وزير الأوقاف في خطبة الجمعة: قضاء حوائج الناس من أهم القربات إلى الله تعالى
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
ألقى الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، اليوم، خطبة الجمعة بمسجد ناصر بمدينة بنها بمحافظة القليوبية، تحت عنوان: "قضاء حوائج الناس بين الواجب والمندوب".
أكد جمعة في خطبته أن الإسلام فتح باب الخير واسعًا، حيث يقول الحق سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، ليبين أن العبادة بمفهومها الواسع تشمل كل وجوه الخير، فمعنى أن تكون عبدًا لله أن يجدك حيث أمرك وأن لا يجدك حيث نهاك في كل فعل أو ترك، وأبواب الخير كثيرة منها قضاء حوائج الناس.
وأشار إلى أن قضاء حواج الناس من أهم القربات إلى الله تعالى، وهو إما أن يكون واجبًا محددًا يأثم من يتركه أو يخل به، وإما أن يكون مندوبًا أو مستحبًا يثاب من يفعله، وقد يكون قضاء حوائج الناس ماليًّا، وقد يكون خدميًّا، فالجانب المالي محدد بالزكاة التي هي ركن كالصلاة، فمن لم يؤد زكاة ماله كتارك الصلاة سواء بسواء، وأما الجانب الخدمي فكل من كُلَّف أو تولى عملًا عامًّا أو خاصا، وكل من يتقاضى راتبًا مقابل القيام على خدمة من خدمات الناس، أيًّا كان وضعه كالطبيب في مشفاه، والمعلم في المدرسة، والموثِّق والخبير وكل من يقدم خدمة وجب عليه أداء حقها وقتًا وأداءً، فإن أخل بالوقت أو بالأداء كان آثمًا؛ لأنه يتقاضى أجره وراتبه على أداء هذه الخدمة، فأداء الواجب بتفانٍ وإخلاص أمر ثوابه عظيم، وإن قصر في أدائها فهو يأكل سحتًا بمقدار تقصيره.
وذكر أنه على أصحاب الأموال أن يؤدوا زكاة أموالهم، فإذا ما أدى الإنسان الخدمة الواجبة والزكاة الواجبة انتقل بعد ذلك إلى الفضل والسعة وهو باب الصدقات والإحسان، فالطبيب يؤدي واجبه في معالجة مرضاه ثم يحسن معاملتهم، وإحسان معاملتهم صدقة، والمعلم يؤدي دروسه في المدرسة ويحسن إلى طلابه وإحسانه إلى طلابه صدقة، فالصدقة لا تنحصر في المال، حيث يقول سبحانه: "وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"، أيَّ خير، ولا خير يتقدم على قضاء حوائج الناس، ويقول سبحانه: "وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"، فجاء لفظ (خير) ولفظ (شيء) نكرة ليعم كل وجوه الإنفاق، فالكلمة الطيبة صدقة، والإحسان إلى المتعاملين صدقة، والتلطف في قضاء الحوائج بر وصدقة، فإذا وجدت الناس يجلسون في الشمس واستطعت أن تجلسهم في الظل، أو أن تهيئ لهم مكانًا، أو أن تسرِّع في معاملتهم، أو أن تخصص عددًا أكبر من الموظفين لسرعة قضاء حوائجهم فهذه صدقة يثاب عليها المرء حتى على وظيفته العامة إن قصد بها وجه الله (عز وجل) يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً"، فإذا قمت بعملك على الوجه الأكمل فهو لك صدقة، لأنك أحسنت أداء العمل.
