بطل في القمة.. قصة جريح الوطن محمد جفان
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
دمشق-سانا
براحتي يديه يخلع طرفيه الاصطناعيين اللذين سيرافقانه مدى حياته، مستعداً لدخول المسبح ومتحدياً إصابته التي يعتبرها وسام شرف وإخلاص للوطن ويقول: “لا شيء مستحيلاً أنا من يتحكم بظروفي..” بهذه العبارة استهل جريح الوطن محمد جفان حديثه لنشرة سانا الشبابية.
وبعزيمة بادية على ملامحه، أضاف: “التحقت بالجيش العربي السوري في مدينة حمص، وكنت سائق عربة (بي ام بي)، أصبت بقذيفة هاون عام 2015 وهي الإصابة الثانية، حيث كانت الأولى بفخذي وعدت للقتال فداء للوطن.
وتابع: “فتحت عيني لأجد نفسي في المستشفى مقطع الطرفين السفليين، وعلمت حينها أنني في مرحلة جديدة من حياتي تحتاج الصبر والقوة والإرادة، لم يكن الأمر سهلاً، وقضيت فترة طويلة في المنزل، وكانت والدتي الداعم الأكبر حينها”.
بعد عام من العلاج انتقل جفان إلى مرحلة جديدة وهي تركيب الأطراف الاصطناعية ليستطيع المشي، وأضاف: “قررت في هذه المرحلة أن أرفع اسم وطني من خلال السباحة التي كانت هوايتي منذ الصغر واحترفتها، حيث شاركت بأول بطولة عن طريق مشروع جريح الوطن، وتعلمت رياضة السباحة بفضل تشجيع المدربين مثل البطل العالمي صالح محمد والمدرب علاء حرموش، وخضت بطولات عدة، عام 2021 حصلت على المركز الأول بسباق الـ 50 متراً، وعام 2022 حصلت على المركز الثاني بسباق الـ 100متر، وحالياً أستعد لبطولة ستقام الشهر العاشر في الصين.
لم تثن إصابة جفان من عزيمته في البحث عن عمل يعيله، فقام ببيع الإكسسوارات وطباعة الصور على الخشب في محله، من خلال تعويض قدمه له مشروع جريح الوطن، وتمكن من خلاله أن يتزوج ويرزق بطفلتين، حيث يقول عن طفلتيه: “تقومان بحمل طرفي السفليين عندما أخلعهما، واستقبالي عندما أعود إلى المنزل، وهذه اللحظات تجعل مني أباً قوياً”.
عندما ترى جفان تتعلم منه حب المساعدة للآخرين، وهذه السمة برزت في عدة مواقف منها زيارة أهالي رفاقه الشهداء والاطمئنان عنهم دوماً، وتصميم دراجات نارية للمصابين من رفاقه الجرحى بعد نجاحه بتصميم دراجته بنفسه، أيضاً دعمه لابنة أخته التي تعاني من خلع ولادة، فقد قدم لها العلاج الفيزيائي الذي تعلمه، ما ساعدها على المشي، ويطمح أيضاً لتعليمها وتعليم أبنائه السباحة، وأيضاً يدعم رفاقه في السباحة ويشجعهم على خوض البطولات.
تعددت طموحات جفان فسلك طريق الدراسة درباً جديداً، حيث تقدم لامتحانات شهادة التعليم الثانوي، ويطمح لدراسة العلاج الفيزيائي، ليعالج المصابين والجرحى.
لزوجة جفان دور كبير في حياته، فهي تدعمه في كل خطوة يقوم بها، حيث تقول: “محمد رغم إصابته يتحمل مسؤولية العائلة، ويقدم الدعم لي ولأطفالي فأنا أحب طاقته الإيجابية، وبنظري هو سليم معافى”.
مرام القباقلي
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: جریح الوطن
إقرأ أيضاً:
بلاغ البرهان رقم صفر: ضد اللساتك وضد الذاكرة
رأيتُ في ما يرى النائم، أن عبد الفتاح البرهان زارني.
جاءني كما يأتي البلاء:
بصمتٍ عسكري، وملامح لا تحمل أي معنى خارج البلاغ رقم واحد،
وكان معه فكي جبريل مختبئاً بالخارج، يحمل في جيب جلابيته فارق بارود الطلقة الأولى.
كنت في المطبخ حينها، أقف على حافة الصباح،
أعدّ قهوتي بهدوء المساكين الذين لم يتيقنوا بعد إن كانت هذه البلاد حيّة أم في غيبوبة.
النار وادعة، ورائحة القهوة تتصاعد بخشوع،
لكن حضوره — كما فعل في الخرائط — أفسد التوقيت.
فارت القهوة، سالت،
تدفقت على نار الموقد كما تتدفق الدماء حين يُقرر الجنرال أن:
“المرحلة تتطلب الحسم”.
لم أُمسك بالكنكة،
بل أمسكت لساني،
ثم أفلتُّه.
فانسكب منه سُباب ثقيل:
دين العسكر…
كنت أقرب إلى صلاة على روح ما تبقّى من هذا الوطن، ولكن دخوله أفسد اللحظة.
⸻
قال لي، بصوتٍ يشبه نشرة إخبار كاذبة تتخللها خُطب ياسر العطا ومحمد الجزولي:
“البلاد لا تنهض بحرق اللساتك.”
قلت له وأنا أمسح القهوة من على البلاط:
“ولا تنهض بالبندقية يا جنرال الغفلة، وهي مصوّبة إلى القلب.”
ابتسم ابتسامة من لا يعرف معنى القلب،
ابتسم كما يبتسم القاتل حين يُطلب منه أحد أن يعتذر.
وغاب.
غيّر فكي جبريل من مكانه تحت الشجرة،
لأن شبكة إرسال الهاتف كانت ضعيفة وهو يتحدث ويراقبنا.
فجأة، اختفى الاثنان، ولاح شبح سناء حمد ثم تبخّر،
لكن الريح التي خلّفها كانت نتنة بما يكفي لإصابة الهواء بالغثيان.
تنفست الصعداء،
دخلت الريح النتنة رئتي، فأصابتني بالغثيان أيضًا…
⸻
خرجت أسقي الزرع في الحوش الخلفي، وأُخلص رئتي من الرائحة، فعاد البرهان.
كان يمشي كما تمشي الذاكرة حين تفقد الطريق والبوصلة.
لم يقل شيئًا في البداية،
فقد كانت النبتات أكثر لباقة منه.
ثم قال بصوت نَكِرة:
“دخان اللساتك يشوّه صورة الدولة.”
قلت:
“الدولة؟
هي التي شوّهت صورة البلاد يا سيدي،
ونحن فقط نرفع المرآة.”
سكت.
ثم سألني:
“أين الوطن إذن؟”
قلت:
“الوطن احترق…
حين ظننتم أن اللساتك جريمة، وأن الرصاصة حُكم.”
ثم اقترب مني هامسًا — كأنما لا يريد للتاريخ أن يسمع —
وقال بشيء من الحنين:
“أنا فقط… كنت أحاول أن أحقق حلم والدي.
فقد قال لي ذات يوم:
يا ولدي، سيكون لك شأن عظيم في البلد.”
نظرت إليه طويلاً.
كانت عيناه ترتجفان بحنينٍ مستعار،
كما لو أنه يحلم بالحكم ويخافه في آن يحكم.
فقلت:
لكن الحلم الذي ورثته،
صار كابوسًا عامًا لكل من مرّوا تحت خُطاه.
⸻
كان البرهان، في تلك الزيارة،
أشبه بـ تقرير أمني فقد صفحته الأولى،
لا يعرف لماذا أتى، ولا كيف يخرج.
قلت له، وأنا أروي جذور الشجر:
“الذين أشعلوا الإطارات،
لم يريدوا أن يحرقوا البلاد،
بل أرادوا أن يُنيروا ما أطفأته البنادق.”
توقف، نظر إلى الماء يسيل على التراب،
ثم قال بصوت متردد:
“لكننا خرجنا ببلادنا من الظلام.”
ضحكت،
لا على النكتة،
بل على الرجل الذي ظن أن الرصاصة ضوء،
وأن من أشعل شمعةً على الأسفلت،
هو السبب في هذا الظلام .
⸻
اختفى، لكنني وجدت أثر حذائه العسكري على البلاط.
لم يكن وحلاً،
بل كان شيئًا أثقل:
بصمة من ركام،
أو بقايا خيانةٍ عابرة.
غسلت الأرض،
أعدت غلي القهوة،
وتأكدت أن الوطن — رغم كل شيء —
لا يزال يعرف الفرق
بين دخان اللساتك،
ودخان البندقية.
لكن البرهان لا يعرف.
zoolsaay@yahoo.com