المفتي: الأزهر منارة الوسطية وركيزة الوعي الرشيد ودار الإفتاء تشاركه الرسالة
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «المواطنة والهوية وقيم العيش المشترك»، الذي تنظمه جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي في الفترة من 15 إلى 16 أبريل الجاري، أن القيم الإنسانية في الإسلام تمثل إحدى صور الإعجاز البارزة في هذا الدين، مشيرًا إلى أنها جاءت في لحظة تاريخية كانت البشرية وقتها في أمسّ الحاجة إلى منظومة أخلاقية وإنسانية تحفظ كرامة الإنسان وتضمن له الحق في العيش المشترك بسلام وعدل ومساواة.
وأوضح مفتي الجمهورية، أن القيم في الإسلام ليست وليدة ظرف زماني معين، بل هي ثابتة وشاملة ومتكاملة، تمتد من علاقة الإنسان بذاته، إلى علاقته بأسرته ومجتمعه، وانتهاءً بالبشرية جمعاء، مستدلًا في ذلك بجملة من الآيات القرآنية التي تكرّس هذه المبادئ، وتؤسس لنهج إنساني عالمي يضمن الحقوق، ويرسّخ روح التسامح والعدل والرحمة، ومنها قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]، التي تؤكد على كرامة الإنسان بصرف النظر عن لونه أو عرقه أو دينه، وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، الداعية إلى التعارف لا التنازع، بالإضافة إلى قوله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، التي تمثل أساسًا لاحترام حرية المعتقد، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90]، باعتبار العدل قيمة مركزية في بنية الإسلام الحضارية.
ونوّه الدكتور نظير عياد، إلى أن الحضارة الإسلامية قامت على أسس علمية وإنسانية راسخة، أبرزها تقديس العلم والرحمة العامة، والعدل والمساواة، والتسامح والتعارف، ونبذ العصبية والطائفية، مشيرًا إلى أن هذه القيم تجلت بوضوح في وثيقة المدينة المنورة التي أرست دعائم العيش المشترك بين المسلمين وغيرهم تحت مظلة دولة المواطنة، محذرًا من مخاطر الجماعات المتطرفة التي شوّهت صورة الإسلام، وتسببت في زعزعة الأمن والاستقرار، ومؤكدًا أن الجهل بالنصوص الدينية، وسوء تأويلها، هو السبب الرئيس في انحراف هذه الجماعات عن جادة الحق، وهو ما أشار إليه النبي ﷺ في الحديث الشريف، «يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، في إشارة إلى خطورة التحريف على يد الجهّال والمتطرفين.
وشدد مفتي الجمهورية على أن التطرف يمثل تهديدًا جوهريًا للهوية والانتماء الوطني، لأنه يؤسس لانتماء مزيّف للفكرة المتطرفة، ويرفض الهويات الوطنية الحديثة التي لا تتعارض مع الدين، كما يروّج لمفاهيم مغلوطة تزرع العداء والعنف وتنفي وجود الآخر، منتقدًا دعوات التغريب والانبهار المطلق بالنموذج الغربي، والتي تؤدي إلى مسخ الهوية الذاتية للأفراد والشعوب، داعيًا إلى التوازن بين الأصالة والمعاصرة، والانفتاح الواعي الذي لا يفرّط في الثوابت ولا ينكر المتغيرات، مشيرًا إلى أن قيم المواطنة والهوية والتعايش تواجه تحديات كبرى، في مقدمتها التطرف، والتغريب، والاغتراب، والعولمة الثقافية، واختراق الإدراك والوعي، وتكييف القيم والسلوك، داعيًا إلى تضافر الجهود الفكرية والدينية والثقافية لمواجهة هذه التحديات، وتحصين المجتمعات من مخاطر الانسلاخ والتمزق، مبينًا أن الهوية الدينية لا تتعارض مع الانتماء الوطني أو القومي، بل تشكّل في توازنها واعتدالها ركيزة أساسية لبناء المجتمعات المستقرة والمتماسكة، داعيًا إلى ترسيخ هذه القيم في الوجدان العام، وتعزيز الأمن الفكري والثقافي للأمة في مواجهة موجات التشكيك والتزييف والعبث بالهوية.
وأشار مفتي الجمهورية إلى الدور المحوري الذي يضطلع به الأزهر الشريف، هذه المؤسسة العريقة التي جاوزت الألف عام، وظلت طوال تاريخها منارةً للوسطية والاعتدال، وركنًا ركينًا في بناء الوعي الإسلامي الرشيد، حيث حمل على عاتقه مهمة نشر القيم الإسلامية السمحة، وترسيخ ثقافة الحوار، وتفنيد الفكر المتطرف، ومواجهة الغلو والانحراف العقدي والسلوكي، وذلك تحت القيادة الحكيمة لفضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذي يُعَد صوتًا عالميًّا للسلام والعدل، وصاحب المبادرات الرائدة في دعم العيش المشترك، وتعزيز التفاهم بين أتباع الأديان والثقافات.
مبينًا نطير عياد، أن دار الإفتاء المصرية تشاركها هذا الدور وتسير على هذا النهج الأزهري الأصيل، إذ تقوم دار الإفتاء بدورٍ محوريٍّ في مواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، ونشر الوعي الديني المستنير، من خلال ما تقدمه من فتاوى رصينة تستند إلى منهج علمي راسخ، وتراعي الواقع وتحدياته، وتعمل على دعم السلم المجتمعي، وصيانة الهوية الدينية والوطنية، كما تسعى الدار إلى تعزيز قِيَم المواطنة والتعايش، وتُفعِّل حضورها العالمي عبر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، التي تُعد منصة دولية للحوار والتنسيق والتواصل بين مؤسسات الإفتاء في مختلف أنحاء العالم، في سبيل مواجهة مشكلات العصر، والتصدي لمظاهر الانغلاق والتشدد.
كما أعرب المفتي في ختام كلمته، عن خالص شكره وتقديره لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية على كرم الضيافة و حفاوة الاستقبال، ومشيدًا بتنظيم هذا المؤتمر المهم، الذي يسهم بلا شك تصحيح المفاهيم المغلوطة وتعزيز القيم المشتركة ونشر وسطية الإسلام، بعيدًا عن الغلو أو التفريط.
اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: نواجه تحديات فكرية وثقافية تسعى لهدم القيم وتفكيك الأسرة
إحالة أوراق عامل لمفتي الجمهورية بتهمة قتل طفل وسرقته في القليوبية
مفتي الجمهورية يطمئن على الحالة الصحية لفضيلة الإمام الأكبر.. ويدعو له بالشفاء العاجل
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الأزهر مفتي الجمهورية دار الإفتاء الدكتور نظير محمد عياد مؤتمر المواطنة والهوية وقيم العيش المشترك العاصمة الإماراتية أبو ظبي المواطنة والهویة مفتی الجمهوریة العیش المشترک إلى أن
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: العلم والرحمة أساس بناء الشخصية الإسلامية
أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أن العلم في مضمونه وجوهره ليس مجرد تكديسٍ للمعلومات أو حفظٍ للمتون، بل هو منظومة متكاملة تهدي العقول إلى الرشاد، وتزكي النفوس، وتدفع الإنسان إلى إدراك الحق وتمييزه عن الباطل، مبينا نه إذا تجرد من أثره الأخلاقي والسلوكي، فقد جوهره وقدرته على البناء والإصلاح، مشيرا إلى أن الرحمة ليست طارئة على مسيرة العلم، بل هي ركن من أركانه، وميزان دقيق يحدد وجهته، إذ بها يستقيم أثره، ويتحقق مقصده، وتسمو غايته، فلا علم نافع ولا فقه سديد بلا قلب رحيم.
جاء ذلك خلال كلمته بالمعهد العالي للحديث النبوي وعلومه، بمدينة سمرقند على هامش مؤتمر «الماتريدية مدرسة التسامح والوسطية والمعرفة» بجمهورية أوزبكستان.
وقال مفتي الجمهورية، إن السيرة النبوية المطهرة تمثل الأنموذج الأكمل لهذا المزج البديع بين العلم والرحمة، وقد تجلى ذلك في مواقف عديدة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما رواه الصحابة الكرام عن الرجل الذي جاء يستأذنه في الزنا، فلم يواجهه النبي بالزجر أو التوبيخ، وإنما خاطبه بحكمة ورفق، مستنهضًا مشاعره الإنسانية، حتى عاد عن طلبه وقد امتلأ قلبه إيمانًا ونقاءً، كما تتجلى هذه الرحمة أيضًا في موقفه صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي بال في المسجد، فبينما همّ بعض الصحابة بتعنيفه، نهى النبي عن ذلك وتعامل مع الموقف بحكمة بالغة، موضحًا للأعرابي بلطفٍ حرمة الأماكن الطاهرة، ليقدم بذلك درسًا خالدًا في التربية بالرحمة، والتعليم بالحكمة.
وأشار المفتي، إلى أن الكذب من أعظم الآفات التي تفسد على الإنسان دينه وعقله، وتهدم جسور الثقة بينه وبين مجتمعه، وهو من أبشع ما تُبتلى به القلوب، وأشد ما يُفسد به القول والعمل، إذ به تُطمس الحقائق، وتُلبّس المقاصد، وتضيع الحقوق، فهو ليس مجرد انحراف في اللسان، بل هو اعوجاج في الفهم، وخلل في الميزان الأخلاقي، وهو مفتاح لكل شر، كما جاء في الحديث النبوي «وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار» منبهًا إلى خطورة هذا الجرم لمن يشتغل بالسنة النبوية.
وأوضح مفتي الجمهورية، أن الكذب لا يقتصر على اختلاق الأقوال ونسبتها زورًا إلى مقامه الشريف فحسب بل يتسع ليشمل تحريف الفهم، وإخراج النصوص عن سياقها، وتحميلها ما لا تحتمل، وتوظيفها لخدمة أهواء وانحرافات فكرية وسلوكية، مبينًا أن المشتغل بالسنة النبوية يحمل أمانة عظيمة، لا تقف عند حدود الرواية، بل تمتد إلى صدق الفهم، وسداد التأويل، ومراعاة السياق والإخلاص في النقل والمقصد، فكل إساءة في التأويل، أو استدعاء للنصوص في غير موضعها، أو توظيفها في غير غاياتها، هي في حقيقتها صورة من صور الكذب، بل ربما كانت أشد خطرًا، لأن الكذب اللفظي قد يُكشف ويُرد، أما الكذب في الدلالة فقد يُضلَّل به الناس، وتُقلب به الموازين.
وحثَّ طلبة العلم والمشتغلين بالسنة النبوية على الإكثار من الذكر والاستغفار، إذ به تطمئن القلوب وتستنير العقول وتُحصَّن النفس، فهو السلاح الذي يعصم الإنسان من الفتن، ويُمدّه بالقوة الروحية والمعرفية التي تعينه على الحفاظ على الأمانة العلمية في فهم النصوص وتطبيقها، داعيًا إياهم إلى أن يجعلوا من الذكر حصنًا يحميهم من الزلل في القول والعمل.
وقد أعرب مفتي الجمهورية في ختام كلمته، عن خالص شكره وتقديره للقائمين على المعهد العالي للحديث النبوي وعلومه، وسعادته بهذا اللقاء العلمي المبارك، الذي حضره طلاب وأعضاء هيئة التدريس بالمعهد، وعدد من ضيوف المؤتمر، كما ألقى في هذا اللقاء، كل من الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، والأستاذ الدكتور أحمد الحسنات، مفتي المملكة الأردنية الهاشمية، كلمات علمية أثرت الجلسة وأضافت أبعادًا فكرية ومعرفية عميقة حول مكانة السنة النبوية، وتأكيد منهج الاعتدال والرحمة في التعامل مع النصوص ومقاصدها.