وتابع أن الإسلام جعل قضاء حوائج الناس والتكافل المجتمعي في منزلة عاليه، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ"، وقد قالوا: ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، وحتى إلى جانب الأديان فالفطرة الإنسانية السوية تدعو إلى قضاء حوائج الناس، فهذا حاتم الطائي قبل الإسلام يقول:
يَقولونَ لي أَهلَكتَ مالَكَ فَاِقتَصِد
وَما كُنتُ لَولا ما تَقولونَ سَيِّدا
ويقول زهير بن أبي سلمى:
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله
على قومه يستغن عنه ويذمم
سواء كان هذا على مستوى الأسرة أو القرية أو المدينة أو الدولة، فمن بخل على أسرته أو قريته أو على وطنه، فما فائدة هذا الثراء، فمن لا خير فيه لأهله ووطنه فلا خير فيه أصلا، يقول حاتم الطائي:
أَماوِيُ إِنَّ المالَ غادٍ وَرائحٌ
وَيَبقى مِنَ المالِ الأَحاديثُ وَالذِكرُ
أَماوِيُ ما يُغني الثَراءُ عَنِ الفَتى
إِذا حَشرَجَت نَفسٌ وَضاقَ بِها الصَدرُ
ويقول الشاعر:
فلا الجود يُفني المال قبل فنائه
ولا البخل في مال الشحيح يزيدُ
ويقول الشاعر:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ
وَأَنَّ الَّذِي يُعْطِيكَ غَيْرُ بَعِيدِ
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"، وجَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وتَأْمُلُ الغِنَى، ولَا تُمْهِلُ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، ولِفُلَانٍ كَذَا وقدْ كانَ لِفُلَانٍ"، فسابقوا وسارعوا فالموت يأتي بغته، والموت يأتي فجأة، تصدق قبل أن يقال: "لك يا ابن آدم! جاءوا ودفنوك، وفي التراب وضعوك، وعادوا وتركوك، ولو ظلوا معك ما نفعوك، وليس لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت"، مؤكدًا أن الإحسان يكون بالكلمة قبل المال، فالسيدة عائشة (رضي الله عنها) كانت تطيّب دراهم ودنانير الصدقة بالمسك، وعندما سُئلت (رضي الله عنها) عن ذلك أجابت: لأن الصدقة تقع في يد الله سبحانه قبل أن تقع في يد الفقير والمسكين والمحتاج، يقول سبحانه: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ"، والأهم أن تعطي السائل أو أن ترده ردًا جميلًا يقول سبحانه: "وَأَمَّا ٱلسَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ"، وهذا ليس في المال فحسب، فإذا كنت في الخدمة العامة، وجاء من يسأل أو يستفسر، فإن كانت عندك المعلومة فأجبه، وإن لم تكن عندك فاعتذر له اعتذارًا رقيقًا ووجهه توجيهًا صحيحًا، افعل ما شئت فكما تدين تدان، يقول الشاعر:
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ
لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ
وقد قالوا: افعل الخير في أهله وفي غير أهله فإن وافق أهله فهو أهله وإن لم يوافق أهله فأنت أهله، فالكريم لا يكون لئيمًا أبدًا ولا يكون سبَّابًا ولا مؤذيًا ولا فاحشًا.
وفي ختام خطبته هنأ وزير الأوقاف أبناء محافظة القليوبية وأهلها الكرام بعيدها القومي متمنيًا لهم ولمصرنا العزيزة كل توفيق وتقدم وازدهار.
جاء ذلك بحضور كلا من اللواء/ عبد الحميد الهجان محافظ القليوبية، والمستشار/ عمر مروان وزير العدل، ووزير الزراعة محمد القصير،ود/ شوقي علام مفتي الجمهورية، واللواء/ نبيل سليم/ مدير أمن القليوبية، والدكتور/ الخان بولوخوف سفير دولة أذربيجان، والمستشار/ مسعد عبد المقصود رئيس هيئة قضايا الدولة، والمستشار/ عدلي حسين محافظ القليوبية الأسبق، والدكتور/ رضا فرحات محافظ القليوبية الأسبق، والدكتور/ علاء عبد الحليم محافظ القليوبية الأسبق، والشيخ/ صفوت أبو السعود مدير مديرية أوقاف القليوبية، والدكتور/ عبد الرحمن رضوان مدير الدعوة، والشيخ/ عبد الموجود الدسوقي رئيس الإدارة المركزية للأزهر الشريف بالقليوبية، ولفيف من قيادات الدعوة بالمديرية، وبعض من القيادات الشعبية والتنفيذية، وجمع غفير من رواد المسجد.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: وزير الأوقاف خطبة الجمعة قضاء الحوائج أبواب المسجد التكافل الزكاة محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المستشار عمر مروان قضاء حوائج الناس أبواب الخير
إقرأ أيضاً:
هل السعي لفك السحر حرام؟.. احذر 3 أخطاء يقع فيها الكثيرون
لعل السؤال عن هل السعي لفك السحر حرام ؟، ملخص لمجموعة من الاستفهامات التي تؤرق الكثيرون عن هل السعي لفك السحر حرام ، وهل هناك آيات إبطال السحر مكتوبة من القرآن وأدعية إبطال السحر وما حكم الذهاب للشيوخ لفك السحر؟
فقد دعت الحاجة إليها مؤخرًا بسبب ضعف النفوس ولجوء الكثيرين لأعمال السحر ووقوعهم فريسة سهلة للسحرة والمشعوذين والشياطين، إلا أن هذا يطرح سؤالا عن هل السعي لفك السحر حرام ؟، والذي يشغل الكثيرون ممن أتعبهم السحر، ويبحثون عن قشة ليتعلقون بها.
