لجريدة عمان:
2025-05-02@14:38:27 GMT

يوسا.. في الفردوس الأخرى

تاريخ النشر: 14th, April 2025 GMT

سأستعير هذه العبارة المستوحاة من مقال الكاتب والروائي الراحل ماريو بارغاس يوسا (1936-2025) الذي رحل عنا منذ يومين في العاصمة البيروفية ليما. ففي مقاله المنشور في صحيفة الشرق الأوسط في يناير الماضي عنون يوسا مقاله «خورخي أمادو في الجنة» قائلا: «يا لها من بلاد رائعة تضاهي شهرة الأدباء فيها شهرة نجوم كرة القدم! لكن سرعان ما تنبّهت أنها ليست شهرة عموم الأدباء، بل شهرة خورخي آمادو (1912-2001)».

وعلى ذلك ننحت ليوسا العنوان أعلاه المستوحى من روايته الفردوس على الناصية الأخرى، التي خصصها للمرأة المناضلة فلورا تريسان وحفيدها بول غوغان.

أغلق رحيل يوسا سجل الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية التي يعد أحد صُناعها مع غريمه وصديقه اللدود الكولومبي جابريال ماركيز (1927-2014) والتشيلي خوسيه دونوسو (1924-1996) والمكسيكي خوان رولفو (1917-1986). يوسا ذاته الذي لكم صديقه ماركيز لكمة ستبقى أسبابها مجهولة إلى الأبد بعد رحيل صاحبيها ماركيز ويوسا الذي ذكر أن فكرة رواية (الجميلات النائمات) للروائي الياباني ياسوناري كاواباتا (1899-1972)، التي كتب مقدمتها ماركيز وتمنى لو كان كاتبها مأخوذة من قصة أبيشج الشونمية في الكتاب المقدس لفتاة تحضن الملك داود لكي يشعر بالدفء. وهذا ما أورده الكاتب والروائي عزت القمحاوي في كتابه (الطاهي يقتل والكاتب ينتحر).

أكاد أن أقول بأنني قرأت جل أعمال يوسا المترجمة إلى العربية، بدءا برواية (بنتاليون والزائرات) وإلى (شيطنات الطفلة الخبيثة)، التي أنهيت قرأتها مؤخرا. اقتنيت ثلاثة أعمال له حين لمحت رواياته في مكتبة النوري بدمشق سنة ٢٠١٠ في العام الذي نال فيه جائزة نوبل للآداب. ورغم كل مباهج الحياة في دمشق حينها. فإنها لم تأخذني من رواية يوسا التي اكتشفت فيها لذة السرد وغواية سير الشخصيات وصيروراتها. مع يوسا نكتشف قدرة المترجم الفلسطيني الراحل صالح علماني (1949-2019). أنهيت قراءة رواية بنتاليون في دمشق، وبقيت لدي روايتا (حفلة التيس) و(البطل المتكتم). لاحقا أصبحتُ اقتني روايات يوسا واقرأها، مرة أخذت من مطار الكويت روايته (مديح الخالة) وأنهيتها في يومين. ومرة وجدت روايته (البيت الأخضر) مترجمة إلى اللغة الألمانية (das grune Haus) على رصيف شارع (Augartenstrasse) بمدينة مانهايم الألمانية، ولم آخذها. وحين أخبرت زميلا بذلك قال لي إنها متروكة لمن يود أخذها، إذ جرت العادة في ألمانيا أن تُترك على الأرصفة الحاجيات المُستغنى عنها. حينها خرجت من حصة اللغة واتجهت مباشرة إلى الرصيف فوجدت الرواية كما هي على الرصيف وأخذتها، ومع بداية جائحة كورونا تركت الرواية في شقتي في ألمانيا مع عشرات الكتب التي ستأخذ طريقها إلى الرصيف ليلتقطها أحد المارة. عودة إلى «البيت الأخضر» فإنها الرواية الوحيدة ليوسا التي لم أتمكن من إنهاء قرأتها إلى الآن. ويعود ذلك لمترجم النص المترجم السوري رفعت عطفة (1947-2023) الذي فقدتُ في ترجمته متعة التشويق المعهودة في روايات يوسا. فالقارئ المطلع على أعمال يوسا يتعرف على طريقته السردية في بناء الرواية وإيجاد الترابط بين الأحداث التي تتزامن أحيانا، باستثناء روايته (حلم السلتي) المستوحاة من سيرة المناضل الإيرلندي الثوري روجر كيسمنت (1864-1916) الحاصل على عدة أوسمة ملكية بريطانية قبل أن تعدمه المملكة المتحدة بتهمة الخيانة.

أما روايته (البطل المتكتم)، فلي معها حكاية أخرى وفي ألمانيا أيضا، فقد قرأتها في الحافلة المتجهة من مدينة مانهايم إلى مدينة أوغسبورغ. وكذلك فعلت في الرجوع وحين نزلت من الحافلة لم أستطع الانتظار حتى وصولي إلى البيت وأكملها، إذ جلست في محطة الحافلات وأنهيت قرأتها. اكتشف لاحقا أن الرواية تتقاطع أحداثها مع سيرة الكاتب الحقيقية حينما انفصل عن زوجته وقريبته باتريشا، ليقترن بعارضة الأزياء الأسبانية والفلبينية الأصل إيزابيل بريسلير، قبل أن يتركها ويعود إلى مدينة ليما مع زوجته السابقة وأم أولاده.

أما روايته (حفلة التيس) فهي سفر من أسفار كشف الديكتاتورية في العالم وتعرية أبطالها وكشف تغول الشخصيات المستبدة وأساليبها في إذلال الإنسان واحتقاره، ماريو ذاته الذي حاول الوصول إلى كرسي الرئاسة حينما ترشح لرئاسة البيرو عام 1990. وحسنا خسر الانتخابات وإلا لحرمنا -فخامته- من أعمال أدبية خالدة، هي «ثمرة عبور الإنسان بين ما هو وما يريد أن يكون»، مثلما تحدث في كلمته حينما تسلم جائزة نوبل للآداب. قرأتُ مقالاته المنشورة في صحيفة الشرق الأوسط وأعترف له بفضل التعرف على كُتّاب وأعمال أدبية لم نطلع عليها، كما أحببنا كلماته عن المدن التي أحبها الكاتب سرديا وواقعيا مثل برشلونة وباريس وبرلين وبيروت أيضا. مؤلم أن يرحل كاتبك المفضل لا لكون الخلود ليس من صفة البشر، ولكن لأن الكاتب ذاته توقف عن مواصلة الحكاية. فوداعا يا يوسا، وداعا أيها البطل المتكتم.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الرواية اليمنية لحادثة سقوط طائرة “F-18”

يمانيون/ كتابات/ علي ظافر

في حادثة غير عادية أعلنت البحرية الأميركية سقوط وغرق طائرة حربية من نوع f18 في البحر الأحمر، وتعد هذه الطائرة من أحدث أنواع الطائرات الأميركية وأكثرها تطوراً وتعدداً في المهام، كما تبلغ قيمتها أكثر من 67 مليون دولار، فإن سقوطها أو إسقاطها على اختلاف الروايات والفرضيات، يمثل في الحقيقة قيمة استراتيجية وتطوراً هو الأهم والأحدث في مسار المعركة البحرية المستمرة منذ أكثر من أربعين يوماً بين القوات الأميركية من جهة والقوات المسلحة اليمنية.
أمام هذا التطور تبرز الكثير من التساؤلات. ماهي الثغرات في الرواية الأميركية تجاه حادثة سقوط طائرة f18 من على متن حاملة الطائرات يو إس إس هاري ترومان؟ وسواء سقطت الطائرة أو أسقطت … لماذا سارعت البحرية الأميركية إلى الاعتراف بتلك الحادثة رغم ما تمثله من فضيحة مدوية لقوة صورت وسوقت نفسها منذ زمن بعيد على أنها “سيدة البحار” من دون منازع أو منافس و”القوة التي لا تقهر”.!

وما دلالة الاعتراف الأميركي بـ “سقوط الطائرة” بعد ساعات من إعلان القوات المسلحة اليمنية عن “عملية اشتباك مشتركة… ضد حاملة الطائرات هاري ترومان والقطع المرافقة لها وإجبارها على التراجع والابتعاد” إلى شمال البحر الأحمر رداً على جريمتي العدوان الأميركي اللتان تسببتا باستشهاد ثمانية مدنيين بينهم نساء وأطفال في بني الحارث بالعاصمة صنعاء، و125 شهيداً وجريحاً في مركز إيواء المهاجرين غير الشرعيين من جنسيات أفريقية في صعدة.
وفي المقابل لماذا لم تصدر قوات صنعاء حتى اللحظة أي تعقيب أو رواية بخصوص الأسباب والملابسات التي أدت إلى غرق الطائرة الأميركية في البحر الأحمر؟ وقد أعلنت خلال الأسبوع المنصرم على لسان الرئيس مهدي المشاط “خروج هاري ترومان عن الجاهزية في الأيام الأولى من العدوان الأميركي”.

ارتباك وتناقض في الرواية الأميركية
الرواية الأولى صدر بيان عن البحرية الأمريكية في المنامة عن وقوع حادثة على متن حاملة طائرات، وإن أحد البحارة أصيب بجروح طفيفة، جراء سقوط الجرار وطائرة من نوع f18 في البحر من على متن حاملة طائرات. وفي هذه الرواية المضللة حاولت البحرية الأمريكية فصل وسلخ الحادثة عن سياقها، إذ لم تذكر الحاملة التي سقطت الطائرة من على متنها مع الإشارة السريعة إلى الطائرة غرقت وأنها يجري التحقيق في الحادثة وكأنها حادث عرضي أو حادث مروري!، والملاحظة الأهم أن البحرية الأميركية تعمدت تماماً عدم الإشارة إلى “النيران اليمنية”، وبأن الطائرة سقطت أثناء عملية الاشتباك بين ترومان والقطع المرافقة لها في البحر الأحمر من جهة، والقوات اليمنية من جهة أخرى.
وفي انعطافة حادة على صعيد الرواية، نقلت وسائل إعلام أميركية وأخرى عربية عن مسؤولين أميركيين اعترافهم بأن “الطائرة سقطت من على متن حاملة الطائرات هاري ترومان أثناء مناورتها أو انعطافها الحاد تفادياً لنيران الحوثيين” هذه الرواية كشفت بعضاً مما حاولت البحرية الأميركية إخفاءه، ووضعت الحادثة في سياقها بأنها وقعت أثناء عملية الاشتباك بالإشارة إلى “نيران الحوثيين” وأكدت على خلاف الرواية السابقة بأن الحادثة ليست “عرضية”.
الرواية الثانية وإن كانت لاتزال محاطة ببعض الشكوك، إلا أنها أكثر إقناعاً من سابقتها وأكثر احتراماً لعقول الجماهير والمتابعين في الداخل الأميركي وعلى مستوى العالم، وربما تعكس الخشية من الفضيحة أمام الرواية اليمنية بناء على تجربة مماثلة حصلت في  22 -12 – 2024 حينما سقطت طائرة من النوع ذاته f18، وكانت الرواية حينها أنها “أسقطت عن طريق الخطأ بنيران صديقة، مع إصابة طفيفة لأحد قائدي الطائرة”، لتؤكد الرواية اليمنية حينها على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع بأن الطائرة الأميركية “أسقطت” بنيران يمنية.
أما لماذا سارعت البحرية الأميركية بهذا الاعتراف المنقوص والمجترئ للحقيقة فلأن إدارة ترامب بما فيها البحرية الأمريكية لا تستطيع أن تخفي الحقيقة كاملة عن الرأي العام الأميركي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المسارعة بالاعتراف المنقوص والمرتبك والمضلل، يأتي استباقاً للرواية اليمنية، ويرى البعض أن الاعتراف بهذه الفضيحة بمثابة قنبلة دخانية للتعمية على الجريمة الوحشية التي ارتكبها العدوان الأميركي بحق المهاجرين الأفارقة في صعدة وراح ضحيتها 125 شهيداً وجريحاً، بهدف صرف الرأي العام عن هذه الجريمة، وهذا الرأي محترم إلا أنه لا يمنع من الحديث عن السقوط الأخلاقي والإنساني لواشنطن من خلال التركيز على جريمة العدوان الأميركي بحق المهاجرين الأفارقة وما سبقها من جرائم، إلى جانب الحديث عن السقوط العسكري لأميركا ورهاناتها، ويكون الأمرين والقضيتين ضمن الأجندة الإعلامية والسياسية في آن معاً.

الرواية اليمنية لحادثة “سقوط طائرة f18”
الاعتراف الأمريكي بسقوط الطائرة جاء بعد ساعات من إعلان القوات المسلحة اليمنية عن عملية اشتباك مع حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان والقطع العسكرية المرافقة لها، واستهدافها ضمن عملية مشتركة بعدد من الصواريخ والطائرات المسيرة وإجبار الحاملة على التراجع والابتعاد عن مكان تمركزها إلى أقصى شمال البحر الأحمر، ووضعت عملية الاشتباك والمطاردة تلك في إطار الرد على جريمتي العدوان الأمريكي في صنعاء وصعدة والتي راح ضحيتهما العشرات معظمهم من المهاجرين الأفارقة.
هذا التزامن وهذا السياق العسكري (الاشتباك) دليل كاف لأي متابع بالربط بين النيران اليمنية وسقوط الطائرة الأمريكية، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر نتيجة حالة الرعب والاجهاد والارهاق الذي يعيشه فريق حاملة الطائرات “ترومان”.
وفي هذا السياق نقلت قناة المسيرة عن مصدر في وزارة الدفاع اليمنية معلومات جديدة عن عملية الاشتباك اليمنية مع ترومان والقطع المرافقة لها في أقصى البحر الأحمر كجزء من الرد على الرواية الأميركية.
المصدر الدفاعي اليمني، لم يستبعد “إصابة ترومان بشكل مباشر في عملية الاشتباك الأخيرة”، ورجح أن “ترومان قد تغادر مسرح العمليات في أي وقت”، وكشف المصدر أن عملية الاشتباك الأخيرة تميزت عن سابقاتها بـ “تكتيكات جديدة” وبزخم ناري كبير استمر لعدة ساعات، وأجبر ترومان “تحت الضغط المتواصل بالصواريخ والمسيرات” على التراجع والابتعاد عن مكان تمركزها السابق.
هذا التصريح يحمل عدة رسائل ضمنية، أولاها، أن حملة الضغط العسكري بالعدوان على المدنيين وتكثيف الجرائم بحقهم، كوسيلة ضغط على القوات المسلحة اليمنية وأدائها، يأتي بنتائج عكسية ضاغطة ومؤلمة ومؤثرة على العدو ضمن الرد على تلك الجرائم كما أشار العميد سريع في بيان الاشتباك.
الأمر الثاني، تكشف حادثة إسقاط الطائرة الأميركية فاعلية وتأثير العمليات اليمنية، بالقدر الذي أجبرت ترومان على “التفحيط في البحر” والإنعطاف الحاد خشية من النيران اليمنية، وهذا اعتراف بقوة التهديد.
كما أن العملية تحمل دلالات واضحة على أن قدرات اليمن لم تتأثر، وأن مفاجآتها تتكشف الواحدة تلو الأخرى، وأن العملية الأخيرة لم تقتصر أضرارها على طائرة واحد، بل على حاملة الطائرات وما حملت، كما تعكس حجم الإرهاق والإعياء والإجهاد الذي وصل اليه طاقم حاملة الطائرات، نتيجة الاستنزاف والضغط على مدى أكثر من أربعين يوماً.
وهذا مؤشر آخر بأن القوات اليمنية تَستنزف ولا تُستنزف، وتَردع ولا تُردع. وعلى إدارة ترامب أن تراجع حساباتها في هذه المغامرة بالنيابة عن “إسرائيل” وتوقف نزيف خسائرها الذي يترواح – على اختلاف الروايات الأمريكية – بين مليارين وثلاثة مليارات دولار.
وعلى الإدارة الأميركية أن تدرك أن اليمن لن يتوقف، وأن مفتاح الحل كما نكرر دائماً في غزة وهي قادرة عليه بالضغط لوقف العدوان ورفع الحصار، بغير هذا فإن أفق المعركة يبدو طويلاً والخسارة في نهاية المطاف ستكون أميركية.

مقالات مشابهة

  • غوغل تضيف ميزة يطلبها المستخدمون منذ سنوات.. تعرف عليها
  • شويغو: تنامي الخطر الإرهابي في إفريقيا ناجم عن أعمال فرنسا
  • وفاة الكاتب الرياضي محمد الشنيفي
  • الرواية اليمنية لحادثة سقوط طائرة “F-18”
  • قتلى دروز وتأهب إسرائيلي.. شفق نيوز تسرد الرواية الكاملة لأحداث صحنايا السورية
  • مديرية صحة حلب تفتتح مركز الفردوس الصحي في منطقة المعادي
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • شاهد | من “الإنزلاق” إلى “الإنعطافة الشديدة”.. الرواية الأمريكية في مأزق جديد
  • الكاتب واليسناريست أحمد فوزي صالح: مسلسل ظلم المصطبة مكتوب من 7 سنوات
  • الاحتياج لتناول الماء لا يرتبط بالصيف والشتاء فالمهم تجنب الجفاف