مجالس الصلح في سوريا.. تساند القضاء وتحل النزاعات وديا
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
ريف دمشق – بهدف تسوية النزاعات الأهلية والمجتمعية والتحكيم العادل في القضايا العالقة بين المتنازعين، شكَّل وجهاء وحقوقيون وزعماء دينيين مجالس صلح عامة في مدن وبلدات سورية، ويزاول عدد من تلك المجالس أعماله بالتنسيق مع النيابة العامة التابعة لوزارة العدل السورية.
ويعد مجلس الصلح في مدينة دوما، إحدى ضواحي دمشق ومركز ريفها، مثالا نموذجيا لتلك المجالس، حيث شُكّل في فبراير/شباط الماضي وتمكن حتى الآن من التسوية والفصل في عشرات القضايا المعروضة عليه من قبل الأهالي في الغوطة الشرقية.
ويضم المجلس قضاة ومحامين وزعماء دينين ورجال أعمال، ويعمل على تجاوز إرث التفرقة الذي خلَّفته سياسات النظام السوري المخلوع بين السوريين على مدى 14 عاما، وعلى احتواء الصراعات المختلفة التي نشأت بعد سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وعودة آلاف المهجرين لمنازلهم في ريف دمشق.
ويهدف مجلس الصلح لإعادة بناء الثقة بين كافة مكونات المجتمع السوري، وتجاوز التحديات الراهنة، وإرساء قواعد تضمن استمرارية المسار الإصلاحي بعد انتصار الثورة السورية، وذلك بالاعتماد على مجموعة من الخبرات المحلية في دوما.
وحول أسباب تأسيس مجلس الصلح في دوما، يقول مؤسس المجلس المهندس نزار الصمادي إن "الدافع الأساسي يكمن في إرساء الصلح المجتمعي لأهميته في بناء مجتمع مستقر وتعزيز السلم الأهلي بعد انتصار الثورة في سوريا".
ويضيف الصمادي للجزيرة نت أن ذلك يتم "عبر حل الخلافات التي نشأت جراء انقسام المجتمع في سوريا بين مؤيد ومعارض بسبب الدور الخبيث الذي لعبه النظام البائد عبر تكريس الخلافات الأفقية بين السوريين في المجتمع والبلدات وحتى ضمن أفراد الأسرة الواحدة".
إعلانويتابع أن المجلس يعمل على تكريس الصلح الذي ينهي الخلافات بين المتخاصمين بطرق "ودية وبناء على مبادئ العدل والرحمة والحكمة".
كما أن المجلس قد يلجأ للتحكيم، إذا استحال الصلح بين المتخاصمين، وسيلةً لحل النزاعات خارج المحاكم القضائية بتنسيق مع النيابة العامة التي تجعل من قرار المجلس "ملزما" عند حضور الطرفين وتوقيعهما على صك القبول.
ويؤكد الصمادي أنه تم اختيار أعضاء المجلس بعناية، حيث يتألف من 16 شخصا، مقسمين لثلاث لجان، وكل لجنة تضم زعيما دينيا ومحكّما وقانونيا (قاضيا أو محاميا) وخبيرا عقاريا إضافة لأحد وجهاء البلدة.
وعن آليات التحكيم، يقول الصمادي إنها تبدأ بتوقيع الطرفين المتنازعين على صك تحكيم يقضي بقبولهما حكم المجلس، ومن ثم تُدون الوقائع بين المتخاصمين، والاستماع للشهود وجميع الأطراف قبل اللجوء إلى الصلح أو إصدار الحكم.
وتأتي أهمية المجلس من التزامه بمبدأ تغليب الصلح ما استطاع أعضاؤه ذلك، وحل القضايا في وقت قصير نسبيا مقارنة بالمحاكم، وتسهيل الإجراءات القانونية، وتقليل التكاليف الباهظة لإجراءات المحاكم، وتخفيف العبء عن الجهات المختصة.
"الملكية" أكثر النزاعاتويقول محمود هارون، أحد أعضاء مجلس الصلح، للجزيرة نت إن "الخلافات كبيرة بين الناس، وهناك ضغط كبير على القضاء، ولذلك أنشئ المجلس، وأهم ما نلتزم به هو إرضاء طرفي النزاع قدر المستطاع، وأن يُلزم الحل أو الحُكم كليهما".