ورد فيه أن السحر والحسد مذكوران في القرآن الكريم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أصيب بالسحر وعندما علم بالساحر وما فعله طلب من الصحابة رضوان الله عليهم بالذهاب الى بئر المياه الموضوع به السحر وطلب بنزحه وإخراج الشعرة التي استخدمه الساحر في عمل السحر وعندما وجدوها لاحظوا بها 11 عقدة فأنزل الله عز وجل سورة الفلق وكلما قرأوا آية انحلت عقدة حتى برأ النبي من السحر.
ورد فيه أن الإصابة بالسحر سببها البعد عن شرع الله وعدم اجتناب ما نهى عنه ن وأنه لا يوجد أحد يخاف الله ويتقه ويواظب على قراءة القرآن والأذكار اليومية ويصيبه السحر أو الحسد .
، ورد فيه جواز الذهاب الى الساحر لفك السحر كما قال العلماء لكن لا يجوز التصديق بكلامهم ولا الإيمان بتكهناتهم كما يفعلوا من تنبؤات في العام الجديد وغيرها من الأمور الغيبية التي لا يعلمها الا الله ، ومن آمن بكلام السحرة والعرافين لا تقبل منه صلاته أربعين يوما " .
ورد فيه أن المواظبة على قراءة آية الكرسي وسورة الفلق عدة مرات وفي كل وقت طوال اليوم مع ضرورة تقوى الله عز وجل واجتناب ما نهى عنه ولا مانع شرعًا الذهاب إلى أحد السحرة لفك السحر .
هل الذهاب الى شيخ لفك السحر حرامورد فيه أن الأصل في الذهاب لشخص يعالج بالقرآن؛ أن يرقي الإنسان نفسه ولا يذهب لغيره، فبإمكان الرجل أن يرقي زوجته والزوجة ترقي زوجها، وكذلك الوالد مع ولده والوالد مع والده، والأصل في ذلك أيضًا أن قراءة القرآن تكون باستمرار في البيت وتحصين الأهل والبيت بـ «الأذكار الموظفة» والأوراد لطرد الشياطين والوقاية من العين والحسد، وحتى تعم البركة، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن البيت الذي يُقرأ فيه القرآن؛ يزداد خيره ويقل شره ويتسع على أهله ويتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض، لما رٌوي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مرفوعًا وموقوفًا ، ولفظه : ( إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا وَسَنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ).وحسنه الألباني في " الصحيحة " (588).
حكم السحر والذهاب للسحرةفقد ورد أن الله َ- سبحانه وتعالى- ذكر السحرَ في أكثر من موضع في القرآن الكريم، كما ورد ذكره في السُنَّة المطهَّرة؛ فيقول الله –تعالى- فى سورة البقرة: « وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ» إلى قوله: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ»، ( الآية 102)، ويجب الاعتقاد بأن كل شيء بقضاء الله – تعالى-، ولا يقع في ملكه- تعالى- إلا ما يريده، فيجب الإيمان بأن الله فعال لما يريد، والنفع والضرر من عنده، وتفويض الأمر لله، والرضا بما قضى به.
وجاء أن الله – عز وجل - نفى عن السحر التأثير الذاتي ومفعوله، ونتيجته منوطة بإذن الله – تعالى-، ولا تتجاوز حقيقته حدودًا معينة، ولا يمكن أن يتوصل إلى قلب الحقائق وتبديل جواهر الأشياء، وقد ورد التحذير من اللجوء إلى السحر والسحرة، فيما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله: «اجتَنبوا السَّبعَ الموبقاتِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ : وما هنَّ ؟ قال : الشِّركُ باللهِ ، والسِّحرُ ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّم اللهُ إلَّا بالحقِّ ، وأكلُ الرِّبا ، وأكلُ مالِ اليتيمِ ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ ، وقذفُ المحصَناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ»، رواه البخاري.
حكم السحر والذهاب للسحرة ، فقد ورد أن علماء المسلمين أجمعوا على إثبات السِّحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، وكون السحر له حقيقة ثابتة لا يعني كونه مؤثرًا بذاته ولكن التأثير هو لله- تعالى وحده-؛ لقوله: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ»، ولقد وصف الله سحر سحرة فرعون بأنه تخييل في قوله – تعالى-: «فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى»، [طه: 66]؛ أي إن الحبال لم تنقلب في الحقيقة إلى ثعابين، وإنما خُيِّل ذلك للمشاهدين.
