تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
مقالي اليوم أضعه في الزاوية الإنسانية وهو شخصي جدا لكنه يهمّ الكثيرين لأنه قلّما يختار الناس الحديث فيه بل يسدلون ستائرهم ويفضلون الانطواء. أما أنا فقررت مبكرا أن أسترجع أزمتي الصحية "فوق العادية" في نفس هذا اليوم من كل عام بل وكل يوم، لأنها مليئة بالدروس، لنفسي ولغيري، ولقناعتي بأن عسل الكلمات يستطيع أن يطفئ التهابات الجروح.
جاء الوصف لمحصِلة المشاعر المتضاربة محموما، فصدمة المرض وتأثير جرعات العلاج القاسي على الحالة الجسدية والنفسيةِ، إضافة إلى مخاضات عاشتها الميادين العربية، كل ذلك جعل عدة شهور أثقل من وزن كل السنين السابقة في حياتي.
وخلال هذه الأزمة تعلمت فن البحث عن الوجه الإيجابي للمصيبة وهو فن نادر لا تدرسه كليات الفنون والآداب الإنسانية وإنما نتعلمه في أكاديميات الحزن؛ ذلك الحزن الذي من فرط شدته يخرس صوت الدموع. فمن المعروف أن الألم الكبير لا دموع له، لكنه يصبح جناح التحليق في سماء الإبداع. واخترت السير في غابات الحكماء القدماء لأتذكر باستمرار أن كل شيء يبدأ صغيرا ثم يكبر إلا الحزن فإنه يبدأ كبيرا ثم يصغر، ولا يزال يصغر ويصغر حتى يتلاشى ويُنسى. اليوم وأنا أتابع الكثيرين من حولي وهم مساجين في حزنهم، لمرض أو فقد أو حتى حزن عام من فوضى "غير خلاقة" أصابت العالم، أقول: اخرجوا من حزنكم فالحزن لحظة والفرح حياة وابحثوا عن الحكمة!
والأهمُّ في خضم تلك المعارك الداخلية مع النفس أن تتحدثوا لتعبروا تلك الأحداث بمرّها وحكمتها وتتوقفوا عند العديد من القصص الإنسانية خلال هذه المحنة، وترووها فقد تنير سبيلَ أشخاصٍ يعايشون تجارب مشابهة ولا يستطيعون مشاركتنا معاناتهم. تيقنوا أن التهابات الجروح ونيران المواجع تنطفئ مع عسل الكلمات!
كانت التغيرات الفسيولوجية متلاحقة وصادمة، فالشعر يحترق ثم يتساقط ويقتلع تماما من جذوره، والبشرة تصدأ، والجلد يصفرّ ويعتريه الشحوب ثم يجرفه الموات. وتعرّيني انفعالات الحالة الجديدة فتخلع عني الحبّ وتدخلني إلى كهف الكراهية والسخط على النفس، فأجلدها وتطرحني أرضا وكانت كفيلة بأن تدفعني إلى التقوقع وتجنب الاتصال بالناس، بالرغم من أني لم أنج من الشرّ المجاني عبر تعليقات قاسية لبعض الناس انتهكتني ونظرات جارحة أربكتني، لكن سرعان ما كنت ألتمس للبعض حسن النية وقلة الوعي. فجان بول سارتر، الفيلسوف الفرنسي، يرى أن الجحيم هم الآخرون. ولكني أرى ان الانسان كائن اجتماعي وهو من يصنع من الآخرين جحيما أو فردوسا للنجاة. وهذا يتوقف على التصالح مع النفس حتى لا تتحول تلك الندبات في الجسد إلى جراح نفسية. وكلما اشتدت آلامي لجأت إلى الكتابة أمد ُاليد إليّ أولا، ثم إليكم حتى تشاركوني هذا التحدِي، علَهُا تُخفِفُ عن قلبي هذا الغم وتحتوي المصيبة، فكما يقول الأديب الجزائري كاتب ياسين "الـكـتـابـةُ وحـدهـا تـُـلـغـي الـمـوت بـاحـتـوائـه".
كان ملك الحرف يصرخ فيّ كل حين: "اكتبي فمن يكتب لا يموت!". ربما يكون آخرون قد مَرُوا أو يمرون الآن بنفس المحنة أو أقسى حدة، فبكوا حظَهُم العثر، وانتحبوا محنتهم وخرجوا منها ممزقين وقلقين، يحملون المرض في جيناتهم وثقلا نفسيا على أكتافهم، يكمِلون بها ما بقيَ من أيام في حياتهم. لكن بفضل مجاهدة النفس أوقفت نهر البكاء ليبدأ تنفيذ قرار المقاومة من أجل الحياة، وهو قرار تطلب الكثير من الصبر والإرادة ودورات تدريبية على ترويض النفس والتحكم في الغضب و"فنّ التخلّي" كلما ظهر شيء أو شخص يسعى للتحكم في قراراتي أو مبادئي.
بداية المقاومة كانت بالبحث عن معان جديدة للحياة جعلتني أكثر قوة ونضجا، والأهم معاني الاستمتاع بالحياة بشكل ما؛ الاستمتاع بكل ما لديّ وربما لم أكن منتبهة له فيما قبل. وشعرت بالسعادة ليس لأني نجوت من المرض والحزن على نحو ما، وإنما لأني مازلت قادرة على ممارسة تمارين التحلي بالصبر. تعلمت ماذا يعني أن أتدرَب وأتمرَن على مقاومة الألم، وماذا يعني أن أحتمِل السجن، وكيف كنت أحاول أن أُجمّلَ سجني حتى لا تصدأ مشاعري كما صدأت جلدتي. هكذا كنت أتسلى بلعبة لكم الأوجاع فتسرقني الألوان والأفكار من كآبتي وتدغدغني رائحة الكتب القديمة فأغفل عن الألم. مدهشة تلك الأوجاع التي تصنع أزهارها وعطورها وكلماتها.
أعلم أن تلك المقاومة منحتني فرصة استثنائية للنجاة لحد الآن، ربما ضنت الدنيا بها على آخرين؛ كثيرون من الذين أسقطهم المرض اللَعين لم ينهضوا أبدًا! أما وقد مُنحتُ ُهذه الفرصة فقد قررت ُأن أسجل تجربتي، وأحتفل بميلادي الجديد حتى أمسح من سبورة ذاكرتي كل الغيوم التي عبرت سمائي وعطنت مشاعري.
ربما أبكيتكم.. وربما أضحكتكم.. أو لعلني طحنت عظامكم وأنتم تتابعون تفاصيل معركة شرسة.. أرجوكم لا ترددون جملا محفوظة لهذه المناسبات.. إنها لا تليق بالمحاربين، فالحزن يجب أن يسلحكم بالقوة كما سلحني بها. لذلك أودعتكم مشاعري حتى نتلمس معا خطوات الأمل ونمحو الدموع والحسرة وذكريات الضعف والوهن.. والأهم أن أستمر أكتب وتكتبون.. لأن حياةً واحدةً لا تكفينا!
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: عيد ميلاد جديد
إقرأ أيضاً:
انتصرت على السرطان.. تفاصيل وفاة الفنانة السورية سمر عبد العزيز
سمر عبد العزيز.. خيم الحزن على الوسط الفني، عقب رحيل الفنانة السورية سمر عبد العزيز عن عمر ناهز 52 عاما بعد معاناة مع المرض.
وفاة الفنانة السورية سمر عبد العزيزونعت نقابة الفنانين السوريين، الفنانة سمر عبد العزيز، قائلة: «وداعاً الزميلة الفنانة الشابة سمر عبد العزيز.. يشيع جثمانها الطاهر اليوم الأربعاء الساعة 12 ظهرا من مشفى الإيطالي ويصلى عليها في جامع لالا باشا عقب صلاة الظهروتوارى الثرى في مقبرة نجها».
وأعلنت النقابة موعد عزاء الفنانة سمر عبد العزيز، وقالت: «تقبل التعازي للرجال والنساء في صالة الإسعاف الخيري الكائنة خلف البرلمان امتداد شارع الحمراء يومي الأربعاء والخميس 30 أبريل و 1 مايو من الساعة 8 مساء حتى الساعة 10ليلا، إنا لله و إنا إليه راجعون».
يذكر أن الفنانة سمر عبد العزيز، كانت تعاني من مرض سرطان الثدي منذ عام 2021، وأوضحت أن الحالة النفسية التي دخلت فيها عقب صدمة عاطفية سببها انفصالها عن زوجها السابق، المخرج محمد معروف، كانت من العوامل التي ساهمت في ظهور المرض.
ثم أعلنت سمر عبد العزيز في عام 2023 تعافيها من المرض بعد رحلة علاج طويلة، لكن إصابتها بالمرض أثرت على جهازها المناعي مما أدى إلى حدوث مشاكل بالكبد وتدهورت حالتها الصحية الأيام الماضية، مما تسبب في وفاتها داخل المستشفى.
سمر عبد العزيز ممثلة ومغنية سورية، من مواليد عام 1973، وتنتمي لعائلة فنية، فهي شقيقة الفنانة ريم عبد العزيز ابنة الشاعر الغنائي نظمي عبد العزيز، وخالها الملحن عزمي مورة.
شاركت سمر عبد العزيز، في العديد من الأعمال الدرامية السورية، منها مشاركتها في مسلسل «باب الحارة»، الذي جسدت خلاله شخصية «وداد»، وغيرها من الأعمال أبرزها «أنشودة المطر، سيرة آل الجلالي، هولاكو»، كما قدّمت مجموعة من الأغاني.
اقرأ أيضاًسبب وفاة الفنانة إيناس النجار.. شقيقتها «سوار» تفجر مفاجأة
وفاة الفنانة السورية إنجي مراد
خبر صادم.. ما حقيقة وفاة الفنانة الكويتية حياة الفهد؟