تتمتع سلطنة عمان بتنوع بيئي وتضاريسي متنَعّم، بين جبال شامخة ومرتفعات شاهقة وصحاري فسيحة، وبين أودية وبحار شاسعة. وقد أدّى هذا التباين إلى تنوع مناخي وبيولوجي ثري يعد استثنائيا؛ مما أسهم في تنوع الأنشطة السياحية، وجذب الكثير من عشاق رياضة المغامرات وحب الاستكشاف.

فتنوعت الأنشطة التي يقبل الشباب على ممارستها من تسلق الجبال، والنزول من أعالي القمم، إضافة إلى القفز في البرك المائية من المرتفعات العالية، وعبور الأودية، وخوض البحار والغوص.

وتأتي هذه المغامرات من باب المتعة والإثارة والتحدي، إلا أنه تبعه تهوّر ملحوظ من بعض الشباب بعدم أخذهم في عين الاعتبار العواقب الوخيمة إزاء التصرفات الطائشة، التي تنمّ عن قلة وعيهم بالمخاطر وانعدام المسؤولية.

وقال عبدالله بن سعيد الجرداني: إن سبب هذه الممارسات السعي وراء الشهرة، وخاصة بين فئة الشباب والمراهقين، وخاصة تلك الفئة التي تقضي أوقاتا طويلة لمتابعة المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، فبالتالي تتولد لديهم رغبة جامحة في تقليدهم، وتصوير ما يقومون به رغم افتقار تلك الممارسات إلى مواصفات الأمن والسلامة.

تقنين المناشط

وأضاف الجرداني: أرى أن تتبنّى جهات رسمية كوزارة الرياضة والثقافة والشباب أو وزارة التراث والسياحة أو الأندية الرياضية مثل هذه الأنشطة؛ فهذه المغامرات لها فوائد ومهارات يكتسبها الشاب، حيث إنها ترسّخ قيم الصبر والقدرة على التحمّل والعمل الجماعي وبناء جسم صحي ورشيق، وفي سلطنة عمان توجد مثل هذه الأنشطة المقننة، إلا أنها تحتاج إلى تكثيف نظرا لما تتمتع به السلطنة من مقومات سياحية ورياضية تساعد على ممارسة رياضة المغامرات.

وأضاف: على من يُحب مثل هذه المغامرة أن يمارسها في أماكنها الصحيحة، فمن لديه هواية التفحيط بالسيارات مثلا يوجد نادٍ مخصص، ومن يعشق الأمواج وركوب البحر والغوص في أعماقه فهناك أماكن ومراكز مخصصة لذلك، ومن يستهوي تسلق الجبال والقفز في البرك المائية عليه أن يمارس هوايته بوجود طاقم وفريق متخصص لذلك حتى يتمكن من الاحتراف، أما العشوائية والتقليد الأعمى فيسببان الكثير من المخاطر.

حوادث متكررة

عبّر خميس بن سعيد الذيابي عن رأيه قائلا: إن ما نشاهده عبر حسابات الجهات الأمنية في سلطنة عُمان كشرطة عمان السلطانية، والهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف حول عمليات الإنقاذ والانتشال المستمرة لعدد من الأشخاص في مواقع مختلفة بسبب حوادث معظم أسبابها التهور واللامبالاة، وعدم التقيد بالقوانين والأنظمة هو أمرٌ مؤسف ويحتاج إلى وقفة حازمة، والمؤسف في هذا الأمر أن الفئة العمرية لهؤلاء الأشخاص وفق الإحصاءات المعلنة تتراوح بين ١٨ إلى ٣٥ سنة وهي فئة الشباب.

أما عن الدوافع التي تجعل هؤلاء الشباب يواصلون خوض مثل هذه الممارسات، قال الذيابي: لو أتينا إلى الدوافع سنجد أن مسمى (مغامرة/ تحدٍ/ تجربة) كلها مسميات اتّخِذت كعذر للقيام بهذه المخاطرة؛ فالأرواح التي زُهقت في مجاري الأودية بسبب التهور وعدم المبالاة، وبعضها وصل للمجازفة بالأسر لتكون النتيجة عمليات بحث لأيام، وانتشال لجثث اضمحلت في ركام طيني، وآخرون سقطوا من أعالي الجبال بمسمى «هايك» أو تسلق.

مغامرات متجددة

وذكرت روان بنت زايد الريسية: إن الشباب فريسة مغامرتهم المُتجددة، فيَرى بعضهم اليوم أن المُغامرة هي الطريق الوحيد للسعادة والترفيه عن النفس، حيث يلقون بأرواحهم لخوض تجربة جديدة أو لكسر حاجز خوف مُعين كالسرعة الجنونية في زُقاق مثلا، ولكن في الواقع طريق المغامرة وعِر ومليء بالمخاطر المُختلفة.

أما من الناحية النفسية، فقالت: إن الطب النفسي أوضح خطورة ارتفاع هرمون الأدرينالين في الدم بشكل سريع؛ وذلك لأنه يؤثر على الجهاز العصبي وينتج خليطا من مشاعر الخوف والسعادة بسبب الإقدام على فعل جريء، وخطير والنجاة منه دون أضرار، حيث يصبح هذا الشعور مطلوبا وحاجة لمدمني المغامرة، إذ أن زيادة ضخ الأدرينالين من لب الغدة الكظرية في الجسم تؤثر على ضخ الدم للقلب، ويضغط على الجهاز العصبي، ويجعله يفقد السيطرة والتحكم ومعالجة الأمور بطريقة منطقية، فيذهب الشاب ضحية لفكرة راودته بُرهة واستجاب لها.

الاحتياطات اللازمة

قال الدكتور سليمان بن ناصر الهميمي، أخصائي أول جراحة العظام بمستشفى نزوى المرجعي: رياضة صعود الجبال من الأنشطة الرائعة والممتعة، وتصاحب هذه الرياضة خطورة عالية تكمن في الإصابات الخطيرة وصعوبة الوصول إلى المصاب ونقله، ومن الضروري اختيار المسارات الآمنة وتجنب المسارات الخطرة، وأخذ الاحتياطات اللازمة للرياضة ضروري جدا.

وأشار الدكتور إلى ضرورة استعمال أحذية خاصة بصعود الجبال، وأخذ كمية كافية من السوائل والأغذية عالية الجودة، بالإضافة إلى التأكد من ملاءمة الطقس قبل وأثناء الرحلة، موضحا أهمية أخذ استشارة الطبيب إذا كان المتسلق يعاني من مشاكل صحية.

ولفت الهميمي إلى ضرورة احتفاظ المتسلق بحقيبة إسعافات أولية صغيرة لحالات الجروح واللدغ والكدمات والالتواءات، والاشتراك في دورات الإسعافات الأولية الأساسية خاصة إذ أصبحت هذه الهواية تُمارس بصورة متنظمة ومستمرة، ومع المشي لمسافات طويلة بين الأدوية وتسلق الجبال فلا بد من اكتساب المزيد من المعرفة الطبية المتعمقة، مشيرا إلى أهمية الممارسة مع مجموعة من الأصدقاء تفاديا لوقوع حادث في الطريق أو الضياع.

شعبية متزايدة

من جهتها قالت رقية بنت أحمد بيت عامر، أخصائية إرشاد وتوجيه نفسي: وفقا لعلم الأعصاب، هناك مناطق في الدماغ تطلق مواد كيميائية تجعل الإنسان يشعر بالراحة وتساعده في التغلب على الخوف، مثل هرمون الدوبامين الذي يتم إفرازه من تحت المهاد؛ ليجعل الإنسان في حالة من السعادة والراحة.

وأضافت أن المستويات العالية من الدوبامين تمنح شعورا بالرفاهية، ويمكن تشبيه تجربة المشاعر التي تصاحب المغامرات الخطرة بفيضان الدوبامين، الذي يحدث نتيجة تعاطي المخدرات، وقد تكون هناك دوافع أخرى تجعلهم يستمرون في خوض هذا النوع من المغامرات، فالشباب في هذه المرحلة العمرية -خصوصا الذكور- يميلون وبشدة إلى القيام بتصرفات وأفعال مدفوعة بالإشباع الفوري، وهم كذلك سريعي التأثر بالتعلم الاجتماعي وضغط الأقران.

كما أشارت رقية إلى أن الرياضات والمغامرات الخطرة هي أنشطة تضخ الأدرينالين وتدفع حدود القدرات الجسدية والعقلية لممارسيها، وقد أصبحت الرياضات والمغامرات الخطرة تتمتع بشعبية متزايدة في الوقت الحالي، حيث تقدم لممارسيها تجارب فريدة ولحظات لا تُنسى. ومع ذلك، إلى جانب الإثارة، تأتي المخاطر الكامنة والمخاطر المحتملة لهذه الرياضات والمغامرات، فيجب على ممارسيها معرفة الطرق اللازمة لحماية أنفسهم من مخاطر هذه الرياضات، والتأكد من حصولهم على تجربة آمنة وممتعة.

مخاطر متعددة

ودعت هيئة الدفاع المدني والإسعاف هواة رياضة المشي الجبلي في سلطنة عمان إلى اتخاذ التدابير الاحترازية في التعامل مع هذا النوع من الهوايات نظرا للمخاطر التي تحيط بهذه الهواية في المناطق الجبلية المرتفعة.

وأكدت الهيئة على ضرورة مرافقة الأشخاص الذين يمتلكون الخبرة الكافية في تتبع طرق المسارات الجبلية، وعدم المجازفة بممارسة الهواية دون أن يكون هناك دليل أو مرشد يقود المجموعة لتجنب المخاطر المتوقعة، مع ضرورة ارتداء الأحذية المناسبة للتسلق الجبلي وصعود الممرات الوعرة في أعالي الجبال، واتخاذ كافة التدابير الملائمة بما يمنع من وقوع الحوادث خلال ممارسة هذا النوع من الهواية التي ازداد عدد محبيها خلال السنوات القليلة الماضية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مثل هذه

إقرأ أيضاً:

الناقدة رحاب هانى: المقاطعة الفنية جزء من ضريبة الشهرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكدت الناقدة الفنية رحاب هانى أنه لا أحد يملك سلطانًا على الجمهور فى إتخاذ ما يراه، وعلى الفنان أن يعي جيدًا أن الجمهور يفكر بالعقل الجمعى، والمقاطعة والقرارات العقابية تنتشر بشكل كبير فيما بينهم، نتيجة بعض القرارات أو الآراء التى تصدر عن الفنان.

وتابعت الناقدة الفنية رحاب هانى فى تصريحات خاصة لـ"البوابة"، فى نفس الوقت من حق الفنان أن يتخذ الموقف الذى يراه مناسبًا ولا يجب أن يفرض عليه أى شخص أى شيئ، أو أن يتعرض الفنان لحملات الضغط لكى يتخذ موقف بذاته دون قناعات داخليه منه.

وأضافت أن أحد أوجه ضريبة الفن، هو أن مثلما يرفع الجمهور الفنان لعنان السماء، ربما يحدث العكس فى بعض الأحيان، وعلى الفنان أن يفهم ويعي ذلك جيدًا، وتعتبر جزء من ضريبة الشهرة، وللأسف تلك القرارات الخاصة بالمقاطعة وما شابه، تضر بالعملية الإنتاجية وصناعة الفن.

مقالات مشابهة

  • وزير الشباب والرياضة: حريصون على تكثيف الأنشطة والفعاليات لشباب الجامعات
  • وكيل «رياضة كفر الشيخ» يبحث استعدادات مراكز الشباب لانطلاق مبادرات الصيف
  • صبحي: حريصون على تكثيف الأنشطة والفعاليات لشباب الجامعات
  • الشهرة والاقتصاد
  • وكيل رياضة القليوبية: انتهاء كافة الاستعدادات لانعقاد الجمعيات العمومية بمراكز الشباب والأندية
  • رئيس جامعة أسيوط يعلن خطة الأنشطة والفعاليات خلال الأجازة الصيفية 2023 /2024
  • الرحلات البحرية والتخييم والغوص أبرز الأنشطة السياحية ازدهارا في محافظة مسندم
  • الناقدة رحاب هانى: المقاطعة الفنية جزء من ضريبة الشهرة
  • حصاد «رياضة القليوبية» في عام.. تنفيذ 22 مشروعا بتكلفة 220 مليون جنيه
  • 3 أنماط من الحركة يحتاجها جسمك كل أسبوع