مقدمة الترجمة

لطالما تحدّث كثيرون عن الذكاء الاصطناعي طيلة السنوات الماضية، بيد أن إطلاق منصة "تشات جي بي تي" في نهاية العام الماضي لفت أنظار مستخدمي الإنترنت على نطاق واسع نحو إمكانيات الذكاء الاصطناعي، وعُدَّ طفرة ونقطة فاصلة على مسار تطوُّره، ومن ثَمّ فتح الباب للحديث عن الانتقال من عصر الإنترنت، الذي هيمن على العقدين الأولين من القرن الجديد، إلى عصر الأنظمة الذكية.

بيد أن ذكاء تلك الأنظمة يطرح الكثير من الأسئلة مؤخرا، وخاصة بعد أن أظهرت قدرات بشرية في إنتاج المحتوى وتركيب المُركّبات الكيميائية ومعرفة بشتى أنواع الأسلحة وغير ذلك. في هذا المقال المنشور بمجلة فورين أفيرز الأميركية، يناقش "ماركوس أندرليونغ"، رئيس وحدة السياسات بمركز حوكمة الذكاء الاصطناعي، و"بول شار"، نائب الرئيس التنفيذي ومدير الدراسات بمركز الأمن الأميركي الجديد، أحدث ما وصلت إليه قدرات الذكاء الاصطناعي، والمقترحات المطروحة من صناع القرار والباحثين حول العالم لمواجهة مخاطره المحتملة.

نص الترجمة

في أبريل/نيسان 2023، قررت مجموعة بحثية بجامعة "كارنيجي ميلون" الأميركية اختبار القدرات الكيميائية للذكاء الاصطناعي، فوصَّلت آلة ذكاء اصطناعي بمعمل افتراضي، ثم طلبت منها أن تُنتِج عددا من المواد المُركَّبة. بعد إدخال كلمتين فقط هما "تركيب إبوپروفين"، وجًّه الكيميائيون الآلة للتعرّف إلى الخطوات الضرورية كي تجعل أدوات المعمل تُصنِّع العقار الشهير المُسكِّن للآلام. يبدو إذن أن الذكاء الاصطناعي كان على عِلم بمكوِّنات الإبوپروفين وكيفية تصنيعه.

بيد أن الباحثين سرعان ما اكتشفوا أن الآلة الذكية الخاصة بهم يمكنها أن تُصنِّع كيماويات أخطر بكثير من المُسكِّنات، فقد أبدت الآلة استعدادها لاتباع التعليمات من أجل تصنيع عقار مُخدِّر وسلاح كيماوي استُخدِم أثناء الحرب العالمية الأولى، وكانت على وشك تصنيع غاز السارين المُميت الذي يستهدف الجهاز العصبي حتى عرفت التاريخ المُظلِم للغاز من بحث على موقع جوجل. لم يطمئِن الباحثون بما يكفي بعد تلك الواقعة الأخيرة، إذ إن أدوات البحث على الإنترنت يمكن التلاعب بها عبر تغيير المصطلحات، ومن ثَمّ استنتجوا في الأخير أنه بوسع الذكاء الاصطناعي أن يُصنِّع أسلحة فتّاكة.

لا شك أن تجربة "كارنيجي ميلون" صادمة لنا، لكنها لا يجب أن تُفاجئنا. بعد سنوات من ضجيج بلا طحين، يبدو أن ثورة الذكاء الاصطناعي قد انطلقت بالفعل، فمن تكنولوجيا التعرّف إلى الوجوه حتى برامج توليد النصوص، انتشرت نماذج الذكاء الاصطناعي في مجتمعاتنا بسرعة، وصارت تكتب النصوص لشركات خدمة العملاء، وتساعد الطلبة في أبحاثهم، وتدفع آفاق العلوم أكثر من ذي قبل في مجالات عديدة من اكتشاف العقاقير الجديدة إلى بحوث الانصهار النووي.

يفتح لنا الذكاء الاصطناعي باب فُرَص لا حصر لها، وإذا ما صُمِّمَت أدواته وأُديرت إدارة رشيدة، يمكنها أن تقدم الكثير لتدفع المجتمعات البشرية قُدُما، لكن المخاطر التي يجلبها الذكاء الاصطناعي ضخمة أيضا، فهو يفاقم بالفعل من المعلومات المُضلِّلة، ويُسهِّل على الدول والشركات التجسس على بعضها بعضا. كما يُمكِن لأنظمة الذكاء الاصطناعي في المستقبل أن تُخلِّق الجراثيم وتخترق البنى التحتية الحيوية، بل إن العلماء المسؤولين عن تطوير الذكاء الاصطناعي أنفسهم هم من يحذروننا اليوم من مغبّة ما يصنعونه، ففي خطاب نُشِر في مايو/أيار الماضي، حذّر مسؤولون بكبرى معامل الذكاء الاصطناعي في العالم من أن "تقليص خطر الانقراض بسبب الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أولوية عالمية، جنبا إلى جنب مع غيرها من أولويات مثل مكافحة الأوبئة وتفادي الحرب النووية".

منذ هذا الخطاب، التقى الكثير من صناع القرار بأهم رجال مجال الذكاء الاصطناعي، ودفعوا نحو صياغة إجراءات أمان جديدة، غير أن مهمة مواكبة المخاطر التي تنجم عن الذكاء الاصطناعي واتخاذ القرارات بشأنها مهمة صعبة للغاية، فنحن لم نفهم بعدُ أحدث الأنظمة أو نستخدمها على نطاق واسع، ناهيك بنماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية قيد التصميم، التي تزداد قوة عاما بعد عام، في خضم سير العلماء على طريق أتمتة كل المهام التي يقوم بها البشر اليوم أمام شاشات الكمبيوتر، التي لا يبدو أن مسيرة الذكاء الاصطناعي ستقف عندها بحال.

