في لفتة إنسانية مؤثرة، أدخلت فعاليات الدورة التاسعة من المهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب البهجة والسرور على قلوب الأطفال المرضى بمعهد الأورام بمحافظة قنا.

وبمبادرة كريمة من إدارة المهرجان برئاسة الناقد الفني القدير هيثم الهواري، استقبل المعهد باقة متنوعة من العروض الفنية والترفيهية التي رسمت الابتسامة على وجوه الصغار، وذلك بحضور الدكتور أحمد جمال، مدير المعهد، والنائب محمد الجبلاوي، عضو مجلس النواب، اللذين أشادا بهذه المبادرة الطيبة.

تنوعت الفقرات الترفيهية لتناسب أذواق الأطفال، حيث استمتعوا بعروض الأراجوز الممتعة التي قدمها فريق صندوق التنمية الثقافية، وتألق فيها الفنانان القديران صابر شيكو وخليل عواد.

وقدما للبراعم حكايات شعبية أصيلة مستوحاة من التراث المصري العريق، مثل قصة "عم عثمان الكسول" الشيقة وحكاية "فلفل وفلفلة" المرحة، مما أثار تفاعلًا كبيرًا وضحكات عالية بين الأطفال.

كما تخللت العروض فقرات غنائية ساحرة، صدحت بأغانٍ وطنية وعاطفية مثل "الأقصر بلدنا" التي تعبر عن حب الوطن، وأغنية "طلع الفجر" التي تبعث على الأمل، بالإضافة إلى روائع الطرب الأصيل مثل "لسه فاكر" و"يا أغلى اسم في الوجود" و"قمرٌ" التي أطربت مسامع الحضور.

ولم يقتصر الاحتفال على عروض الأراجوز والغناء، بل شاركت فرقة أطفال الفنون الشعبية التابعة لقصور الثقافة، بقيادة المدرب المتميز محمد برقع، بعدد من العروض الاستعراضية المبهرة التي خطفت أنظار الأطفال وأسرت قلوبهم. وقدمت الفرقة لوحات فنية رائعة تجسد التراث الشعبي المصري، منها عروض "عظمة على عظمة" التي تعكس فخر المصريين بحضارتهم، و"صعيدي" الذي يبرز أصالة الجنوب، و"التنورة" برقصاتها الصوفية الساحرة، بالإضافة إلى عروض "البحر بيضحك ليه" و"حلاوة شمسنا" و"من قلب الدنيا" و"علشان نكون مع بعض" التي حملت رسائل إيجابية ومعاني سامية.

كما كان للأبعاد الثقافية والتعليمية حضور بارز في هذه الفعاليات، حيث قدم الفنان ربيع زين، أخصائي مشروع المكتبة المتنقلة بمؤسسة مصر الخير، عروض "المكتبة المتنقلة" التفاعلية. وشملت هذه العروض جلسات حكي تربوي شيقة، وألعابًا تعليمية ممتعة، وفرصة للقراءة الحرة، بهدف غرس حب القراءة في نفوس الأطفال وتنمية قدراتهم الإبداعية وتشجيعهم على حرية التعبير عن آرائهم وأفكارهم.

وفي ختام هذه الفعاليات التي غمرت الأطفال بالفرح، قامت إدارة المهرجان بتوزيع الهدايا التذكارية المتنوعة، من ألعاب ومجلات شيقة، على جميع الأطفال المرضى، وسط أجواء من السعادة الغامرة والتفاعل الكبير الذي عكس مدى استمتاعهم بهذه اللحظات المميزة.

جدير بالذكر أن الدورة التاسعة من المهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب، التي تستضيفها محافظة قنا وتستمر فعالياتها حتى 20 أبريل الجاري، تحمل اسم الراحلة الدكتورة عايدة علام تقديرًا لإسهاماتها في المجال المسرحي. وتحتفي هذه الدورة بالمسرح الفلسطيني هذا العام تحت شعار "المسرح مقاومة"، وتقام برعاية كريمة من وزارات الثقافة والشباب والرياضة ومحافظة قنا ومؤسسة مصر الخير ومؤسسة إيزيس للاستشارات الهندسية ومدينة دريمز ودار الوفاء للطباعة والنشر وجمعية التنمية والبيئة والمجتمع بدندرة ومجلة "المشهد المسرحي" وجمعية "أنا المصري" بقنا، مما يعكس تضافر الجهود لدعم الفن والثقافة في صعيد مصر.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: قنا مهرجان مسرح الجنوب المسرح الفلسطيني مركز الاورام

