الأرقام تكشف المأزق.. الموازنة تحت رحمة البرميل
تاريخ النشر: 17th, April 2025 GMT
17 أبريل، 2025
بغداد/المسلة: يتحوّل القلق الصامت في أروقة القرار العراقي إلى صوت مسموع كلما واصل سعر النفط هبوطه نحو عتبة الستين دولاراً، الرقم الذي يُعتبر «خط الخطر» لموازنة تعتمد بنسبة 90% على إيرادات النفط. في بغداد، تتصاعد التحذيرات من أزمة مالية قد تعيد العراق إلى سنوات الشح والتقشف، فيما يسابق المسؤولون الزمن للحد من تداعيات السيناريو الأسوأ.
ويؤكد اقتصاديون أن الأزمة تلوح في الأفق بالفعل، وأنها تتغذى من عاملين متوازيين: انخفاض أسعار النفط من جهة، وتضخم الإنفاق الحكومي الذي بلغ 200 ترليون دينار في سقفه الأعلى من جهة أخرى.
وتظهر تحذيرات من مختصين مثل الخبير الاقتصادي حسين علاوي الذي كتب: “إذا لم يتحقق سعر 70 دولاراً لبرميل النفط في الأشهر المقبلة، فإن العجز الحقيقي سيتجاوز الخطط التحوطية.. سنضطر إلى الاقتراض أو تخفيض نفقات حيوية”.
ويتحدث مستشار رئيس الوزراء مظهر محمد صالح بلغة أرقام دقيقة، مشيراً إلى أن الموازنة ثلاثية السنوات أخذت بنظر الاعتبار سعر برميل تحوطي قدره 70 دولاراً، بطاقة تصدير تبلغ 3.4 مليون برميل يومياً. ويضيف في تصريح خاص أن العجز الافتراضي البالغ 64 ترليون دينار لا يُعد خطيراً طالما لم يتراجع السعر إلى ما دون هذه العتبة، إلا أن “أي هبوط إلى 60 دولاراً أو أقل، سيجبر الحكومة على الاقتراض أو إعادة ترتيب أولويات الإنفاق”.
ويشهد السوق المالي العراقي تحركاً سريعاً، حيث أقر مجلس الوزراء إصدار سندات بقيمة 5 ترليونات دينار لتمويل المشاريع الاستثمارية المتوقفة أو المتعثرة. وبحسب تقرير لوزارة التخطيط، فإن أكثر من 140 مشروعاً خدمياً في مجالات الصحة والتعليم والبنى التحتية بحاجة إلى تمويل عاجل، ما يجعل الاستمرار في هذه المشاريع رهينة بالسيولة المتوفرة.
وينشر الناشطون على مواقع التواصل تجارب العراق السابقة مع الأزمات.
ويسترجع المدون “فراس النعيمي” في تغريدة له، كيف أن العراق واجه أزمتين كبيرتين بين 2014 و2017 وخرج بأقل الخسائر، قائلاً: “تعلمنا من أزمات النفط أن البقاء ليس للأغنى بل للأذكى في إدارة المال.. وعلى الدولة أن لا تغامر هذه المرة”.
وتظهر بيانات وزارة المالية العراقية أن العراق أنفق 156 ترليون دينار في 2024 حتى الآن، ما يشير إلى التزام نسبي بسياسة الحد الأدنى. لكن حجم النفقات التشغيلية، خصوصاً الرواتب والدعم الاجتماعي، يجعل أي تراجع إضافي في الأسعار بمثابة «زلزال اقتصادي مصغّر».
وفي شوارع بغداد، لا يبدو المواطن منشغلاً بالأرقام، لكنه يشعر بالارتباك في الأسعار والخدمات.
وتقول أم علي، وهي معلمة متقاعدة من الكاظمية: “كل مرة يقولون هناك أزمة، ونصبر.. لكن الكهرباء لم تتحسن، والمستشفى الحكومي يحتاج إصلاحاً منذ سنوات.. من يستفيد من هذه الموازنات؟”.
وفي العمق، تكشف الأزمة عن خلل في البنية الاقتصادية، فكلما تراجعت أسعار النفط، اتضح حجم الارتهان لعائداته، وكلما اتسع الإنفاق، برز ضعف البدائل.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
رصاصة الثأر .. من ينقذ العراق من أعراف الدم؟
30 أبريل، 2025
بغداد/المسلة: كتبت انوار داود الخفاجي:
في مشهدٍ يعيدنا إلى عصور الظلام، قُتل شاب مراهق بعد خروجه من مدرسته، لا لذنب اقترفه، ولا لجريمة ارتكبها، بل فقط لأنه ينتمي إلى عائلة تورّط أحد أفرادها في نزاع عشائري. هكذا، ببساطة، يُنتزع المستقبل من جسد شاب بريء بذريعة (الثأر). والسؤال الذي يطرق باب كل عراقي الآن إلى متى تبقى الأعراف العشائرية فوق القانون؟ وإلى متى يُترك الدم العراقي مستباحاً بهذه الخفة؟
ما هكذا تورد الإبل يا عشائر العراق، فالثأر الذي يُسفك بسببه دم شاب ، ليس نخوة، ولا شرفاً، بل سقوط أخلاقي ومجتمعي يضرب روح العشيرة التي كانت على مرّ التاريخ رمزاً للحكمة والإصلاح وحل النزاعات بعيداً عن الظلم والانتقام. ما حدث ليس فصل عشائري بل قتل متعمد، وجريمة مكتملة الأركان، لا يمكن أن تُغلف بغلاف العرف أو العادة.
إن السكوت على هذه الجريمة، أو التبرير لها، هو شراكة في الدم، وتواطؤ مع الفوضى. فحين يُقتل طالب علم، في طريقه من المدرسة، فإن المجتمع كله يُذبح معه. وحين تبقى العشيرة أقوى من الدولة، فإن هيبة الدولة تهتز، ويتزعزع الإيمان بالعدالة، ويستمر تساقط الضحايا واحداً تلو الآخر، بلا نهاية.
نحن هنا لا نعمم، ولا نحمّل كل عشائر العراق وزر قلة ضالة، لكن الصمت الجماعي أخطر من الجريمة نفسها. المطلوب اليوم هو موقف واضح وصريح من شيوخ العشائر ووجهائها ومثقفيها، موقف يرفض هذه الأساليب، ويعيد تعريف الشرف العشائري على أساس الحكمة والعدل، لا القتل وسفك الدم.
أما الدولة، فهي تتحمل مسؤولية لا يمكن التهرب منها. فلا يجوز أن تظل السلطة القضائية عاجزة أمام النفوذ العشائري، ولا أن تُترك القرى والمدن تحت رحمة “فصل هنا أو ديه هناك. آن الأوان لقانون صارم يُجرّم الثأر، ويحاسب القاتل كقاتل، مهما كانت الذريعة، ويوفّر الحماية الفعلية لأُسر الضحايا، بدل أن يُتركوا عرضة لدوامة لا تنتهي من الدماء.
لقد آن أوان إصلاح جذري يبدأ من التعليم والإعلام، ويمر عبر التشريعات والقوانين، وينتهي بمصالحة مجتمعية تضع حداً لهذا السلوك الدموي. كرامة العشيرة لا تكون في الانتقام، بل في ضبط النفس، وإعلاء صوت العقل، وترك الأمور لميزان العدالة.
وختاما فلنقلها بوضوح، وبلا مواربة لا عشيرة فوق القانون، ولا عرف يعلو على حياة الإنسان، خصوصاً إذا كان هذا الإنسان شاب مراهق يحلم بغدٍ أفضل. فكرامة العراق تُقاس اليوم بمدى قدرتنا على حماية أبنائه من القتل المجاني، وبمدى استعدادنا لوأد الثأر، قبل أن يوأد الوطن كله.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts