خطيب المسجد الحرام يحث على التحلي بمكارم الأخلاق
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
أوصى إمام وخطيب الحرم المكي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في الحرم المكي الشريف: راقب الله في كل نفس وخف الله في دينك وأرجه في جميع أمورك واصبر على ما أصابك فإن الصبر من الإِيمَان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد فَإِذا قطع الرَّأْس ذهب الْجَسَد وَإِذا سَمِعت كلمة تغضبك فِي عرضك فَاعْفُ وَاصْفَحْ فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور.
وأضاف: واعْمَلْ كَأَنَّك ترى الله، وعد نَفسك فِي الْمَوْتَى وَاعْلَم أَن الشَّرّ لَا ينسى وَالْخَيْر لَا يفنى وَاعْلَم أَن قَلِيلاً يُغْنِيك خير من كثير يُلْهِيك وَإِيَّاك ودعوة الْمَظْلُوم، وما أقبل عبد بِقَلْبِه إِلَى الله عزوجل إِلَّا جعل الله قُلُوب الْمُؤمنِينَ تنقاد إِلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ والمودة، وَاحْذَرْ مَوَاطِن الْغَفْلَة ومخاتل الْعَدو وطربات الْهوى وضراوة الشَّهْوَة وأماني النَّفس فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً قَالَ (أعدى أعدائك نَفسك الَّتِي بَين جنبيك) أخرجه البيهقي.
وواصل فضيلته قائلاً: وَإِنَّمَا صَارَت أعدى أعدائك لطاعتك لَهَا وكل أَمر لَاحَ لَك ضوؤه بمنهاج الْحق فاعرضه على الْكتاب وَالسّنة والآداب الصَّالِحَة فَإِن خَفِي عَلَيْك أَمر فَخذ فِيهِ رَأْي من ترْضى دينه وعقله وَاعْلَم أَن على الْحق شَاهداً بِقبُول النَّفس لَهُ أَلا ترى لقَوْل رَسُول الله ﷺ (استفت قَلْبك وَإِن أَفْتَاك الْمفْتُون) رواه أحمد وإسناده جيد.
ولفت إلى أن الذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم، لا القلب المريض، فإن صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنها حلال لا شبهة فيها، مستدلاً بقول شيخ الإسلام ابن تيمية "رحمه الله": حيث قال: فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يلتذ ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه، وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات؛ لم يطمئن ولم يسكن، إذ فيه فقرٌ ذاتيٌ إلى ربه.
بث مباشر لخطبتي وصلاة الجمعة من #المسجد_الحرام بمكة المكرمة.#يوم_الجمعة #اليوم https://t.co/jaAegTYal8— صحيفة اليوم (@alyaum) August 25, 2023آداب أهل الْحلم
وأردف فضيلة الشيخ الدكتور الجهني قائلاً : واحم الْقلب عَن سوء الظَّن بِحسن التَّأْوِيل وادفع الْحَسَد بقصر الأمل وانف الْكبر باستبطان الْعِزّ واترك كل فعل يضطرك إِلَى اعتذار وجانب كل حَال يرميك فِي التَّكَلُّف وصن دينك بالاقتداء، واحفظ أمانتك بِطَلَب الْعلم وحصن عقلك بآداب أهل الْحلم، واستعن بِاللَّه فِي كل أَمر واستخر الله فِي كل حَال وَمَا أرادك الله لَهُ فاترك الِاعْتِرَاض فِيهِ وكل عمل تحب أَن تلقى الله بِهِ فألزمه نَفسك وكل أَمر تكرههُ لغيرك فاعتزله من أخلاقك وكل صَاحب لَا تزداد بِهِ خيراً فِي كل يَوْم فانبذ عَنْك صحبته وَخذ بحظك من الْعَفو.
وبين فضيلته أن َقيد الْجَوَارِح يكون بإحكام الْعلم وأَن من آثر الله آثره وَمن أطاعه فقد أحبه وَمن ترك لَهُ شَيْئا لم يعذبه بِهِ كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه (دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك) أخرجه الترمذي وأحمد.
وأوضح أَن كتاب الله تعالى ما أنزل إلا للعَمَل بِحكمِهِ من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَوْف والرجاء لوعده ووعيده وَالْإِيمَان بمتشابهه وَالِاعْتِبَار بقصصه وَأَمْثَاله فَإِذا أتيت بذلك فقد خرجت من ظلمات الْجَهْل إِلَى نور الْعلم وَمن عَذَاب الشَّك إِلَى روح الْيَقِين قَالَ الله جلّ ذكره ـ الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور.
فيديو | خطيب المسجد الحرام عبدالله الجهني: اتقوا الله والتزموا بكتابه الكريم و هدي نبيه#الإخبارية pic.twitter.com/zs2R2JxUmO— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) August 25, 2023العمل بنظام الإسلام
وأكد الشيخ الدكتور الجهني أن المسلمين أحوج في هذا الزمن المملوء بالفتن والمحن والمصائب المملوء بالحقد والحسد والضغائن المحفوف بالعقوبات والأخطار، إلى العمل بنظام الإسلام من مكارم الأخلاق التي حث عليها القران الكريم والسنة المطهرة فيتحلى المسلم بها وبآدابها، ويكون على عقيدة ومنهج قويم بها يدعو غير المسلمين للإسلام، فإنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم.
وطالب فضيلته المسلمين بتقوى الله عز وجل فإن تقواه أنفع الوسائل والذخائر، ولا تكونوا كالذين بدلوا نعمة الله كفراً، ولم يلتفتوا إلى ما أمامهم من الموارد والمصادر، وراقبوه فإنه مطلع عليكم يراكم ويعلم حركاتكم وسكناتكم: يَعْلَمُ خَائنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، حاسبوا أنفسكم ما دمتم في دار المحاسبة والعمل، قبل أن تحاسبوا في دار الجزاء وانقطاع الأمل، وتأهبوا للقاء ربكم، وتزودوا بزاد التقوى والصلاح لقبوركم وليوم نشوركم واحذروا الغفلة، احذروا الغفلة فإنها ضياع وباطل، وتورد المهالك، وتسد المسالك وارضوا عن الله فيما قدره لكم، فكل ما قدره الجليل هو الجميل.
المصدر: صحيفة اليوم
كلمات دلالية: عودة المدارس عودة المدارس عودة المدارس واس مكة المكرمة إمام وخطيب المسجد الحرام مكارم الأخلاق خطیب المسجد الحرام الله ف ى الله
إقرأ أيضاً:
فرد يصنع سمعة وطنه
د. صالح الفهدي
نزَل رجلٌ أستراليٌّ مطارَ مسقط في طريقهِ لأداءِ مناسكِ العُمْرَة، فلفتَت انتباهُهُ المعاملةَ الرَّاقية من رجلِ أَمنٍ بالمطارِ، فحدَّث الأستراليُّ نفسهُ متسائلا: إِنَّ أخلاقًا راقيةً كهذه التي عاملني بها الضابطُ لابدَّ وأنَّ وراءها ثقافةَ شعبٍ سائدةٍ بهذا المستوى الأخلاقي الرَّفيع، ثمَّ إنَّهُ قرَّرَ بعد عودتهِ إلى أستراليا أن يتعرَّفَ على سلطنةِ عُمانَ أَكثرَ من خلالِ ما كُتبَ في أدبيات التاريخ والعلوم الاجتماعيةِ عنها، ويُطالعُ المواد المرئية عبر المنصَّات المختلفة، بعدها زارَ السلطنةَ بعد أن شغفتهُ حبَّا بأخلاقِ شعبها.
لم يكن بينهُ وبين الشَّهادة النَّبوية الشَّريفة عن أهل عُمان مسافةً بعيدةً؛ إِذ هو مسطَّرٌ في مطارِ مسقط: "لو أنَّ أهلَ عُمان أتيتَ ما سبُّوك ولا ضربوك"؛ وهي شهادةٌ من المصطفى عليه الصلاة والسَّلام نتزيَّا بها نحنُ العُمانيين، وأعظمُ من ذلك هي تكليفٌ ومسؤوليةٌ على كاهلِ كلِّ عُمانيِّ.
إنَّ الفردَ ممثلٌ لوطنهِ أكانَ في أرضهِ أم خارجَه، فهو الحاملُ لهويتهِ، الرامزُ لأخلاقه، المعرِّفُ لثقافتهِ، فإِن أَدركَ ذلكَ فهو رسولُ حَقِّ لموطنهِ، وإِن تجاهلهُ فهو رسولُ باطل!. أمَّا الأول فهو الذي يصنعُ الإِنطباع عن وطنٍ بحاله، ويصوغُ السُّمعةَ العامَّةَ لأهله، وبذلك فهو يقدِّم لوطنه وأهلهِ ما يستحقونهُ من السِّيرةِ الطيبة، والذِّكرِ الحَسَن، وأمَّا الثاني فهو على العكس؛ إذ يكون وبالًا على أُمَّتهِ، وعبئًا على وطنهِ.
