د. هبة أبوبكر عوض **

في ظل التحديات المتسارعة، والتطورات التي لازمت كافة مناحي الحياة، تبرز أهمية القانون كأداة لضبط المتغيرات الاجتماعية، وتحقيق السلم المجتمعي بمفهومه الشامل، الذي لا يقتصر على حسم النزاعات، بل يمتد ليشمل العدالة، والمساواة، والتكافل.

وقد ناقش مؤتمر "الأمن الفكري بين الشريعة والقانون"، الذي نظمته كلية الحقوق بجامعة البريمي، ورقة بحثية بعنوان: "السلم والسلام المجتمعي في سنام وظائف القانون الجديدة" من إعداد وتقديم البروفيسور أسامة محمد عثمان خليل وكاتبة هذا المقال؛ حيث تناولنا- سويًا- في الورقة كيفية استثمار وظائف القانون الجديدة في حفظ الأمن الفكري، والحد من الأفكار المتطرفة، وتعزيز الاستقرار المجتمعي.

وقد انطلقنا في هذه الورقة المشتركة من فرضية جوهرية مفادها أنّ القانون يجب أن يُفهم ويُفعّل بوظائفه الحديثة، بأن يصبح وسيلة وقاية لا علاج فقط؛ إذ لم يعد دور القانون محصورًا في حسم المنازعات أو توقيع العقوبات، بل تعداه إلى أن يكون أداة لبناء الروابط، ورتق الفجوات، وتكريس قيم العدالة الاجتماعية.

ومن خلال أربعة محاور رئيسية، استعرضنا في الورقة أهمية القانون العادل في إقامة مجتمع منظم وآمن، ودور الوظائف القانونية الجديدة في تحقيق السلم المجتمعي، وضرورة تحقيق عدالة الفرص في التمويل كوسيلة للوقاية من التطرف الفكري، وأخيرًا، الضوابط الشرعية والقانونية كأساس للسلم المجتمعي.

وأشارت الورقة إلى نماذج التشريعات والمبادرات العُمانية التي تعد شاهدًا حيًا على توجّه الدولة لتعزيز منظومة العدالة الاجتماعية، من خلال التوسعة في فرص التمويل، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والبرامج الموجهة للفئات ذات الدخل المحدود، بما يسهم في تحقيق التوازن الاجتماعي، من خلال العديد من البرامج التي تهدف إلى تطوير بيئة الأعمال في عُمان من خلال توفير تمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل الوصول إلى الفرص التجارية والاستثمارية، من خلال ما يتم تقديمه من قروض وشراكات مع المؤسسات المالية لدعم المشاريع الناشئة والمبتكرة؛ مما يساعد في توفير فرص العمل وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.

كما تحرص المؤسسات المعنية بتعزيز الابتكار في قطاع التكنولوجيا إلى توفير التمويل اللازم للشركات الناشئة التي تعتمد على الابتكار التكنولوجي، ومنها على سبيل المثال ما كان يُقدمه الصندوق العُماني للتكنولوجيا سابقًا (والذي اندمج حاليًا تحت مظلة مجموعة إذكاء) من تمويل للمشاريع التكنولوجية ويشجع على تبني التقنيات الحديثة في مختلف المجالات، مما يساهم في تحسين فرص العمل وتقليل الفجوات الاقتصادية بين مختلف الفئات الاجتماعية.

ومن النتائج المهمة التي توصلت إليها الورقة، أنّ توزيع أدوار القانون بين مؤسسات الدولة بعدالة ومرونة يُعدّ أداة وقائية استراتيجية، كما أن العدالة في الفرص، لا سيما في المعاملات المالية، تسهم في إغلاق منافذ التطرف والتهميش، وتفتح أبواب الانخراط الإيجابي في النسيج الوطني.

ولم تغفل الورقة عن أهمية دعم الجهاز القضائي والعدلي بآليات تشريعية وتنظيمية تُمكّنه من تحقيق هذه الأدوار الحديثة، إذ أوصت بضرورة تحديث التشريعات بما يتماشى مع المتغيرات، وتفعيل منهجية "التوزيع العقلي" لوظائف القانون، بحيث تتواءم مع التركيبة المجتمعية وتلبي احتياجاتها المتباينة.

وقد دعونا في الورقة المشتركة إلى التوسع في برامج التمويل الاجتماعي والاقتصادي، مع تبسيط الإجراءات وتعزيز الوصول للفئات المستهدفة، لما لهذا الدور من أثر مباشر في دعم الاستقرار وتقليص الفجوات، بما يصب في تعزيز السلم المجتمعي المستدام.

وختامًا، إن توجيه أدوات القانون نحو تعزيز السلم والسلام المجتمعي لم يعد ترفًا تنظيميًا؛ بل ضرورة وطنية، تفرضها طبيعة العصر، وتحدياته، والتطلعات نحو مجتمع عادل آمن، ومتوازن يلبي طموحات الوطن والمواطن في عُمان، ويحقق متطلبات التنمية المستدامة وفق رؤية "عُمان 2040".

** أستاذ مساعد بقسم القانون الخاص، كلية الحقوق- جامعة البريمي

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

5 بنود أساسية.. شكل العقد في مشروع قانون العمل الجديد

يحتفل العمال في مصر في الأول من مايو من كل عام بعيدهم، في مناسبة تحمل في طياتها تقديرا كبيرا لما يقدمه العامل المصري من جهد متواصل في دعم مسيرة التنمية والبناء.

برلماني: رفع الحد الأدنى للأجور خطوة حاسمة نحو العدالة الاجتماعيةبرلماني: التحول إلى الدعم النقدي يتطلب تعويضا ماليا يواكب التضخممحمود فوزي: التنسيق بين البرلمان والحكومة ضروري لتحديد التوجهات التشريعيةمستشار الشؤون النيابية: دورنا تنسيقي ولا يُغني عن حضور الوزير المختص في مناقشات البرلمان

وتأتي هذه المناسبة في ظل اهتمام متزايد من الدولة، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أولى ملف دعم العمال أهمية خاصة، من خلال اتخاذ حزمة من القرارات والسياسات خلال السنوات الأخيرة، بهدف تحسين أوضاعهم وتعزيز حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.

مشروع قانون العمل

وفي ذات السياق وافق النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، نهائيا على مشروع القانون المُقدم من الحكومة بإصدار قانون العمل.

وحدد مشروع القانون الجديد 5 بنود رئيسية يجب أن يتضمنها عقد العمل؛ لضمان وضوح العلاقة التعاقدية وعدم وقوع خلافات مستقبلية.

البنود الأساسية لعقد العمل

وفقًا لمشروع قانون العمل الجديد، يجب أن يشمل عقد العمل البنود التالية:

1. تاريخ بداية العقد.. وهو التاريخ الذي يبدأ فيه العامل أداء مهامه بشكل رسمي وفقًا للاتفاق المبرم بينه وبين صاحب العمل.

2. اسم صاحب العمل وعنوان محل العمل.. لضمان وضوح الجهة التي يتبعها العامل، ما يسهل الرجوع إليها في حالة نشوب أي نزاع قانوني.

3. اسم العامل ومؤهلاته ومهنته أو حرفته إلى جانب رقمه التأميني ومحل إقامته، وما يلزم لإثبات شخصيته.. مما يساعد في ضمان الشفافية وتوثيق بيانات العامل بدقة.

4. طبيعة ونوع العمل محل العقد.. لتحديد المهام والمسؤوليات التي سيقوم بها العامل داخل المؤسسة.

5. الأجر المتفق عليه.. وهو أحد أهم البنود التي ألزم بها القانون أصحاب الأعمال؛ لضمان عدم استغلال العمال أو التلاعب في مستحقاتهم المالية.

طباعة شارك العامل المصري دعم مسيرة التنمية مشروع قانون العمل قانون العمل النواب

مقالات مشابهة

  • التصوف التقليدي والمعاصر في السودان: قراءة مقارنة في ضوء التحولات الاجتماعية والسياسية
  • قانون العمل الجديد.. نقلة نوعية وعدالة أسرع بالعقود والأجور
  • 6 أسباب غير مشروعة لإنهاء عقد العمل الغير مُحدد المدة وفقًا للقانون الجديد
  • 5 بنود أساسية.. شكل العقد في مشروع قانون العمل الجديد
  • تشريعية النواب: قانون الإجراءات الجنائية الجديد يعزز الكرامة الإنسانية
  • مشفيا دمشق والسلام التخصصي يستقبلان عشرات المصابين جراء ‏اعتداءات المجموعات الخارجة عن ‏القانون والغارات الإسرائيلية ‏
  • لقاء شعبي واسع في مصياف.. تعزيز السلم الأهلي وتحسين الواقع الخدمي
  • الأكاديمية السلطانية للإدارة تطلق برنامج التواصل المجتمعي
  • بعد إقراره نهائيًا.. ننشر أهداف قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • برلماني: تعديل قانون الإيجار القديم خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة