المواطن والمسؤول بين بابين
تاريخ النشر: 14th, April 2025 GMT
جابر حسين العُماني
jaber.alomani14@gmail.com
من المبادئ الإنسانية والاجتماعية التي تعزز روح التفاهم بين أفراد المجتمع الواحد ما يسمى بثقافة الباب المفتوح، سواء أكان ذلك الباب في المؤسسات الحكومية أو الأسرية أو بين الجيران، ونقصد من ذلك توفير مساحة كافية للحوار البناء، وحسن الاستماع والإصغاء إلى الآخرين من دون حواجز رسمية أو نفسية، وهو ما يعزز الثقة الكاملة والمتبادلة، ويبنيها بشكل أفضل وأجمل خصوصا بين الحاكم والمحكومين، والمسؤول والمرؤوسين، والآباء والأبناء، والمعلمين وتلامذتهم، بهدف الحد من المشكلات وتفاقمها في المجتمع.
وعندما يكون باب المسؤول مُغلقًا أو لا يُفتح للناس إلّا للضرورة، خصوصًا في المؤسسات التي تُعنى بخدمة الوطن والمواطنين، فإن المشكلات ستتفاقم حتما بسبب تلك الحواجز الإدارية، وسيواجه المواطن صعوبة في إيجاد من يسمعه ويحل مشاكله وقضاياه.
ومن خلال رحلتي إلى إحدى الدول الإسلامية، زرت أحد البنوك لإنجاز معاملة، وقد لفت انتباهي تصميم مكاتب الموظفين؛ حيث كان مكتب المدير مفتوحًا من دون أبواب أو نوافذ، ومرتفعًا عن مكاتب الموظفين بمقدار متر تقريبًا، مما يُمكِّن المدير من الاطلاع بشكل مباشر على تعاملات الموظفين مع المراجعين من المواطنين والوافدين، وفي المقابل هناك دول تضم مؤسسات كثيرة الأبواب، ومديروها لا يمكن الدخول إليهم إلّا بمواعيد مسبقة وطويلة وكأنهم لم يخلقوا لخدمة الناس.
بيئة العمل تتطلب أحيانًا إيجاد الأبواب المفتوحة وذلك لأنها تخلق الكثير من الشعور بالأمان الوظيفي، بل وتعزز وتحفز العاملين من الموظفين والموظفات على العطاء والإخلاص في العمل، وتجعل من المسؤولين والموظفين أكثر إخلاصا لوظائفهم المناطة إليهم.
ومن أبرز السمات الإيجابية الواجب التحلي بها للمسؤول الناجح هي: قربه من الناس والعيش بينهم، وليس الانعزال عنهم داخل المكاتب الفارهة والنظيفة والفاخرة، والمسؤول الناجح هو من يرى الناس دائما ويسمع لهم، ويعيش بينهم الواقع كما هو، بعيدًا عن الكلام المعسول الذي يصله من هنا وهناك، فقد ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب أنه قال لبعض عمّاله: "وَإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَلَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَك" [نهج البلاغة: 366].
ويعد التواصل المباشر للمسؤولين مع الناس والتواضع لهم من أهم الواجبات الأخلاقية والوطنية التي ينبغي العمل بها على أكمل وجه، بما يعكس مدى إخلاص المسؤولين في خدمة مجتمعاتهم وأوطانهم، وحرصهم الدائم على معالجة هموم الناس ومشاكلهم، بما يحقق المصلحة العامة، وذلك من خلال السعي الجاد لإيجاد الحلول العملية والمناسبة لتخفيف معاناة الناس، لا مجرد قرارات ورقية تكتب على الورق وتنتهي بتوقيع مزخرف بلا فائدة، وقد قال أمير المؤمنين وخليفة المسلمين العادل علي بن أبي طالب لبعض الموظفين في دولته: "فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلاَءُ الأُمَّةِ، وَلاَ تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ، وَلاَ تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ" [كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي: 33/472)، وهنا يوجه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الموظفين والعاملين في دولته على الاهتمام الكامل بخدمة الناس وتلبية طلباتهم المشروعة، وعدم رد أحد من المراجعين والمطالبين بتحسين وضعه الحياتي، مؤكدا على أهمية تحسين وتقييم الأداء الحكومي بشكل مستمر بما يخدم الناس ويعلي من شأنهم ومكانتهم الاجتماعية في الوطن.
وأخيرًا.. فإنَّ إغلاق المسؤول لأبوابه، واعتماده على البروتوكولات كحواجز بينه وبين المواطنين، يؤدي إلى خلق الفجوة الكبيرة التي تعيق تقديم الخدمات المطلوبة للناس؛ مما قد يعيق التنمية ويخل بميزان العدالة الاجتماعية المنشودة والمطلوبة في المجتمع، والتي يتوجب عليه تطبيقها على الوجه الأكمل والأجمل من أجل حياة أفضل.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
شرعت السلطات بمحلية الخرطوم في إزالة ونظافة أكبر البؤر بالسوق المركزي بالخرطوم التي كانت تستخدمها المليشيا لإخفاء السيارات المسروقة من المواطنين إضافة إلى اتخاذ الموقع لممارسة جميع المظاهر السالبة من بيع الوقود والسلاح والمخالفات المختلفة.وأكد المدير التنفيذي للمحلية عبد المنعم البشير بأن الحملة بمنطقة السوق المحلي والمركزي تم تدشينها بعد تحرير المحلية من مليشيا الدعم السريع .حيث كانت المنطقة ومحاور نفق المركزي تعج بصنوف من المظاهر السالبة التي كانت تهدد الموطنين لافتا بأن العمل يأتي ضمن خطة المحلية لإزالة مظاهر الحرب ونظافة وتهيئة الأسواق والأحياء وتطبيع الحياة العامة تمهيدا لعودة المواطنين المرتقبة الى مساكنهم، مؤكدا بأن الايام المقبلة ستشهد المزيد من العمل ضمن الخطة العامة لولاية الخرطوم.من جانبه أشار مدير القطاع الجنوبي بمحلية الخرطوم معاذ محمد فضل الله بأن الحملة الشاملة لإزالة المظاهر السالبة والنظافة والتعقيم بالسوق المحلي والمركزي جاءت بالتنسيق مع مصنع الأسعد ومصنع ايوب للبوهيات ضمن المشاركة والمسئولية المجتمعية للقطاع الخاص مع الدولة، مؤكدا بأن العمل شمل إزالة السيارات وهياكل المركبات والمهملات والتحفظ عليها في موقع امن تمهيدا لتسليمها لأصحابها.إضافة إلى إزالة الأنقاض ومخلفات الحرب والاوساخ بمحاور السوق المحلي والمركزي، مشيرا إلى استمرار العمل لحين اكتمال جميع العمليات حسب الخطة الموضوعة، مناشدا جميع الشركات العامة والخاصة بالاضطلاع بدورها الوطني في دعم الخدمات بعد نهاية الحرب.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب