تعتبر الحرية من أعقد المفاهيم وأكثرها إثارة للجدل، وذلك بحكم أن شكل ممارستها، يتدخل في تكييف المفهوم، ويصير جزءا من ماهيته، كما أنه لا يتصور ممارسة لهذه الحرية من غير سبق تنشئة تربوية، يخضع لها الناشئ القاصر قبل التحقق بمناط الاختيار(الرشد)، فتكون التربية، باعتبارها منظومة قيم، مؤثرة في الاختيار، أو محددة للأسس الثقافية التي تصنع الاختيار وتكيف الذوق وتؤثر في القرار.



كان من الطبيعي أن يخوض الفكر الغربي، معارك كبيرة من أجل التأصيل للحرية، فقد كان السياق محكوما بفكرة الحق الإلهي المطلق، وكان التجسيد الواقعي لهذا المفهوم، يمر عبر تحكم كنسي، يجعل من سلطة الله على العباد، مدخلا لممارسة سلطة العباد على بعضهم البعض، أو سلطة الكنيسة المتحالفة مع الإقطاع على الضعفاء والمستضعفين.

ولذلك، خاض الفكر الغربي مسارات طويلة للتأسيس لفكرة الحرية، ونقض فكرة الحق الإلهي، وبلورة مفهوم نقيض لها يقوم على فكرة الحق الطبيعي. قام الفكر الديني بجزء من هذه المعارك قبل حركة الإصلاح الديني، فقام توماس الإكويني بجهد توفيقي، سعى من خلاله، تدبير التوتر بين مطلب الحرية، وبين مطلب الطاعة للسلطة الإلهية مجسدة في الكنيسة، وكان التركيب الذي انتهى إليه، هو الحفاظ على الجماعة.

ثم جاءت الحركة الإنسية تعلي من قيمة العقل، وأعقبتها حركات الإصلاح الديني، التي بدأت شبه ثورية، مع لوثر الذي خاض معركة الحرية من بوابة ثيولوجية صرفة مع الحفاظ على قدر من التوازن، حاول من خلاله أن يحد من التأويلات التي تقرأ إسهاماته الثيولوجية على أساس  أنه تثوير  للجماهير يتم من داخل النص الديني، ثم كانت حركة كالفن أكثر ثورية، دفعت  الإقطاع في أوربا للتحالف ضده، وخوض معارك استئصالية عنيفة ضد الحركة الدينية الإصلاحية، وكانت هذه التضحيات، مقدمات لجدل فلسفي طويل، انتصر بعضه للعقلانية (ديكارت) وحافظ بعضه الآخر على روح فلسفة توماس الإكويني، في البحث عن صيغة للتوفيق بين السلطة الدينية والسلطة الزمنية، فكان التأصيل لفلسفة التوفيق بين العقل والإيمان مع كانط، ليتم في نهاية المطاف حسم المعركة، لفائدة التفكير الوضعي (أوجست كونط)، الذي  يبعد النص الديني بالكلية عن المجال الزمني، ويجعل للإنسان وحده، الفاعلية في تدبير السلطة الزمنية وإدارة المدينة.

كان أساس هذه الحركة، التي أخذت قرونا مطردة من الزمن، هو الاعتقاد بحرية الإنسان، والإيمان بالعقل، وقدرته على إدارة السلطة الزمنية، وإبعاد الدين بالكلية، إما عن الحياة بشكل كلي، أو على الأقل، عن إدارة السلطة الزمنية (السلطة السياسية).

التجربة الغربية والنشأة السجالية للحرية

يجرنا التأمل في تحديدات فلاسفة الأنوار، وبالتحديد هوبز وجان جاك روسو إلى فهم السياق الذي تشكل فيه مفهوم الحرية عندهم.

