ترجمة: قاسم مكي
حتى الرئيس دونالد ترامب أصابه الخوف من احتمال تعرض «الدولار الجبار» والنظام المالي العالمي الذي يرتكز عليه إلى مخاطر مع رد الفعل المذعور في سوق السندات على حربه التجارية. فرغم كل تعليقاته المفرطة في تفاؤلها ربما لا يزال خطر التخلي عن الدولار قائما.
كان المستثمرون في الأسبوع الماضي يبيعون كل شيء أمريكي (الأسهم والسندات والعملة) مع احتدام الأزمة، ويقول المحللون إن المسارعة إلى بيع الأصول المالية عكست خوفا من خطورة الرهان على اقتصاد الولايات المتحدة نفسه.
تظاهر مستشارو ترامب بأن كل شيء على ما يرام. لكن ترامب أفصح عن الحقيقة مساء الأربعاء الماضي بتعليقه للرسوم الجمركية التي كان قد فرضها لتوِّه على معظم البلدان. قال ترامب للصحفيين: «سوق السندات معقدة جدا. كنت أراقبها، رأيت الناس مساء أمس يتوترون بعض الشيء»، وفي مقابلة أخرى ذكر أن المستثمرين «كانوا متوترين وخائفين بعض الشيء»، ومن المؤكد أن ترامب (رجل الأعمال) يفهم الجشع والخوف وهما القطبان التوأمان لسيكولوجية الأسواق.
عاد الخوف وكان هو الشعور الطاغي يوم الخميس مع هبوط الأسواق بعد إدراكها أن ترامب مستمر في تصعيد حربه التجارية مع الصين، وهي القوة العظمى التجارية الأخرى للعالم. وقد لا يَخِفّ قلق السوق إلى أن يُبدِي استعداده للتفاوض حول صفقة مع الصين أيضا.
يرى لورانس سمرز وزير الخزانة بإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون أن تصرف ترامب إقرار منه باقترابه من لحظة حاسمة ومماثلة لأزمة قناة السويس في عام 1956 عندما فقدت بريطانيا وإلى الأبد هيمنة الجنيه الإسترليني كعملة احتياط. بعث لي سمرز برسالة قصيرة يوم الأربعاء جاء فيها: أظن أن الإدارة الأمريكية تراجعت لأنها رأت اقتراب لحظة (مماثلة للحظة أزمة) السويس مع تمدد انعدام الثقة في الأصول المالية للولايات المتحدة إلى الدولار.
الأسواق ترتفع وتهبط ويظل وضع اقتصاد الولايات المتحدة في الأجل الطويل مهيمنا. لكن هنالك اتجاه أعمق يفعل فعله هنا ولا يكاد يحظى بالاهتمام وسط تصريحات وتراجعات ترامب اليومية حول سياساته. فالتخلص من الاعتماد على الدولار يحدث سلفا في العالم الذي ضاق ذرعا من سياسات الولايات المتحدة العشوائية ومن سوء إدارتها لشؤون الاقتصاد المحلي والدولي.
ذكر صندوق النقد الدولي في تقرير العام الماضي أن هنالك «تدهورا تدريجيا في حصة الدولار من مخصصات احتياطيات النقد الأجنبي للبنوك والحكومات». شكَّل الدولار أكثر من 70% من الاحتياطيات في عام 2000 لكن هذه النسبة انحسرت إلى أقل من 60% في العام الماضي. وتحولت البنوك المركزية إلى الاحتفاظ بالمزيد من الذهب والمزيد من «العملات غير التقليدية» مثل الرينمينبي الصيني، بحسب الصندوق.
إلى ذلك، أشار تقرير صدر عن معهد بروكنجز في العام الماضي إلى ثلاثة تحديات لهيمنة الدولار.
أولا، أفرطت الولايات المتحدة في استخدام العقوبات الاقتصادية لأكثر من عقد وهذا ما جعل المعاملات بالدولار أكثر تعقيدا.
ثانيا، مشاكل الدين والعجز الأمريكيين في تفاقم ويتجاهلها كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين. وهي تضعف القدرة الائتمانية للولايات المتحدة في الأجل الطويل.
ثالثا، تبتدع التقنية المالية طرقا جديدة وسريعة لتسوية المعاملات خارج سوق الدولار.
ربما أدى تحويل الدولار إلى سلاح في الماضي إلى رد فعل سلبي. ففي مقابلة أجريتها معه عام 2016، حذر جاك لو وزير الخزانة في عهد إدارة باراك أوباما من «المبالغة في استخدام العقوبات» ضد إيران وروسيا وكوبا والصين وبلدان عديدة أخرى. ففي اعتقاده كلما زاد عدد العقوبات المستخدمة كلما قلت فعاليتها. كان ذلك قبل 9 أعوام.
مع ازدياد توجُّس العالم من الدولار ظلت الصين تدفع بعملتها الرقمية الخاصة بها في تسوية المعاملات عبر الحدود. لقد تعاونت الصين مع الإمارات والسعودية في مشروع يعرف باسم «أم بريدج» لإيجاد يوان رقمي كبديل للمعاملات المالية بالدولار. وحسب تقرير حديث صدر عن جمعية آسيا تحت عنوان «من البترودولار إلى اليوان الرقمي» هذا التوجه يتسارع.
يمكن أن يكون تحدي الصين للدولار أكثر شراسة إذا تفاقمت الحرب التجارية. لقد قيل إن بنك الصين أنشأ آلية مدفوعات باليوان الرقمي مع 10 بلدان جنوب شرق آسيوية و6 بلدان شرق أوسطية تمكِّنها نظريا من الالتفاف حول نظام «سويفت» الذي تقوده الولايات المتحدة.
على أية حال، استبعد سمرز وخبراء آخرون أن تثق الأطراف المالية العالمية الكبيرة بنظام عملة رقمية يدار بواسطة دولة كالصين في إجراء معاملاتها المالية.
الخلاصة هي أن دور الدولار بوصفه عملة احتياط العالم وآلية مدفوعاته تجسيدٌ للثقة العالمية في أمريكا. لقد تولت الولايات المتحدة من خلال الإدارات الجمهورية والديمقراطية حماية حكم القانون والاستقرار المالي العالمي. لكن ترامب في أول مائة يوم من فترته الرئاسية الحالية تحدي تلك المبادئ بالضبط. وكما ذكر لي سمرز «ظلت إدارة ترامب تكشف عن السِّمات الاقتصادية الخاصة ببلد اقتصادٍ ناشئ «بسياساتها المتقلبة وغير الموثوقة والاستبدادية.
يقول مايكل فرومان رئيس مجلس العلاقات الخارجية « لقد أوجدنا خصما مشتركا للنظام العالمي. إنه الولايات المتحدة.» وإذا استمر ذلك من الصعب تخيل أن الدولار لن يفقد، في نهاية المطاف، دورَه المهيمن في التجارة الدولية.
ديفيد اجنيشس روائي وصحفي يكتب عن الشئون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
الحرب التجارية تدفع أسعار النفط نحو أكبر تراجع شهري منذ 2021
أكبر خسارة شهرية منذ أكثر من 3 أعوام تراجعت العقود الآجلة لخام برنت، الأربعاء، بمقدار 75 سنتاً، أو ما يعادل 1.17 بالمئة، إلى 63.50 دولار للبرميل.
كما هبط خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 79 سنتاً بنسبة 1.31 بالمئة إلى 59.63 دولار للبرميل.
وبذلك يكون خام برنت قد خسر 15 بالمئة من قيمته هذا الشهر، مقابل انخفاض بنحو 17 بالمئة لخام غرب تكساس، وهو أكبر تراجع شهري من حيث النسبة المئوية منذ نوفمبر 2021، بحسب بيانات "رويترز".
رسوم ترامب تشعل فتيل التراجع الضغوط بدأت مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطلع أبريل فرض رسوم جمركية شاملة على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، ما دفع الصين للرد برسوم مضادة على واردات أميركية، لتتصاعد التوترات بين أكبر مستهلكين للنفط في العالم.
وهذا التصعيد ساهم في دفع الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات. تراجع ثقة المستثمرين وتصاعد المخاوف انعكست المخاوف التجارية على ثقة المستثمرين في الأسواق، فقد أظهر استطلاع أجرته "رويترز" أن الرسوم الجمركية الأميركية زادت من احتمالية دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود هذا العام.
كما أظهرت بيانات رسمية انخفاض ثقة المستهلكين الأميركيين لأدنى مستوياتها في خمس سنوات تقريباً في أبريل.
وفي الصين، سجل نشاط المصانع أكبر انكماش له منذ 16 شهراً، ما يعزز التوقعات بتباطؤ الطلب العالمي على الوقود.
تحليل: البيانات الأميركية الإيجابية مؤقتة قال دانييل هاينز، محلل شؤون السلع في بنك ANZ، إن "المخاوف المتعلقة بالطلب في ظل الحرب التجارية تضعف معنويات المستثمرين"، مضيفاً أن التحسن الأخير في البيانات الأميركية ربما كان مدفوعاً بالتخزين المؤقت قبل فرض الرسوم، وهو ما بدأ يتلاشى الآن.
محاولات للتهدئة لكنها غير كافية رغم مؤشرات على تخفيف التوترات، مثل توقيع ترامب لأوامر تقلل من وطأة الرسوم الجمركية على السيارات، إلا أن السوق لا تزال تتعرض لضغوط.
ويرى محللون أن سياسة إدارة ترامب التي تفضل أسعار نفط منخفضة من أجل كبح التضخم، تواصل الضغط على الأسواق.
ارتفاع المخزونات الأميركية يزيد الضغوط على صعيد المعروض، أفادت بيانات معهد البترول الأميركي بارتفاع مخزونات الخام في الولايات المتحدة بمقدار 3.8 مليون برميل الأسبوع الماضي.
ومن المقرر صدور بيانات رسمية لاحقاً اليوم، مع توقعات بزيادة إضافية قدرها 400 ألف برميل