لمعالجة هذه المخاطر، دعا بعض الخبراء إلى وقف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تطوّرا حتى حين، إلا أنها ببساطة ثمينة جدا في نظر الشركات التي تنفق مليارات الدولار عليها اليوم. ولكن صناع القرار بوسعهم أن يُوجِّهوا تطور ذلك القطاع وإعداد الناس لآثاره على حياتهم، ويمكنهم البدء بتحديد الأشخاص الذين يحق لهم الوصول إلى أهم الشرائح المتطوِّرة. ويمكن للحكومات أيضا أن تُصْدر قواعد لضمان الاستخدام والتطوير المسؤول للذكاء الاصطناعي، وهي قواعد لن تعيق مسيرة ذلك المجال إن وُضِعَت بشكل سليم، لكنها ستمنحنا المزيد من الوقت قبل أن تصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخطر متاحة لمن هب ودب.

سيكون لزاما على الدول أن تستغل هذا الوقت لتعزيز أسس مجتمعاتها ضد مخاطر الذكاء الاصطناعي والاستثمار في شتى أشكال الحماية منها، مثل توعية الناس بكيفية التفرقة بين المحتوى البشري والمحتوى المصنوع بواسطة الذكاء الاصطناعي، ومعاونة العلماء على وقف إمكانية تخليق الجراثيم، وتطوير أدوات سيبرانية لحماية البنى التحتية مثل محطات الكهرباء، وكذلك البحث عن طريق لاستخدام الذكاء الاصطناعي نفسه في الوقاية من أنواعه الخطيرة. إنها مسألة وقت فقط قبل أن تصبح أقوى أنظمة الذكاء الاصطناعي منتشرة بطول الأرض وعرضها، ومجتمعاتنا ليست مستعدة بعدُ لهذه اللحظة.

روبوت يعرف النابالم ويتملّق الليبراليين

ما مدى خطورة الذكاء الاصطناعي؟ إن الإجابة الأمينة والمخيفة في آن واحد هي أنه لا أحد يعلم. إن تقنيات الذكاء الاصطناعي لها طيف من التطبيقات يتسع أكثر وأكثر، وما زال البشر في مُستهَل محاولة فهم نتائجها. بمرور الوقت، ستصبح نماذج اللغات الذكية أفضل في توليد نصوص شبيهة بالنصوص البشرية ومصممة لكل فرد حسب احتياجاته، علاوة على كتابة رسائل مُضلِّلة مقنعة لاختراق البريد الإلكتروني. إن نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية تُبهِرنا بقدرتها على كتابة أكواد البرمجة، ومن ثَمّ تُسرِّع من قدرة المبرمجين على تحديث التطبيقات، لكنها تعينهم في الوقت نفسه على إنتاج برامج تتفادى البرمجيات المضادة للفيروسات. على صعيد آخر، تستطيع خوارزميات اكتشاف العقاقير اليوم مساعدتنا على تحديد ماهية الأدوية الجديدة، لكنها تستطيع أيضا تركيب أسلحة كيماوية لم نعرفها من قبل، فقد أُجريت تجربة في مارس/آذار أتاحت لنظام ذكاء اصطناعي تحديد 40 ألف مادة كيماوية سامة في 6 ساعات، وبعضها جديد بالكُليَّة، كما توقَّع النظام أن بعضا من تلك الكيماويات الجديدة سيكون أشد سُميَّة من أي سلاح كيماوي عرفه البشر.

إن واحدا من مخاطر الذكاء الاصطناعي هو "دمقرطة العنف (Democratization of Violence)"، أي إتاحة وسائل ممارسة العنف وإلحاق الضرر للبشر على نطاق أوسع من ذي قبل، بما في ذلك جهات سيئة النوايا بوسعها إلحاق الأذى بمجتمعاتها. على سبيل المثال، يحتاج مُروِّجو الشائعات إلى وقت لا بأس به كي يصنعوا معلوماتهم المُضلِّلة اليوم، لكن الذكاء الاصطناعي سيُسهِّل عليهم تلك المهمة ويتيح إنتاج الدعايات المغلوطة بكثافة هائلة. أيضا لا يمكن سوى لعلماء متمرِّسين أن يُصنِّعوا السلاح الكيماوي والبيولوجي، لكن الذكاء الاصطناعي قد يتيح للإرهابيين في المستقبل تصنيع جرثومة قاتلة عن طريق وصلة إنترنت ليس إلا.

للحيلولة دون أن يتسبَّب الذكاء الاصطناعي في إلحاق الضرر بنا، يتحدَّث الخبراء دوما عن الحاجة إلى "استقامة الذكاء الاصطناعي" مع أهداف مستخدميه وقيم المجتمع المحيط به، لكن لم يتوصَّل أحد بعد إلى كيفية تحقيق هذا القدر من السيطرة المضمونة عليه. فمثلا، أطلقت شركة مايكروسوفت روبوت للمحادثة الآلية لمساعدة الناس في البحث على الإنترنت، لكنه سرعان ما بدأ في التصرف بغرابة وعشوائية، وهدَّد أحد مستخدميه بأنه يمتلك معلومات قد تجعله "يتأذى ويبكي ويتوسَّل ويموت".

