع جميع الدول، بما في ذلك السودان، على تجنب أي معاملات مع قطاع الدفاع الروسي”.
يبدو أن الكرملين يائس من الانضمام إلى “نادي القوى البحرية” في القرن الأفريقي، مع خططه المعتمدة لإقامة قاعدة للسفن الحربية والغواصات النووية في ميناء بورتسودان. وهذا ليس بعيدًا عن الساحل الهندي من جيبوتي، حيث توجد قواعد أمريكية وصينية. ومع احتمال قيام الحكومة السورية الجديدة بطرد الروس من قاعدتهم في طرطوس، ستكون بورتسودان القاعدة البحرية الأجنبية الوحيدة لروسيا.
قالت ريبيكا كوفلر، محللة استخبارات عسكرية استراتيجية، لفوكس نيوز ديجيتال: “تنظر موسكو إلى السودان، بسبب موقعه الاستراتيجي، كمكان منطقي لتوسيع نفوذ روسيا في أفريقيا، والذي يراه بوتين كساحة مواجهة جيوسياسية رئيسية مع الولايات المتحدة والصين”.
وأضافت: “تعتبر روسيا الولايات المتحدة والصين أهم خصومها، وقد تدخل موسكو في صراع عسكري معهما على المدى البعيد. لذا، يرغب بوتين في نشر قدرات استخباراتية وعسكرية بالقرب من قاعدة جيبوتي الأمريكية والمنشآت الصينية”.
وأردفت كوفلر: “نظرًا لأن الولايات المتحدة والصين لديهما وجود بحري بالفعل قبالة القرن الأفريقي، فإن روسيا تنظر إلى بورتسودان كمركز لوجستي لنقل الأسلحة وتخزين العتاد العسكري والذخائر وكافة القدرات القتالية”.
وقال جون هاردي، نائب مدير برنامج روسيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، لفوكس نيوز ديجيتال: “منشأة الدعم البحري الروسية المحتملة في السودان ستعزز قدرة روسيا على إبراز قوتها في البحر الأحمر والمحيط الهندي”. وأضاف: “أصبحت هذه القضية أكثر أهمية لموسكو في ظل حالة عدم اليقين بشأن مستقبل منشأة طرطوس اللوجستية البحرية”.
إن وجود قاعدة بحرية روسية في المحيط الهندي له تداعيات عسكرية استراتيجية — فهي قريبة نسبيًا من البحر الأحمر وقناة السويس، التي يمر عبرها ما يُقدر بنحو 12% من تجارة الشحن العالمية، ويقال إن 61% من حركة ناقلات النفط العالمية تستخدم القناة أيضًا. وذكرت كوفلر أن هذا يشكل تهديدًا أمنيًا كبيرًا.
وتابعت: “إذا رأت روسيا تصعيدًا وشيكًا ضدها — كحشد قوات الناتو أو إجراءات اقتصادية صارمة تهدف إلى تدمير الاقتصاد الروسي — فلا أستبعد أن يأذن بوتين بعمل تخريبي لاستغلال نقطة الاختناق وتعطيل أو زعزعة الشحن العالمي كوسيلة لردع الغرب عن تهديد روسيا”.
وقد أُعطي الضوء الأخضر للاتفاق الذي يسمح لموسكو ببناء قاعدة عسكرية، رغم وجود تحديات لوجستية خطيرة. أوضحت كوفلر: “تم إبرام الاتفاق بين السودان وروسيا في فبراير، بعد اجتماع بين وزير الخارجية السوداني علي يوسف شريف ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو”.
لذا جاءت تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية الحادة لفوكس نيوز ديجيتال: “الولايات المتحدة على علم بالاتفاق المعلن بين روسيا والقوات المسلحة السودانية بشأن إنشاء منشأة بحرية روسية على الساحل السوداني. نشجع جميع الدول، بما في ذلك السودان، على تجنب أي معاملات مع قطاع الدفاع الروسي، والتي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، منها فرض عقوبات على الكيانات أو الأفراد المرتبطين بتلك المعاملات”.
