لجريدة عمان:
2025-05-01@06:34:54 GMT

الاقتصاد الأمريكي معروض للبيع

تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT

لقد وقع «التراجع المفاجئ» الذي سمع صداه العالم بأسره. فبعد أن أصر الرئيس دونالد ترامب على أنه لن يتراجع عن فرض الرسوم الجمركية، ونعَت كل من نصحه بذلك بـ«الضعفاء والحمقى»، فاجأ الجميع وتراجع عن موقفه، موقِفًا العمل برسومه الضخمة لمدة 90 يومًا، باستثناء الصين، ريثما يتفاوض مع الدول الأخرى على اتفاقيات تجارية.

لكن لا يمكن التنبؤ بما قد يحدث. فعلى الرغم من التجميد المؤقت، لا تزال الرسوم الجمركية الأمريكية عند أعلى مستوياتها منذ أكثر من قرن، حسب تقديرات مختبر الميزانية التابع لجامعة ييل، وهو ما سيُكلّف الأمريكيين كثيرًا. والأهم من ذلك، أن هذه المفاوضات التجارية ستؤدي حتمًا إلى موجة من الفساد؛ فالاقتصاد الأمريكي يتحول من كونه السوق الحرة الرائدة في العالم إلى النموذج الأبرز لرأسمالية المحسوبية.

الاقتصاد السوقي يعمل بكفاءة حين تكون القيود عليه قليلة، ولكن الأهم أن تكون هذه القيود واضحة، وعادلة، وتنطبق على الجميع. فكلما زادت تعقيدات الضرائب واللوائح، ازدادت حالات الخلل والبيروقراطية، كما أثبتت الدراسات في دول متعددة من الهند إلى نيجيريا إلى المغرب. ولكن الأخطر من ذلك، أن هذا التعقيد يغذي الفساد.

فمع فرض الرسوم الجمركية، تظهر استثناءات من الرسوم، تُمنح بالمئات لقطاعات أو شركات أو حتى منتجات بعينها. في عامي 2018 و2019، أعلنت إدارة ترامب سلسلة رسوم، بينها 25% على الحديد، إلى جانب برنامج منح إعفاءات جمركية؛ وقد تلقت نحو 500 ألف طلب إعفاء. وعندما سُئل ترامب مؤخرًا كيف سيقرر تلك الإعفاءات، أجاب ببساطة: «بناء على الحدس».

وقد أظهرت الدراسات أن «حدس» السياسيين عادة ما يميل إلى من يدعمهم ماليًا، ما يُشجّع على تفشي الفساد. هذا ما كان سائدًا طوال التاريخ الأمريكي فيما يخص السياسات الجمركية، حتى جاء الرئيس فرانكلين روزفلت وأصلح النظام، لينتقل، كما وصفه بول كروغمان، من «الأقذر إلى الأنظف على الإطلاق».

لكن الأمور تعود الآن إلى التلوث من جديد. فقد وجدت دراسة أكاديمية مفصلة عن رسوم ترامب خلال ولايته الأولى، أن «الشركات التي استثمرت بكثافة في بناء علاقات سياسية مع الجمهوريين، كانت الأوفر حظا في الحصول على استثناءات من الرسوم. أما الشركات التي ساهمت في دعم سياسيين ديمقراطيين، فقد تقلصت فرصها بشكل واضح».

وقد استعرضت الدراسة أكثر من 7.000 طلب إعفاء من الرسوم على الصين، وخلصت إلى أن مجرد تبرع بـ4.000 دولار لصالح مرشحين ديمقراطيين قلّص فرصة الحصول على الإعفاء إلى أقل من 1 / 10. كما أشار تيموثى كارنى، من معهد «إنتربرايز» المحافظ، إلى أن «الانتخابات الأولى لترامب أطلقت طفرة هائلة في نشاط جماعات الضغط التجاري»، حيث قفز عدد عملاء الضغط في مجال التجارة من 921 إلى 1.419 بحلول عام 2019.

ومع فرض أمريكا أعلى رسوم جمركية بين الدول الصناعية، فالسوق الأمريكية باتت سوقًا مفتوحة للمساومة. ستتوافد البلدان والشركات إلى واشنطن لتوقيع صفقات، وانتزاع استثناءات، وشروط خاصة. وفي الأسابيع الأخيرة، أعلنت فيتنام مجموعة من التسهيلات ترضيةً لإدارة ترامب، سعيًا لاتفاق تجاري. منها: الموافقة على تشغيل خدمة «ستارلينك» التابعة لإيلون ماسك في فيتنام، وخطة لتسريع مشروع عقاري لشركة ترامب.

وفي الواقع، هناك ما لا يقل عن 19 مشروعًا عقاريًا يحمل اسم ترامب قيد التطوير حول العالم خلال فترة رئاسته، وربما العديد غيرها في الطريق. لقد أطلق ترامب شركته الخاصة في مجال التواصل الاجتماعي، وأصدر «عملة ميم» رقمية خاصة به؛ وبالتأكيد ترى الدول الأخرى في ذلك كله دعوة مفتوحة للاستثمار، وللتأثير على السياسة الخارجية والاقتصادية الأمريكية.

لقد كان من المؤسف حقًا أن نشاهد بعض رموز الرأسمالية الأمريكية، أسماء كبرى من وول ستريت، وهم يباركون هذه المنهجية التي ستشوّه السوق الحرة الأمريكية بالرسوم، والضرائب، والاستثناءات، والصفقات الخاصة.

ويجدر هنا التذكير بكلمات ميلتون فريدمان المتكررة: «يمكنك أن تطلب من أي رجل أعمال بارز أن يلقي خطابًا رائعًا عن مزايا السوق الحرة. لكن عندما يتعلق الأمر بمصلحته الخاصة، فإنه يهرول إلى واشنطن طالبًا رسمًا خاصًا لحماية أعماله. يريد خصمًا ضريبيًا خاصًا. يريد دعمًا ضريبيًا خاصًا».

الهند التي نشأتُ فيها كانت تعج بالرسوم والحواجز العالية لحماية صناعتها المحلية من المنافسة الأجنبية، فنتج عن ذلك ركود وفقر وفساد سياسي متجذر. لم يكن بالإمكان لأي شركة كبيرة أن تنجح دون علاقات جيدة مع الحكومة.

وعندما قدمت إلى أمريكا، أبهرني كيف أن معظم الشركات كانت تعمل دون أن تعبأ كثيرًا بمن هو في البيت الأبيض. لكني اليوم أشاهد رواد التكنولوجيا وهم يُغدقون الإطراء على عبقرية ترامب، وشخصيات وول ستريت تتسابق لمدحه وكأنه «منقذ للاقتصاد»، وأتساءل: في أي بلد أعيش الآن؟

فريد زكريا كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست، ومقدم برنامج يتناول القضايا الدولية والشؤون الخارجية على شبكة «سي.إن.إن».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أمازون تعلق على إظهار كلفة الرسوم الجمركية.. وغضب من ترامب

علقت شركة "أمازون" الأمريكية، على مسألة إظهار كلفة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على السلع الإلكترونية، فيما عبّر الأخير عن غضبه تجاه الشركة بعد دراستها عرض التكلفة الإضافية على بعض المنتجات.

ونفت شركة "أمازون" أن تكون قد وافقت على اقتراح انتقده البيت الأبيض بشدة، لإظهار الزيادة على أسعار السلع التي تسببت بها الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب.

وقال تيم دويل المتحدث باسم أمازون: "الفريق الذي يدير متجر أمازون هول المنخفض التكلفة، درس فكرة إدراج رسوم الاستيراد على أسعار منتجات معينة. هذا لم تتم الموافقة عليه مطلقا ولن يحدث".

وكان موقع "بانشبول نيوز" قد أفاد الثلاثاء نقلا عن مصدر مطلع بأن أمازون ستبدأ قريبا بإظهار "مقدار ما تُضيفه رسوم ترامب الجمركية إلى سعر كل منتج".

ونقلت شبكة "سي ان ان" وصحيفة "وول ستريت جورنال" عن عدة مصادر أن ترامب اتصل بجيف بيزوس مالك أمازون، للتعبير عن امتعاضه بعد إبلاغه بأمر التقرير.



وسرعان ما انتقد البيت الأبيض الخطوة التي وصفتها المتحدثة باسم البيت الابيض كارولاين ليفيت بأنها "عمل عدائي وسياسي من أمازون".

وتساءلت "لماذا لم تفعل أمازون هذا عندما رفعت إدارة بايدن التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاما؟".

وقال ستيفن ميلر، كبير مستشاري ترامب، لشبكة فوكس نيوز إنه سيأخذ بيان أمازون "على محمل الجد"، مضيفا أن عملاء المتجر الالكتروني العملاق "يشكون طوال الوقت من عدم قدرتهم على معرفة من أين تأتي المنتجات وأين يتم تصنيعها".

وأضاف أن "كثرا من المستهلكين الأميركيين يريدون شراء منتجات أمريكية".

بعد توليه منصبه في كانون الثاني/ يناير، فرض ترامب رسوما جمركية أساسية بنسبة 10% على معظم الدول، إلى جانب رسوم أعلى على عشرات الدول، ثم أوقف العمل بالرسوم المرتفعة لمدة 90 يوما لإتاحة المجال لإجراء مفاوضات تجارية.

وفرض البيت الأبيض أيضا رسوما جمركية مرتفعة على السلع الصينية، ما دفع بكين إلى الرد برسوم جمركية انتقامية على السلع الأميركية.

وأدت حالة عدم اليقين الناتجة من الرسوم الجمركية، إلى اضطراب في الأسواق المالية غير معهود منذ وباء كوفيد-19.

وفي حين أن تبعات رسوم ترامب غير معروفة حتى الآن، إلا أن تأثيراتها بدأت تظهر على بعض الشركات في الولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • إدارة ترامب تضغط على بكين للتفاوض معها بشأن الرسوم الجمركية
  • الرئيس الأمريكي يتوقع “اتفاقا قريبا” مع الصين بشأن الرسوم الجمركية
  • ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يقضي بتخفيف تأثير الرسوم الجمركية على صناعة السيارات المحلية
  • أمازون تعلق على إظهار كلفة الرسوم الجمركية.. وغضب من ترامب
  • ترامب يتراجع عن فرض الرسوم الجمركية على السيارات
  • ارتفاع معظم مؤشرات الأسهم العالمية مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية
  • ترامب: لا خطوط حمراء تدفعني للتراجع عن الرسوم الجمركية
  • السوداني: أهمية إسهام الشركات الإيطالية في النهضة الشاملة التي يشهدها العراق
  • بكين ترد على تصريحات ترامب بشأن اتصال الرئيس الصيني به حول الرسوم الجمركية
  • مخاوف يابانية من تداعيات الرسوم الجمركية الأميركية على الاقتصاد