وقد شددت النصوص على أن تعلم السحر ضارٌّ وليس بنافع، ويَحرُم على الإنسان أن يتعلم السِّحر أو الشعوذة؛ لأنه يقوم على خداع الناس أو إضلالهم أو فتنتهم أو التأثير السيئ فيهم، كما يَحرُم على الإنسان أن يعتقد أن العراف أو المشعوذ أو الساحر هو الذي ينفعه أو يضره، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رواه أبو داود والطبراني، وبناء عليه فإنه ينبغي على من يريد اتقاء شر السحر والسحرة بأن يقوي صلته بالله، وأن يكون دائمًا في ذكر الله، وذلك بالصلاة وقراءة القرآن والاستغفار، وعدم اللجوء إلى الدجالين والمشعوذين فإن ذلك انحراف عن الطريق المستقيم.
حقيقة السحرورد أنه عبارة عما خفي، وله حقيقة، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض الإنسان ويفرق بين المرء وزوجه وتأثيره يقع بإذن الله الكوني القدري، وهو عمل شيطاني، وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الجن والشياطين بما تحب، والتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها مع الله تعالى، والسحر لا يزال موجود إلى الآن وهذا ثابث بنص القرآن والسنة النبوية، وله تأثير على الإنسان، ولكن لا يصيب الشخص المسحور الأذي إلا بإذن الله تعالى: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ».
هل السحر مذكور في القرآنورد في مسألة هل السحر مذكور في القران ، من الأدلة على وجود السحر حتى الآن قول الله تعالى: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (سورة البقرة: 102)،وتابع: وقوله تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ» (الفلق/ 1 – 4).
يقول تعالى : «وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ» أي: ومن شر السواح، اللاتي يستعِنَّ على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر، وعن السحر في السنة النبوية، فالدليل ما رواه البخاري (2766)، ومسلم (89) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟، قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ»، وما رواه البزار (3578) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ» وصححه الألباني في "الصحيحة" (2195) .
هل السحر موجودوجاء في مسألة هل السحر موجود فعند جمهور العلماء ،اتفق أهل السنة والجماعة على وجود السحر، وأنه حقيقة تؤثر في الأشياء وتؤذي الإنسان، وأن كل ذلك بإذن الله عز وجل، والساحر عمله كفر؛ لأن الشياطين لا تلبي له ما يريد، إلا بعدما يكفر بالله رب العالمين، وحينها تخدمه ويخدمها.
حكم السحر وأنواعهورد عن حكم السحر وأنواعه كثيرة منها التخييل أو «خداع البصر»، وليس السحر كله كذلك، وقد ذكر بعض العلماء أنواعه وأوصلوها إلى ثمانية، ومن أشهرها:
أولًا: عُقَد ورقى: أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» (البقرة / 102).
ثانيًا: خفة اليد: وهذه يحسنونها بالتدرب على المسارعة بفعل الأشياء، وإخراج المخبوء، فمثلًا يأتي الساحر بحمامة فيخنقها أمام المشاهدين ثم يضربها بيده فتقوم وتطير!.. والحقيقة: أنه كان في يده بنج! فشممها إياه وأوهمهم أنه خنقها فماتت، ثم لما ضربها: أفاقت من البنج!.
ثالثًا: سحر العيون: وهذا كثير عند الدجالين، فهو لا يُدخل السيف في جسده، لكنه يسحر عيون المشاهدين، ويمرر السيف على جانبه، ويراه الناس المسحورون مر في وسطه.. وقد اشتهر عندنا سحر هؤلاء، لما وجد بين المشاهدين من حصَّن نفسه بالقرآن والأذكار، وأكثر من ذكر الله في جلسة الساحر فرأى الحقيقة على خلاف ما رآها المسحورون.
رابعًا: استعمال المواد الكيماوية: وهذه يحسنها من يجيد تركيب المواد بعضها على بعض فتنتج مادة تمنع تأثير بعض المواد، مثل ما كان يصنع الرفاعية من إيهام الناس أنهم لا تؤثر بهم النار، والحقيقة أنهم يدهنون أنفسهم ببعض المواد التي تمنع تأثير النار فيهم.. وغير ذلك كثير مما يفعله السحرة، ولا يقع إلا ما قدره الله تبارك وتعالى.