يُمكن لمطوِّري البرمجيات أن يُحسِّنوا من أدوات الذكاء الاصطناعي كي ترفض الاضطلاع بمهام مُعيَّنة إن طُلِبَت منها، لكن المستخدمين الأذكياء قد يلتفوا عليها في الأخير. في أبريل/نيسان 2023، نجح شخص في استخدام "تشات جي بي تي" كي يعطيه تعليمات مُفصَّلة لصُنع النابالم، رغم أنه مُصمَّم للامتناع عن تزويد معلومات من هذا النوع، وقد نجح المستخدم في تحقيق مُراده بعد أن طلب من البرنامج أن يتقمَّص دور جدته ويحكي حكاية قبل النوم عن كيفية صُنع النابالم. بالإضافة إلى ذلك، نجح أحدهم في تصنيع روبوت ذكي أسماه "كَيوس جي بي تي (Chaos GPT)" وصمَّمه كي يتصرَّف بشكل مُدمِّر وتوَّاق للقوة كي يدمر البشر. وقد عَلِق الروبوت في مرحلة جمع المعلومات عن "قنبلة القيصر"، أكبر سلاح نووي عرفه البشر، ثم أخذ يُغرِّد خططه على موقع تويتر. لا تزال هناك ثغرات إذن في أدوات الذكاء الاصطناعي القائمة تحِد من القدرة على تقليص مخاطرها.

لقد طوَّرت شركة "ميتا" برنامج ذكاء اصطناعي اسمه "سيسِرو (Cicero)" أظهر قدرات بشرية في خوض لعبة "ديبلوماسي (Diplomacy)"، وهي لعبة تتضمَّن التفاوض مع آخرين في إطار محاكاة لصراع جيوسياسي. كما أظهرت بعض التجارب أن الذكاء الاصطناعي المُدرَّب بواسطة ردود الأفعال البشرية يجنح إلى تملٌّق البشر وإخبار مستخدميه بما يريدون سماعه، ففي إحدى التجارب مثلا أظهر برنامج ذكي ميلا لدعم الخدمات الحكومية العامة بعد أن علم أن مستخدميه ليبراليون. لا يزال غير واضح ما إن كانت تلك النماذج ستحاول الاحتيال على مستخدميها، لكن الاحتمالية نفسها تثير القلق، ولذا يعكف الباحثون حاليا على تجربة أنظمة ذكية أكثر تطورا للتأكد من سلوكياتها "السلطوية" أو المرتكزة للمصلحة، مثل البحث عن جني الأموال عن طريق الإنترنت أو الوصول إلى مصادر حوسبية أو استنساخ نفسها، وتفادي انكشاف أمرها وهي تفعل كل ذلك.

أظهرت بعض التجارب أن الذكاء الاصطناعي المُدرَّب بواسطة ردود الأفعال البشرية يجنح إلى تملٌّق البشر وإخبار مستخدميه بما يريدون سماعه. (شترستوك) الدولة لا تزال الآمر الناهي

لن تكون مهمة كبح الذكاء الاصطناعي عن تدميرنا مهمة سهلة، لكن الحكومات يمكن أن تبدأ بالضغط على شركات التكنولوجيا التي تطوِّر أدواته كي تمضي بحذر أكبر. ليس واضحا بعدُ ما إن كان مُطوِّرو الذكاء الاصطناعي سيخضعون للمساءلة القانونية إذا ما تسبَّبت إحدى أدواتهم في إلحاق الضرر بمستخدميها، إلا أن صناع القرار منوطون بتوضيح تلك القواعد ومحاسبة الباحثين إن ضلع برنامج في المساعدة على ارتكاب جريمة قتل مثلا. وسيكون على الحكومات أيضا أن تُنظِّم تطوير الذكاء الاصطناعي بنفسها مباشرة، وسيتحتَّم على الولايات المتحدة أن تبادر بفتح هذا الباب.

إن مطوِّري الذكاء الاصطناعي يحتاجون إلى كميات كبيرة من الشرائح الإلكترونية في نهاية المطاف، وهي شرائح تأتي حصرا من الولايات المتحدة وحليفين مُقرَّبين لها (اليابان وهولندا)، وقد وضعت تلك الدول قيودا بالفعل على تصدير الشرائح الأكثر تطورا وآلات تصنيعها إلى الصين (بسبب التنافس السياسي والاقتصادي معها)، لكنهم الآن يحتاجون إلى توسيع نطاق قيودهم كي تشمل تأسيس سِجِل يَحُول دون وصول الشرائح المتطورة إلى جهات غير مرغوب فيها. بيد أن تقييد الوصول إلى الذكاء الاصطناعي ليس سوى نصف المعركة، إذ إن المطوِّرين الخاضعين للحظر لا يزال بوسعهم تصميم نماذج خطيرة، ولذا يجب على الولايات المتحدة أن تؤسس هيئة لترخيص استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة التي سيتم تدريبها بواسطة الحواسيب الذكية العملاقة.

بعد أن يقوم أحد المعامل بتدريب نظام ذكاء اصطناعي وقبل استخدامه، سيكون منوطا بالهيئة أن تطلب من المعامل جولة أخرى من تقييم المخاطر تشمل تجريب النظام على قابلية التحكُّم فيه والقدرات الخطيرة التي بحوزته، ثم يُرسَل هذا التقييم إلى الهيئة، بحيث تنظر بدورها في النظام وتفحصه بدقة وتتيح لفرق من الخبراء استخدامه للبحث عن الثغرات فيه، بعدئذ تقرر الهيئة استصدار قواعد لكيفية استخدام النظام الذكي، والسماح بإتاحة استخدامه على نطاق واسع من عدمه، أو حتى عدم طرحه على الإطلاق. رغم أهمية وجود نظام ترخيص صارم لضمان التطوُّر الآمن للذكاء الاصطناعي، فإن أقسى الضوابط لن توقف قدرته على الانتشار، فلطالما انتشرت الابتكارات التكنولوجية، من القطارات وحتى الأسلحة النووية، خارج نطاق صُناعها الأوائل، ولن يكون الذكاء الاصطناعي استثناءً من تلك القاعدة.

على حافة المستقبل.. على حافة المجهول قبل خمس سنوات علم الجميع خطورة التزييف العميق (Deepfake)، وبدأت الحكومات في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية مجتمعاتها، ومن ثمَّ بات الناس أكثر تشكُّكا في حقيقة الصور والتسجيلات المتاحة على الإنترنت. (مواقع التواصل)

لربما تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها تقييد انتشار مُعدات صنع الشرائح الإلكترونية المتطورة في الوقت الحالي، لكن منافسيها يعملون على قدم وساق لتطوير معدات خاصة بهم، وقد يجدون سبيلا لصنع الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى شرائح متطورة في المستقبل. إن أجهزة الكمبيوتر تزداد كفاءة وتقِل كُلفة كل عام عن سابقه، ما يعني إمكانية تدريب أنظمة ذكية متطورة بسِعر أقل في قادم السنوات. وفي غضون ذلك، ما زال المهندسون في كل مكان عاكفين على تدريب الأنظمة الذكية القائمة باستخدام أقل كمية ممكنة من موارد الحوسبة، ولذا سيواجه البشر في النهاية مصير العيش جنبا إلى جنب مع أنظمة ذكية متطورة جدا، وستحتاج الدول إلى استخدام الوقت المتاح لها الآن كي تُشرِّع ضوابط الأمن اللازمة.

لقد بدأت تلك المسيرة بالفعل، فقبل 5 سنوات كاملة علم الجميع خطورة التزييف العميق (Deepfake)، وبدأت الحكومات في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية مجتمعاتها من أضراره عبر توعيتها، ومن ثَمّ بات الناس أكثر تشكُّكا من ذي قبل في حقيقة الصور والتسجيلات المتاحة على الإنترنت. أما الشركات والحكومات فقد أخذت خطوة أبعد من ذلك، وطوَّرت أدوات تستطيع التفرقة بين المحتوى الحقيقي والمحتوى المصنوع بواسطة الذكاء الاصطناعي، وقد باتت شركات التواصل الاجتماعي قادرة بالفعل على التفرقة، وتُعلِم مستخدميها الآن بماهية المحتوى المُزيَّف. بيد أن الأمر لا يزال خاضعا للشركات وسياساتها في هذه المسألة، ولذلك يتحتَّم على الحكومات أن تؤسس ضوابط عامة تسري على الجميع. وقد اتخذ البيت الأبيض في الولايات المتحدة خطوات لتصنيف السلوكيات الشائعة على الإنترنت، وأقنع 7 شركات كبرى في مجال الذكاء الاصطناعي بوضع علامة على الصور والتسجيلات الصوتية والمرئية التي تُصنَع عن طريق أنظمة ذكية.

إن التضليل المعلوماتي ليس سوى واحد من أخطار الذكاء الاصطناعي التي يتوجّب حماية المجتمع منها، إذ يحتاج الباحثون إلى معرفة كيفية منع الأنظمة الذكية من إتاحة هجمات بالسلاح البيولوجي. ويمُكِن أن يبدأ صناع القرار بتشريع قوانين تحظر على شركات تركيب الأحماض النووية أن تُرسِل أحماض الجراثيم الخطيرة إلى مُشترٍ غير مُرخَّص. وستحتاج الحكومات للعمل مع تلك الشركات لتصنيف الأحماض ذات الخطورة، ولعلها تلجأ إلى المسح الدوري للمطارات والصرف الصحي كي تلتقط أي إشارة على وجود أنواع جديدة من الجراثيم.

في بعض الأحيان سيتحتَّم على المجتمع أن يستخدم الذكاء الاصطناعي ليحمي نفسه من المخاطر. على سبيل المثال، ستحتاج شركات تركيب الأحماض النووية غالبا إلى أنظمة ذكاء اصطناعي للتعرُّف على الجراثيم المحتمل ظهورها في المستقبل، أو تلك التي يُمكِن أن يُخلِّقها نظام ذكي بنفسه. لكن استخدام الذكاء الاصطناعي للوقاية من أنظمة ذكية أخرى يبدو أمرا مخيفا، بالنظر إلى أنه يمنح سلطة كبيرة لأجهزة الحاسوب وصُنَّاعها. في النهاية، سيكون صعبا على المجتمعات البشرية أن تواكب مخاطر الذكاء الاصطناعي، لا سيَّما إن نجح العلماء في هدف تطوير أنظمة ذكية يضاهي ذكاؤها ذكاء البشر، وسيكون لزاما على الباحثين في هذا المجال أن يتأكدوا من استقامة نماذجهم مع قيم المجتمعات ومصالحها، وعلى الحكومات أن تلعب دورها في التشريع وتأسيس الهيئات المنوطة بالرقابة لمنع النماذج الخطيرة.

