في الوقت الذي انشغل فيه العالم بخبر مقتل زعيم مليشيا فاغنر "يفغيني بريغوجين" إثر تحطم طائرته، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتواجد في منطقة كورسك، حيث ألقى خطاباً هناك بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثمانين للانتصار في المعركة الأشهر بين الجيش الأحمر التابع للاتحاد السوفييتي سابقاً وبين جيش ألمانيا النازي بقيادة هتلر.
تعتبر معركة كورسك التي جرت في تموز/ يوليو 1943 المعركة الأهم في تاريخ الحرب العالمية الثانية، إذ ساهمت هذه المعركة في تغير دراماتيكي في مجريات الحرب لصالح السوفييت، حيث تعتبر هذه المعركة المحاولة الاستراتيجية الأخيرة للجيش النازي من حيث تحقيق تقدم على جبهة روسيا خصوصا بعد خسارة المعركة المهلكة في ستالينغراد في شباط/ فبراير 1943.
وخلال الحفل التذكاري لمعركة كورسك، كان من بين الجوائز التي قدمها الرئيس الروسي، جائزة الدولة لطاقم دبابة زُعم أنها دمرت قافلة مدرعة أوكرانية على محور زابوريجيا.
وبعيداً عن كورسك وبالعودة إلى عملية اغتيال قائد فاغنر، فإن اللافت في هذه الحادثة هو أن بريغوجين لم يكن وحيداً على متن الطائرة المستهدفة بل كان إلى جانبه عدد من أبرز قادة مجموعة فاغنر، أبرزهم أوتكين كانا وهو النائب الأول لبريغوجين.
وبالتزامن مع اغتيال بريغوجين فإن الرئيس الروسي قام بتعيين قائد جديد للقوات الجوية، حيث تم تعيين "فيكتور أفزالوف" قائداً مؤقتا للقوات الجوية الروسية خلفاً لقائدها السابق "سيرغي سوروفيكين". سوروفيكين كان قد اختفى عن الأنظار لمدة شهرين كاملين بعد تمرّد فاغنر، حيث يُعتقد بأن قائد القوات الجوية السابق والذي كان يطلق عليه لقب "جنرال يوم القيامة" كان متعاطفاً وربما مشاركاً في التمرد الذي قادته مجموعة فاغنر ضد القيادة المركزية في روسيا.
القاعدة المستخلصة من السياسة العامة والفلسفة السياسية هي أن الأطراف المتحاربة تبدأ في التفاوض عندما تصل إلى نتيجة مفادها بأنه لا حل عسكري ممكن في النزاع، ويبدو بأن التدخل التدريجي للولايات المتحدة في هذه الحرب أتى لمنع إيجاد مثل هذه القناعة لدى الطرف الأوكراني والطرف الروسي على حد سواء، ففي كل مرة تقدم الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية بشكل جزئي
كل الأحداث السابقة تشير إلى استعدادات روسيا لحرب طويلة الأمد على الجبهة الأوكرانية، ويبدو بأنهم بدأوا يتحضرون لمعركة أوسع قد يتدخل فيها الناتو إلى جانب أوكرانيا، ويأتي ذلك بالطبع بعد موافقة الدول الأوروبية على تسليم طائرات إف 16 إلى أوكرانيا بضوء أخضر أمريكي.
في الحقيقة يشن المعسكر الغربي حرباً متعددة الجبهات ضد روسيا، وهي حرب نجحت في بعض المجالات وفشلت في مجالات أخرى. فمنذ أن شنت القوات الروسية هجوماً على أوكرانيا بدأت الدول الغربية والولايات المتحدة مساعي لتجفيف المنابع المالية لروسيا، ونقصد هنا بالطبع صادرات النفط والغاز. وبالطبع فقد نجح هذا المعسكر بتخفيف الاعتماد الأوروبي ولو بشكل جزئي على مصادر الطاقة الروسية إلا أنه فشل في تصفير هذه الموارد، حيث وجدت روسيا في الأسواق الآسيوية (خصوصا الأسواق الصينية والهندية) بديلا عن الأسواق الأوروبية. وفي محاولتها للالتفاف على العقوبات الأمريكية والتخلص من سقف الأسعار الذي فرضه الأوروبيون عليها، فقد باعت روسيا مصادر طاقتها بتخفيض في الأسعار وصل في بعض الأحيان إلى 40 في المئة.
وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال ووكالة بلومبرغ، فإنه بعد أكثر من عام ونصف على الأزمة الأوكرانية فقد كانت الإمارات والسعودية الأكثر انتفاعا من هذه الأزمة، حيث اعتمدت هاتان الدولتان على استيراد النفط الروسي بأقل من قيمته الحقيقية ومن ثم قامتا بإعادة بيعه مجدداً في الأسواق العالمية في تجاهل تام للعقوبات الغربية والأمريكية.
على الجبهة العسكرية، فإنّ القاعدة المستخلصة من السياسة العامة والفلسفة السياسية هي أن الأطراف المتحاربة تبدأ في التفاوض عندما تصل إلى نتيجة مفادها بأنه لا حل عسكري ممكن في النزاع، ويبدو بأن التدخل التدريجي للولايات المتحدة في هذه الحرب أتى لمنع إيجاد مثل هذه القناعة لدى الطرف الأوكراني والطرف الروسي على حد سواء، ففي كل مرة تقدم الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية بشكل جزئي. ويأتي إعلان هولندا تسليم طائرات إف 16 إلى أوكرانياً بضوء أخضر أمريكي شاهداً على هذه السياسة، فبعد الإحباط الذي ساد في صفوف القوات الأوكرانية من نتائج الهجوم المضاد جاء القرار الأمريكي بتسليم طائرات إف 16 إلى القوات الأوكرانية.
يبدو أن روسيا تتحضر لحرب طويلة الأمد مع المعسكر الغربي وقد تكون تستعد لمواجهة مباشرة معه، ولتحقيق هذه الجهوزية فهي لم تغتل قائد فاغنر مباشرة، بل عملت على شن حملة إعلامية واسعة استمرت لأسابيع لاتهام بريغوجين بالخيانة وتبرير عملية اغتياله القادمة. كما أن تصفية القادة الكبار في مجموعة فاغنر يشير إلى أن روسيا قد تعيد هيكلة المجموعة والاستفادة منها مرة أخرى في المعارك على الجبهة الأوكرانية
في الحقيقة لا روسيا قادرة على هزيمة أوكرانيا بشكل كامل ولا أوكرانيا قادرة على استعادة جميع أراضيها عبر الحلول العسكرية، وهنا تظهر الرغبة الغربية باستمرار الحرب إلى أجل غير مسمى متجاهلين جميع المخاطر التي قد تؤدي إلى انزلاق هذه الحرب إلى حرب عالمية ثالثة.
ختاماً، يبدو أن روسيا تتحضر لحرب طويلة الأمد مع المعسكر الغربي وقد تكون تستعد لمواجهة مباشرة معه، ولتحقيق هذه الجهوزية فهي لم تغتل قائد فاغنر مباشرة، بل عملت على شن حملة إعلامية واسعة استمرت لأسابيع لاتهام بريغوجين بالخيانة وتبرير عملية اغتياله القادمة. كما أن تصفية القادة الكبار في مجموعة فاغنر يشير إلى أن روسيا قد تعيد هيكلة المجموعة والاستفادة منها مرة أخرى في المعارك على الجبهة الأوكرانية.
ويبدو كذلك أن روسيا تنظر إلى تسليم طائرات إف 16 إلى القوات الجوية الأوكرانية باعتباره تدخلاً مباشراً في الحرب، مما قد يدفع الأزمة إلى الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة لن تتردد الأطراف المشاركة فيها باستخدام أي أسلحة لحسم هذا النزاع. ومرة أخرى، إذا توصلت الأطراف إلى قناعة بأنه لا حسم عسكريا في هذه المواجهة فيمكن عندها الحديث عن إمكانية عقد مفاوضات لإنهاء الحرب، ولكن ما يلوح بالأفق يشير إلى عكس ذلك تماماً.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فاغنر بريغوجين بوتين روسيا روسيا بوتين اوكرانيا فاغنر بريغوجين مقالات مقالات مقالات اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة طائرات إف 16 إلى مجموعة فاغنر على الجبهة أن روسیا فی هذه
إقرأ أيضاً:
دعوات إلى وقف الحرب في أوكرانيا والتفاوض مع روسيا
عبدالله أبوضيف، وكالات (واشنطن، كييف، القاهرة)
أخبار ذات صلةطالب العديد من قادة العالم، أمس، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالعمل على استعادة علاقته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد المشادة التي جرت بينهما في البيت الأبيض، أمس الأول، والتوجه إلى وقف الحرب في أوكرانيا، وذلك قبل قمة أوروبية طارئة في بريطانيا اليوم الأحد.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» مارك روته إنه أبلغ الرئيس الأوكراني أنه بحاجة إلى إيجاد طريقة لاستعادة علاقته مع الرئيس الأميركي بعد المشادة التي جرت بينهما بسبب رؤى مختلفة حول كيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا والمستمرة منذ 3 سنوات، حيث سعى زيلينسكي للحصول على ضمانات أمنية قوية من إدارة ترامب التي تفضل الدبلوماسية مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
وأدى الاجتماع، الذي وصفه روته بأنه «مؤسف»، إلى تدهور العلاقات بين كييف وأكبر داعم عسكري لها إلى مستوى منخفض جديد.
وقال روته إنه أجرى مكالمة هاتفية مع زيلينسكي، أمس الأول، قال فيها: «عزيزي فولوديمير، أعتقد أن عليك أن تجد طريقة لاستعادة علاقتك مع دونالد ترمب والإدارة الأميركية، فهذا مهم للمضي قدماً».
بدوره، قال الرئيس البولندي، أندريه دودا، إنه لا يرى أي قوة أخرى في العالم غير الولايات المتحدة يمكنها وقف الحرب في أوكرانيا، مطالباً الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن يعود إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة.
من جانبه، حث رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الاتحاد الأوروبي على بدء محادثات مباشرة مع روسيا لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، وعدم إصدار إعلان مشترك في قمة استثنائية للتكتل من المقرر عقدها هذا الأسبوع قائلاً إن «الخلافات داخل الاتحاد لا يمكن تجاوزها».
وفي رسالة إلى رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، أمس، قال أوربان إن «هناك اختلافات استراتيجية في نهج التكتل تجاه أوكرانيا لا يمكن تجاوزها».
في المقابل، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي مرفقاً بصور من اجتماع مع الجالية الأوكرانية في واشنطن: «من المهم للغاية بالنسبة لنا أن يُسمع صوت أوكرانيا وألا تُنسى، لا في أثناء الحرب ولا بعدها».
وأضاف: «من المهم لشعب أوكرانيا أن يعرف أنه ليس وحيداً، وأن مصالحه ممثلة في كل بلد، وفي كل ركن من أركان العالم».
وفي سياق متصل، قال مصدر دبلوماسي تركي أمس، إن وزير الخارجية هاكان فيدان سيعرض مجدداً استضافة أنقرة محادثات سلام بين أوكرانيا وروسيا خلال اجتماع لزعماء أوروبيين في لندن اليوم الأحد.
واستضافت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي محادثات أولية بين الجانبين بعد أشهر من بدء الأزمة عام 2022، مما ساعد في إبرام اتفاق للمرور الآمن لصادرات الحبوب في البحر الأسود.
إلى ذلك، اعتبر أليستر بيرت، وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تصريح لـ«الاتحاد» أن كييف تدرك تماماً أنها أقوى بدعم واشنطن.
بدوره، قال المحلل السياسي الروسي، أندريه كورتونوف، لـ«الاتحاد» إن زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن مثلت «انتكاسة» ولم تحقق أي نتائج ملموسة.
وأضاف أنه رغم الجهود التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لإقناع ترامب بتقديم دعم أكبر لكييف، فإن لقاء البيت الأبيض تحول بسرعة إلى تبادل انتقادات حادة.
وأضاف كورتونوف أن «هذا الإخفاق شكل فرصة لموسكو، التي بات بإمكانها تحميل كييف مسؤولية استمرار الصراع».