العودة إلى منبر جدة- تحديات تحقيق السلام في السودان وسط تصاعد الحرب الدامية
تاريخ النشر: 14th, April 2025 GMT
تشهد السودان واحدة من أشد الأزمات تعقيداً في تاريخها الحديث، مع تصاعد المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتركّز المعارك حالياً حول مدينة الفاشر، معقل الجيش في دارفور. تُطرح تساؤلات حول إمكانية استئناف مسار مفاوضات جدة برعاية سعودية أمريكية، لكن المشهد يبدو مُثقلاً بتحديات عسكرية وسياسية وإنسانية تهدد بإطالة أمد الحرب، أو حتى تقسيم البلاد، خاصة مع تصاعد الحديث عن خطة "الدعم السريع" البديلة المتمثلة في إعلان حكومة موازية من دارفور.
تعقيدات المشهد العسكري
تكثف قوات الدعم السريع هجماتها على الفاشر، سعياً لتحقيق مكاسب ميدانية تمنحها أوراق ضغط عند العودة إلى طاولة المفاوضات، بينما يواجه الجيش السوداني معضلة: إما المضيّ في الحرب لاستعادة السيطرة الكاملة، مع خطر فقدان مكاسب ميدانية في مناطق أخرى، أو القبول بالتفاوض من موقع القوة. لكن المشكلة الأكبر تكمن في التحالفات الداخلية المحيطة بقائد الجيش، والتي تضم فلول نظام البشير وحركات دارفور المسلحة ذات الثارات القديمة مع "الدعم السريع"، ما يجعلها ترفض أي مسار تفاوضي قبل سحق الخصم عسكرياً.
المعضلة السياسية: أجندات قبلية وإقصاء الإخوان
تتفاعل أزمة السودان مع صراعات هويات إثنية وقبلية، حيث تسعى بعض حركات دارفور إلى إضعاف المكون العربي داخل الجيش، الذي تُشكّل قبيلة الرزيقات العربية عموده الفقري، بينما تحاول قوات الدعم السريع تعبئة القبائل العربية في دارفور. وفي الخرطوم، تتعقد الأمور مع سيطرة عناصر منتمية لتنظيم الإخوان المسلمين على القيادة السياسية للحكومة، ما يُضعف الجهود الرامية لبناء توافق وطني شامل.
المخاطر الإنسانية: كارثة تهدد ملايين السودانيين
باتت الأزمة الإنسانية في السودان خارج السيطرة، مع نزوح أكثر من 12 مليون شخص، ومعاناة 25 مليوناً من الجوع الحاد، وتدمير البنى التحتية. الهجوم الأخير على مخيم زمزم للنازحين قرب الفاشر -الذي خلّف عشرات الضحايا- يوضح كيف تُستخدم المدنيين كأداة حرب، بينما تُوثّق الأمم المتحدة انتهاكات قد تصل إلى جرائم حرب، ما يزيد من عزلة الأطراف المتحاربة دولياً.
فرص العودة إلى جدة: هل تكفي الضغوط الدولية؟
رغم تعقيدات المشهد، تلوح في الأفق بعض المؤشرات الإيجابية، مثل زيارة البرهان الأخيرة إلى السعودية، والضغوط الدولية المتصاعدة لوقف الحرب، خاصة مع تداعياتها على الأمن الإقليمي (تشاد، جنوب السودان، البحر الأحمر). لكن نجاح مفاوضات جدة مرهون بتحقيق شروط أساسية:
كسر الإصرار العسكري: عبر إقناع حلفاء الجيش بأن الاستمرار في الحرب سيؤدي إلى انفصال دارفور، وإقناع "الدعم السريع" بأن التمسك بالخطة البديلة (حكومة موازية) سيعرضها لعقوبات دولية.
ضمانات بعدم الإقصاء: يحتاج الطرفان إلى ضمانات بأن المفاوضات لن تؤدي إلى إقصاء كامل لأي منهما من المشهد السياسي أو الأمني.
دور فاعل للمجتمع الدولي: عبر ربط المساعدات الإنسانية بالتقدم في المسار السياسي، وفرض عقوبات على المتمنّعين عن السلام.
التحديات الأكبر: الحرب قد تولد دولة جديدة
أصبح انفصال دارفور احتمالاً واقعياً، خاصة إذا استمرت قوات الدعم السريع في تعزيز سيطرتها على الإقليم، بينما تُظهر حركات مسلحة دارفورية تحالفها مع الجيش رغبة في إضعاف النفوذ العربي. هذا السيناريو لن يؤدي فقط إلى تقسيم السودان، بل قد يفتح باب صراعات إقليمية جديدة، خاصة مع وجود مصالح لدول مثل الإمارات وروسيا وإيران المتورطة بشكل غير مباشر عبر دعمها لأطراف الصراع.
هل يُنقذ السودان من مصير الصوملة؟
المخرج الوحيد يكمن في عقد صفقة سياسية عاجلة ترعاها السعودية والولايات المتحدة، بضغط إقليمي ودولي، تُلزم الأطراف بوقف إطلاق النار، وإعادة انتشار القوات، وإشراك مكونات مدنية في الحكم. لكن ذلك يتطلب جرأة من البرهان وقائد الدعم السريع حميدتي في تجاوز الضغوط الداخلية المتمثلة في التحالفات القبلية والإرث الأيديولوجي للإخوان. السودان أمام مفترق طرق: إما العودة إلى جدة لإنقاذ ما تبقى من الدولة، أو الانزلاق نحو حرب أهلية لا يُعرف مداها.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع العودة إلى
إقرأ أيضاً:
اشتباكات عنيفة في شمال كردفان.. ومقتل قائد الدعم السريع في منطقة الحمرة
السودان – اندلعت مواجهات عنيفة في ولاية شمال كردفان بعد دخول قوات الجيش السوداني منطقتي الحمرة وود جبر لقطع الطريق عبر المحور الغربي.
وأسفرت الاشتباكات مساء أمس الثلاثاء، عن مقتل قائد قوات الدعم السريع في منطقة الحمرة، مما زاد من حدة التوتر في المنطقة.
وفي ولاية النيل الأبيض، شهدت مدينة كوستي استهدافا بواسطة مسيرة تابعة لقوات الدعم السريع، حيث تعرضت قيادة الفرقة 18 لقصف، فيما سمع دوي إطلاق نار من المضادات الأرضية، دون الإعلان عن خسائر بشرية حتى الآن.
من جهة أخرى، لقي 5 مدنيين مصرعهم وأصيب 10 آخرون جراء القصف المدفعي العشوائي الذي استهدف أحياء مدينة الفاشر أمس الثلاثاء، حيث تم نقل المصابين إلى المستشفيات لتلقي العلاج، فيما لا تزال الأجواء متوترة مع استمرار الاشتباكات في عدة مناطق.
وفي سياق منفصل، كشفت بعثة بلغاريا لدى الأمم المتحدة عن معلومات مثيرة تتعلق بشحنة قذائف هاون، حيث أكدت أنها أبلغت محققي الأمم المتحدة بأن الإمارات استلمت شحنة في 2019 تحمل نفس الأرقام التسلسلية للقذائف التي عُثر عليها في صحراء دارفور.
ونفت البعثة بشكل قاطع صدور أي تصاريح دفاعية للسودان من السلطات البلغارية.
كما أصدرت وزارة الخارجية البلغارية بيانا نفت فيه تلقي أي طلبات لتصدير ذخائر إلى طرف ثالث، مشيرة إلى أن لجنة خبراء أممية تحقق في صلة الإمارات بالقذائف البلغارية الموجودة في دارفور.
وأضافت أنها اطلعت على رسالة من البعثة البلغارية في الأمم المتحدة بتاريخ 19 ديسمبر 2024، تؤكد فيها شحن قذائف هاون ذات الأرقام المتسلسلة المطابقة للجيش الإماراتي عام 2019.
المصدر: RT