المومني: جذور المخطط الإرهابي تمتد إلى الجنوب اللبناني وسوريا والعراق
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
وسط إقليم مضطرب تحكمه الصراعات وتتشابك فيه الحسابات الجيوسياسية والطائفية، أعلنت الأردن عن إحباط واحدة من أكثر العمليات التخريبية تعقيدًا خلال السنوات الأخيرة، في رسالة أمنية صارمة تعكس إدراك الدولة لخطورة التهديدات العابر للحدود.
العملية الأمنية التي نفذتها دائرة المخابرات العامة، لم تأتِ في فراغ، بل في سياق إقليمي يعاني من فراغات أمنية هائلة تمتد من الجنوب اللبناني الذي تحوّل إلى مرتع للتنظيمات العقائدية المسلحة، مرورًا بسوريا التي ما تزال ساحةً مفتوحة لصراع النفوذ، وصولًا إلى العراق الذي يتجدد فيه نشاط الجماعات المتطرفة تحت مظلات جديدة.
هذه البيئة الإقليمية الهشة شكّلت أرضًا خصبة لإعادة إنتاج التنظيمات المتشددة، بتنسيقات غير مألوفة تتجاوز الانقسامات الأيديولوجية نحو شراكات مصلحية، ما يفسّر حجم التعقيد الذي أحاط بالمخطط الإرهابي الذي تم إحباطه، والطريقة الاحترافية التي تعاملت بها الدولة الأردنية معه، سياسيًا وأمنيًا وقانونيًا.
وقال مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور حسن المومني إن ما أُعلن عنه مؤخرًا من تفاصيل العملية الأمنية النوعية التي نفذتها دائرة المخابرات العامة الأردنية حدثًا اعتياديًا في سجل المواجهة مع التهديدات الإرهابية؛ إذ يمكن توصيفه – وبلا أدنى مبالغة – بأنه تحوّل نوعي وجوهري يُشكل نقطة انعطاف استراتيجية في طريقة تعامل الدولة الأردنية مع الجماعات المتطرفة، خصوصًا مع اتضاح امتداد جذور هذا المخطط إلى ما لا يقل عن أربع سنوات، الأمر الذي يعكس تعقيد البنية الشبكية للتهديد، واتساع نطاقه الزمني والعملياتي.
وأوضح المومني في تصريحٍ خاص للبوابة نيوز أن هذا الإنجاز الأمني الاستثنائي يأتي وسط بيئة إقليمية مفعمة بالفوضى الأمنية، ووسط جوار جغرافي يرزح تحت وطأة أزمات ممتدة من الجنوب اللبناني مرورًا بسوريا وصولًا إلى العراق.
وبيّن أن المعطيات الأمنية كشفت أن ما تم إحباطه لم يكن مجرد مخطط موضعي محدود، بقدر ما يعد عملية تخريبية ذات أبعاد استراتيجية، استخدمت فيها أساليب متقدمة على مستوى التصنيع، والتمويل، والتجنيد، والاختراق المجتمعي، وهو ما يدفع إلى قراءة ما جرى بوصفه "نقلة أمنية نوعية" لِما يحمله من دلالات على صعيد تعزيز سلوك الدولة الأردنية تجاه التنظيمات الراديكالية المسلحة.
وأشار المومني إلى أنه لا يمكن عزل هذا الإنجاز الأمني عن سياقه الإقليمي، إذ إن مناطق مثل الجنوب اللبناني – الذي أصبح بيئة حاضنة لمجموعة من التنظيمات العقائدية المتباينة ظاهريًا والمتقاطعة عمليًا – باتت تشكل بؤرًا مفتوحة للتدريب، والتمويل، والتخطيط، وبحسب مصادر مطلعة، فإن ثمة دلائل على وجود تنسيق بين عناصر متشددة تنتمي إلى حركات مثل حزب الله، حماس، وبعض الفصائل الفلسطينية، وهو تنسيق تحكمه ميكافيلية المصالح لا تقاطعات الأيديولوجيا.
وذكر أن الأجهزة الأمنية الأردنية رصدت منذ عام 2021 نشاطًا متصاعدًا لجماعات متطرفة تسعى لإعادة إنتاج وجودها في الداخل الأردني عبر وسائل غير تقليدية، متخفية خلف خطاب ديني متشدد وشبكات تمويل غامضة، ومع أن بعض المحاولات تم إحباطها وقائيًا في حينه، فإن ما جرى الإعلان عنه اليوم يمثل ذروة الاشتباك الاستخباري طويل الأمد، والذي نضجت ثماره على هيئة عملية أمنية محكمة تكللت بتفكيك خلية مسلحة، واعتقال 16 عنصرًا مزودين بأسلحة ومواد متفجرة، مع توفّر اعترافات وأدلة دامغة تؤكد ارتباطهم بتنظيمات خارجية.
واستطرد المومني قائلًا إن اللافت الدولة الأردنية، إلى جانب بعدها الأمني، أولت أهمية خاصة للمسار القانوني، حيث تم التعامل مع القضية بمنهجية قضائية صارمة تؤكد حرص مؤسسات الدولة على سيادة القانون، وعلى صيانة منظومة العدالة كأداة موازية للردع الأمني.
ونوّه إلى أن الدولة الأردنية تُدرك تمامًا أن التعاطي مع هذه الجماعات تعتمد على تفكيك البيئة الحاضنة، وقطع خطوط التمويل، وتجفيف منابع الفكر التكفيري، عبر استراتيجية وطنية شاملة تتكامل فيها الأبعاد السياسية، القانونية، والمجتمعية.
ولفت المومني إلى أن النقاط المحورية التي برزت في خضم هذا الحدث الأمني، هو التأكيد على أن الدولة الأردنية لن تسمح بأي شكل من الأشكال باستغلال الحريات، أو التستر خلف شعارات دينية أو حزبية لتمرير أجندات تخريبية، كما أن التصريحات التي طالت حركة الإخوان المسلمين – غير المرخصة – وبعض التيارات المتشددة الأخرى، تكشف عن توجه صريح لكسر المنطقة الرمادية التي لطالما اختبأت فيها بعض القوى بين الفعل السياسي والدور الأيديولوجي.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: المخطط الارهابي الأردن جماعة الإخوان المخابرات العامة الامن الاردني السلطات الأمنية الأردنية الجنوب اللبنانی الدولة الأردنیة
إقرأ أيضاً:
هل هدأت التوترات الأمنية في صحنايا وجرمانا؟
قال مسؤول في العلاقات العامة التابعة لوزارة الإعلام السورية إن منطقة أشرفية صحنايا تشهد انتشارا "مسؤولا ومنظما" لوحدات الأمن العام وقوات من وزارة الدفاع، في ظل الجهود المبذولة لحفظ الاستقرار، بهدف تأمين الأهالي وتعزيز الشعور بالأمان بعد الأحداث التي شهدتها المنطقة مؤخرا.
ولفت المسؤول في حديث للجزيرة نت، إلى أن الحياة بدأت بالعودة إلى طبيعتها تدريجيا، وسط تعاون كبير بين السكان والجهات المختصة، التي تعمل على تأمينهم والحفاظ على ممتلكاتهم، وتسيير حركة تنقلهم وإكمال أعمالهم وأشغالهم، وأكد في الوقت نفسه على أن وحدة الموقف وتكاتف جميع أبناء الوطن، مدنيين وعسكريين، هو السبيل الأوحد لحماية استقرار بلدنا ومجتمعنا.
وكانت العاصمة دمشق شهدت توترات أمنية في بلدة أشرفية صحنايا ومدينة جرمانا، بعد الاعتداء على حاجز للأمن العام عند أحد مداخل جرمانا، ما أدى لمقتل عنصرين وجرح آخرين، لتندلع بعدها اشتباكات أدت لمقتل 14 شخصا من الطرفين.
وجاءت هذه التوترات عقب انتشار رسالة صوتية تم التعرض فيها للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، نسبت إلى أحد مشايخ العقل من الطائفة الدرزية، الذي بدوره خرج بمقطع فيديو ونفى صلته بها.
إعلانوعقب هذه التوترات أرسلت وزارة الداخلية قوة مدعومة من وزارة الدفاع لإعادة الأمن للمنطقة وفرض الحماية لتأمين المدنيين، وثم دخل وفد من محافظة دمشق والتقى الجهاتِ الدينية والمدنية في المنطقة للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين.
ما وراء الكواليسينحدر أغلبية سكان مدينة جرمانا وبلدتي صحنايا وأشرفية صحنايا من الطائفة الدرزية، وتخضع لسيطرة الفصائل العسكرية التابعة للسويداء، والتي لم تنضوِ تحت سلطة سوريا الجديدة حتى الآن، وتشهد العلاقة بينهم وبين الدولة توترات من الناحية التنظيمية والعسكرية والأمنية.