البعض يعتقد أن أهم فكرة جاء بها هوبز هو تأسيسه لفكرة الانتقال من الحقوق الطبيعية إلى الحقوق المدنية، بل فكرة الضابط الذي يسوغ هذه النقلة، أي القانون الذي يضمن الحماية للجميع، والمشروعية التي يحظى بها عند الناس، والعقد الاجتماعي الذي يصوغ كل هذه الحيثيات، لكن هؤلاء لا يتأملون، في فكرة الحرية الطبيعية، أو الحقوق الفطرية التي يولد عليها الإنسان، كما أصل لذلك هوبز، ولا يتأملون حتى في فكرة العقد الاجتماعي، وتمييزه بين أن يكون ضابط الانتقال من الحقوق الفطرية إلى الحقوق المدنية هو القانون، وأن يكون ضابط الانتقال هو القوة والإكراه.

فالرجل، كان يمارس في الحقيقة نقدا للمجتمع الذي كان يساس بقوانين تسلب الناس حقوقهم الطبيعية بحكم أنها تستمد مشروعيتها من سلطة القوة والإكراه، فاتجه فكر هوبز إلى الإقناع بحتمية الانتقال من الحقوق الطبيعية إلى الحقوق المدنية في إطار المجتمع، لكن، مع استبدال المشروعية، من مشروعية سلطة القوة والإكراه إلى سلطة القانون المبنية على فكرة المساواة بين جميع البشر.

البعض يعتقد أن أهم فكرة جاء بها هوبز هو تأسيسه لفكرة الانتقال من الحقوق الطبيعية إلى الحقوق المدنية، بل فكرة الضابط الذي يسوغ هذه النقلة، أي القانون الذي يضمن الحماية للجميع، والمشروعية التي يحظى بها عند الناس، والعقد الاجتماعي الذي يصوغ كل هذه الحيثيات،تبدو النشأة السجالية لمفهوم الحرية عند هوبز واضحة، فالنقد توجه للمشروعية القانونية القائمة على القوة والإكراه، واستبدالها بمشروعية قانونية أخرى تتأسس على فكرة المساواة بين بني البشر، أي نفي أي قداسة لسلطة ما، أو جهة، تدعي امتلاك الحق المطلق لتسويغ سلب الناس حقوقهم الفطرية من غير أساس قانوني يتمتع بمشروعية مجتمعية.

توجه جان جاك روسو متجها آخر، فقد كان همه أن يؤصل لفكرة الانتقال من الحرية الفردية إلى الحرية المشتركة، فإذا كانت الحرية والمساواة، مكسبين فطريين يولد الإنسان بهما، فإن حرص الإنسان على بقاء المجتمع، أو حاجته إلى البقاء ضمن المجتمع والعيش فيه، تتطلب الانتقال من فكرة الحرية الفردية إلى فكرة الحرية المشتركة، وذلك لا يتأتى إلا بفكرة التنازل عن الحرية، من أجل تحصيل مصلحة العيش فالمشترك، وذلك في صيغة عقد اجتماعي، يتفق فيه الأفراد فيما بينهم، ثم فيما بينهم وبين الحاكم.

أسس روسو لفكرة الديمقراطية، والتعبير عن الإرادة المجتمعية من خلال فكرة التمثيلية، أي تفويض سلطة تعبر عن إرادة الأفراد، وتمثل القوانين، التعبير الأسمى عن الحرية المشتركة، بحيث لا يتجرد الإنسان من حريته الفطرية إلا بشكل جزئي، وذلك حينما يكون ذلك من مقتضيات الحرية المشتركة، ويحصل التنازل من الإنسان، بشكل طوعي، لتحقيق مصلحة، تماما، كما هي رؤية هوبز في تكييف الانتقال من الحقوق الفطرية إلى الحقوق المدنية.

ثمة فكرة أخرى مهمة أوردها روسو عن الحرية، تتعلق بتغيير الضابط الحاكم للحرية، ففي الحريات الفطرية، يكون الضابط الحاكم لممارسة الحرية هو الغريزة، لكن، في الحريات المدنية، يكون الضابط الحاكم لممارسة الحرية، هو العقل، وتكون المصلحة المرجوة هو تحقيق العدالة.