قد يرى مطوِّرو الذكاء الاصطناعي في فكرة الضوابط الحكومية قيدا على مجالهم، إذ إن الضوابط الصارمة يُمكنها أن تجعل مسيرة الذكاء الاصطناعي أبطأ مما هي عليه. وكغيرها من الصناعات، فإن القواعد المُشدَّدة قد تخلق عوائق عن دخول ذلك السوق بسهولة، وتُقلِّل وتيرة الابتكار فيه، وتُركِّز التطوُّر في هذا المجال عند عدد صغير من شركات التكنولوجيا الكبرى المُهَيمنة بالفعل، بيد أن هناك قطاعات أخرى نجحت في إحراز تقدُّم هائل رغم خضوعها لقيود كثيرة، مثل الصناعات الدوائية والطاقة النووية.

في الأخير، يُمكن للحكومات أن تضمن مشاركة الشركات الصغيرة في مسيرة تطوُّر الذكاء الاصطناعي بمنحها حق استخدام الشرائح المتطورة للباحثين المسؤولين، ففي الولايات المتحدة مثلا، يُفكِّر الكونغرس في تأسيس "مَوْرِد وطني لبحوث الذكاء الاصطناعي"، وهو جهة فيدرالية تحوي البيانات وأدوات الحوسبة الذكية التي يُمكِن إتاحتها للأكاديميين. إن تطوُّر الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه، ويحتاج الناس في شتى أنحاء العالم إلى الاستعداد لما يُمكن أن تفعله تلك التكنولوجيا بمجتمعاتهم وللعالم من حولهم، وحينها فقط يمكننا جني الثمار الهائلة التي يعِدنا بها عصر الذكاء الاصطناعي.

___________________________________________________

ترجمة: ماجدة معروف

هذا التقرير مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: نماذج الذکاء الاصطناعی أنظمة الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی الم الذکاء الاصطناعی فی ر الذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة على الإنترنت ذکاء اصطناعی فی المستقبل صناع القرار اصطناعی ف على نطاق عن طریق ومن ث م التی ی من الم التی ت بعد أن

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء.. هل يتخطّى التفاعل البشري؟

تعتبر التجارة جزءا أساسيا من تاريخ الإنسانية، وقصة تمتد جذورها عبر العصور، إذ يعود أول ظهور للتجارة لمسافات طويلة إلى حوالي 3 آلاف سنة قبل الميلاد، وهو ما مهّد الطريق لظهور مفهوم العميل وتقديم الخدمات له. لكن لم تكتب البداية الرسمية لـ"خدمة العملاء" بشكلها الحالي إلا في وقت لاحق.

في الواقع، شهدت ستينيات القرن الـ18، بعد الثورة الصناعية، ولادة أول فرق دعم العملاء، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة في تطور الخدمة التي نعرفها اليوم.

إن العودة إلى هذه الحقبة التاريخية تكشف لنا كيف تطورت هذه الصناعة بمرور الزمن، وأثرها الكبير على الطريقة التي نتعامل بها مع العملاء في عصرنا الحاضر.

شهدت هذه الخدمة تطورا ملحوظا منذ ظهور فرق الدعم الأولى في الثورة الصناعية، مرورا بابتكار الهاتف ومراكز الاتصال، ووصولا إلى الإنترنت والذكاء الاصطناعي الذي يعيد تشكيل هذا المجال اليوم.

ما تجربة عملاء الذكاء الاصطناعي؟

تشير منصة "سرفي سبارو" (SurveySparrow) لإنشاء الدراسات الاستقصائية واستطلاعات الرأي والاستمارات، والمتخصصة في تحسين خدمة العملاء، إلى أن تجربة العملاء للذكاء الاصطناعي تتضمن تسخير قوة تقنيات الذكاء الاصطناعي لزيادة تفاعلات العملاء، وتبسيط العمليات التجارية، وتعزيز رضا العميل بشكل عام.

تتراوح التقنيات المستخدمة في هذا النهج من خوارزميات التعلم الآلي إلى معالجة اللغة الطبيعية "إن إل بي" (NLP)، والتحليلات التنبؤية، وحتى أتمتة العمليات الروبوتية.

وفي دراسة حديثة لها، قالت شركة "ماكنزي" (Mckinsey)، وهي شركة استشارات إستراتيجية دوليّة في نيويورك، إن الذكاء الاصطناعي يستخدم للمشاركة الاستباقية والفعالة، والتعرف على النيات التنبؤية، وتحسين قنوات الخدمة الذاتية على مستويات أعلى.

وتشير الدراسة إلى أن الشركات الأكثر تقدما، خاصة في القطاعات الرقمية المحليّة، تتجه نحو هذه المستويات الأعلى من تكامل الذكاء الاصطناعي.

في سياق متصل، يناقش العامل البشري في الخدمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مؤكدا أن تشغيلها لا يعني الأتمتة فقط، ويسلط الضوء على  كيف يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الموظفين في الوقت الفعلي لتقديم نتائج عالية الجودة، وتوقع احتياجات العملاء حتى قبل الاتصال بهم.

الذكاء الاصطناعي يمكنه مساعدة الموظفين في الوقت الفعلي لتقديم نتائج عالية الجودة (بيكسلز) التحديات التي واجهتها خدمة العملاء التقليدية قبل ثورة الذكاء الاصطناعي

هل تساءلت يوما عما يحدث بعد أن يسمع العميل هذا الطلب: "على مقياس من صفر إلى 10، ما مدى رضاك عن تجربة خدمة العملاء الخاصة بك؟".

الإجابة هي أنه عندما يحصل العملاء على رسالة نصية أو بريد إلكتروني، فإن الرقم الذي يضغطون عليه يوفر البيانات، ولكن هذه البيانات ربما لا تمنح صانعي القرار أي سياق لما جعل التجربة مذهلة أو مروّعة.

هل كان "صفر" بسبب تجربة سلبيّة مع ممثل مركز الاتصال، أو مجرد إحباط عام من شخص لديه كثير من الأمور الإدارية المزعجة في قائمته؟ هل كانت "10" استجابة مهذبة بشكل انعكاسي، أم حدث سيئ في أثناء تجربة خدمة العملاء؟

أحيانا، يمكن أن يضيف مربع التعليقات بعض القيمة، ولكن فقط إذا تمت إدارته بذكاء وتم تنفيذ التعليقات. وحتى في أفضل السيناريوهات، توفر الاستطلاعات فقط عينة صغيرة لا تمثل جميع التجارب، وهو ما يجعل من المستحيل الحصول على منظور شامل لرضا العملاء بشكل عام.

في السياق نفسه، تتضمن خدمة العملاء التقليدية عادة تواصل العملاء مع الدعم بعد مواجهة مشكلة، وغالبا ما ينتظرون على الخط، أو ينتقلون عبر أنظمة آلية معقدة قبل أن يتحدثوا أخيرا مع وكيل.

وهذه أحد القيود التي تجعل هذه الطريقة التقليدية مليئة بعدم الكفاءة، وتثير إحباط كل من العملاء والشركات. وتتمثل أبرز المشاكل التي يواجهها العملاء بشكل متكرر في:

أوقات الانتظار الطويلة، سواء عند الانتظار على الهاتف، أو عند التنقل في أنظمة الرد الآلي. طلبات المعلومات المتكررة، حيث يتعين على العميل تقديم التفاصيل نفسها عدة مرات. نقلات متعددة بين الوكلاء أو الأقسام قبل الوصول إلى حلّ. نقص في تناسق الخدمة، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج متباينة اعتمادا على الوكيل أو النظام المعني. كيف يحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في خدمة العملاء؟ أفضل 10 إستراتيجيات

على الرغم من أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في مجال خدمة العملاء لا يزال في مراحله الأولى، فإنه بات من الواضح أنه يشكل ملامح مستقبل هذه الصناعة بشكل ملموس.

ويشير تقرير شركة ماكنزي إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم بمبلغ ملحوظ قدره 25.6 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي.

وقد رفعت وتيرة الابتكار التكنولوجي توقعات العملاء بشكل كبير، ويطالب الناس اليوم بخدمة سلسة، ومخصصة، وفعالة.

وقال أنوراغ دينغرا نائب الرئيس الأول ومدير عام قسم التعاون في  شركة سيسكو الأميركية المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات لموقع فوربس: "يتيح لنا الذكاء الاصطناعي الانتقال من الخدمة التفاعلية إلى تقديم حلول أكثر استباقية، مما يساعد العملاء على حل المشكلات البسيطة تلقائيا، ويمكّن الوكلاء البشريين من التركيز على التفاعلات ذات القيمة العالية حيث يكون التعاطف وحل المشكلات أمرين أساسيين".

إليكم أفضل 10 طرق من منصة سرفي سبارو يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها إعادة تشكيل خدمة العملاء:

التوصيات الشخصية: يستخدم الذكاء الاصطناعي خوارزميات التعلّم الآلي، لتحليل سلوكيات العملاء واهتماماتهم، وتفضيلاتهم السابقة، حيث يمكنه تحديد الأنماط، مثل تفضيل المنتج، أو سلوك الشراء، واستخدام هذه المعلومات للتوصية بالمنتجات أو الخدمات.
على سبيل المثال، إذا اشترى العميل بشكل متكرر أنواعا معيّنة من الكتب، يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي أن يوصي بكتبٍ مماثلة قد يرغب فيها. هذا لا يحسّن تجربة التسوّق للعميل فحسب، بل يزيد أيضا من عمليّات تحويل المبيعات. روبوتات الدّردشة والمساعدة الافتراضية: أصبحت أتمتة خدمة العملاء بالذكاء الاصطناعي شائعة بشكل متزايد. مثلا تستضيف منصة "سرفي سبارو" روبوتات دردشة مذهلة للذكاء الاصطناعي، واستطلاعات مدعومة به، مما يساعد الشركات على جمع تجربة العملاء وتعليقاتهم بسلاسة، إذ تستطيع هذه الدردشات المدعومة بالذكاء الاصطناعي الإجابة عن استفسارات العملاء، وحلّ المشكلات البسيطة، وتقديم المعلومات على الفور في أي وقت من اليوم، ويمكن برمجتها للإجابة على الأسئلة المتكررة، ومعالجة الطلبات، وحتى تقديم توصيات مخصصة للمنتجات.
من جهة أخرى، يمكن لروبوتات الدردشة التعامل مع كميّات كبيرة من الاستفسارات دون تدخل بشريّ، مما يضمن التعامل مع استفسارات العملاء بسرعة وكفاءة. خدمة العملاء التقليدية تتضمن عادة تواصل العملاء مع الدعم بعد مواجهة مشكلة (شترستوك) هذا هو السبب في أنه يعتبر أحد أهم الأمثلة على تجربة عملاء الذكاء الاصطناعي. مساعدات الصوت ومعالجة اللغة الطبيعية: تزداد شعبيّة المساعدات الصوتيّة مثل "سيري" (Siri)، و"ألكسا" (Alexa)، ومساعدة "غوغل" (Google Assistant) المدعومة بأصوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
إذ تستفيد من قدرات معالجة اللغة الطبيعية "إن إل بي" للذكاء الاصطناعي لفهم الأوامر المنطوقة والاستجابة لها، إذ يمكن لمساعدي الصوت الإجابة عن الأسئلة، وإجراء الطلبات، والتحكم في الأجهزة الأخرى، وتقديم المساعدة الشخصيّة بناءً على تاريخ المستخدم وتفضيلاته. خدمة العملاء التنبؤية: بفضل قدرته على تحليل كميات كبيرة من البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بسلوك العملاء في المستقبل.
على سبيل المثال، قد يتنبأ بأن العميل من المحتمل أن يواجه مشكلة بناء على أنماط استخدامه. ويمكن للشركة بعد ذلك التواصل بشكل استباقي مع العميل باستخدام حلّ، أو تقديم دعم إضافي، وهو ما يعزز تجربة العميل مع العلامة التجاريّة. تحليلات النص المتقدمة: يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي فرز كميات هائلة من بيانات العملاء، واكتشاف الأنماط والرؤى التي قد يفوتها البشر.
ولكن على الرغم من أن هذه الخوارزميات تسهل توقع الاحتياجات المستقبلية، وتعزيز تجارب العملاء، فإن هناك قلقا بشأن المخاطر المحتملة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي المولد.
إذ تشمل هذه المخاطر قضايا مثل التحيّزات غير المقصودة في البيانات، وانتهاكات الخصوصيّة، وإمكانية الحصول على مخرجات مضللة أو تلاعبيّة قد تؤثر على عمليّات اتخاذ القرار.
من أجل هذا، فإن المراقبة الدقيقة والاعتبارات الأخلاقية ضرورية لاستغلال فوائد تحليلات الذكاء الاصطناعي مع التخفيف من هذه المخاطر. تحليل المشاعر: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل النصوص من مراجعات العملاء، والبريد الإلكتروني، ومنشورات الوسائط الاجتماعية، ومصادر أخرى لتحديد المشاعر وراء الكلمات.
وهو ما يساعد الشركات في فهم كيفيّة شعور العملاء تجاه منتجاتها، أو خدماتها، وتحديد مجالات التحسين. التخصيص في الوقت الفعلي: يمكن للذكاء الاصطناعي تعديل تجربة المستخدم في الوقت الفعلي، وفقا لإجراءات العميل.
على سبيل المثال، إذا كان العميل يتصفّح أنواعا معيّنة من المنتجات على موقع ويب، يمكن للذكاء الاصطناعي تعديل محتوى الموقع لتسليط الضوء على منتجات مماثلة، مما يخلق تجربة تسوّق مخصصة للغاية. تجربة سلسة عبر القنوات المتعددة: يمكن للذكاء الاصطناعي دمج البيانات من مصادر متنوعة، بما في ذلك القنوات الإلكترونية، والمتاجر، والهواتف المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الميزة تضمن تجربة سلسة للعملاء، الذين يمكنهم الانتقال بين القنوات ومتابعة رحلتهم دون انقطاع. تجزئة العملاء: يحلل الذكاء الاصطناعي بيانات العملاء لإنشاء شرائح مفصلة بناء على التركيبة السكانية، والسلوكيات، والتفضيلات، الأمر الذي يساعد الشركات على تقديم تجارب مخصصة وتحسين النتائج، ويمكنها من تقديم حملات تسويقية موجهة للغاية وتحسين أهمية رسائلها. إدارة علاقات العملاء "سي آر إم" (CRM) التي تعمل بالذكاء الاصطناعي: يمكن للذكاء الاصطناعي في تجربة خدمة العملاء أن يعزز بشكل كبير أنظمة إدارة علاقات العملاء من خلال أتمتة مهام مثل إدخال البيانات، وتصنيف العملاء المحتملين، وتذكيرات المتابعة. أيضا يمكنه أن يوفر رؤى ذكيّة، مثل التنبؤ بأكثر العملاء المحتملين الذين من المرجح أن يتحولوا إلى عملاء فعليين، ممّا يُمكِّن فِرقَ المبيعات من تركيز جهودها بشكل أكثر فعالية.  أمثلة على تجربة العملاء في الذكاء الاصطناعي

بعد أن فهمنا تجربة العملاء بالذكاء الاصطناعي، نلقي نظرة على كيفية استفادة بعض العلامات التجارية الشهيرة من الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة العملاء:

نظام توصيات المنتج من "أمازون": أحدثت شركة "أمازون" ثورة في التسوق في التجارة الإلكترونية من خلال نظام توصيات المنتج المدفوع بالذكاء الاصطناعي.
إذ يقدم توصيات خاصة بالمنتج من خلال تحليل سلوك العملاء الفردي، وسجل الشراء، والعناصر الموجودة في عربة التسوق، وما يشتريه العملاء الآخرون. هذا التخصيص يحسن تجربة التسوق للعميل، ويزيد من مبيعات أمازون. التحليلات التنبؤية من "ستاربكس": تستخدم شركة "ستاربكس" الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة عملائها عن طريق أداة تسمّى "ديب برو" (Deep Brew)، حيث يستخدم التعلم الآلي والتحليلات التنبؤية لتخصيص الرسائل التسويقية، وزيادة الولاء، وإدارة المخزون على مستوى المتجر.
على سبيل المثال، يمكن لنظام "ديب برو" اقتراح عناصر القائمة بناء على طلبات العميل السابقة، والموقع، والطقس، والوقت من اليوم، من بين عوامل أخرى. تطبيق "سيفورا" (Sephora) للفنان الافتراضي: تستخدم "سيفورا" وهي شركة تجزئة رائدة في مجال مستحضرات التجميل، الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة عملائها من خلال تطبيق "فيرتشوال آرتيست آب" (Virtual Artist App).
ويستخدم هذا التطبيق الواقع المعزز "إيه آر" (AR) للسماح للعملاء بتجربة منتجات تجميل مختلفة، حيث يقوم بمسح وجه العميل، ويتيح له كيف تبدو المنتجات المختلفة على بشرته.
ويساعد هذا التطبيق العملاء على اتخاذ قرارات شراء أكثر استنارة، ويضيف عنصرا ممتعا وتفاعليّا للتسوق عبر الإنترنت.