وقال مصدر أمني خاص للجزيرة نت إن "ما حدث ليس وليد اللحظة، إنما هو مخطط بدأ العمل عليه قبل 10 أيام بإشراف الشيخ حكمت الهجري والمجلس العسكري في السويداء، وفي حال نجاحه كان سيتبع بتحركات من مكونات أخرى داخل الحدود وأخرى من خارجها، حيث كان من هدفهم الأول قطع الطريق بين العاصمة دمشق ومطار دمشق الدولي".
وأضاف أن هذه التراكمات والتوترات تسببها عدة جهات من الفصائل في السويداء، وبدأ العمل عليها منذ اليوم الأول لـ"تحرير" سوريا، وتنقسم إلى 3 فئات:
الأولى: مرتبطة بالنظام البائد، وبينهم جنود وعناصر وبقايا فلول وعناصر وضباط أمنيين، وهم مجموعات امتهنت تجارة المخدرات بأنواعها، بالإضافة للسلب والنهب. الثانية: مرتبطة بشكل عضوي بإسرائيل وتأخذهم كشعار للتهديد، وحقق ذلك التواصل بينهم تصريحات إسرائيلية مستمرة بالتهديد لمن يعتدي عليهم. الثالثة: مرتبطة بالمليشيات الشيعية، وتتلقى أوامرها منهم، ويحاولون إثارة القلائل بشكل دائم.وأشار إلى أن الشيخ حكمت الهجري يخضع لقرارات أحد أبنائه، وهو سلمان، الذي يتخذ القرارات ويكتب البيانات التي تصدر عن الشيخ، وكان هو المتسبب بتوتر العلاقة بين الهجري وطارق الشوفي رئيس المجلس العسكري الذي تم تشكيله بالسويداء، عقب طلب سلمان من أبيه أن يكون هو قائد المجلس العسكري العام، والشوفي قائدا عسكريا، بينما رفض الأخير ذلك فتوترت العلاقة بينهما.
من جهة أخرى، قال الراصد العسكري أحمد خطاب للجزيرة نت إنه خلال الوقت الذي كانت عمليات ردع العدوان قد سيطرت على محافظة حمص وقطعت الطريق إلى الساحل السوري، لجأ كبار الضباط والمجرمين التابعين للنظام البائد إلى الشيخ حكمت الهجري، الذي كان معروفا بمواقفه المؤيدة للأسد.
إعلانوأضاف أن الضباط من قيادات الصف الأول، الذين كانوا موجودين بقطعهم العسكرية في مطار خلخلة ومطار الثعلة، وقيادة الفيلق الأول الواقعة بريف السويداء، فروا باتجاه الهجري بعد دخول إدارة العمليات العسكرية للمنطقة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، وما زالوا للآن بحمايته.
كما أشار خطاب إلى أن المخدرات التي كان يجري تهريبها باتجاه الأردن كانت تتم من خلال الفصائل العسكرية التي تأتمر بأمر الشيخ حكمت الهجري.
لكنه بالمقابل لفت إلى أن القسم الأكبر من أبناء السويداء يتبنون موقفا معارضا لأي صدام مع الدولة، ولا يأخذون موقف العداء من أي طرف موجود في سوريا، وهم مؤيدون للحكم الجديد، ويعتبرون أنفسهم من التيار الوطني والذين ينتمون للوطن الأم سوريا.
وأضاف أن عددا من قادة الفصائل العسكرية ومشايخ العقل هم مع الدولة السورية، وضد الانفصال والانقسام أو التوجه نحو إسرائيل، وخص بالذكر:
الشيخ حمود الحناوي: الذي يحمل الموقف الوطني منذ القدم، ولم يذهب باتجاه طلب الدعم أو الحماية من إسرائيل، وهو قريب من الدولة السورية الجديدة. ليث البلعوس: المعروف بمعارضته للنظام السابق، وكان والده من المعارضين أيضا، وساعد خلال الثورة السورية بمنع الشباب في السويداء من الالتحاق بقوات النظام السابق وقتال الشعب السوري. الشيخ يوسف جربوع: الذي يعتبر إسرائيل عدوا ولا يجب الاقتراب منها. سليمان عبد الباقي: الذي وقف لجانب الدولة وحاول بشكل مستمر -منذ تحرير سوريا- المساهمة في إدخال مؤسسات الدولة إلى السويداء. الأمير حسن الأطرش: الذي رغم تحالفه خلال الفترة الأخيرة مع المجلس العسكري إلا أنه يتمتع بالحس الوطني وموقفه معروف بمعارضة النظام السابق. مبرر الحزم العسكرييقول الكاتب والباحث السياسي بسام سليمان للجزيرة نت إن "الحزم من قبل الدولة السورية جاء لكي لا تستساغ فكرة الاعتداء على الأمن، والوقف بحزم ضد أي اعتداء على قوات الأمنية، كما حدث في صحنايا".