“المضي قدمًا في مثل هذه المنشأة أو أي شكل آخر من أشكال التعاون الأمني مع روسيا سيؤدي إلى مزيد من عزل السودان، وتعميق الصراع الحالي، وتعريض الاستقرار الإقليمي لمزيد من الخطر”.
أما على اليابسة القاحلة في السودان، فقد وصف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة توم فليتشر الوضع يوم الاثنين حول مدينة الفاشر ومخيم زمزم الضخم للاجئين في دارفور بأنه “مروع”.
لقد تجاوزت الحرب الأهلية في السودان، بين القوات المسلحة الحكومية وقوات الدعم السريع المتمردة، عامها الثاني الدموي. فقد قُتل عشرات الآلاف، واقتُلع ما يُقدر بـ 13 مليون شخص من منازلهم. وتصف الأمم المتحدة الوضع بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بينما تصفه اليونيسف بـ”الجحيم على الأرض”.
وقال الباحث في الشأن السوداني إريك ريفز لفوكس نيوز ديجيتال: “لا يمكن المبالغة في وحشية ومدى تدمير هجوم قوات الدعم السريع على مخيم زمزم (للاجئين)”. وأضاف: “المخيم الذي وُجد منذ 2004 لم يعد موجودًا، حتى بعد أن نما ليضم أكثر من 500 ألف شخص”.
وأشار ريفز بقلق إلى أن “الموت الحقيقي بدأ للتو. فقد فرّ تقريبًا جميع سكان زمزم، وفي كل الاتجاهات لا تزال تهديدات قوات الدعم السريع قائمة. هذا يخلق حالة انعدام أمن تمنع وصول المنظمات الإنسانية إلى هؤلاء المتفرقين. أعداد هائلة ستموت إما بسبب عنف الدعم السريع أو نقص الغذاء والماء والمأوى”.
وأُفيد بمقتل 30 آخرين يوم الثلاثاء في هجوم جديد لقوات الدعم السريع على الفاشر. وفي الأسبوع الماضي فقط، أعلنت قوات الدعم السريع عن إنشاء حكومتها الخاصة. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية لفوكس نيوز ديجيتال: “تشعر الولايات المتحدة بقلق بالغ إزاء إعلان قوات الدعم السريع والجهات المرتبطة بها تشكيل حكومة موازية في السودان. هذا المسعى لتشكيل حكومة موازية لا يخدم قضية السلام والأمن، ويهدد فعليًا بتقسيم البلاد”.
“سيؤدي ذلك فقط إلى مزيد من زعزعة استقرار البلاد، وتهديد وحدة أراضي السودان، ونشر المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. أوضحت الولايات المتحدة أن مصلحتها تكمن في استعادة السلام وإنهاء التهديدات التي يشكلها الصراع في السودان على الاستقرار الإقليمي. الطريق الأفضل للسلام والاستقرار هو وقف فوري ودائم للأعمال العدائية حتى تبدأ عملية إقامة حكومة مدنية وإعادة بناء البلاد”، بحسب ما قاله المتحدث باسم الوزارة.
ووضع كاليب وايس، محرر مجلة “لونغ وور جورنال” ومدير برنامج الانشقاقات في مؤسسة بريدجواي، جزءًا من اللوم على إدارة بايدن لعدم إنهاء الحرب السودانية. وقال لفوكس نيوز ديجيتال: “توقفت الإدارة عن تسهيل أي محادثات سلام أو وساطة جدية أو اتخاذ موقف حازم من الداعمين الخارجيين لمختلف الجماعات لدفعهم نحو الجدية في محاولات التفاوض السابقة. هنا يكمن فشل إدارة بايدن”.
--------------------------------
*بول تيلسلي* مراسل مخضرم، غطّى الشؤون الأفريقية لأكثر من ثلاثة عقود من جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا.