في يوم 14 أبريل من عام 1930، صمت صوتٌ كان من أعلى الأصوات وقعًا في سماء الشعر الروسي "فلاديمير ماياكوفسكي"، الشاعر الذي ارتبط اسمه بالثورة والحداثة، والذي حمل على كتفيه هموم جيله وتطلعات المستقبل، فهو لم يكن فقط شاعرًا، بل كان ظاهرة أدبية وفكرية، ومرآةً لتحولات روسيا ما بعد القيصرية.

نشأته وبداية رحلته الأدبية

وُلد ماياكوفسكي في 1893 في بلدة بغدادي الجورجية (التي تُعرف اليوم باسم ماياكوفسكي)، وسط أسرة متواضعة، بعد وفاة والده وهو في سن مبكرة، انتقلت العائلة إلى موسكو حيث التحق ماياكوفسكي بمدرسة الفنون الجميلة، وهناك، بدأ احتكاكه بالحركات الفنية الطليعية، لينضم لاحقًا إلى حركة "المستقبليين الروس"، التي دعت إلى القطع مع الماضي الكلاسيكي، وتبني لغة جديدة تعبر عن إيقاع العصر الصناعي والثورة التقنية والاجتماعية.

شاعر الثورة ومهندس اللغة

مع اندلاع الثورة البلشفية عام 1917، وجد ماياكوفسكي نفسه في قلب الحدث، آمن بأن الثورة فرصة لإعادة تشكيل الإنسان والمجتمع وحتى الفن، تحوّل شعره إلى منبر سياسي واجتماعي، مستخدمًا لغة مباشرة، إيقاعية، مشحونة بالحماس والرمزية، ومن أشهر قصائده في تلك الفترة: "غيمة في بنطال" (1915): قصيدة طويلة تعبّر عن تمزق داخلي بين الحب والثورة، وتُعد من أشهر أعماله قبل الثورة، و"الصرخة الحديدية" (1916): قصيدة غاضبة تعبّر عن كرهه للقيصرية والحرب العالمية الأولى، و"إلى لينين" (1924): كتبها بعد وفاة فلاديمير لينين، وعبّر فيها عن حزنه العميق وإعجابه الشديد بقائد الثورة، و"نحن" (1922) و"حسنًا!" (1927): من أبرز الأعمال التي مجّد فيها الثورة والطبقة العاملة.

ماياكوفسكي والفن البصري والمسرح

لم يقتصر إبداع ماياكوفسكي على الشعر فقط، بل شارك في تصميم الملصقات الدعائية السياسية والإعلانية مع وكالة "روستا"، حيث دمج النص الجريء بالصور القوية، فكان تأثيره مزدوجًا: بصريًا ولفظيًا.

كما كتب عدة مسرحيات مثل: "البرجاي الأخير" (1929): مسرحية تسخر من البيروقراطية السوفييتية المتنامية، و"السرير الطري" و"البق": تناول فيهما تناقضات المجتمع السوفييتي بأسلوب ساخر ومبتكر.

صراعات داخلية ونهاية مأساوية

رغم دعمه المبدئي للثورة، بدأ ماياكوفسكي يشعر بالاغتراب في السنوات الأخيرة من حياته، اصطدم بتشدد النظام السوفييتي، وتعرض للنقد والرقابة، كما عانى من خيبات شخصية وعاطفية، كل هذا أدى إلى حالة نفسية مضطربة انتهت بانتحاره عام 1930، كتب في رسالته الأخيرة: "إلى الجميع: لا تتهموا أحدًا بوفاتي، رجاءً، الشائعة كانت قاسية".

إرث ماياكوفسكي

بعد وفاته، ظل ماياكوفسكي موضوعًا مثيرًا للجدل، استُخدم في بداية الأمر كرمز للدعاية السوفييتية، لكنه لاحقًا اعتُبر صوتًا مستقلاً، ناقدًا لاذعًا للمؤسسة التي دعمها يومًا ما، أعاد الكثير من المفكرين والشعراء في ستينات القرن العشرين اكتشافه كرمز للحرية الفنية والتمرد على السلطة.

ترك خلفه أكثر من 200 قصيدة، وعددًا من المسرحيات والمقالات والمراسلات، ولا تزال أعماله تُدرّس في الجامعات وتُلهم الشعراء حول العالم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: شاعر الثورة الفن البصري المزيد

إقرأ أيضاً:

نزار قباني.. “شاعر الحب والثورة” الذي سكن القلوب وبقيت كلماته خالدة (تقرير)

 

تحل اليوم الأربعاء ذكرى رحيل الشاعر السوري نزار قباني (1923 – 1999)، أحد أعمدة الشعر العربي الحديث، الذي جمع بين الرقة والتمرد، ولقّب بـ”قديس الكلمات” و”شاعر المرأة” و”شاعر الياسمين”، لما تميزت به قصائده من رومانسية مشبعة بالصدق والجرأة، قبل أن تتحول إلى صوتٍ غاضب يفضح الانكسارات العربية بعد نكسة 1967.

نزار قبانيبداية حياته

وُلد نزار في 21 مارس 1923 بحي مئذنة الشحم الدمشقي، لعائلة فنية مثقفة، فجده أبو خليل القباني يُعد من مؤسسي المسرح العربي في سوريا. درس الحقوق في جامعة دمشق وتخرّج منها عام 1945، ليلتحق بعدها بالسلك الدبلوماسي السوري، متنقلًا بين سفارات بلاده في مصر وتركيا والصين وإسبانيا حتى عام 1966، حين قرر التفرغ للشعر.

 

رحلته الأدبية

بدأت رحلته الأدبية بديوان “قالت لي السمراء” عام 1944، ومنذ ذلك الحين توالت دواوينه التي تجاوزت 35 ديوانًا، نذكر منها:
• طفولة نهد
• الرسم بالكلمات
• يوميات امرأة لا مبالية
• أحبك أحبك وهذا توقيعي
• قصائد متوحشة
• هوامش على دفتر النكسة
• السيرة الذاتية لسياف عربي
• كتاب الحب

تميزت أعماله بمزجٍ شعري فريد بين العامود الكلاسيكي والحداثة الشعرية، حتى صار صوته رمزًا لحب المرأة، وثورة الإنسان، وخيبة الوطن.

وعلى مستوى الأغنية، حوّل كبار الملحنين والمطربين قصائده إلى أيقونات خالدة. فقد غنت له أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وفيروز، ونجاة الصغيرة، وبلغت ذروة النجاح في التعاون الاستثنائي مع كاظم الساهر، الذي لحّن وغنّى له 23 قصيدة، جعلت الملايين تعيد اكتشاف نزار من جديد، أبرزها:
• إني خيرتك فاختاري
• زيديني عشقًا
• مدرسة الحب
• قولي أحبك
• كل عام وأنتِ حبيبتي

عانى نزار في حياته من مآسٍ شخصية، منها انتحار شقيقته “وصال” بسبب رفضها لزواج تقليدي، ومقتل زوجته بلقيس الراوي في تفجير إرهابي ببيروت عام 1981، ما ترك جرحًا غائرًا عبّر عنه في قصيدته الشهيرة بلقيس التي هزّت العالم العربي.

 

إرثه الفني

توفي نزار قباني في 30 أبريل 1999 في لندن إثر أزمة قلبية، وأوصى بأن يُدفن في دمشق، حيث وُوري الثرى في مقبرة الباب الصغير، وقد شُيّع في جنازة شعبية مهيبة، ودّعته فيها القلوب قبل العيون.

 

نزار لم يكن مجرد شاعر، بل ظاهرة فنية وثقافية متجددة، لا يزال تأثيره ممتدًا في الكتب والمسرح والغناء والتعليم، حتى بات رمزًا شعريًا تتوارثه الأجيال.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى رحيله.. محمد رشدي الصوت الذي حاربه العندليب
  • محمد المكي إبراهيم الشاعر الذي يشبه النيل
  • نزار قباني.. “شاعر الحب والثورة” الذي سكن القلوب وبقيت كلماته خالدة (تقرير)
  • جلسة تناقش «مائة قصيدة وقصيدة مُغنّاة» في «أبوظبي للكتاب»
  • سيف بن زايد يلتقي فلاديمير بوتين في ختام زيارة سموه لروسيا
  • عبد الحميد بسيوني يعلن رحيله عن تدريب طلائع الجيش
  • الشرارة… فيلم  وثائقي يوثق انطلاقة الثورة من درعا ويحيى ذكرى شهدائها
  • فتيان بن علي الشاغوري الأسدي.. شاعر برع في وصف دمشق
  • بعد قرب رحيله لقيادة البرازيل.. أنشيلوتي أنجح من درب ريال مدريد
  • كولر يودع العاملين في الفندق قبل رحيله الي سويسرا| صور