واستقبل المجلس منذ إنشائه قضايا مختلفة شملت خلافات أسرية، وفض شراكات، وقضايا اقتتال، ونزاعات ملكية، وحوادث سير، وهي قضايا "حُلّت أغلبها بفضل الله"، حسب هارون.
في حين يشير نزار الصمادي إلى طغيان "نزاعات الملكية" على سائر القضايا الأخرى المعروضة على المجلس، وذلك بسبب مرسوم فرضه "النظام البائد" كان يقضي بعدم الاعتراف بعقود البيع والشراء التي صدرت في المناطق الخارجة عن سيطرته عام 2012.
إعلانويضيف الصمادي، الذي ترأس بلدية دوما وكان عضوا في المجالس المحلية في الغوطة الشرقية عندما سيطر عليها الثوار، أنهم عملوا آنذاك على تسجيل تلك العقود في حينها، لكن مع عودة الغوطة الشرقية لسيطرة النظام عام 2018، ألغى الأخير كافة العقود التي أشرفت عليها المجالس المحلية.
ويقول "كما زوَّر كثير من ضعاف النفوس عقود بيع وشراء ظنا منهم أن المُهجَّرين قسرا لن يعودوا إلى بلداتهم، لهذا تأتينا الكثير من نزاعات الملكية".
وإلى جانب قضايا الملكية، هناك شكاوى مرتبطة بصراعات بين المؤيدين والمعارضين للنظام السابق، وقضايا خلاف أسري، التي يلجأ المجلس إلى التحكيم فيها وفق مبدأ "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، مما يسهم في بناء مجتمع مستقر انطلاقا من الأسرة وصولا إلى الدوائر الكبرى كحل الخلافات والنزاعات بين بلدات بأكملها.
ويختلف هذا المجلس عن مجالس الصلح الأخرى التي تأسست بعد سقوط النظام بسبب دمجه لجان المصالحة مع التحكيم في آن واحد، في حين تعتمد المجالس الأخرى على إجراءات الصلح فقط، وقد لا تتضمن اختصاصين أو تحكيما ملزما.
مهام المجالسوتشهد مدن وبلدات عدة في سوريا إنشاء مجالس صلح عام منذ سقوط نظام بشار الأسد، كمجلس الصلح في ناحية الحمراء في ريف حماة الشرقي، ومجلس الصلح في منطقة الصبيخان في محافظة دير الزور، ومجلس الصلح في منطقة السفيرة في محافظة حلب.
وتعمل معظم هذه المجالس بالتنسيق مع "مجلس الصلح العام" في منطقة حارم بمحافظة إدلب، والذي تم تأسيسه مطلع عام 2024 بالتنسيق مع الجهات المختصة في مدينة إدلب التي كانت حينها تخضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة.
ويحدد مجلس الصلح العام مهامه في تعزيز القيم الإسلامية والأخلاقية كالعفو والتعاون والتسامح والمودة، واحتواء النزاعات وحلها بعيدا عن العنف، وتعزيز وحدة وتماسك أفراد المجتمع والحفاظ على توازنه، وتخفيف العبء عن دُور القضاء ومنحها تركيزا أكبر للتعامل مع القضايا الكبرى، ونبذ الكراهية والتعصّب ونشر ثقافة التسامح والتعايش بين الأهالي، وتقليل الكلفة المادية للقضايا التي يكون المال شرطا لحلها.
إعلانكما تعزز هذه المجالس الاستقرار في عموم سوريا، وتنشر ثقافة حل المنازعات بالطرق السلمية دون الانجراف للعنف، وذلك في ظل جمود مسار العدالة الانتقالية الرسمية في بلاد مزقتها الحرب، وفرَّقت وخلقت العداوات بين سكانها طيلة 14 عاما.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مجلس الصلح فی فی سوریا
إقرأ أيضاً:
حشد: قرار تعيين نائب للرئيس الفلسطيني ليس له سند قانوني أو دستوري
أعربت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) عن قلقها البالغ إزاء القرار القاضي بتعيين حسين الشيخ نائبًا لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمنسوب له أيضًا صفة «نائب رئيس دولة فلسطين»، وذلك في ظل غياب أي سند قانوني أو دستوري لهذا التعيين، فالنصوص القانونية الفلسطينية، سواء النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية أو القانون الأساسي المعدل للسلطة الوطنية الفلسطينية، تخلو تمامًا من أي أحكام تتيح تعيين نائب لرئيس الدولة أو نائب لرئيس اللجنة التنفيذية، ما يجعل هذا التعيين مخالفًا صريحًا لمبدأ المشروعية، الذي يشترط وجود نص قانوني واضح يجيز إنشاء مثل هذا المنصب.
وقالت (حشد) إن إحداث مناصب دستورية عليا غير منصوص عليها قانونًا، خاصة في ظل تعطل المجلسين التشريعي والوطني واستمرار حالة الانقسام وغياب التوافق الوطني، يشكل تجاوزًا خطيرًا على النظام السياسي الفلسطيني ويعمق أزماته، ويؤسس لازدواجية في السلطة وتكريس التفرد، ولتنازع محتمل في الاختصاصات والصلاحيات، لا سيما في حال شغور منصب رئيس السلطة وهو ما نظمته المادة (37/2) من القانون الأساسي بإناطة المهام لرئيس المجلس التشريعي مؤقتًا، دون أي ذكر لمنصب «نائب الرئيس».
وتذكر الهيئة الدولية (حشد) بموقفها السابق اتجاه ما سمي إعلانا دستوريا الصادر بتاريخ 27 نوفمبر 2024، والذي منح فيه الرئيس محمود عباس رئيس المجلس الوطني المعين صلاحية تولي منصب رئيس السلطة في حال الشغور وعدم وجود المجلس التشريعي، في تعدٍ على النظام الأساسي للمنظمة الذي لم يعالج هذا الأمر، وانتهاك صارخ للقانون الأساسي للسلطة، الذي لا يعطي الرئيس حق تعديل القانون الأساسي، فهو أمر يتطلب موافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الذي جرى حله من قبل الرئيس، إضافة إلى إدراك الجميع بأن المجلس الوطني لا صلاحيات له في سن التشريعات أو الرقابة على مؤسسات السلطة، الأمر الذي يعد تكريسًا للتعدي على حق الشعب الفلسطيني الديمقراطي في اختيار المناصب الرئيسة في السلطة والمنظمة ودولة فلسطين عبر الانتخابات العامة، ما يجعل من مهمة إعادة بناء مؤسسات النظام السياسي (المنظمة والسلطة والدولة) على أسس الشراكة والديمقراطية، بما يشمل إقرار دستور دولة فلسطين وتجسدها بخطوات فعلية وانتخاب برلمانها ورئيسها، فيما إعادة تفعيل المنظمة يحتاج لعقد جلسة مجلس وطني توافقية توحدية لتضم كل الأحزاب السياسية والمكونات المجتمعية، إضافة لضمان انتظام عقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير واللجنة التنفيذية وتفعيل كل الاتحادات الشعبية ودوائر المنظمة لحين انتخاب المجلس الوطني، فيما مؤسسات السلطة تحتاج إلى تشكيل حكومة توافق وطني أو كفاءات لتعمل على توحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية، عدا عن القيام بأدوارها القانونية لحين إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ورأت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني في هذا القرار تجاوزًا غير دستوري، وإذ تؤكد على أن هذا التعيين ليس من صلاحيات الرئيس محمود عباس، لأن المجلس الوطني هو المسؤول عن تعديل النظام الأساسي وبأغلبية الثلثين، كما من غير الجائز لا دستوريًا ولا قانونيًا تجاوز صلاحيات المجلس الوطني ومنحها للمجلس المركزي المعين على خلاف التوافق الوطني، إضافة إلى أن شغل المناصب في منظمة التحرير والسلطة والدولة يجب أن تخضع للانتخابات الديمقراطية وبالحد الأدنى إلى التوافق الوطني لحين الانتخابات، ولعل من المؤكد بأن القانون الأساسي الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمة التحرير لم يمنحا الرئيس قرارًا أبديًا ببقائه على رأس السلطة والمنظمة، بالتالي يعد استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية وتعيين حسين الشيخ غير قانوني وغير دستوري وغير قانوني، عدا عن كونها خطوة جاءت في إطار المطالبات الخارجية لإصلاح مؤسسات النظام السياسي التي تحتاج فعلاً إلى إصلاح وإعادة بناء، إلا أنها لم تقدم أي ضمانات لإصلاحات حقيقية تستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني، بل أضافت مزيدًا من الإذلال والوقائع على غياب إرادة الإصلاح الديمقراطي وتعميق حالة الانقسام، ومثلت امتدادًا لسياسات تأجيل العملية الانتخابية للمجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، وممانعة وتعطيل تطبيق اتفاقيات المصالحة واستعادة الوحدة بدءًا من اتفاقيات القاهرة وتفاهمات بيروت وصولًا إلى اتفاق بكين.
وطالبت الهيئة الدولية (حشد) التأكيد على تحفظها الشديد على كافة القوانين مهما كانت طبيعتها أو موضوعها أو الجهة التي صدرت عنها وذلك خلال حقبة الانقسام، وإذ تدرك الحاجة الفلسطينية لإعادة بناء كل مكونات النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية بما يجعله قادرًا على مواجهة التهديدات والتحديات الوطنية في ظل حرب الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي المتواصل على الضفة الغربية ومدينة القدس، وترى بأنه كان الأولى تطبيق إعلان بكين والاتفاق على خطة انتقالية وطنية تضمن الاستجابة إلى المطالبات الداخلية والخارجية المحقة لإعادة بناء مؤسسات النظام السياسي، بما يشمل الاتفاق على حكومة كفاءات وطنية وعقد جلسة توحدية للمجلس الوطني، بما يعيد بناء ووحدة المؤسسات الوطنية ودورها في قيادة النضال الوطني بمختلف الأشكال، وتعزيز صمود الناس وتحقيق الهدف الرئيسي للشعب الفلسطيني والمتمثل في إنهاء الاحتلال وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، وعودة اللاجئين، فإنها تسجل وتطالب بما يلي:
تؤكد أن الوقت الراهن يجب أن يُخصص فلسطينيًا ويفرد للجهود التي تضمن وقف حرب الإبادة في قطاع غزة ومواجهة مخططات التهجير القسري وجرائم الضم الاستعماري للضفة الغربية وتهويد مدينة القدس، بما يتطلبه ذلك من تنحية الخلافات الداخلية واستعادة الوحدة، والاتفاق على برنامج واستراتيجية وخطة وطنية عملية وقيادة جماعية، تعزز من أوراق القوة وقدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة التهديدات والمخاطر الوطنية والتحديات الإنسانية.
وطالبت الهيئة، الرئيس الفلسطيني وكافة الجهات والقيادات الفلسطينية بضرورة احترام مبدأ المشروعية الدستورية والامتناع عن أي انتهاكات للأطر القانونية والدستورية، والعمل على إعادة الاعتبار لدور المؤسسات التشريعية والقضائية في الرقابة على القرارات السيادية، والتوقف عن سياسيات العبث والتفرد والاستحواذ والاستخدام المعيب والشكلي للمؤسسات الوطنية بما في ذلك المحاصصة والتعيينات غير القانونية، وبذل المزيد من الجهود لإنهاء الانقسام وإجراء انتخابات شاملة، وكما وتطالب كافة القوي والمكونات الشعبية والسياسية والنقابية بمواصلة النضال الديمقراطي لضمان استجابة القيادة للإرادة الشعبية في التوقف عن خرق القوانين واجراء الانتخابات الشاملة بما يعيد بناء مؤسسات النظام السياسي على أسس الشراكة وسيادة القانون والديمقراطية.
اقرأ أيضاً«حشد» تدين رفع الحصانة عن «الأونروا» وتدعو لحماية المدنيين وعمل المنظمات الدولية
«حشد» تصدر ورقة موقف بعنوان: أسلحة الذكاء الاصطناعي والإبادة الجماعية في غزة