اختلاف الدول العربية: حجر عثرة أمام السلام في السودان

د. أحمد التيجاني سيد أحمد

يُعد غياب التوافق بين الدول العربية على التوقيع حجر عثرة رئيسي يعرقل الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب في السودان.

لمن يتأمل المشهد، فإن حرب اليمن ما زالت مستمرة لأكثر من عشر سنوات، تديرها القوى ذاتها من الدول العربية، إلى جانب إيران.

وهي حالة تكشف كيف يمكن لغياب الإرادة السياسية المشتركة، أو التورط في أجندات متضاربة، أن يُطيل أمد النزاعات ويزيد معاناة الشعوب.

بالمثل، نجد أن ذات الدول العربية كانت، إلى جانب مصر، من أبرز الأسباب التي أدت إلى فشل مبادرة بريطانية لتشكيل مجموعة اتصال تهدف إلى تسهيل محادثات وقف إطلاق النار في السودان.

بينما توافقت الدول غير العربية الثلاث المشاركة في اجتماع لندن (المملكة المتحدة، فرنسا، وألمانيا)، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، على التوقيع على بيان مشترك يعكس التزامها بدعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل سلمي للنزاع في السودان، ورفض جميع الأنشطة، بما في ذلك التدخلات الخارجية، التي تؤدي إلى تصعيد التوترات أو إطالة أمد القتال أو تمكينه.

وقد نشب جدل استمر يومًا كاملاً بين مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حول صيغة البيان، مما أدى إلى غياب الإجماع العربي.

ويمثل رفض الدول العربية للحلول التي تؤدي إلى سلام السودان انتكاسة دبلوماسية كبيرة للجهود المبذولة لإنهاء عامين من الحرب الأهلية. بل ويؤكد هذا الموقف السلبي على غياب الرغبة الحقيقية لدى بعض الأنظمة العربية في رؤية السودان ينعم بالسلام.

وعلى الرغم من غياب بيان ختامي بسبب الخلافات العربية، فإن البيان المشترك الصادر عن الرؤساء المشاركين يعكس توافقًا بين الدول الغربية الثلاث والاتحادين الأوروبي والإفريقي على المبادئ التالية:
• دعم الجهود الرامية إلى حل سلمي للنزاع في السودان.
• رفض جميع الأنشطة التي تُسهم في تصعيد التوترات أو تمديد أمد الحرب، بما في ذلك التدخلات الخارجية.
• التأكيد على وحدة السودان وسلامة أراضيه.
ويُظهر هذا التوافق التزامًا مشتركًا بدعم السودان في مواجهة تحدياته، والعمل من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

كذلكً يجب التنبيه إلى أن مضامين بيان اجتماع لندن تتقاطع وتتوافق بوضوح مع ما ورد في وثيقة ودستور التحالف التأسيسي السوداني "TASIS"، لا سيما في ما يلي:
• ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة ومنسقة وعاجلة لحل النزاع ووقف إطلاق النار الدائم.
• تخفيف معاناة الشعب السوداني.
• الالتزام بسيادة السودان ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه.
• دعم تطلعات السودانيين لبناء مستقبل سلمي، موحد، ديمقراطي، وعادل.
• تسليط الضوء على الكلفة الإنسانية الكارثية للنزاع، بما في ذلك النزوح الداخلي وتأثيره على دول الجوار.
• التأكيد على إلحاح الوضع الإنساني وضرورة تعزيز التنسيق لإيصال المساعدات الإنسانية.
• أهمية إشراك المدنيين السودانيين، لا سيما النساء والشباب والمجتمع المدني، في جهود حل النزاع وصياغة مستقبل السودان.
• تحميل الأطراف المتحاربة مسؤولية حماية المدنيين والالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.

كسرة:
افتتح وزير الخارجية البريطاني "لامي" المؤتمر بتصريح لافت، قال فيه:
- "لقد فقد الكثيرون الأمل في السودان. وهذا خطأ. إنه خطأ أخلاقي أن نرى هذا العدد الكبير من المدنيين يُذبحون، وأطفالًا رُضعًا يتعرضون للعنف الجنسي، بينما يواجه ملايين السودانيين خطر المجاعة أكثر من أي مكان آخر في العالم. لا يمكننا ببساطة أن نتجاهل الأمر."
وأضاف:
- "بينما أتحدث، يواجه المدنيون وعمال الإغاثة في الفاشر ومخيم زمزم للنازحين عنفًا لا يُصدق. العائق الأكبر ليس نقص التمويل أو نصوص الأمم المتحدة، بل نقص الإرادة السياسية. علينا ببساطة إقناع الأطراف المتحاربة بحماية المدنيين، والسماح بدخول المساعدات، ووضع السلام كأولوية قصوى."
لكن، وعلى الرغم من هذا النداء الإنساني القوي، لم تُثمر جهود "لامي" لإقناع الدول العربية بالموافقة على المبادئ الدبلوماسية التي طُرحت كمدخل لمجموعة اتصال مستقبلية حول السودان.
وقد أكد مسؤولون أن المؤتمر لم يكن محاولة للوساطة المباشرة أو منصة لتعهدات مالية، بل هدف إلى بناء تماسك سياسي أكبر بين الدول الفاعلة في الملف السوداني. وشاركت فيه ١٤ دولة، إضافة إلى الاتحادين الأوروبي والإفريقي، وأسفر عن توصية بعودة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى طاولة التفاوض، وفتح المسارات أمام وصول المساعدات الإنسانية.
كما تعهدت الدول المشاركة بتقديم ما يقرب من ٨٠٠ مليون يورو لدعم المتضررين من الحرب التي تدخل عامها الثالث.

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدول العربیة فی السودان

إقرأ أيضاً:

الاقتصاد السوداني بين دمار الحرب وخرافة الإنتاج

أبريل 2025

Email:o.sidahmed09@gmail.com

“"إنتاج السودان الزراعي خلال الحرب تجاوز مستويات الإنتاج في أعوام السلم” – تصريح منسوب لوزير مالية حكومة الأمر الواقع ، جبريل إبراهيم نُشر عبر “العربية السودان ” في 24 ابريل 2025 ، أثار جدلاً واسعًا. بينما تدخل الحرب عامها الثالث، يعيش السودان أحد أسوأ فصول تاريخه من الدمار الاقتصادي والانهيار الخدمي، والواقع على الأرض يدحض هذه المزاعم.
جبريل إبراهيم ليس مجرد وزير مالية مؤقت؛ هو قائد مليشيا مسلحة، أحد رموز الإسلاميين، وحليف تاريخي لحزب المؤتمر الوطني الذي حكم السودان لثلاثة عقود بالاستبداد والفساد، قبل أن تطيح به ثورة ديسمبر. والآن، يعيد هذا الرجل إنتاج ذات المشروع القديم: دولة مختطفة، موارد منهوبة، ودعاية سياسية لا تستند إلى واقع.
الزراعة في السودان لم تكن يومًا مجرد قطاع اقتصادي، بل مصدر عيش لـ 70% من السكان. لكنها اليوم تحت حصار الحرب:
• معظم مناطق الإنتاج الزراعي تقع داخل مناطق عمليات عسكرية.
• الوقود، السماد، البذور، والتمويل غائبة.
• المزارعون نزحوا أو توقفت مشاريعهم بسبب انعدام الأمن.
• لا توجد بيانات رسمية أو تقارير ميدانية تدعم التصريحات الحكومية.
فمن يزرع؟ ومن يحصد؟ في بلد تُقصف فيه القرى وتُقطع فيه الإمدادات.،
بحسب تأكيد من مدير عام أحد البنوك، بلغت نسبة الديون المتعثرة في السودان 50%، ويعاني الجهاز المصرفي من ضعف شديد ظل يلازمه وازداد بسبب الحرب وتعاظم دور الاقتصاديّ الموازي حيث مازال حجم الكتلة النقدية خارج المصارف يقدر بنسبة 95 % . لا وتوجد قدرة مصرفية على تمويل الإنتاج الزراعي أو الصناعي، مما ينسف أي ادعاء بنمو اقتصادي.
اقتصاد السودان اليوم تُديره شبكة تحالف بين بقايا نظام المؤتمر الوطني ومليشيات عسكرية. لا موازنة، لا محاسبة، لا شفافية:. الذهب يُهرّب عبر مطارات موازية • • الإيرادات تُصرف خارج إطار الموازنة.
• الموارد تُوظف لدعم الحرب.
المؤسسات تُستغل لقمع الثوار والثورة.
• أكثر من 13 مليون طفل في حاجة ماسة إلى الدعم (اليونيسف).
• 70% من المرافق الصحية مدمرة أو متوقفة عن العمل (منظمة الصحة العالمية، 2024).
• الكهرباء والمياه معدومة في أجزاء واسعة من البلاد.
• أكثر من 20 مليون شخص يعانون من الجوع وانعدام الأمن الغذائي (برنامج الغذاء العالمي، 2024).
• انكماش الناتج المحلي بـ 18% (البنك الدولي 2023).
• توقف 60% من النشاط الصناعي.
• الفقر تجاوز 65%.
• تراجع الصادرات الزراعية بنسبة كبيرة.
هذا التصريح ليس زلة لسان، بل محاولة لتزييف الواقع وتبرير الحرب. السودان بحاجة إلى تفكيك اقتصاد الحرب وبناء اقتصاد السلام في ظل دولة مدنية شفافة تخدم مواطنيها، لا أن تضللهم.
المراجع:
• تصريح جبريل إبراهيم، منصة “العربية السودان24 أبريل 2025.
• البنك الدولي: Sudan Economic Monitor, 2023.
• منظمة الصحة العالمية، تقرير السودان 2024.
• اليونيسف: Sudan Education Emergency Report, 2024.
• برنامج الغذاء العالمي: WFP Sudan Emergency Update, 2024.  

مقالات مشابهة

  • الاقتصاد السوداني بين دمار الحرب وخرافة الإنتاج
  • خبراء مصريون يرفضون التهجير ويطالبون بتفعيل مبادرة السلام العربية
  • الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
  • اتهامات للدعم السريع بقتل عشرات المدنيين بكردفان والبرهان يتوعدها
  • سفيرة الجامعة العربية أمام جثمان البابا فرانسيس: «تأثرت بشدة وذكرت اللحظة التي تحدثت فيها عن معاناة الفلسطينيين»
  • مقتل عشرات المدنيين في مجزرة للدعم السريع بغرب كردفان
  • مواجهة جديدة بين السودان والإمارات واحباط مساعي (أبوظبي) لإفشال مشروع مهم
  • السيسي: التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي تحتم تكثيف التعاون بين الدول العربية
  • الأمم المتحدة: نزوح جماعي من مخيم زمزم في السودان ويجب حماية المدنيين
  • دارفور التي سيحررها أبناء الشعب السوداني من الجيش والبراءون والدراعة ستكون (..)