قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، فى منشور جديد له عبر صفحته على فيس بوك: إن من المهام الأولى لعلماء الأزهر نقل هذا الدين لمن بعدهم بصورة صحيحة. 

أوضحت أنه لابد أن يمتلكوا الأداة الضرورية اللازمة لفهم آليات التعامل مع «الموروث الإسلامي»، ليستطيعوا أن ينقلوه في إطاره الصحيح الذي وصل إليهم من أسلافهم إلى من يخلفهم، مع ضرورة حفظ التمييز بين الأصلين المنزَّهين (الكتاب والسُّنة)، وسائر التراث الذي اجتهد في إنتاجه المسلمون من علوم وفكر، وفقه وفتاوى، ورؤى وواقع تاريخي.

خارج الأدب | علي جمعة يوجّه تنبيها مهمًا لهؤلاء الطلابعلي جمعة يكشف عن اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجابعلي جمعة: تخلصنا من عشوائيات السكن وباقي عشوائيات الفكر والتدينعلي جمعة: هؤلاء خذوا منهم العلم الشرعي وابتعدوا عن أصحاب الانتماء السياسي

وأشار الى إنه لاشك أن هناك فجوة مشهودة بين أجيال الباحثين المعاصرين وهذا الموروث الثمين، فكثيراً ما نقرأ القرآن أو السُّنة أو علوم التراث الإسلامي ولا نفهم دلالات المقروء، فلا نستطيع الاستفادة منها، ومن ثم فإن أول مطلوب هو «الفهم»، فهو الخطوة الأولى لسائر الخطوات، فلا يمكنني نقد هذا الموروث أو تطبيقه دون فهم. 

ونوه ان كثيراً ما يتساءل الباحثون عن آليات تطبيق هذا الموروث في مجالاتهم العلمية والبحثية الحالية، وعن «الحلقة الواصلة» بين الموروث وهذه العلوم الحديثة، في حين أن المطلوب أولاً -قبل التطبيق- هو «الفهم». 

وبين ان تحديد الهدف والخطوات وتمثُّل هذه الخطوات جيداً، هو أمر مطلوب جداً من أجل الوعي والاستفادة.. لكن تشوُّف الباحث إلى ما هو أمام، وتعجُّله قطف الثمار قبل النضج - وربما قبل الزرع والإنبات - هو ما يدفعه إلى نوع من القفز وعدم الاتزان، فأنا -كباحث أو كدارس اطَّلعت على العلوم الحديثة- أريد أن أستفيد مما رأيته أو استشعرته في الموروث من منهجية ومضمون في دراستي لهذه العلوم، وهذا -بعد تحقيق «الفهم»- يحتاج إلى عملية أكبر، وهي ما يمكن تسميتها بعملية «التجريد»، ثم تتلوها عملية ثالثة وهي «الاستنباط»، والمقصود بها استنباط المناهج والقواعد والأدوات التي يمكن بها أن يواصلوا المسيرة ويكملوا البنيان. 

وذكر انه ليس المراد من الاطلاع على هذه العلوم والأفكار وما فيها من منهجيات أن نحاكيها، فتتوقف مسيرة العلم، ونذهب في رحلة موات، بل أن نستخلص منها ما نحتاج إليه.

ولفت الى ان الموروث -بجملته- عبارة عن مكوّنين: نتاج فكرى، وواقع تاريخي. النتاج الفكري له «محلٌ» عَمِل الفكر فيه، وهو القرآن والسُّنة مصدرا المعرفة الأساسيان عند المسلمين باعتبارهما وحياً. 

والنتاج الفكري له «ثمرة»، وهي ما يخرجه البشر بتفاعلهم مع هذا المحل من رؤى وأفكار وعلوم ومناهج وأحكام وممارسات.

محور الحضارة الإسلامية

وكشف عن ان محور الحضارة الإسلامية الذي بنيت عليه هو (النص): الكتاب والسُّنَّة، فما معنى المحور؟ معنى المحور أن كل العلوم خادمة له، وقد أنشئت لتخدمه، وهو المعيار للتقويم، والإطار المرجعيّ.

قرأ المسلمُ النصَّ، فلما استعصى عليه أمرٌ ما فيه راح يبحث عن وسائل فهمه، فصار هناك المُعجم وظهرت التراكيب والنحو والصرف.. تساءل: هل هذا الكلام معتاد أم معجز؟ ما الذي جعله متميزاً؟ فظهر علم البلاغة.. تساءل: إذا كنت قد فهمت دلالات اللفظ (المفردات والتراكيب)، فماذا عن الدليل والمدلول؟ وبالمثل ظهر علم النقل والتوثيق، وهو علم لم يخرج مثله في الأمم، وذلك لخدمة الوثوق في النص، وتوالت التصنيفات بين علوم ذاتية كالتفسير والحديث، وعلوم مضمونية كالتوحيد والفقه، وتقسيمات أخرى هي من نتاج تعامل العقل المسلم مع النص.

فالفقه -مثلاً- من القرآن إجمالاً، والقليل منه هو من القرآن مباشرةً، فهناك نحو مليون ومائتي ألف مسألة فقهية، بينما الآيات أقل من ذلك بكثير من حيث العدد والحجم، إلا أن القرآن العظيم منه الانطلاق، وإليه العودة، وبه التقويم، وله الخدمة، في علم الفقه وغيره من العلوم التي ورثناها.

وأضاف: الشق الثاني للموروث -الذي يقابل النتاج الفكري- هو الواقع، وهو يتكون من خمسة عوالم: عالم الأشياء، وعالم الأشخاص، وعالم الرموز، وعالم الأفكار، وعالم الأحداث.. فما معنى أن النص الذي هو محور الحضارة له دور في التعامل مع عوالم الواقع؟ إن ذلك يعني أنني عندما أتعامل مع الواقع أضع على عيني نظارة النص.

إذن الموروث إما مصادر أصلية وإما نتاجاً بشرياً، والواقع هو العوالم الخمسة، وما نريده في البداية هو الفهم -الفهم الصحيح- وليس النقد أو التجريد أو التطبيق، وعلى ذكر «الفهم الصحيح»، فمع الدعوة للتأمل وتحريك الذهن في مختلف المسائل، ننبه إلى أن هناك سقفاً للفهم الصحيح ينبغي ألا يتم تجاوزه، وهو يشتمل على خمسة حدود لابد من معرفتها والالتزام بها في مطالعة التراث:

حدود الفهم الصحيح

1- اللغة العربية، التي هي وعاء المنطق العربي المتصل بالفطرة الإسلامية.

2- الإجماع، الذي ينبغي على الساعي إلى الفهم ألا يـخـرقه أو يتجاهله.

3- المقاصد الكلية للشريعة، من حفظ الدين والنفس والعِرض أو النسل والعقل والمال.

4- النموذج المعرفي، وهو ما نسميه العقيدة أو الرؤية الكلية.

5- القواعد الفقهية أو المبادئ العامة للشريعة، من قبيل: لا ضرر ولا ضرار، لا تزر وازرة وزر أخرى... إلخ.

لابد من ذلك كله حتى نخرج عقليات من أمثال ابن مقلة وابن الهيثم والبيروني وابن خلدون وابن رشد وغيرهم، ونؤكد أن أهم ما يعنينا استخلاصه في هذا التراث هو «المناهج» وطرائق التفكير: كيف كانوا يُعملون عقولهم في واقعهم؟ ولا يهمنا بالضرورة «الموضوعات» أو الجزئيات التفصيلية التي كانوا يفكرون فيها. سأجد أنني أبحث في المصادر، وطرق البحث وأدواته، وآليات الاحتجاج والاستدلال، وفي شروط الباحث.. تلك الأمور التي أخذها روجر بيكون وجعلها أصولاً للمنهج العلمي الحديث، وهي لا تتجاوز تعريفات الرازي والبيضاوي لعلم أصول الفقه. 

إن من يطالع هذا التراث الكنز -اليوم- سوف يُفاجأ بمنهج ضخم وأسئلة جوهرية ربما لا إجابة عنها إلا في هذا التراث نفسه، مطالعة هذا التراث هي أصل المنهج الأزهري القويم الذي يجب أن يكون الإطار العام لكل من أراد أن يسلك طريق العلم والتفقُّه. 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الحضارة الإسلامية المزيد الفهم الصحیح هذا التراث

إقرأ أيضاً:

تدشين كتاب "سيرة ماض بظلال النهضة" لحمود بن محمود البلوشي

مسقط- الرؤية

شهد معرض مسقط الدولي للكتاب 2025 مناسبة ثقافية مميزة، تمثلت في تدشين كتاب "سيرة ماض بظلال النهضة" للكاتب  حمود بن محمود البلوشي، وذلك وسط حضور لافت من الشخصيات الثقافية والإعلامية، وعدد كبير من القرّاء والمهتمين بالتاريخ العماني الحديث.

ويوثق الكتاب تجربة الكاتب الذاتية والمهنية، ويسرد بأسلوب مشوق محطات حياته خلال فترة النهضة العمانية الحديثة، مستعرضًا من خلالها التحولات الجذرية التي شهدتها سلطنة عمان. وقد شغل الكاتب خلال مسيرته الطويلة منصب مدير دائرة المقابلات في المراسم السلطانية، وهو موقع أتاح له متابعة كثير من الأحداث الوطنية الكبرى عن قرب، والمشاركة في تنظيم اللقاءات والمناسبات الرسمية رفيعة المستوى.

ويمتاز كتاب "سيرة ماض بظلال النهضة" بتضمينه مجموعة من الصور النادرة، التي تنشر لأول مرة، وتوثق لحظات مهمة من حياة الكاتب وعمله الرسمي، مما يضفي على السيرة طابعًا توثيقيًا بصريًا مميزًا.

ويُبرز الكتاب أن حمود بن محمود البلوشي أمضى 42 عامًا من العطاء المتواصل في خدمة الوطن، متدرجًا في مسؤولياته الرسمية، وعايش خلالها مراحل مختلفة من بناء الدولة العصرية. كما يستعرض الكاتب رحلته العلمية التي قادته إلى استكمال دراسته الجامعية في دولة الكويت، حيث اكتسب معارف وخبرات إضافية أسهمت في تعزيز أدائه المهني والفكري.

ويتناول الكتاب كذلك الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للنهضة العمانية، ويقدم قراءة شخصية لتطور المجتمع العماني وتغير أنماط الحياة، انطلاقًا من مشاهدات حية وتجربة عملية امتدت على مدى أكثر من أربعة عقود.

ويُعد "سيرة ماض بظلال النهضة" إضافة نوعية للمكتبة العمانية والعربية، لما يحتويه من معلومات موثقة وتجربة إنسانية ثرية، تسلط الضوء على مرحلة تأسيسية مهمة في تاريخ سلطنة عمان.

 

مقالات مشابهة

  • تفاصيل نظام التقييم الجديد في امتحانات الثانوية العامة 2025: أسئلة متنوعة وتركيز على الفهم
  • الجبهة الوطنية: عمال مصر حجر الزاوية في النهضة
  • حسني بي لـ«عين ليبيا»: تقليص البعثات خطوة بالاتجاه الصحيح وندعو إلى سياسات نقدية تحمي المواطن
  • غدًا.. نصف نهائي المجموعة الأولى بدوري أشبال الهوكي
  • خبير يكشف: سد النهضة قد ينهار في هذه الحالة
  • تدشين كتاب "سيرة ماض بظلال النهضة" لحمود بن محمود البلوشي
  • ناقد رياضي: الأهلي خرج عن المسار الصحيح بقرار الانسحاب أمام الزمالك
  • “صور من التراث السوري” تبرز غنى الموروث الثقافي السوري في دار الأوبرا بدمشق
  • ايران: العلاقات مع السعودية تسير في الاتجاه الصحيح
  • شركة كويتية تتجه للاستحواذ على نادي النهضة