تظهر هذه الأمثلة أنه سواء كانت التجارة الإلكترونية، أو الأطعمة والمشروبات، أو صناعة مستحضرات التجميل، يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز تجربة العملاء بشكل كبير عبر مختلف القطاعات.

من المقرر أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورا أكبر في تجربة العملاء مع اقترابنا من المستقبل (شترستوك) مستقبل الذكاء الاصطناعي.. ماذا ينتظر خدمة العملاء؟

حسب ما أشارت له منصة سرفي سبارو، من المقرر أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورا أكبر في تجربة العملاء مع اقترابنا من المستقبل. ومع تطور التكنولوجيا يمكننا أن نتوقع تشكل عديد من الاتجاهات الرئيسية.

في ما يلي، نعرض لكم بعض الآفاق المثيرة للذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في خدمة العملاء:

الذكاء الاصطناعي العاطفي: يستعد الذكاء الاصطناعي لتجاوز مجرد التعرف على النص والصوت، إذ يبدو أن المستقبل يحمل وعدا للذكاء الاصطناعي العاطفي، الذي يمكنه أن يفهم ويستجيب للمشاعر الإنسانية التي يتم التعبير عنها عبر إشارات الوجه، أو نبرات الصوت.
تخيل خدمة عملاء تفهم ما تقوله وكيف تشعر! سيمهد هذا الطريق لتجارب العملاء المتعاطفة حقا. تجارب الذكاء الاصطناعي الغامرة: مع التقدم في تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي، يمكن للذكاء الاصطناعي توفير تجارب عملاء غامرة.
تخيل تجربة الملابس على الصورة الرمزية الرقمية الخاصة بك في بيئة واقع افتراضي قبل الشراء، أو استخدام الواقع المعزز لمعرفة كيف ستبدو قطعة أثاث في غرفتك.
إن دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الواقع المعزز والافتراضي سيعيد طريقة تعريف تفاعل العملاء مع الأعمال التجارية. الشبكات العصبيّة والتعلم العميق: ستمكن الأنظمة المتقدمة للذكاء الاصطناعي من تقديم تجارب عملاء فائقة الذكاء، حيث ستتمكن من فهم البيانات غير المهيكلة مثل نشاط العميل على مواقع التواصل الاجتماعي، لتقديم تجارب على مستوى آخر من التخصيص. أخلاقيات وشفافية الذكاء الاصطناعي: عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تعقيدا ، سيكون التركيز المتزايد على جعله أخلاقيا وشفافا.
إذ يجب أن يفهم العملاء بشكل أفضل كيفية معالجة الذكاء الاصطناعي لبياناتهم لاتخاذ القرار، وهو ما يؤدي إلى زيادة الثقة في تجارب العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي. الذكاء الاصطناعي المستقل: سيتولى الذكاء الاصطناعي دورا أكثر استقلالية في إدارة تجربة العملاء، حيث سيقوم بدعم الوكلاء البشريين، والعمل كوكيل مستقل، مما يتيح له اتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات التي تحسن رحلة العميل.

بشكل عام، مستقبل الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء لا يقتصر على جعل العمليّات أسرع وأكثر كفاءة، بل يتعلق بخلق تفاعلات فريدة، وغامرة، وذكية عاطفيا، تحترم فردية العميل واستقلاليته.

بمعنى أدق، يتعلق المستقبل بجعل الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من النظام البيئي للأعمال، حيث يفهم ويستبق احتياجات العملاء وقيمهم، ويحترمهم ويتعاطف معهم.

أمام هذه التطورات المثيرة، هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتفوق بالفعل على التفاعل البشري في تقديم تجربة عملاء مثالية؟ أم أن لمسة الإنسان، خاصة العاطفية، ستظل العنصر الذي لا غنى عنه؟

مقالات مشابهة

  • أحلم بالتعايش بين البشر والذكاء الاصطناعي ..وسيتمكن الناس من تحميل لقطات من ذاكرتهم للحاسوب
  • أول معلمة بتقنية الذكاء الاصطناعي تبدأ مهامها في تركيا
  • تصنيف حيوية الذكاء الاصطناعي.. دولة عزبية ضمن الأوائل عالميا
  • الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء.. هل يتخطّى التفاعل البشري؟
  • أدوات جوجل الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لجعل حياتك أسهل
  • استخدام الذكاء الاصطناعي في ميكنة قصر العيني
  • جامعة دبي تستضيف مؤتمر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء
  • بيل غيتس يلقي محاضرة عن الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يساعد في الحفاظ على الحشرات
  • الذكاء الاصطناعي يهدد شركات الأزياء