إعلانوأضاف أن "التدخل الإسرائيلي كان هو السبب الأهم الذي جعل الحسم العسكري حتميا، لقطع الطريق على إسرائيل حتى لا تتدخل بالشأن السوري، لأن السكوت عن ذلك التجاوز سيجعلها تتدخل في كل أمر صغير أو كبير".
ولفت إلى أن هذه المنطقة تشكل حزاما حول العاصمة دمشق، حيث تربط جرمانا بين دمشق ومحافظة السويداء، أما أشرفية صحنايا فتقع على طريق مطار دمشق، وقد تشكل جماعات مسلحة فاصلا بين العاصمة والمطار، وهذا لا يمكن السكوت أو غض الطرف عنه.
وأشار إلى من حق أي دولة -كانت ناشئة أو جديدة أو غير ذلك- أن تقتلع أي قوة خارجة عن القانون وتحمل السلاح، وخاصة تلك التي توجد قرب نقاط حساسة ومهمة بالقرب من العاصمة، وعلى طريق حيوي مثل مطار دمشق الدولي.
بعد ساعات من التوتر في مدينة جرمانا، عادت الحركة الطبيعية للسكان القاطنين فيها، بعد تأمين مدخل المدينة للداخلين والخارجين إليها من قبل الأمن العام الداخلي والشرطة التابعين لوزارة الداخلية السورية.
لكن الوضع في المدينة مستمر على صفيح ساخن، في ظل وجود فصائل عسكرية تتبع للسويداء وتملك أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، في الوقت الذي تطالب فيه الدولة السورية بنزع السلاح بشكل كامل وحصره بيد الدولة فقط.
وفي لقاء مع محلل عسكري -فضل عدم الكشف عن اسمه- قال للجزيرة نت إن "جرمانا منطقة حساسة جدا أمنيا، فهي تقع في خاصرة دمشق الجنوبية الشرقية، وتضم تركيبة سكانية متنوعة، درزية ومسيحية وسنية، وشهدت في السنوات الماضية توترات أمنية متقطعة".
ولفت إلى أن المدينة تعاني في الوقت الراهن من وضع أمني هش، وحالة من الاحتقان الشعبي نتيجة غياب الدولة الاجتماعية وتغوّل المليشيات المحلية، بالإضافة لانتشار السلاح والفوضى الأمنية، وهذا يدفع القوى الأمنية الحكومية لتكثيف تدخلها تحت ذريعة "فرض النظام ونزع السلاح".
إعلانكما تنتشر في جرمانا مخاوف من اندلاع مواجهات مسلحة مع مجموعات محلية مسلحة، بعضها مرتبط بعصابات تهريب ومخدرات، وبعضها الآخر ذو طابع أهلي أو مناطقي.
وأشار إلى أن السيناريوهات المحتملة في جرمانا تنحصر بين تصعيد أمني محدود عبر مداهمات واعتقالات مركزة، أو احتمال الدخول في صدامات مسلحة حال وجود رفض لنزع السلاح أو دخول القوات الأمنية، أو عقد تفاهم محلي برعاية الوجهاء والمسؤولين الحكوميين لتجنب التصعيد، خاصة أن النظام يسعى لتجنب جبهات داخلية مفتوحة وهو مشغول في الشأن الخارجي.
وأضاف أن ما جرى في أشرفية صحنايا يمكن اعتباره اختبار للجميع، وله عدة دلالات كإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت والعصابات، وإعادة هيبة السلطة في محيط العاصمة خاصة بعد ازدياد جرائم القتل والخطف، كما قد تتابع قوات الأمن والجيش التحرك نحو جرمانا وغيرها، لكن بوتيرة محسوبة، كي لا تفتح مواجهة شاملة.
واعتبر المحلل أن "بقاء الوضع كما هو في جرمانا والسويداء سيكون بمثابة تشجيع لمناطق أخرى على إبداء قدر من التمرد أو الاستقلال، والحكومة تخشى انتقال العدوى" حسب قوله.