إقرأ أيضاً:

سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ثمة أصوات في الشعر لا تُشبه أحدًا، تمضي بصمت، تتفادى الأضواء، لكنها تُقيم في جوهر الشعر نفسه، في طينته الأولى، قبل أن تمسه الأيدي وتُزَينه الصناعة. من بين تلك الأصوات، يقف الشاعر  فتحي عبد السميع، لا يطلب الحفاوة ولا يمدّ يده لجمهور عابر، بل ينقّب، يحفر، يُفتّش في الظلال، ويترك القصيدة تمشي كما لو كانت نبتة برّية نَمَت من شق في الجدار.

ليست تجربته الشعرية محض انفعال جمالي، ولا تنتمي إلى تيار بعينه، ولا تتوسل الموجة، ولا تلتصق بصيغة واحدة. بل هي ضربٌ من الحفر البطيء في الذاكرة، وفي الجغرافيا، وفي اللغة، وفي خريطة الوجود البشري ذاته. إنّها قصيدة العزلة المختارة، حيث تتحول المفردة إلى أثر، والصورة إلى قلق، والمعنى إلى سؤال.

حين نقرأ فتحي عبد السميع، لا نُفكر في الجنوب كجهة، بل كوعي. الجنوب في قصيدته ليس موقعًا على الخريطة، بل شجرة أنساب، حيث ينبت الشعر من رماد الأسطورة، ومن صدأ الأيام، ومن الذكرى التي لا تموت. نشأته في محافظة قنا، بين أطياف القرى وجراح المدن الصغيرة، صاغتْ فيه هذا التوازن العجيب بين الحنين والحذر، بين التعلق بالجذور، والارتياب من ظلالها الطويلة.

هو لا يمارس الفولكلور، ولا يستعيد الجنوب بصفته مادة خامًا، بل يُعيد كتابته من الداخل، كما لو كان الجنوب نفسه من يكتب، عبر صوته، مرثيته للزمن. ولهذا نجد في قصائده تواترًا للمكان لا بوصفه حقلًا للحنين، بل كمجالٍ للكشف، وإعادة النظر. لا نجد الجنوب في النخيل فقط، بل في صمت النسوة، في عرق الفلاح، في مكر الأمثال، في غبار الطرقات، في ضحكات العجائز الملتبسة.

إنّ الجنوب عند عبد السميع ليس ديكورًا، بل ذاكرة كونية تُختزل في لقطة: باب مغلق، ظل على الجدار، عكاز في الزاوية، مشهد يُغني عن ألف رواية.

القصيدة عند فتحي عبد السميع لا تبدأ من اللغة، بل من الصمت. ولعلّ هذا ما يمنحها تلك الهالة الخفيّة، ذلك التردد الحزين الذي يسكن خلف الصور، ويمرّ في الخلفية كما يمرّ شبح في مرآة. كأنّ الكتابة عنده ليست فعل كلام، بل طقس إصغاء. الإصغاء إلى ما لم يُقل، إلى ما اختبأ في العادي واليومي والمُهمل.

هو شاعر التفاصيل الصامتة، لا يرفع صوته، لكنه يرفع وعينا. لا يُكثر من الزينة البلاغية، ولا يستعرض عضلاته اللغوية، بل يقدّم بيت الشعر كمن يُقدّم ماءً نقيًّا خرج توا من بئر مهجورة. الشعر لديه لا يحتفل بالعاطفة، بل يراقبها، ولا ينفعل، بل يُدبّر، ولا يبني أمجاده على الخراب، بل يُنصت إليه ليعرف كيف يُشفى.

هذه النزعة إلى الإنصات تمنح شعره خصوصية ما، وتُبعده عن خطابات الشعر الجاهزة: لا رثاء أجوف، لا بطولة، لا صراخ، بل إعادة اكتشاف للبساطة كقيمة، وللعادي كمأساة.

فتحي عبد السميع ليس شاعرًا فقط، بل هو عارف، بالمعنى الصوفي للكلمة. تتجلى هذه المعرفة في اشتغاله الطويل على الأمثال الشعبية، وقدرته النادرة على تفكيكها، لا باعتبارها أقوالًا ساذجة، بل كنصوص مكثفة اختزلت أعمارًا وتجارب.

الحكمة عنده ليست خاتمةً جاهزة، بل مسارٌ للانتباه. وهو حين يقترب من الموروث، لا يحنطّه ولا يتباهى به، بل يُزيل عنه الغبار، ويُعيد إليه دفء الاستعمال، ويُخضعه لأسئلته الخاصة. ولهذا فإنّ قصيدته في جوهرها، تكتب الذات وهي تتأمل الجماعة، وتستدعي الجماعة وهي تُنصت للذات.

قلما نجد شاعرًا معاصرًا يمنح اللغة كل هذا الاحترام الهادئ. عبد السميع لا يتعامل مع اللغة كوسيلة، بل كقيمة. لا يستعجل الصورة، بل يُنضجها على نار النظر الطويل، ولا يُراكم المجاز، بل ينتقيه كمن يقطف عنقودًا واحدًا من عنبٍ كثير. في الوقت الذي يُحتفى بالجرأة الفارغة والانزياح المستهلك، تبدو لغته نظيفة، كأنّها خرجت لتوّها من الغسيل، محمّلة برائحة قديمة.

في قصائده، الأشياء تُسمّى كأنها تُنادى باسمها الأول: الباب، القمر، الغيم، الحجر، النخلة، الظل. لكنه لا يكتفي بالاسم، بل يكشف عن الروح التي تسكنه. يُعيد للأشياء براءتها المفقودة، كما لو أنّه يربّت عليها، ويُطمئنها: ما زال هناك من يراها.

ليس كثيرًا أن يكون الشاعر ناقدًا، لكن القليل منهم من يستطيع الفصل بين الصوتين. فتحي عبد السميع يفعل ذلك بتوازن لافت. نقده لا يُخضع الشعر للمنطق، بل يحاور الشعر من داخله، يستنطقه، ويضيء زواياه الخفية. وهو حين يكتب عن شعراء آخرين، لا يمارس سلطة، بل يُشبه من يُنصت، ثم يُعلّق بصدق، ولو على حساب التواطؤ النقدي السائد.

هذه المزاوجة بين التجربة الشعرية والرؤية النقدية، منحت نصّه اتزانًا فريدًا، وصيرته شاعرًا لا يمشي خلف موضة، ولا يُعاد إنتاجه. بل ظل وفيًّا لصوته، لهذا النبع السريّ الذي لا يجري في نهرٍ واحد.

في شعره، نلمح الحكاية التي لم تُروَ، النخلة التي لم تُرَ، القمر الذي لم يُكتَب، والأم التي تمشي في الحقل من دون أن تنتبه أنها قصيدة تمشي. في شعره، ينسى القارئ أنه يقرأ، ويشعر فقط أنه يصغي، وأنّ هناك شيئًا حقيقيًا يحدث، شيء نادر، لا اسم له، لكنه يُشبه الحياة حين تصير أكثر جمالًا مما ينبغي.

مقالات مشابهة

  • رونالدو يثير تفاعلاً.. هذا ما فعله مع أطفال على هامش مباراة النصر ويوكوهاما
  • 20 سيارة إطفاء وإسعاف في محيط حريق مصنع ألعاب أطفال بأكتوبر
  • 15 سيارة إطفاء تكافح حريق مصنع ألعاب أطفال فى مدينة 6 أكتوبر
  • تفاصيل حفل افتتاح الدورة الحادية عشرة من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير
  • «برد أبوظبي 2025».. فعاليات ترفيهية وحفلات استثنائية
  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • أطفال السودان.. البراءة بين الجوع والمرض والعنف والنزوح
  • برنامج ثقافيّ متكامل لـ«أبوظبي للغة العربية» في «أفينيون» المسرحي الدولي»
  • أطفال خارج السوق: خطة عراقية لانتشال الصغار من براثن العمل والتسوّل
  • السِّت.. ماذا تحمل الدورة الـ 9 من مهرجان أسوان لسينما المرأة؟