واضح من هذا التأصيل الذي أسس له روسو، أن طبيعة نشأة مفهوم الحرية، اتسمت بكثير من السجالية، لأن الهم في فلسفة روسو لم تكن في الجوهر هي تجسير عملية الانتقال من الحقوق الفطرية إلى الحقوق المدنية عبر فكرة التعاقد الاجتماعي، أو فكرة التمثيلية (الديمقراطية)، فهذا ربما كان الثمرة الذي انتهى إليه التأصيل، أما الجوهري في عملية التأسيس، هو إثبات فكرة فطرية الحقوق وطبيعيتها، وهو الأمر الذي لم يكن متيسرا تأصيله في الفكر الغربي، دون معركة شرسة، مع فكرة الحق الإلهي، التي كانت تدعم فكرة حقوق ممنوحة من الرب، وتنظم علاقة الأفراد بالمجتمع بناء على قوانين تستمد مشروعتها من القوة والإكراه والإذعان إلى السلطة التي تمثل الإله لا الشعب.

ولذلك، ربما كان من المهم أن نلحظ أن روسو بدأ من خلال هذا التأصيل بنسف السلطة الدينية، وانتهى ضمن ثماره، إلى التأصيل لمشروعية السلطة الزمنية، القائمة على التعاقد الاجتماعي والتمثيلية (الديمقراطية).

الحرية والمرجعية.. من الدين إلى القانون

من الواضح عند تتبع تنظيرات هوبز وروسو حول الحرية، أن أكبر اهتمامهما كان هو تجسير الانتقال من الحقوق الطبيعية إلى الحقوق المدنية، وتحديد الضابط الذي يسوغ تنازل الناس عن جزء من حرياتهم مقابل مصلحة، دون أن يعني ذلك في شيء التنازل عن الحقوق الطبيعية. وسواء تعلق الأمر بالقوانين المستندة إلى مشروعية التوافق الاجتماعي، أو تعلق الأمر بالآلية التي تؤسس لهذه المشروعية (التمثيلية)، فإن هوبز وروسو، يقران بشكل ضمني بوجود مرجعية للحقوق الطبيعية (الفطرة)، ويقران بشكل واضح، بوجود مرجعية للحد من الحقوق الفطرية، لصالح الحقوق المشتركة، ويسوقان ضمن سياق الاستدلال على شرعية التنازل عن الحقوق الفطرية للأفراد في سبيل تأمين العيش المشترك (الحرية المشتركة) فكرة عقلنة الحرية الطبيعية وترشيدها، ونقلها من مجرد تعبير عن الأنانيات، إلى التعبير عن مصالح عقلانية.

لا يتحدث روسو وهوبز عن مصدري الحريات الطبيعية أو الفطرية والكيفية التي تم بها تحديد هذه الحريات، فعندهما أن الحقوق الفطرية ترتبط بالآدمية، أي بأصل وجود الإنسان، فيتحدثان عن الحقوق والحريات باقتران مع ولادة الناس، فيتقرر بناء على ذلك حق المساواة، أي تساوي الناس أمام الحقوق، لكنهما حين يتحدثان عن كيفيات الانتقال من الحريات الفطرية إلى الحريات المدنية، وما يتعلق بضرورة العيش المشترك داخل مجتمع، فإنهما يحيلان على مبدأ العدالة، فتكون بذلك الحرية، في تصورهما، مرتبطة من حيث أصل وجود الأفراد بالمساواة، ومرتبطة من جهة الحاجة للعيش المشترك بالعدالة.

لا يتحدث روسو وهوبز عن مصدري الحريات الطبيعية أو الفطرية والكيفية التي تم بها تحديد هذه الحريات، فعندهما أن الحقوق الفطرية ترتبط بالآدمية، أي بأصل وجود الإنسان،لن نتحدث طويلا عن قضية الحقوق الفطرية، وبشكل خاص مصدريتها، فهوبز وروسو يرجعان الأمر إلى الطبيعة، أو الآدمية، وكون الفرد يتمتع بهذه الحقوق بمجرد الولادة (أصل الطبيعة)، لكنهما لا يقيمان أي فرز بين مشمول هذه الحريات إلا عند الحديث عن ضرورات عقلنة الحريات الفطرية، والتنازل عن الأناني منها، لفائدة المدني المجتمعي، المحقق لمبدأ العدل. والحال، أن هذا الفرز، الذي اضطرا إلى التأسيس له بقصد شرعنة عملية التنازل عن الحقوق الفطرية لفائدة الحقوق المدنية، حاصل ضرورة، بفعل المرجعية، إذ ما الضابط الذي يرجع إليه، لتحديد ما هو أناني، وما هو عقلاني، وهل العقد الاجتماعي، باعتباره قواعد أو قوانين متوافق عليها بين الأفراد هو ما يحدد مرجعية هذا الفرز، أم أن هذا التوافق الحاصل بمقتضى العقد الاجتماعي نفسه، مؤسس سلفا على فعل التربية والتنشئة الاجتماعية، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال إلغاء المرجعية، ضمن آلياتها وأوعيتها وأدواتها.

فإذا كان للفرد حق التملك، وحق التمتع بالممتلكات، فإن إدراك الفرق بين الكسب المشروع والسرقة أو السطو، لا يتحصل فقط من خلال العقد الاجتماعي، والقوانين التي لجأت إليها الجماعة لتنظيم المعاملات المالية وردع السارق وإقامة عقوبات جنائية عليه، وإنما كان حاصلا قبل ذلك، بفعل المرجعية وفعل التربية والتنشئة الاجتماعية.

مؤدى هذا الاستدلال، أن المرجعية، هي سابقة على العقد الاجتماعي، لأنها تشكل أهم المحددات الأخلاقية والثقافية التي تصنع التوافق، وما القوانين، التي تشرعها الجماعة بمقتضى التمثيلية الديمقراطية، سوى آلية من الآليات التي تضفي الشرعية على التوافق، بعد أن تكون المرجعية والتربية والتنشئة الاجتماعية بأبعادها الدينية والثقافية، قامت بأدوارها في الوصول إلى هذه المرحلة،  فالمجتمع، لا يصنع توافقه بدون استناد إلى قاعدة الانسجام الثقافي، والفرز الموجود في قاعدة التمثيلية بين الأغلبية والأقلية، هو نفسه، قائم على مبدأ درجة الانسجام الثقافي داخل المجتمع، فالمجتمعات التي تضيق فيها الأقليات، تعبر عن مستويات عليا من الانسجام الثقافي، ولم توضع فكرة حماية حقوق الأقليات في الأصل إلا بناء على  فرضية وجود  مستوى عال من الانسجام الثقافي في المجتمع، تصنعه ابتداء التربية والتنشئة الاجتماعية، فكانت حماية الأقليات لأجل حماية ثقافة الأغلبية.

فإذا كان الأمر بهذا الشكل قبل العقد الاجتماعي، فإن حضور المرجعية عنده، يبدو أكثر وضوحا، إذ لا يتصور الانتقال بالأفراد من مستوى ممارسة الحقوق الفطرية إلى مستوى الاكتفاء بالحقوق المدنية ضمن إطار مجتمعي، إلا بعملية بيداغوجية، تلعب فيها التنشئة الاجتماعية دورا حاسما.

قد يقول قائل، بأن هذه العملية البيداغوجية تقوم أساسا على أرضية عقلانية، إذ يتم الإقناع بالتنازل بالمصلحة التي يجلبها الفرد من جراء انتمائه للجماعة، لكن، مشمول عملية الإقناع هذه، تتضمن حجة  يصعب تقبلها خارج اعتبارات التربية والتنشئة الاجتماعية، فالإقناع بمجرد فكرة البقاء في المجتمع، لا تكفي فيها حجج العقل، لتبرير التناول عن حقوق فطرية، يشعر الأفراد أنها تمثل هويتهم، بل تتطلب تدخل التنشئة الاجتماعية، أي تتطلب حضور المرجعية، باعتبارها  الأساس التربوي والأخلاقي والثقافي الضامن للحد الأٌقصى من الانجسام والتماسك داخل المجتمع.

وثمة اعتبار آخر، لا بد من أخذه بعين الاعتبار عند مناقشة مفهوم الحرية عند هوبز وروسو، فالرجلان، يعودان إلى أصل الطبيعة لمقتضى منهجي إجرائي، يقصدان من خلاله التأسيس لـ"مثال" (نوذج العقد الاجتماعي) يتخذانه بديلا عن "واقع" سلب الحرية من قبل السلطة الدينية، أي أنهما، لم يبذلا أكثر من محاولة تغيير المرجعية المؤسسة للحرية والضابطة لها، من سلطة الدين إلى سلطة القانون، لكن، دون أن يكون هذا القانون المستمد أصلا من توافق الناس، خاليا من تأثيرات الدين وعوامل التنشئة الاجتماعية.

يتحصل من مجموع هذا النقاش، أن الحرية، كانت دائما تستند إلى مرجعية، تؤسس لها، وتضبط ممارستها، وأن اقصى ما فعله هوبز وروسو وبقية فلاسفة الأنوار، أنهم حاولوا أن يستبدلوا السلطة الدينية بالسلطة الزمنية، وأن يزيحوا سلطة الحق الإلهي من مربع التأسيس للحرية وضبط ممارستها، ويحلوا محلها سلطة القانون، فيصير بذلك القانون، هو مرجعية الحرية، ويصير الإذعان له، هو قبول بواقع  الحرية التي يقرها ويضبط ممارستها، بل يصير الإذعان له،  تزكية لواقع تدخل القانون في  الحد منها، وأن الفرق الذي حدث في الواقع، هو في الانتقال الذي حدث على مستوى الإذعان نفسه، أي الانتقال من الإذعان القائم على مفهوم الطاعة للإله، إلى الإذعان القائم على مبدأ التسليم بالسلطة  التي فوضتها الجماعة للتعبير عن إرادتها، ومنحها الحق في تشريع القانون الذي يحدد هوامش الحرية، ويبين المجالات التي يتدخل للحد منها، ويرتب العقوبات على الاعتداء عليها، أو تغليب الحريات الفطرية الأنانية على حساب الحريات المدني  العقلانية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الحرية الغربي حرية الغرب سياسة أصول أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضابط الذی التنازل عن عن الحقوق الحریة من الحریة عن

إقرأ أيضاً:

قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن «مقاربة» «1- 15»

قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن «مقاربة» «1- 15»

تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة، الموزع: دار الأجنحة للنشر والتوزيع، الخرطوم..  ناشر الطبعة الثانية: دار بدوي للنشر، كونستانس، ألمانيا، 2022

* بقلم: بدر موسى

“والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشِّر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكيَّة”.

محمود محمد طه، 1972

المحاور

مدخل- كتاب يخاطب راهن السودان والعالم- البروفيسور علي عبد القادر: “هذا كتاب مذهل”- كلما زاد العبد في التخضع لله كلما زادت حريته- خدمة الثورة والتغيير تكون بالفكر والعلم- تعريف مختصر بالكتاب: هيكل الكتاب- العبودية هي غاية الحرية- الحرية غاية التنمية وهدفها الأسمى ووسيلتها الأساسية- الإسلام وهزيمة الخوف- عن ماهية التعليم ومادته وفائدته ووظيفته- الفهم الجديد للإسلام: مستوى ما بعد العقيدة حيث يبدأ العلم- “الحرية هي روح الحياة”- التحرير من الخوف هو الطريق لاستئصال العبودية (الرق)- الدين بمستواه العقيدي يعوق التنمية: الشريعة الإسلامية تعوق التنمية- إنجاب الفرد الحر مِسبر التنمية- حاجة الدولة لإعادة تقييم إنتاج المرأة في البيت وإدخاله ضمن تقييمها الاقتصادي- مستقبل النظامين الشيوعي والرأسمالي- المحتفون بالكتاب- ربما لا نكون مختلفين إلى هذا الحد- الحرية موؤدة في النظامين الرأسمالي والشيوعي- نحو ثورة في الأخلاق- هل هذا مجرد نموذج للقاء العقول الكبيرة والتطابق في الأفكار والآراء أم نموذج لسرقة الأدبية؟- نماذج من تشابه النصوص والآراء- خاتمة.

مدخل

في البدء لا بد لي أن أعترف بأن الذي حفزني لكتابة هذه القراءة، التي تأخرت كثيراً بعد نشر طرف يسير منها، لكتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير الرائع، كما سيرد التفصل، والمهم غاية الأهمية، هو اطلاعي مؤخراً على سلسلة المقالات المتميزة التي كتبتها أختي القديرة الأستاذة سمية أمين صديق ونشرتها تحت عنوان: “قراءة في كتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان”، والتي أثارت اهتماماً كبيراً وردود فعل قوية من المثقفين، وإعجاب كبير بالمقالات وبالكتاب العظيم، وكلاهما، يستحقان ما حظيا به من إشادة، وتقدير، لجملة أسباب، ربما يكون أهمها هو أهمية تناول قضايا التهميش في السودان، وعلاقتها بما نحن فيه وما تعيشه بلادنا وما تعانيه من هذه القضايا والتحديات التي رمتنا في هذه الدوامة، وتسببت في جل الأزمات التي تكالبت علينا وكادت أن تؤدي بنا إلى التهلكة. فهذا الكتاب الذي تناولته سمية كتاب موسوعي سبر أغوار قضايا شائكة وملحة، وبيَّن سبيل التعافي منها انطلاقاً من رؤية الأستاذ محمود، وفصَّل سبل علاجها الناجع، ولم يترك جانباً مهماً فيها يحتاج إلى مزيد مما يجب أن يفصل ويقال.

كتاب التنمية حرية كتاب يخاطب راهن السودان والعالم

ولكل ما تقدم، فإن مقالات سمية المسددة وغير المسبوقة، قد نبهتني لضرورة كتابة قراءة أخرى لكتاب آخر لعبدالله، وهو: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية، التنمية حرية – محمود محمد طه وأمارتيا سن (مقاربة). وقد نشر عبدالله تسعة كتب، عن الفهم الجديد للإسلام والسيرة الفكرية لصحابه محمود محمد طه، وعلى عتبات المطبعة الآن أربعة كتب أخرى. هذا الكتاب موضوع حديثنا، هو في تقديري، كتاب جديد في بابه، ومتفرد في موضوعه، وأصيل في فكرته، حيث قدم مقارنة بين منجز علمي يستند على العلم المادي  ورؤية علمية تقوم على العلم المادي الروحي، وتدعو للمزج بين العلمين المادي والروحي. وهو كتاب يخاطب راهن السودان وأفريقيا والعالم، كما هو كتاب قضايا التهميش، وكلاهما مطلب الراهن السوداني والإنساني. وتزداد أهمية الكتابين مع إلحاح الأزمة السودانية، وتعاظم حجم المعضلة التي ظلت أيضاً تعوق مسيرتنا بل (كادت أن تؤدي بنا إلى التهلكة). ومما لا شكّ فيه أن المشغول بالقضيتين: قضية التهميش والتنمية، لابد أن يدرك أنهما ترتبطان ببعضهما، ولا سبيل لبلادنا لتجاوز محنتها والنهوض من كبوتها بغير حلّهما حلاً جذرياً كاملاً ودائماً، بالتنمية الشاملة والمستدامة.

ولكل ما سبق، فقد شرعت في كتابة هذه القراءة لكتاب: التنمية حرية، وأنا أنوي السير في نفس الاتجاه الذي ابتدرته سمية، وأتعشم أن أوفق كما وفقت أختي في التنبيه لأهمية كتاب قضايا التهميش، ومثلما نجحت في لفت الأنظار وإثارة الاهتمام حوله.. ولهذا فإنني أقدم قراءتي هذه لكتاب التنمية حرية، إسهاماً مني في استمرار الحوار وحتى تكتمل الصورة، ويكتمل تشخيص القضيتين، الملحتين، وتفصيل حلولهما، انطلاقاً من رؤية الأستاذ محمود محمد طه، التي طرحها منذ خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي!

لقد صدر الكتاب موضوع حديثنا، في طبعته العربية الأولى في أكتوبر 2021، ثم جاءت الطبعة الثانية عن دار بدوي للنشر، كونستانس، ألمانيا، في يونيو، 2022، وصدرت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية عن مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة، في أغسطس 2022. وقد أقيمت بعض الندوات لتدشين الطبعة العربية الأولى من الكتاب، كانت الندوة الأولى قد نظمها الحزب الجمهوري بمركزه بأم درمان، في مساء الجمعة 15 أكتوبر 2021. كما أقام مركز دراسات وأبحاث القرن الأفريقي ندوة بالتعاون مع دار الأجنحة للطباعة والنشر والتوزيع، بقاعة الشارقة، جامعة الخرطوم، الثلاثاء 19 أكتوبر 2021. ونظم مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، ندوة بالخرطوم، يوم السبت 23 أكتوبر 2021. وكان البروفسير الهمام/ محمد طه يوسف الأمين، مدير جامعة الجزيرة، حريصاً على تنظيم ندوة حول الكتاب بجامعة الجزيرة، وذلك في إطار مشروع سلسلة ندوات قضايا التنمية والانتقال الديمقراطي في البلاد، الذي تتبناه الجامعة، وبالفعل تم الترتيب والإعلان عن الندوة لتكون يوم الاثنين 25 أكتوبر 2021، برئاسة مدير الجامعة، بقاعة الشهداء بالمدينة الجامعية بالنشيشيبة، مدني، فوقع الانقلاب المشؤوم في صبيحة نفس اليوم. تبع ذلك أن تم إلغاء ندوة أخرى عن الكتاب كانت ستكون بنادي الخريجين، مدينة ود مدني.

كذلك أجرى الأستاذ السر السيد لقاءً إذاعياً مع عبد الله الفكي البشير حول الكتاب، وذلك ضمن برنامج سواسية، بإذاعة بلادي، بتاريخ 16 أكتوبر 2022. كذلك أجرى الأستاذ غسان علي عثمان، لقاءً تلفزيونياً ضمن برنامج الوراق، بقناة سودانية 24، يناير 2022.

تمدد الاحتفاء بالكتاب على المستوى الكوكبي، كما هي فكرته وطبيعته ومادته، فنظم قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة بغداد بالتعاون مع مركز ابن سيناء بجامعة بغداد والمَجمَع الفلسفي العربي، العراق، ندوة كانت بعنوان: أطروحات التنمية الإنسانية في ضوء العلمين المادي والروحي، وذلك بتاريخ 30 سبتمبر 2022. كذلك أقام الملتقى العربي للفكر والحوار، بمدينة برلين، ألمانيا، ندوة في 25 أبريل 2023. وأيضا أجرى الدكتور فريد العليبي لقاءً تلفزيونياً مع عبد الله الفكي البشير ضمن برنامج فضاء الحرية، بقناة الوطنية الأولى التونسية، تناول اللقاء طرفاً من الكتاب، وذلك يوم 24 يوليو 2023. هذا إلى جانب دعوات جاءت للمؤلف من باكستان، والمكسيك، والأردن، والجزائر، وغيرها، لتنظيم ندوات عن الكتاب.

نواصل في الحلقة القادمة.

* ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000)، جامعة أيوا، الولايات المتحدة

يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم، جامعة أيوا، الولايات المتحدة

bederelddin@yahoo.com

الوسومأطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية أمارتيا كومار سن الأستاذ محمود محمد طه التنمية حرية السودان بدر موسى د. عبد الله الفكي البشير سمية أمين صديق

مقالات مشابهة

  • شيء وحيد نعرفه.. مخاوف على أمير سعودي ونجله محتجزين بلا محاكمة
  • مؤتمر القاهرة .. قراءة مختلفة
  • قراءة في الهيكلة التنظيمية الجديدة لوزارة التربية الوطنية
  • ولادات جديدة لظباء الإدمي في محمية جزر فرسان .. فيديو
  • حكم إقامة الحضرة التي تشتمل على قراءة القرآن وذكر الله تعالى
  • تجربة 100 عام.. المدرب «الشاب» لا ينجح مع «الماكينات»!
  • عدد من القناصل المعتمدين يزورن منطقة “Imagine Monet”
  • الاستدارة التركية على سوريا قراءة اخرى
  • قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن «مقاربة» «1- 15»
  • قراءة في قضايا العمل وقوانينه