لقد وجدنا أُناسًا في بعضِ البلدانِ من الصنفين خاصَّةً في المواقعِ الأُولى التي يواجهون فيها القادمين إلى أوطانهم أكان ذلك في مطاراتٍ أو منافذَ بريَّةٍ أو مواقعَ دينية وثقافية وسياحية، أو مواقعَ على منصَّات إلكترونية.
إنَّ أخلاقنا نحن العمانيين هي أعظمُ الركائز التي تميِّز هويتنا الأصيلة، وقد نلنا بها شهادة أعظم البشر، وخاتم المرسلين، وبذلك فإِنَّ علينا أن نكون أحرصَ الناس على المحافظةِ عليها، وتهذيبِ النفوسِ، وتربيةِ الأَبناءِ على منهاجها القويم، فلا يُعذرُ العمانيُّ من هذه المسؤولية التي ميَّزتهُ تكريمًا وتبجيلًا فهي السِّمةِ البارزةِ، والصفةِ الزاهية في الشَّخصيةِ العُمانية الأصيلة.
ولا تزيدنا المؤثرات التي تقدحُ في الأخلاقيات إلا تمسُّكًا بأخلاقياتنا، وترسيخًا لها، وذلك بممارستها، والاعتزاز بها، وتوجيهِ أَبنائنا بالاقتداءِ على طرائقها، فالأُمُّة الأَخلاق، كما يقول أحمد شوقي: وإِنَّما الأُمم الأخلاقُ ما بقيت // فإِن هُمُ ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا
إِن الرجل الأسترالي لو لم تبهرهُ أخلاقُ رجلٍ عمانيِّ واحد لما أثارَ ذلك الاهتمام فيه بأخلاق العمانيين، وهذا دليلٌ ينمُّ على أنَّ فردًا واحدًا يؤثِّرُ تأثيرًا كبيرًا على سمعةِ وطنهِ وأهلهِ، فإِن كان زكيَّ الأخلاقِ، نبيلَ القيم، كانَ أثره طيِّبًا، وإن كان وضيع الأخلاقِ، سيئ التعامل كان أثره خبيثًا.
في رحلةٍ بالقطار من المدينة المنوَّرة إلى مدينة جدَّة بالمملكة العربية السعودية، هبَّ شابٌّ عماني لمساعدة أُسرةٍ خليجيةٍ في رفعِ حقائبها دون أن تطلبَ منه ذلك، ثم هبَّ مرَّةً أخرى حين أرادوا إنزالها، فما كانَ من والدة تلك الأُسرة الخليجيةِ إلا أن تشيدَ بأخلاقِ الشَّاب العُمانيِّ وتغدق عليه بالمديح، فقد تحرَّك بوازعٍ من أخلاقهِ، وقامَ بما يوجبه عليه الأدب الحميد، وهكذا يكون العُماني رسولَ أخلاقٍ لوطنه، وسفيرًا لقيم مجتمعه من أجلِ أن تُحمدَ سيرةَ وطنه، وتُشكر أخلاق أمته.
الأخلاق هي العطرُ الزَّكي النَّافذُ الذي تؤرِّجُ رائحته الشَّذيَّة الأرجاء، ولا غرابةَ في ذلك فهي الطِّيب الروحاني الذي بثَّه رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام كأساس لرسالته السمحاء: "إنَّما بعثتُ لأُتمم مكارمً الأخلاق".
هكذا تصبحُ الأخلاقُ عنصرًا أساسيًا من عناصرِ تكوين العمانيِّ فإِن عاملَ الناس أظهر الودَّ والرقي والاحترام، وإِن تكلِّم معهم أبانَ حُسنَ أدبهِ، وسموِّ معانيه، وإن حاورهم أظهر تقديره، ورفعةَ أُسلوبه، وإن استضافهم أظهر كرمهُ وتواضعه، وإن لمحهم بحاجةِ إلى المساعدة لم ينتظر منهم طلبها بل يبادرُ إليها، وإن نظرهم ضالِّين هبَّ لإرشادهم.
أخلاقنا -نحن العمانيين- هي سِمَتُنا الأَشْهَرْ، وعنواننا الأبرز قبل أن تعرِّفنا وثيقةٌ معيَّنة بانتمائنا العماني، وعلى ذلك نريدُ لهذا العنصر الرفيع، والعمود المنيع أن يتقوِّى ولا يضعف، وأن يصمدَ ولا يتضعضع، وذلك بإرادةٍ ويقينٍ بأن العماني إنَّما هو شخصيَّةٌ أخلاقيَّةٌ بامتيازْ، وهذه هي مركزُ هويَّتنا، وأساسُ عمانيَّتُنا.
رابط مختصر