العدالة التي تأخرت حتى صارت شريكة في الجريمة
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
العدالة التي تأخرت حتى صارت شريكة في الجريمة
منذ أن تقدمت حكومة السودان بشكواها الرسمية ضد دولة الإمارات إلى محكمة العدل الدولية، دخل نازحوا معسكر زمزم في سباق غير متكافئ بين تدوين مليشيا عليهم و بين تمهل القضاة الدوليين في اجراءاتهم. في الوقت الذي ترك فيه القضاة النازحين يواجهون الموت، وكانوا مشغولين بـاستجداء الأمارات علها تعترف بهم، كانت المليشيات المدعومة إماراتيًا في شغل عنهم، كانت تواصل اجتياحها لمعسكر زمزم للنازحين، وكأن حربها تحولت إلى حرب ممنهجة ضد الضعفاء، ضد من فروا من الموت ليجدوه مجددًا في مكان من المفترض أن يكون آمنا و محميا حسب القوانين الدولية.
خلال هذا الزمن الذي يفترض أن يكون مخصصًا لحماية الضحايا، و تأخر القضاة في حمايتهم، حدثت جرائم لا تقل بشاعتها عن الجرائم محل الدعوى أمام القضاة. لقد جلبت الأمارات الأساحة الحديثة التي لم تكن موجودة ومن ثم قامت المليشيا بقصف معسكر زمزم، واجتاحته بقوة السلاح، وعاثت فيه خرابًا وقتلاً دون تمييز، وكأنها تقول للمجتمع الدولي: “فليجتمع القضاة كما يشارون و لكننا سنفعل ما نشاء، ولن يوقفنا أحد”.
لكن المأساة لم تقف عند زمزم. ففي خزان مروي، تعرّضت منشآت توليد الكهرباء للقصف بالمسيرات الانتحارية و الاسترتيجية أكثر من أربع مرات، كما طال القصف محولات الطاقة الكهربائية في عطبرة والدامر، مما أدى إلى انقطاع شامل للكهرباء في ولايات السودان الشمالية و الشرقية و الوسط، لتغرق هذه المناطق في ظلام دامس. وهذا الظلام لم يكن فقط ظلامًا ماديًا، بل كان أيضًا ظلامًا إنسانيًا حقيقيًا، حيث مات المرضى في المستشفيات، خاصة من يعانون من أمراض مستعصية مثل أمراض القلب والكلى والسرطان، بسبب توقف أجهزة التنفس والتغذية والعلاج.
ألم يكن هذا وحده كافيًا لأن تتحرك المحكمة فورًا؟ أن تعقد جلسة طارئة، أو أن تصدر أمرًا وقتيًا يوقف حمام الدم هذا؟ أين كانت العدالة حين انتزعت المليشيات أجهزة العلاج من أجساد المرضى كما يُنتزع الروح من الجسد؟ لماذا بقي القضاة في أبراجهم العاجية، يتحسسون أوراق القوانين بينما يموت الأبرياء كل ساعة؟ المجزرة التي ارتكبتها المليشيا ضد النازحين في معسكر زمزم شملت كل الكادر الطبي للمعسكر و على رأسه الطبيبة د. هنادي النور، و مدير إذاعة ولاية شمال دارفور و بلغ عدد القتلى والجرحى أكثر من 500. أرواح هؤلاء جميعا معلقة في رقاب قضاة محكمة العدل الدولية لا تقل مسؤوليتهم عن مسؤولية الأمارات ولا عن مسؤولية الجندي منفذ الجريمة.
إن التأخر في رد الفعل، والصمت المريب الذي ساد قاعات المحكمة، لم يعد يُفسّر بـ “الحياد القضائي” بل صار يُقرأ كخذلان، كتحيّز لصالح الجلاد على حساب الضحية. والأخطر من ذلك، أن هذا الصمت الدولي يرسل رسالة قاتلة: بإمكان المعتدي أن يستمر كما يشاء، فلا عقاب ينتظره.
اليوم، يحق لنا أن نسأل: ما هو الدور الحقيقي لمحكمة العدل الدولية إن لم يكن حماية الأبرياء في وجه جرائم الإبادة المنظمة المستمرة؟ وإن كانت المحكمة لا ترى أن ما يجري يستحق موقفًا واضحًا وحازمًا، و أن واجبها ايقاف هذه الجرائم فورا و انقاذ هؤلاء المواطنين، فمتى إذًا ستتحرك؟ نعم أظنها سوف تتحرك، ولكن بعد أن يُباد من تبقى.
العدالة التي لا تُنصف الضحية في وقتها، تتحول إلى سلاح إضافي في يد الجلاد. ومن هنا تأتي شراكة القضاة.
د. محمد عثمان عوض الله
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الأمة القومي يعلق على أحداث معسكر زمزم
متابعات ــ تاق برس أدان حزب الأمة القومي بأشد العبارات في بيان صادر اليوم الأربعاء الانتهاكات الممنهجة التي جرت بمعسكر زمزم للنازحين وما ترتب عليها من قتل مدنيين عزل وطواقم طبية كانت تؤدي في واجبها الإنساني.
واستنكر الحزب الانتهاكات البشعة التي جرت بحق الأبرياء في معسكري زمزم وأبوشوك من قبل قوات الدعم السريع وحملها كامل المسؤولية الأخلاقية والجنائية لما حدث في المعسكرين بحق المدنيين. وطالب الأمة القومي في بيانه قوات الدعم السريع بالوقف الفوري للعمليات العسكرية في محيط المعسكرات والمناطق السكنية، والوفاء بالتزاماتهم لحماية المدنيين، وفتح ممرات إنسانية آمنة لتوصيل المساعدات العاجلة للمتضررين. كما ناشد الحزب المنظمات الإنسانية المحلية والدولية سرعة التدخل لتقديم العون الإغاثي والطبي للمتأثرين، الذين يواجهون أوضاعًا إنسانية مأساوية في ظل انعدام المياه والغذاء والدواء، ووجود عشرات المصابين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة. وحذر الحزب من ما أسماه إصرار طرفي النزاع على الحارات الصفية ورأى انها أوصلت البلاد إلى مرحلة بالغة التدهور شديدة المعاناة مما فاقم الأزمة الإنسانية بصورة غير مسبوقة. وذكر حزب الأمة القومي أطراف الصراع بالالتزام الجاد بتنفيذ تعهداتهم المُوقعة في اتفاق جدة، لا سيما ما يتعلق بحماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. الأمة القوميمعسكر زمزم